مبنى رائع في أوسلو من دون تبريد أو تدفئة أو تهوية

صممه مهندسون معماريون بهدف تأمين «الصِّفر الثلاثي»

مبنى رائع في أوسلو من دون تبريد أو تدفئة أو تهوية
TT

مبنى رائع في أوسلو من دون تبريد أو تدفئة أو تهوية

مبنى رائع في أوسلو من دون تبريد أو تدفئة أو تهوية

في أي مبنى نموذجي للمكاتب، توجد آلاف المسافات المخصصة لفتحات التهوية، بالإضافة إلى المراوح التي تدفع الهواء. إلا أن مبنى جديداً متعدد الاستخدامات في أوسلو لا يحتوي على أي من هذه العناصر، كما أنه لا يتطلب دفع أي فواتير للتدفئة والتهوية وتكييف الهواء.

شقق المبنى الجديد

هدف «الصفر الثلاثي»

تقول آن سيسيلي هوغ، المهندسة الرئيسية في المشروع لشركة «سنوهيتا Snøhetta»، التي صممت المبنى: «لدينا هدف صفري ثلاثي لهذا المشروع؛ وهو أننا لن نضطر إلى شراء أي طاقة للتدفئة أو التهوية أو التبريد. ويبدو أن الأرقام تسير في طريقنا حتى الآن، وهي ناجحة».

وتمثل الانبعاثات الصادرة عن المبنى نصف تلك الصادرة عن مبنى تقليدي مماثل.

يقع المبنى الجديد على ضفاف النهر بأوسلو في موقف سيارات سابق، بمنطقة تتحول لتصبح منطقة خالية من السيارات، وبجانبه توجد ساحة عامة جديدة، وجرى وضع المبنى للمساعدة في صدّ الرياح عن الساحة، مع السماح لأشعة الشمس بالدخول إليها، كما أنه مصمم بعناية لتحقيق أقصى قدر من التهوية الطبيعية.

شكل تصويري لتدفق الهواء داخل المبنى

كيف يتدفق الهواء في المبنى الجديد؟

في الداخل تقوم أجهزة الاستشعار بمراقبة درجة الحرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون والأكسجين. وفي الخارج، تقوم أجهزة الاستشعار بمراقبة تغيرات الطقس واتجاه هبوب الرياح.

عندما يحتاج المكتب إلى هواء نقي، تفتح الفتحات تلقائياً على الجانبين المتقابلين من المبنى، ما يخلق فرقاً في الضغط يسحب الهواء الخارجي عبر المبنى.

وتعمل وسيلة التدفق هذه في مبنى مستطيل عادي، لكن الواجهة ذات الزاوية تساعد على تحسين تدفق الهواء، كما يساعد الشكل المستدق للمبنى على تدفق الهواء بشكل أسرع.

بدلاً من الأفران ومن نظم تكييف الهواء، تجري تدفئة المبنى وتبريده باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية، إذ تصل الآبار والمضخات الحرارية إلى درجات حرارة ثابتة تحت الأرض، ثم ينتقل الماء الدافئ أو البارد عبر الأنابيب المدمجة في الأرضيات الخرسانية والجدران الطينية، وتشع الحرارة من المواد، ما يؤدي إلى تدفئة الأشخاص مباشرة.

وهذا أمر مهم لأن نظام الهواء القسري التقليدي يقوم بتسخين الهواء بشكل غير فعال، ويفقد طاقته إلى الخارج في كل مرة تفتح فيها الفتحات.

مكاتب عمل داخل المبنى

فوائد تجنّب التدفئة والتهوية وتكييف الهواء التقليدية

وهذا المشروع، وهو جزء من برنامج بحث نرويجي يسمى «بناء المستقبل FutureBuilt»، يدرس بعناية كيفية أداء الأنظمة. وعندما انتقلت الشركات إلى مكاتبها داخل المبنى، هذا الشتاء، أفاد العاملون فيها بشعورهم بالراحة، على الرغم من درجات الحرارة الباردة في الخارج.

وفي العادة وفي المكتب النموذجي، قد يقول ما يصل إلى 60 في المائة من الموظفين إنهم يشعرون بالحر الشديد أو البرودة الشديدة.

