مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

بيير رينيرو المسؤول عن صورتها وإرثها لـ«الشرق الأوسط»: مواكبة العصر لا تعني تجاهل الأصل

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)
TT
20

مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)

«كارتييه ولادة»، هذا ما قاله بيير رينيرو، في لقائه مع «الشرق الأوسط»، على هامش معرض «ساعات وعجائب لعام 2024». يستدل على قوله برسالة كتبها لوي كارتييه، في النصف الأول من القرن الماضي، لمصممة الدار آنذاك جان توسان يُثني فيها على تصميم اقترحته له، وجاء فيها: «إنها فكرة رائعة تكمن روعتها في أنها خصبة يمكن أن تُولد منها أفكار كثيرة».

بيير رينيرو (جون فراسوا روبير)
بيير رينيرو (جون فراسوا روبير)

بيير رينيرو هو مدير الصور والأسلوب والتراث في «ميزون كارتييه» منذ عام 2003، يرى نفسه مسؤولاً عن صورة الدار وإرثها الغني، يعرف كل صغيرة وكبيرة في أرشيفها، ويشم نفَسها في كل تصميم، يؤمن بأن هذا المبدأ الذي أرساه جاك كارتييه والقائم على تخصيب أفكار قديمة لتوليد أفكار وأشكال معاصرة، يجب عدم الحياد عنه، مشيراً إلى أن «من فات قديمه تاه»، وهذا، تحديداً، ما كان واضحاً في معرض «ساعات وعجائب» الذي تحتضنه جنيف سنوياً.

تكشف النسخة الجديدة من مجموعة «كارتييه بريفيه» عن ساعة «تورتو» بالبلاتين أو الذهب الأصفر (كارتييه)
تكشف النسخة الجديدة من مجموعة «كارتييه بريفيه» عن ساعة «تورتو» بالبلاتين أو الذهب الأصفر (كارتييه)

عادت الدار مثلاً إلى مجموعتها «كارتييه بريفيه»، وتحديداً ساعة «تورتو» التي ظهرت في عام 1912، لتعيد صياغتها، ولسان حالها يقول لجيل الشباب إنها، بشكلها المميز ووظائفها الجديدة، ابتُكرت لهم وليس لأجدادهم. كذلك الأمر لمجموعة «سانتوس» التي صممها لوي كارتييه للطيار سانتوس في عام 1904، عادت هي الأخرى بحُلة لم تتأثر بالزمن، بالعكس زادتها السنوات قوة وجاذبية، فضلاً عن ساعات «كراش» و«ريفلكسيون دو كارتييه»، وغيرها، كلها أُعيدَ النظر فيها وتعزيزها بتقنيات جديدة تخدم مواصفاتها الجمالية. «الظروف والناس والأذواق، بل العالم أجمع تغيّر، لهذا لا يمكننا أن نكتفي بتكرار أو استنساخ ما قدمناه في الماضي، مهما كان جماله»، وفق قول بيير رينيرو، مضيفاً «ثم إن النظرة إلى الجمال نسبية تختلف عبر الزمن، ومن جيل إلى آخر. من هذا المنظور، نحرص على أن تبقى عجلة التطوير في الدوران لتواكب إصداراتنا متطلبات العصر والحياة». يقول هذا وهو يعبّر عن سعادته بأن المجال الذي يعمل فيه لا يتطلب التقيد بقواعد تُكبّل الإبداع. «بالعكس تماماً، إنه قابل للتفكيك والتغيير وفق ما تُمليه الحالة الزمنية والأحاسيس والمشاعر».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)
مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

لا يُخفي بيير أن العملية تتضمن نوعاً من المغامرة بحُكم أن نتائج المشاعر غير مضمونة مسبقاً، لكن ما يُطمئن ويُحفز فريق العمل أن الدار تتقبل الأخطاء، تعترف بأخطائها وتملك جرأة التراجع عنها؛ بدليل أن «هناك تصميمات جرى اختبارها ولم تر النور، وأخرى توقّف إنتاجها لأنها لم تعد مناسبة»، وهذا، بنظره، أمر صحي وإيجابي.

