مراقبون: «احتجاز رهائن» استراتيجية «داعش» الجديدة لإطالة الألم في حربه الكونية

قالوا إنه يسعى لتخفيف الضغط عليه في الرقة والموصل ويغذي التطرف على الجانب الآخر

عناصر أمن ماليون ينقلون جثة أحد قتلى الهجوم على فندق باماكو أمس (أ.ب)
عناصر أمن ماليون ينقلون جثة أحد قتلى الهجوم على فندق باماكو أمس (أ.ب)
TT

مراقبون: «احتجاز رهائن» استراتيجية «داعش» الجديدة لإطالة الألم في حربه الكونية

عناصر أمن ماليون ينقلون جثة أحد قتلى الهجوم على فندق باماكو أمس (أ.ب)
عناصر أمن ماليون ينقلون جثة أحد قتلى الهجوم على فندق باماكو أمس (أ.ب)

في واقعة هي الثانية من نوعها، احتجز مسلحون متشددون تابعون لتنظيم داعش رهائن في فندق بالعاصمة المالية باماكو، أمس (الجمعة)، بعد أسبوع من هجوم مماثل في العاصمة الفرنسية باريس حيث احتجز ثلاثة مسلحين أكثر من 100 شخص في قاعة مسرح باتاكلان، فيما بدا تكتيكًا جديدًا للتنظيم الذي يواجه ضغوطًا قوية على المساحات التي بسط فيها هيمنته في سوريا والعراق. وقال مراقبون إن التنظيم يسعى للبقاء داخل مساحة الضوء لصناعة حالة من الرعب والردع لمنع مزيد من الدول للالتحاق بالتحالف الدولي ضد الإرهاب، واستدعاء التطرف على الجانب الآخر.
وقال أحمد بان الباحث في شؤون الجماعات المتشددة إنه بالنظر إلى استراتيجية «داعش» أو المجموعات المرتبطة بها كمجموعة «بوكو حرام» أو أحد التنظيمات المحلية التابعة لها التي نفذت العملية الأخيرة في مالي، تهدف تلك المجموعات إلى البقاء داخل دائرة الضوء كمحور للحدث الإعلامي الأبرز دوليًا، فهذا يوفر لها الظهور بمظهر الجماعة طويلة الذراع التي تستطيع أن تصل إلى أماكن متعددة في العالم.
وتابع أن «العمليات الأخيرة تعكس الضعف الذي يعاني منه التنظيم، الذي دفعه لنقل معركته من خانة بسط هيمنته على الأرض فيما يُعرف بـ(التمكين) إلى خانة (النكاية) بالخروج إلى العدو البعيد، فاحتجاز الرهائن ليس هدفًا في حد ذاته وإنما محاولة لإحداث أكبر قدر ممكن من النكايات».
وأشار إلى أن «الهدف من عمليات احتجاز الرهائن صنع حالة من الرعب مما يجعل الدول تعيد النظر في الالتحاق بالتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، وهذا ما حدث بالفعل؛ فبعض الدول أعلنت صراحة أنها لن تشارك في التحالف مخافة أن تنقل المعركة على أرضها مع التنظيم».