وفي ردود الفعل عبر رموز الاستجابة السريعة الموجودة على كل مكتب، اشتكى أقل من 7 في المائة من العاملين في المبنى الجديد من درجة الحرارة، ربما لأن نظام التدفئة الإشعاعي يسخن بالتساوي في جميع أنحاء الغرفة، ولا يهم إذا كنت بجوار فتحة تهوية؛ لأنه لا توجد فتحات تهوية.

مبنى بيئي

إن تجنب التهوية التقليدية يعني أن المبنى يتجنب البصمة الكربونية للمعدات، بالإضافة إلى استخدام الطاقة، لكن لها أيضاً فوائد أخرى. تقول هوغ إنه دون مجاري الهواء في الأسقف، تبدو المكاتب أكثر تهوية ورحابة، وهناك إيجابيات أخرى لاستخدام الهواء الخارجي مباشرة. وتضيف: «نعتقد أنه من المهم ألا يفقد الناس الاتصال بالخارج... إذا كان الجو بارداً، فعليك ارتداء مزيد من الملابس، ولا بأس بإرسال الهواء البارد إلى الداخل. في يوم حار ترتدي ملابس أقل، هذا بجوار النهر، لذلك عندما تكون الفتحات مفتوحة، يمكنك سماع تدفق النهر».

مكاتب وشقق

يحتوي المبنى على مطاعم على مستوى الشارع، ثم خمسة طوابق مكاتب، تليها الشقق في الطوابق العشرة العليا، لكن نظام التهوية في الشقق مصمم بالطريقة القديمة.

تقول هوغ: «إذا كنت تريد حقاً هواء نقياً في شقتك، فعليك أن تفتح النافذة». لم تتمكن المكاتب من استخدام النوافذ البسيطة جزئياً؛ لأنه سيكون من الصعب على الموظفين مراقبة جودة الهواء، وفتح وإغلاق النوافذ المتقابلة في كل مرة يحتاجون إليها.

لكن اللوائح تتطلب أيضاً رقابة صارمة على درجة الحرارة وجودة الهواء في المساحات المكتبية؛ كان لا بد من منح المبنى الجديد استثناءً لعدم استخدام التهوية التقليدية.

وتضيف هوغ إنه ينبغي تحديث اللوائح القانونية لتسهيل استخدام أساليب مثل نظام التهوية الجديد. وتقول: «أعتقد أن ما يفعله الناس في مجال الأبحاث يسبق اللوائح التنظيمية بثلاث أو أربع أو خمس سنوات، لذلك نحن بحاجة إلى جعلهم يتقدمون بسرعة، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي تحديها».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا»

 


مقالات ذات صلة

منظمتان غير حكوميتين تقاضيان الاتحاد الأوروبي بسبب أهدافه البيئية

بيئة من أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل (رويترز)

منظمتان غير حكوميتين تقاضيان الاتحاد الأوروبي بسبب أهدافه البيئية

قررت منظمتان بيئيتان رفع دعوى قضائية ضد المفوضية الأوروبية لأنها حددت أهدافاً مناخية «غير كافية» للدول الأعضاء في انتهاك لالتزاماتها بموجب اتفاق باريس المناخي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد زرعت «البحر الأحمر» أكثر من 5 ملايين نبتة و600 ألف شتلة مانغروف (من الشركة)

«البحر الأحمر الدولية»: نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق فائدة بيئية صافية بـ30 % بحلول عام 2040

أعلنت «البحر الأحمر الدولية» أنها تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في تحقيق فائدة بيئية صافية بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2040.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
بيئة قارب صيد يبحر بجوار جبل جليدي كبير عند مصب مضيق ياكوبشافنز الجليدي بالقرب من إيلوليسات في غرينلاند في 15 مايو 2007 (رويترز)

دراسة: غرينلاند كانت خالية من الجليد في الماضي القريب

قدمت دراسة جديدة أوضح دليل حتى اليوم على أن غرينلاند كانت خالية من الجليد إلى حد كبير على مدى السنوات المليون الماضية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الإنارة تُنغّص «موائد» الحشرات (شاترستوك)

إنارة الشوارع ليلاً تُبطل تلذُّذ الحشرات بأكل أوراق الشجر

خلُص علماء إلى اعتقاد مفاده أنّ الضوء الاصطناعي قد يؤثر في البيئة الطبيعية للحياة النباتية عبر خَلْق عملية التمثيل الضوئي على مدار فترة ممتدّة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
TT

دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)

يُعدّ منح الأسماء بين كائنات من الجنس نفسه مؤشراً إلى تطوّر كبير، وقد تمت ملاحظته في السابق لدى البشر وأنواع من الدلافين والفيلة الأفريقية فقط، لكنّ دراسة نُشرت، الخميس، في مجلة «ساينس» المرموقة، بيّنت أنّ القردة التي تُطلق عليها تسمية «بهيات الشعر» تنتمي أيضاً إلى هذه المجموعة المحدودة من الحيوانات.

وأظهرت الدراسة، التي أجراها فريق من الجامعة العبرية في القدس، أنّ هذه الرئيسيات الصغيرة تطلق صرخات عالية بنبرة حادة لمنح «ألقاب صوتية» لأنفسها.

وقال المعد الرئيسي للدراسة ديفيد عمر، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن مهتمون جداً بالسلوك الاجتماعي لاعتقادنا بأنّه هو ما يجعلنا كبشر كائنات مميزة مقارنة بالحيوانات الأخرى».

وأضاف: «نحن لا نركض بسرعة ولا نطير ولا نتفوق في أي شيء غير قدراتنا الاجتماعية، وبأنّ كل إنجازاتنا مجتمعية».

ورأى أنّ «بهيات الشعر» مثالية لدراسة تطور السلوك الاجتماعي واللغة لدى البشر؛ لأنّها تتمتع بخصائص مماثلة للبشر. وتعيش هذه القرود ضمن مجموعات عائلية صغيرة أحادية الزوج مؤلفة من ستة إلى ثمانية قرود تتولى معاً تربية صغارها.

وسجل الباحثون محادثات بين قردين من نوع «بهي الشعر» يفصل بينهما حاجز بصري، بالإضافة إلى التفاعلات بينهما ونظام حاسوبي يبث تسجيلات. وكان تحليل صرخاتهما ممكناً بفضل التقدم المُحرَز في مجال التعلم الآلي والقوة التي تتمتع بها الحوسبة.

ووجد الباحثون أنّ هذه القردة تستخدم صرخات عالية النبرة لمخاطبة بعضها بعضاً. وكانت هذه الرئيسيات قادرة بشكل ملحوظ على معرفة ما إذا كانت الصرخات موجهة إليها، وأظهرت إمكانية أكبر في الردّ عند مناداتها باسمها.

«تطور متقارب»

والقرود العشرة التي خضعت للاختبار متحدرة من ثلاث عائلات مختلفة. وأظهر الباحثون أنّ القردة المنتمية إلى المجموعة العائلية نفسها استخدمت خصائص صوتية متشابهة لأسماء مختلفة، تشبه إلى حد كبير اللهجات أو اللكنات عند البشر.

واعتمدت قرود أخرى بالغة انضمت إلى مجموعة من دون أن تكون مرتبطة بها مباشرة، الرموز الصوتية نفسها، مما يشير إلى إمكانية أن تتعلمها من قرود أخرى. ويعزو ديفيد عمر اكتساب القرود للمؤشرات الصوتية إلى «تطور متقارب»؛ أي إنها طوّرت سمات مماثلة خلال الاستجابة لتحديات بيئية مماثلة.

ويُعدّ منح الأسماء مسألة مهمة جداً لـ«بهي الشعر»، للحفاظ على الروابط الاجتماعية وتماسك المجموعة في الغابات الاستوائية الكثيفة في أميركا الجنوبية، حيث تكون الرؤية محدودة جداً.

أما مسألة متى وكيف بدأ البشر في الكلام، فهي موضع نقاش، ولكن حتى وقت قريب رفض عدد كبير من العلماء فكرة أنّ الرئيسيات توفّر عناصر للإجابات.

ويقول ديفيد عمر: «لا يزال بإمكاننا أن نتعلم الكثير من الرئيسيات غير البشرية بشأن تطور اللغة عند البشر». في المستقبل، يمكن أن تشكّل إحدى طرق البحث المضي قدماً في استخدام الذكاء الاصطناعي، لفك تشفير محتوى محادثات «بهيات الشعر» بشكل أفضل.