لكنه يعود ليؤكد أن مواكبة التغييرات لا تأتي على حساب الأصول والجذور، ولا سيما إذا كانت قوية وراسخة في المخيلة والوجدان. «خذي باريس مثلاً، هي اليوم غير باريس القرن الماضي، توسعت وازدحمت بالسيارات وغيرها من التطورات التي غيّرت إيقاعها، لكنها لا تزال تسكن وجداننا ومخيلتنا عاصمة الأناقة والرومانسية والجمال، كذلك إبداعاتنا».

تعمل ساعة بآلية حركة ميكانيكية ذاتية التعبئة تدمج التوقيت المزدوج لإتاحة قراءة وقت منطقتين في آن واحد. وشكلاً تعزز الأناقة بشكل علبتها وسوارها وأيضاً بعقاربها المصممة على شكل سيف ومطلية بالروديوم المكسو بمادة مضيئة
تعمل ساعة بآلية حركة ميكانيكية ذاتية التعبئة تدمج التوقيت المزدوج لإتاحة قراءة وقت منطقتين في آن واحد. وشكلاً تعزز الأناقة بشكل علبتها وسوارها وأيضاً بعقاربها المصممة على شكل سيف ومطلية بالروديوم المكسو بمادة مضيئة

إصدارات «ميزون كارتييه» الأخيرة تؤكد رأيه، فالماضي والحاضر فيها وجهان لعملة واحدة، وفي كل حالاتها وتجلياتها تثير الرغبة فيها، بغضّ النظر عن الزمن والثقافات. الفضل، وفق شرح رينيرو، أن أرشيفها الغني لم يكن يوماً مرجعاً يتقيد به مصمموها، بقدر ما هو قاموس يستلهمون منه تصميمات تتجدد باستمرار. الشرط الوحيد، الذي يُفرض على مصمميها وصُناعها، أن يتقيدوا بجينات الدار وأسلوبها الخاص. ساعة «تورتو» مثلاً كان الهدف من تصميمها في عام 1912، ابتكار شكل إبداعي مختلف. في عام 2024 عادت بشكلها الأصلي نفسه، مع إضافة ميزات جديدة مثل وظيفة الكرونوغراف المعقدة أحادية الزر، وعروات امتدت على طول السوار، ما جعل المظهر الجانبي يبدو نحيفاً، ووزن الساعة خفيفاً، كما ظهرت فيها عقارب على شكل سكة حديدية تدور حول علامات الساعة، جعلت المينا أوضح.

يُكرر بيير رينيرو مدى أهمية «أسلوب كارتييه» في كل عملية ابتكار، قائلاً: «إنه المركز الأساس لكل شيء»، فهو ما يُميزها، هذا الأسلوب اكتسبته من مهارتها وخبرتها في التصميم والترصيع وصقل الأحجار الكريمة أولاً، بحكم أنها لم تبدأ صانع ساعات، بل صائغ مجوهرات، وهو ما يتجسد في عنصر جذب لا يقام لمُنتجاتها على المستويين الفني والتجاري.

من مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» النسائية التي تنافس كلاً من ساعات «كلاش» و«كوسان» بتصميمها الذي يجمع خبرة الدار في صناعة الساعات وصياغة المجوهرات، ويظهر هذا في التصميم الهندسي للسوار المفتوح، فهو يجمع الأسطح المخرَمة والذهب المصقول العاكس والخطوط الممدودة والزوايا الدقيقة (كارتييه)
من مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» النسائية التي تنافس كلاً من ساعات «كلاش» و«كوسان» بتصميمها الذي يجمع خبرة الدار في صناعة الساعات وصياغة المجوهرات، ويظهر هذا في التصميم الهندسي للسوار المفتوح، فهو يجمع الأسطح المخرَمة والذهب المصقول العاكس والخطوط الممدودة والزوايا الدقيقة (كارتييه)

