هل تستخدم روسيا سلاحاً نووياً تكتيكياً في أوروبا؟

الرئيس الروس فلاديمير بوتين خلال زيارة مركز طبي عسكري (قناة الكرملين على تلغرام)
الرئيس الروس فلاديمير بوتين خلال زيارة مركز طبي عسكري (قناة الكرملين على تلغرام)
TT

هل تستخدم روسيا سلاحاً نووياً تكتيكياً في أوروبا؟

الرئيس الروس فلاديمير بوتين خلال زيارة مركز طبي عسكري (قناة الكرملين على تلغرام)
الرئيس الروس فلاديمير بوتين خلال زيارة مركز طبي عسكري (قناة الكرملين على تلغرام)

أعلنت روسيا، الأسبوع الماضي، أنها بدأت تدريبات لزيادة جاهزية أسلحتها النووية التكتيكية في المنطقة العسكرية الجنوبية، أي الأجزاء المتاخمة لأوكرانيا ما جعل هذه التدريبات تبدو وكأنها تهديد جديد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويظل السؤال الذي يثير الانقسامات بين المحللين والخبراء، هل تستخدم روسيا السلاح النووي؟

متى تستخدم روسيا السلاح النووي؟

تضع العقيدة العسكرية الروسية 4 سيناريوهات، عندها ستلجأ روسيا إلى استخدام سلاح نووي، وهي:

1- تلقيها معلومات مؤكدة عن ضربة صاروخية وشيكة ضد أراضيها أو ضد حلفائها.

2- استخدام دولة ما السلاح النووي أو سلاح دمار شامل آخر ضد الأراضي الروسية.

3- أي هجوم ضد القوات النووية الروسية قد يعطلها أو يعيق عملها.

4- هجوم بأسلحة تقليدية يهدد بقاء الدولة الروسية.

تشمل التدريبات التي تم الإعلان عنها، استخدام صواريخ «إسكندر» و«كينجال» وهي أسلحة تكتيكية يمكن تزويدها برؤوس حربية نووية.

وتعد هذه الصواريخ أقل قوة من الصواريخ النووية الاستراتيجية العابرة للقارات التي تم تطويرها بشكل أساسي بوصفها وسيلة للردع، إلا أن التدريبات تأتي في الوقت الذي يقدم فيه القادة الغربيون مزيداً من الأسلحة لأوكرانيا لدعم جهودها في صد الغزو الروسي الواسع النطاق، الذي بدأ في فبراير (شباط) 2022، خاصة طائرات إف - 16 التي يتدرب الطيارون الأوكرانيون عليها في دول أوروبية.

وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن التدريبات تشمل نقل الصواريخ إلى موقع إطلاق محدد. وأضافت أنها تسعى إلى «الحفاظ على جاهزية أفراد ومعدات وحدات الأسلحة النووية غير الاستراتيجية للرد على التصريحات الاستفزازية والتهديدات من جانب مسؤولين غربيين ضد الاتحاد الروسي، وتضمن بشكل غير مشروط سلامة أراضي وسيادة الدولة الروسية».

أسلحة نووية... تكتيكية واستراتيجية

تصب التدريبات التي أعلنت عنها روسيا تركيزها على الأسلحة النووية التكتيكية، وهي أسلحة نووية صغيرة مصممة ليكون تأثيرها في نطاق جغرافي محدود وتكون في الغالب على شكل رؤوس نووية يتم تركيبها على صواريخ أرض - أرض مثل «إسكندر» أو صواريخ فرط صوتية يمكن إطلاقها من الطائرات كصواريخ «كينجال».

أما الأسلحة النووية الاستراتيجية فهي أكبر حجماً وأكثر تأثيراً ومعدة لتدمير مدن بأكملها، ويمكن إطلاقها بعدة طرق أبرزها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

ويقول اتحاد العلماء الأميركيين، وفقاً لوكالة «رويترز»، إن روسيا تمتلك أكثر من 1500 رأس نووي تكتيكي، لكن يظل العدد الدقيق غير معروف. وتتولى المديرية الرئيسية الثانية عشرة بوزارة الدفاع الروسية المسؤولية عن هذه الأسلحة، وتتبع مباشرة لوزير الدفاع الروسي.

أوكرانيا

تأتي هذه التدريبات وسط تقدم حققته موسكو في منطقة خاركيف المتاخمة لروسيا قبل أسبوعين تقريباً. وكذلك في مناطق أخرى من الجبهة مستغلة نقصاً للذخائر عانت منه القوات الأوكرانية مؤخراً، خاصة ذخائر المدفعية التي يستخدمها الطرفان بكثافة على الجبهة.