وقال مصدر أمني بارز إن مسلحين اقتحموا صباح الجمعة فندق «راديسون بلو» في مالي التي تعد أحد حلفاء فرنسا، ويوجد بها عناصر من الجيش الفرنسي، مشيرًا إلى أن المسلحين كانوا يطلقون النار ويهتفون «الله أكبر»، وبدأوا بتفتيش المبنى غرفة غرفة. وقال وزير الداخلية في مالي لصحافيين: «لقد طوقنا جميع نقاط الخروج من الفندق، ولذا تأكدوا من أن محتجزي الرهائن لن يتمكنوا من الهرب».
وقال التلفزيون الرسمي في مالي ومصدر أمني إن قوات خاصة تمكنت من تحرير 80 رهينة احتجزهم المسلحون في فندق بالعاصمة باماكو مع تقدمها من طابق إلى آخر لتمشيط المبنى.
وتأتي العملية الجديدة لاحتجاز الرهائن بعد أسبوع واحد من سلسلة عمليات إرهابية ضربت العاصمة الفرنسية، وتضمنت احتجاز رهائن في مسرح باتاكلان من دون رفع مطالب، قبل أن تقتحم القوات الفرنسية المسرح بعد ثلاث ساعات من حصاره.
وأضاف بان أنه رغم ما تمثله الاستراتيجية الجديدة من كشف الضعف الذي يعاني منه تنظيم داعش إلا أنه يمثل خطر فتح جبهات جديدة، لافتا إلى أن هذا من شأنه تعزيز خطاب التطرف على الجانب الآخر، وهذا جزء من مكاسب المتشددين.
وقال بان إن «جزءًا من أهداف (داعش) تعزيز حالة التطرف على الجانب الآخر.. فاليمين داخل أوروبا سيبدأ في اتخاذ خطوات تصعيدية ضد الجاليات العربية والمسلمة، مما يؤجج الغضب داخل هذه الجاليات ويجعلها أكثر التصاقًا بتلك التنظيمات التي تدعي حمايتها أو الدفاع عنها».
ويتفق ماهر فرغلي الباحث في شؤون الجماعات المسلحة مع ما ذهب إليه بان ويشير من جهته إلى انتقال «داعش» من حالة التنظيم الإقليمي إلى شبكة مركزية تدير خلايا في الخارج.
وقال فرغلي: «هنا يمكن أن نرصد اختلاف بين طبيعة عمل تنظيم القاعدة كتنظيم لا مركزي وعمل (داعش) كتنظيم مركزي يدير عملياته انطلاقًا مما يواجهه من ضغوط داخل إقليمه، وأعتقد أن هذا الانتقال مقلق جدا وربما مخيف».
وأضاف فرغلي أن «الهدف الرئيسي للتنظيم أو رسالته تتلخص في تحقيق أكبر قدر ممكن من الألم، بإطالة أمد الأزمة عبر احتجاز الرهائن، وهو يدرك أن لا أحد يمكن أن يقبل بالتفاوض مع الإرهابيين، كما أن التنظيم بات يدرك أنه في حالة حرب كونية وهو يتصرف وفق هذا الإدراك، ويمكن أن نرى هذا جليًا في الرسالة التي وجهها باللغة الفرنسية قبل يومين، وفي تهديده بشن هجمات داخل الولايات المتحدة».



كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

قال تقرير لوكالة «بلومبرغ» للأنباء إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا يُهدد قاعدة «حميميم» الجوية، التي اعتمدت عليها روسيا لفرض نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

وبحسب التقرير، تستخدم موسكو القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكل هذه الدول شهدت انقلابات مؤخراً، وقطعت علاقاتها مع الغرب، في حين تقترب من موسكو التي مكّنها هذا الجسر الجوي من إعادة بناء بعض نفوذها الذي اكتسبته في حقبة الحرب الباردة في القارة، خصوصاً في أماكن، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.

وسمحت قاعدتا «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، اللتان تستقبلان الوقود والإمدادات الروسية بتنفيذ توسع رخيص وفعال لنفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في أفريقيا، والآن قد تحتاج الشبكة التي تدعم عمليات روسيا في القارة، والتي تملأ الفراغ الذي خلفته القوات الغربية المغادرة، إلى إصلاح شامل.

استقبال جندي روسي لبشار الأسد خلال زيارته قاعدة «حميميم» العسكرية في اللاذقية 27 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

قال أنس القماطي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره ليبيا: «من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في أفريقيا، والاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا مُعلقة بخيط رفيع».

وقال القماطي إنه وفي حين أن روسيا، التي دعمت السلطات في شرق ليبيا، لديها قدرات تشغيلية في 4 قواعد جوية ليبية (الخادم والجفرة والقرضابية وبراك الشاطئ) فإن هذه القواعد ستكون بعيدة جداً، بحيث لا يمكن استخدامها في جسر مجدد من موسكو بسبب قيود المجال الجوي في أوروبا.

وقال رسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ومقره موسكو، إن القاعدة الجوية السورية ستكون «خسارة كبيرة» للعمليات الأفريقية؛ حيث «كانت جميع الإمدادات تمر عبر (حميميم)، وهذا مهم بشكل خاص لبلد من دون ميناء، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى».

وبدأت جهود موسكو لإعادة بناء النفوذ في أفريقيا فعلياً عام 2018، عندما تم نشر مرتزقة من مجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين في جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية، للدفاع عن رئيسها المحاصر ضد هجوم المتمردين.

وفي عام 2019، لعب المقاتلون دوراً رئيساً في محاولة من قِبَل الزعيم الليبي الشرقي خليفة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت مقاتلين إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جنباً إلى جنب مع الأسلحة، ما أدّى إلى زيادة أكبر لبصمتها العالمية خارج الكتلة السوفياتية السابقة.

الرئيس الروسي يلقي كلمة في قاعدة «حميميم» في اللاذقية على الساحل السوري يوم 12 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

وهذا الدعم في خطر؛ لكن المقربين من تلك الحكومات يزعمون أن روسيا ستجد طريقة لمواصلة مساعدتهم.

وقال فيديل غوانجيكا، مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، إن روسيا «ستكون لديها خطة بديلة»، حتى تظل طرق إمدادها إلى أفريقيا سليمة، سواء باستخدام ليبيا نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر المواني في الكاميرون أو الكونغو، و«لن تكون هناك عواقب على جمهورية أفريقيا الوسطى».

وأضاف غوانجيكا أن أفريقيا الوسطى مستعدة لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى الحكومات في منطقة الساحل إذا لزم الأمر.

وأعرب إبراهيم حميدو، رئيس إدارة الاتصالات لرئيس الوزراء علي الأمين زين، الذي عيّنه المجلس العسكري في النيجر عام 2023، عن الأفكار نفسها، وقال: «سقوط الأسد لن يُغير علاقاتنا، ويمكن لروسيا أن تجد طرقاً أخرى، من خلال تركيا على سبيل المثال، لدعم النيجر».

وفي حال سمحت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، لبعض رحلات الشحن الروسية إلى ليبيا بالمرور عبر مجالها الجوي، فلا يوجد اقتراح فوري بأنها ستعمل بديلاً للجسر الجوي السوري لموسكو، خصوصاً أن مصالح الثنائي في أفريقيا غالباً ما تتباعد.

واقترحت مونيك يلي كام، وهي سياسية في بوركينا فاسو، تدعم المجلس العسكري وعلاقاته القوية مع روسيا، ليبيا خياراً لمساعدة موسكو على «الحفاظ على نفوذها في القارة».

كما لعبت روسيا دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السودانية التي استمرت 20 شهراً؛ حيث ألقت مؤخراً بثقلها خلف الجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع»، كما تواصل الضغط من أجل إنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر في البلاد، وهو حلم طويل الأمد، من شأنه نظرياً أن يوسع شبكتها اللوجستية.

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بشبكة النفوذ الروسية مترامية الأطراف في أفريقيا لن يكون سهلاً، وفقاً لأولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، وهي مؤسسة بحثية ألمانية.

وقال: «إن سقوط الأسد سيعيق بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، وكانت جميع الرحلات الجوية لتوريد المرتزقة، وجلب الذخيرة والأسلحة الجديدة، تمر عبر سوريا. إنها مسافة بعيدة للغاية للطيران بطائرة نقل محملة بالكامل من روسيا إلى أفريقيا، وسيتعين على روسيا تقليص مشاركتها في أفريقيا وسيكون ذلك أكثر تكلفة بكثير».