أرقام المبيعات تؤكد أن مكانة «كارتييه» لا تهتز أو تتزعزع، على الرغم من الاضطرابات الاقتصادية التي مر بها قطاع المنتجات المترفة ولا يزال. اسمها يتحدى الأجيال، ويكفي ليُحرك مشاعر الهواة والعارفين على حد سواء. ما يُحسَب لها أنها لم تستثن في أي مرحلة من مراحل تطورها الكل، بمن فيهم المتطلعون لدخول نادي الفخامة من بابها، لم تُقلقها احتمالية أن يؤثروا عليها سلباً. أخذت دائماً موقفاً ديمقراطياً، تخاطبهم باللغة الأنيقة نفسها والراقية التي تخاطب بها هواة الاقتناء من العارفين، وتُقدم لكل شريحة بُغيتها، سواء من خلال قطعة مجوهرات صغيرة تناسب إمكانياتهم المتواضعة، أم ساعة مرصعة بالماس تتضمن حركات ووظائف معقدة تُقدَّر بمئات الآلاف.

من مجموعة «سانتوس دومو» بإصدار محدود لا يتعدى الـ200 قطعة، وفيه بتصميمها أناقة التصميم الأصلي لعام 1904 صُنع المينا من العقيق الأحمر بتدرجات لونية خفيفة تُسلط الضوء على البلاتين (كارتييه)
من مجموعة «سانتوس دومو» بإصدار محدود لا يتعدى الـ200 قطعة، وفيه بتصميمها أناقة التصميم الأصلي لعام 1904 صُنع المينا من العقيق الأحمر بتدرجات لونية خفيفة تُسلط الضوء على البلاتين (كارتييه)

يشرح بيير رينيرو أن هذه الشمولية تدخل في صُلب جينات «كارتييه» منذ تأسيسها في عام 1847، ولم تتخلَّ عنها على مر العقود؛ بفضل رؤية جماعية تحترم السيناريو الذي كتبه المؤسس جاك كارتييه وأبناؤه من بعده. قبل بدء أي عمل، أياً كان حجمه وقيمته، تجري حوارات كثيرة بين المصممين وفريق العمل في الاستديو، وعلى رأسهم رينيرو بوصفه مدير الصور والأسلوب والتراث؛ للتأكد من أن التصميم سيكون إضافة لتاريخ الدار واستمراريتها. يقول: «أنا واحد من هذه الرؤية الجماعية. دوري يتركز في رسم صورة تليق باسمها والحفاظ على تاريخها وإرثها، ننسج منه قصصاً مثيرة، لكن نحرص على أن ترتبط بشكل أو بآخر بالمستقبل، استناداً لما قاله جاك كارتييه لجان توسان في رسالته».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)
مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

يأخذني الحماس وأسأله عن المعرض الذي نظمته «كارتييه» في اللوفر منذ فترة قصيرة، وركزت فيه على تأثير الفن الإسلامي، وما إذا كان التوجه إلى ثقافات معينة من الاستراتيجيات التسويقية التي تتبعها الدار، فينفي بشدة: «أبداً، وهذا ليس تعجرفاً أو تعالياً منا، كل ما في الأمر أن لدينا منطقنا وأسلوبنا الخاص الذي لا نحيد عنه، إنه أسلوب عالمي منفتح على كل الثقافات، ومن ثم لا يعترف بمكان ولا زمان».

لا ينكر أن الجانب التجاري مهم ولا يمكن تجاهله، إلا أن أهميته تتساوى مع قيمة المنتج وضرورة أن يلمس مشاعر الناس من جهة، ويبقى معهم كاستثمار يحمل اسم الدار للأبد، من جهة ثانية. هذا الانفتاح على الغير، وفق قوله، يفتح مساحة أكبر للإبداع، «فعوض أن نبقى سجناء ثقافة معينة تضعنا في إطار ضيق ومحدود، نُفضل أن نحلّق بخيالنا ونستكشف ثقافات جديدة وبعيدة نرى من خلالها الأشياء من زوايا مختلفة، أما علاقة (كارتييه) بمنطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي ككل، فهي ليست وليدة اليوم أو عملية تسويقية»، كما يؤكد. إنها تعود إلى أكثر من قرن عندما زارها جاك كارتييه وانبهر بثقافتها وفنونها، «وهذا يعني أنها بدأت حتى قبل افتتاح أي محل لنا بالمنطقة، وتبدأ معاملاتنا التجارية فيها، لهذا يمكنني القول بثقة إنها بُنيت على حب الجمال والاحترام، والدافع لها كان الانفتاح على ثقافات العالم. لم نقتصر على الاستلهام من الفن الإسلامي، من خلال أشكال هندسية من فن الآرت ديكو تحديداً، استلهمنا أيضاً من الفنون اليابانية والصينية وغيرها، فكلما استكشفنا ثقافات وحضارات بعيدة، جغرافياً وتاريخياً، توسعنا فنياً ليترسخ اسم الدار في الذائقة العامة».