ويرى بافيل بودفيج، من معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح، أنه «من وجهة نظر عسكرية، فإن استخدام السلاح النووي في أوكرانيا تحت أي ظرف ليس منطقياً».

أما نيكولاي سوخوف، من معهد فيينا لنزع السلاح ومنع الانتشار، فيقول، وفقاً لموقع «دويتش فيله»، إنه لم تكن هناك أي خطط روسية لاستخدام السلاح النووي في أوكرانيا حتى عندما كانت قواتها تتراجع في خاركيف وخيرسون في عام 2022. ويضيف: «والآن قوات روسيا تتفوق على نظيرتها الأوكرانية من عدة زوايا، وتستولي على العديد من البلدات الأوكرانية في الشرق».

إلا أن سيناريو استخدام سلاح نووي تكتيكي ضد أوكرانيا قد يمثل حلاً، من وجهة النظر الروسية، لاستمرار الحرب، فوقتها ستكون أوكرانيا مرغمة على القبول بشروط روسيا وإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.

بريطانيا وفرنسا

وتأتي التدريبات الروسية عقب تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه لا يستبعد إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، وتصريحات ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني بأن القوات الأوكرانية يمكنها استخدام الأسلحة البريطانية طويلة المدى لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، وهي التصريحات التي وصفها الكرملين بـ«الخطيرة».

وحدد الرئيس الفرنسي، في مقابلة مع مجلة «إيكونوميست» البريطانية، الشهر الماضي، شرطين لإرسال قوات إلى أوكرانيا: أولهما، حال ورود طلب أوكراني بهذا الصدد، وثانياً في حال اخترق الروس خطوط الجبهة، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يوجد طلب بهذا الصدد من أوكرانيا حتى الآن. ووفقاً له، فإن «العديد من دول الاتحاد الأوروبي» وافقت على نهج فرنسا بشأن الإرسال المحتمل للقوات.

كما حذّرت المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، واشنطن ولندن وبروكسل من أي أعمال عدوانية ضد القرم. وأضافت زاخاروفا في مؤتمر صحافي: «أود مرة أخرى أن أحذّر واشنطن ولندن وبروكسل من أن أي أعمال عدوانية ضد القرم لن يكون مصيرها الفشل فحسب، بل ستتلقى أيضاً ضربة انتقامية ساحقة».

وصرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، بأنه سيكون من الجيد أن ترسل فرنسا جنوداً إلى أوكرانيا. وقال ميدفيديف، عبر قناته على تطبيق «تلغرام»: «سيكون من الجيد للفرنسيين أن يرسلوا فوجين إلى أوكرانيا، حينها لن تكون مسألة تدميرهم المنهجي هي الأصعب، بل مهمة غاية في الأهمية»، حسبما ذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء.

وكتب ميدفيديف، في فبراير (شباط)، «السؤال الرئيسي: هل يعتقد هؤلاء الحمقى (في الغرب) حقاً أن الشعب الروسي سيقبل هذا التفكك لبلاده؟»، أي إعادة روسيا إلى حدودها عام 1991 وإجبارها على ترك الأراضي التي ضمتها من أوكرانيا للاتحاد الروسي.

وأكد أنه، على العكس، ستنشر القوات المسلّحة الروسية كل ترسانتها، وتهاجم واشنطن وبرلين ولندن، بالإضافة إلى كييف.

وأضاف ميدفيديف أن هذه وغيرها من «الأماكن التاريخية الجميلة جرى إدخالها منذ فترة طويلة بوصفها أهدافاً للثالوث النووي (الروسي)»؛ في إشارة إلى تكوين الصواريخ الأرضية العابرة للقارات، والصواريخ التي تُطلَق من الغواصات والقاذفات الاستراتيجية المحمّلة بالقنابل النووية.

وليس معروفاً كيف سيرد حلف «الناتو» وباريس ولندن على هجوم كهذا، خاصة أن بريطانيا وفرنسا دولتان نوويتان وتمتلك كل منهما ترسانتها النووية الخاصة.

أميركا لن تعرف

قال مسؤول أميركي كبير، لـ «سي إن إن»، في مارس (آذار)، إن الولايات المتحدة تضع في أولوياتها مراقبة وتتبع أي تغير في القوات النووية الروسية.