مقالات ذات صلة

لمسات الموضة اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما

في عام 2019، تغيّر المشهد تماماً بعد زواج ميغان ماركل من الأمير هاري. فجأة، اشتدّت المقارنات بين «السلفتين»، وصبّت كلها في صالح السمراء القادمة من أميركا.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

«باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

ليلى يوسال، اسم يستوقفك لعدة أسباب، الأول أنها امرأة تنافس الرجال في صناعة الساعات الفاخرة، وثانياً أنها تتعامل مع إرثها الكردي كقضية وجودية لتمكين المرأة.

لمسات الموضة الزائر إلى المعرض سيستمتع بساعات تاريخية مكتوبة بالأحجار الكريمة والمعادن النفيسة (أ.ف.ب)

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

يتتبع المعرض العلاقة الخاصة والتاريخية التي تربط الدار بالعائلة الملكية البريطانية، منذ أن وصفها الملك إدوارد السابع بـ«صائغ الملوك وملك الصاغة».

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز وزوجته كاميلا يتجولان في روما (أ.ب)

بالذكرى العشرين لزواجها... الملكة البريطانية تعيد ارتداء فستان زفافها

وصلت الملكة البريطانية كاميلا إلى البرلمان الإيطالي مرتدية فستان زفافها الذي أقيم عام 2005، حيث احتفلت هي والملك تشارلز بالذكرى العشرين لزواجهما في روما.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق دعوة لإعادة تخيُّل البامبو بطرق جريئة وغير متوقَّعة (غوتشي)

البامبو ودار «غوتشي»... تداخُل مُلهم بين الثقافة والتصميم

يستلهم «لقاءات البامبو» فكرته من نهج «غوتشي» المبتكر في الحِرف منذ منتصف حقبة الأربعينات، عندما استخدمت الدار، البامبو، في صناعة أيدي الحقائب.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أميرة ويلز ودوقة ساسيكس تفرّقهما كل التفاصيل... حتى حب الموضة

اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما
اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما
TT
20

أميرة ويلز ودوقة ساسيكس تفرّقهما كل التفاصيل... حتى حب الموضة

اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما
اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما

تمضي السنوات، وتُثبت الأحداث أن الرابط الوحيد بينهما لا يتعدى انتماءهما إلى العائلة المالكة البريطانية عبر الزواج. كل التفاصيل الأخرى تُفرَقهما بما في ذلك طريقة تعاملهما مع الموضة.

الأولى هي أميرة ويلز، كاثرين ميدلتون، بريطانية من أسرة ميسورة، تتمتع برشاقة العارضات، تميل إلى لغة الهمس، ولا تنوي خضَّ المتعارف عليه. كما تشرَّبت من ثقافة بلادها أن كل ما هو شهي ودائم يُطبخ على نار هادئة. الثانية هي دوقة ساسيكس، ميغان ماركل، أميركية من أسرة مختلطة، تعكسها بشرة تجمع بين بياض والدها وسمار والدتها، تميل إلى لغة تصرخ بالجاه وكسر الثوابت لإثبات الذات.

لقطة أرشيفية تجمع أميرة ويلز كاثرين ودوقة ساسيكس ميغان ماركل قبل «ميغسيت»
لقطة أرشيفية تجمع أميرة ويلز كاثرين ودوقة ساسيكس ميغان ماركل قبل «ميغسيت»

الأولى تتعامل مع الأزياء والمجوهرات كلغة دبلوماسية بحكم مكانتها بوصفها ملكة مستقبلية، والثانية بعقلية «مؤثرة» ترى فيها وسيلة لتحقيق الربح والطموحات الذاتية. هذه على الأقل الرسالة التي وصلت للمشاهد بعد عرض برنامجها «بالحب مع ميغان» الذي بثته منصة «نتفليكس» في الرابع من شهر مارس (آذار) الماضي. استعرضت فيه حبَّها للموضة والثروة من خلال أزياء قدرت بنحو 130 ألف جنيه إسترليني ومجوهرات بقيمة 337 ألف جنيه إسترليني. المشكلة، وفق المنتقدين، أنها لم تأخذ بعين الاعتبار أنها لا تتناسب مع برنامج عن الطبخ. لم تشفع لديهم محاولاتها الدمج بين الرخيص والنفيس في بعض اللقطات.

في المقابل، حققت أميرة ويلز، كاثرين ميدلتون، المعادلة الصعبة بين الأناقة الراقية وعدم خلق أي جدل. ربما يفتقد أسلوبها للإثارة أو الجرأة، إلا أنها تنجح دائماً في إيصال رسائل هادفة. هذا الاختلاف نابع من شخصية رياضية بطبعها؛ فهي تفضل المشي وممارسة النشاطات التنافسية في الهواء الطلق على متابعة توجهات الموضة. في بداية ظهورها، لم تولِها اهتماماً سوى في المناسبات الرسمية، أو إذا استدعى الأمر تأدية واجب وطني لدعم صناعة الموضة البريطانية أو ما شابه، إلى حد أن عشاق الموضة تنمّروا عليها آنذاك.

كانت ميغان ماركل في بداياتها هي الغالبة في سباق الأناقة بجرأتها واختياراتها (أ.ف.ب)
كانت ميغان ماركل في بداياتها هي الغالبة في سباق الأناقة بجرأتها واختياراتها (أ.ف.ب)

في عام 2017، تغيّر المشهد تماماً بعد دخول ميغان ماركل على الخط بزواجها من الأمير هاري. فجأة، اشتدّت المقارنات بينهما، وصبّت كلها في صالح السمراء القادمة من أميركا. كانت في أول ظهورها بمثابة نسمة صيف منعشة بجرأتها، مقارنةً بالإطلالات الكلاسيكية والمتحفّظة التي اعتادتها نساء الأسرة المالكة عموماً، وكاثرين ميدلتون تحديداً. توسم صنّاع الموضة خيراً فيها.

خلال زيارة لجامعة «نوتينغهام ترانت» لدعم الصحة العقلية والنفسية للطلاب (رويترز)
خلال زيارة لجامعة «نوتينغهام ترانت» لدعم الصحة العقلية والنفسية للطلاب (رويترز)

لكن ذلك العام شكّل أيضاً نقطة تحوّل واضحة في إطلالات كاثرين؛ لأنها دخلت فيه سباق الأناقة وهي متسلّحة بروحها الرياضية. بين ليلة وضحاها، أصبحت ندّاً لا يُستهان به. لم تنس أنها، أولاً وأخيراً، ملكة بريطانيا المستقبلية، وأن ما يناسب غيرها من صراعات موسمية لا يناسب مكانتها بالضرورة. ركّزت على رسم صورة كلاسيكية تعكس روح العصر، ببقائها قريبة من شريحة واسعة من بنات الشعب، ومن دون الخروج عن بروتوكول العائلة المالكة، القائم على عدم استفزاز الذوق العام أو استعراض الجاه. أما في المناسبات الرسمية التي تمثل فيها التاج البريطاني، فالأمر مختلف تماماً؛ تظهر دائماً بأبهى صورة، باعتمادها أزياء بتوقيع مصمّمين مشهود لهم بالموهبة والابتكار، وغالباً ما تُفصَّل خصيصاً على مقاسها من دون الإعلان عن أسعارها.

لكل مقام مقال

باتت أميرة ويلز تُتقن لعبة الغالي والرخيص فمرة تظهر بتايور من «ألكسندر ماكوين» ومرات من «زارا»
باتت أميرة ويلز تُتقن لعبة الغالي والرخيص فمرة تظهر بتايور من «ألكسندر ماكوين» ومرات من «زارا»

باتت أميرة ويلز تُتقن لعبة الغالي والرخيص. فمرة تظهر بتايور من «ألكسندر ماكوين» ومرات من «زارا».