وأضاف المسؤول الأميركي أن بلاده ليست متأكدة أنها ستعرف إذا قررت روسيا تحريك سلاح نووي تكتيكي، موضحاً: «إذا كانوا سيستخدمون سلاحاً نووياً تكتيكياً واحداً أو عدة أسلحة فلست متأكداً بنسبة 100 في المائة أننا سنعرف، هذه الأسلحة صغيرة ويمكن نقلها من مكان لآخر بسرية، ويمكن إطلاقها من منظومات أسلحة مستخدمة بالفعل على الجبهة في أوكرانيا».

يمثل استخدام سلاح نووي تكتيكي تغيراً في أسس الأمن العالمي، وبغياب رد فعّال من حلف شمال الأطلسي (ناتو) سيمثل هذا كسراً لقاعدة أن السلاح النووي للردع وليس للاستخدام، حيث سيكون الاستخدام الهجومي الأول لسلاح نووي منذ إلقاء أميركا قنبلتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.


مقالات ذات صلة

سيول: عقوبات على 15 كورياً شمالياً بسبب البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ

آسيا شاشة تعرض إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات خلال برنامج إخباري (أ.ب)

سيول: عقوبات على 15 كورياً شمالياً بسبب البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ

سيول ستفرض عقوبات مستقلة على 15 عاملاً كورياً شمالياً في قطاع تكنولوجيا المعلومات وكيان واحد، بسبب أدوارهم في الأنشطة الإلكترونية غير المشروعة.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم العربي أعمال تنفيذ محطة الضبعة النووية (هيئة المحطات النووية المصرية)

مصر تؤكد انتظام العمل في المحطة النووية وفق الجدول الزمني

أكدت مصر انتظام العمل في «محطة الضبعة» النووية، وفق الجدول الزمني المخطط لها، وذلك بعد أيام من إعلان الحكومة التزامها بسداد جميع مستحقات الجانب الروسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

قال ضابط روسي هارب إنه في اليوم الذي تم فيه شن الغزو في فبراير 2022 كانت قاعدة الأسلحة النووية التي كان يخدم فيها «في حالة تأهب قتالي كامل».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

لافروف: العلاقات مع سوريا استراتيجية... ولا نريد «هدنة ضعيفة» في أوكرانيا

TT

لافروف: العلاقات مع سوريا استراتيجية... ولا نريد «هدنة ضعيفة» في أوكرانيا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (لقطة من بث حي للمؤتمر الصحافي)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (لقطة من بث حي للمؤتمر الصحافي)

قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخميس، إن قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، «يصف العلاقات مع روسيا بأنها طويلة الأمد واستراتيجية، ونحن نتفق معه في ذلك».

وأبدى وزير الخارجية الروسي، خلال مؤتمر صحافي، تفهّمه لـ«المخاوف المشروعة لتركيا بشأن أمن المنطقة الحدودية مع سوريا».

وأضاف لافروف: «نحن نتفهم المخاوف المشروعة للقيادة التركية وشعبها بشأن الأمن على الحدود مع سوريا؛ حيث كانت هناك بالفعل حوادث متكررة تتعلق بهياكل إرهابية كانت تُثير أعمال شغب هناك»، وفق ما ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء.

وأكد لافروف أن المصالح الأمنية المشروعة لتركيا «يجب ضمانها، ولكن بطريقة تُحافظ فيها سوريا على سيادتها وسلامة أراضيها ووحدتها».

وقال لافروف: «إن القيادة التركية تدعم ذلك علناً»، واختتم وزير الخارجية الروسي بالقول: «ونحن ندعم ذلك».

هدنة ضعيفة

وبشأن الحرب في أوكرانيا، قال لافروف إن روسيا لا ترى جدوى في وقف إطلاق نار ضعيف لتجميد الحرب في أوكرانيا، لكن «موسكو تريد اتفاقاً ملزماً قانونياً من أجل سلام دائم، يضمن أمن كل من روسيا وجيرانها».

وأضاف: «الهدنة هي طريق إلى لا شيء»، مشيراً إلى أن موسكو «تشك في أن مثل هذه الهدنة الضعيفة ستستخدم ببساطة من قِبَل الغرب لإعادة تسليح أوكرانيا».

وتابع: «نحتاج إلى اتفاقات قانونية نهائية تُحدد جميع الشروط لضمان أمن الاتحاد الروسي، وبالطبع، المصالح الأمنية المشروعة لجيراننا».

ولفت لافروف النظر إلى أن موسكو ترغب في صياغة الوثائق القانونية بطريقة تضمن «استحالة انتهاك هذه الاتفاقات».