أما في المناسبات غير الرسمية فهي تحرص على اختيار قطع بسيطة من محلات شعبية مثل «زارا» و«إيل كي بنيت» و«ريس» وغيرها. ليس هذا فحسب، بل تعيد ارتداء نفس القطع في مناسبات متعددة. أحياناً تجددها بإضافة فيونكة على الياقة أو بتنسيقها مع قطعة من مصممها المفضل. مثلاً ظهرت في ثلاث مناسبات مختلفة بفستان متوسط الطول من «زارا» بمربعات صغيرة بالأبيض والأسود تشبه نقشة «البايزيلي». كانت قد ظهرت به أول مرة في 2020 وأعادته للصورة منذ أشهر قليلة خلال زيارة لدار رعاية أطفال.

هذا الذكاء في اختيار أزياء تراعي الزمان والمكان وراءه خبراء متخصصون يتابعون نبض الموضة والشارع على حد سواء، الأمر الذي جنَّبها ما تتعرض له ميغان ماركل من انتقادات بسبب اختياراتها الشخصية واندفاعها لفرض أسلوبها.

تظهر ميغان في البرنامج بكامل أناقتها وهو ما رآه البعض مبالغاً فيه واستعراضاً للجاه (نتفليكس)
تظهر ميغان في البرنامج بكامل أناقتها وهو ما رآه البعض مبالغاً فيه واستعراضاً للجاه (نتفليكس)

المشكلة في إطلالات ميغان ماركل أنها رغم أناقتها العالية وأسعارها الباهظة، لا تراعي خصوصية المكان والزمان. وليس أدل على ذلك من الميزانية التي تطلّبتها أزياؤها ومجوهراتها في برنامجها «بالحب، مع ميغان»، وكذلك الأسعار المرتفعة للمنتجات المعروضة على موقع التسوق الإلكتروني الذي أطلقته مؤخراً تحت اسم As Ever. هذه الأسعار، مقرونةً برغبتها الواضحة في الانتماء إلى نادٍ نخبوي، تجعلها تبدو منفصلة عن الواقع، خصوصاً أن أغلب متابعاتها من ذوات الإمكانيات المحدودة أو المتوسطة في أفضل الأحوال.

على العكس منها، تنجح كاثرين في احتضان فئات متنوعة من المجتمع، حيث تتنقل بين الرسمي وغير الرسمي، وبين الراقي والبسيط كفراشة. في كليهما تُجيد تقديم نموذج يُحتذى به في خيارات الموضة المستدامة. ليس فقط لأنها تُكرِّر القطع نفسها أكثر من مرة، وتدعم مصممين يرفعون شعار الاستدامة؛ بل لأنها لم تتردد في حفل جوائز إيرث شوت في عام 2022 أن تعتمد فستاناً مستعملاً، أي من «البالة» في خطوة غير مسبوقة من قبل. بقدر ما كانت هذه الخطوة صادمة، كانت أيضاً رسالة قوية استقبلتها أوساط الموضة البريطانية تحديداً بالتهليل، بحكم أنهم يسعون لترسيخ مكانة لندن بوصفها عاصمة عالمية للموضة المستدامة منذ فترة غير قصيرة.

ظهرت كاثرين ميدلتون بهذا الفستان من «زارا» 3 مرات منذ عام 2020 إلى اليوم (أ.ف.ب)
ظهرت كاثرين ميدلتون بهذا الفستان من «زارا» 3 مرات منذ عام 2020 إلى اليوم (أ.ف.ب)

بهذا الأسلوب والحرص على قراءة تغيرات العصر، كسبت لحد الآن الكثير من القلوب، بما في ذلك قلب حميها الملك تشارلز الثالث، الذي يقال إنه لا يبخل عليها بشيء، ويوفر لها ميزانية لا يستهان بها. السبب أنها إلى جانب مكانتها في السلم الملكي، أكدت له أنها مثله «حريصة» ولا تبالغ. هذه المعاملة الخاصة لم تحظ بها «سلفتها» ميغان، الأمر الذي أثار حفيظة الأمير هاري وأشار إليه في إحدى المقابلات قائلاً إن والده رفض تمويل زوجته. وحسب مزاعم البعض، فإن رد الملك بعد إلحاح الابن كان أنه ليس «بنكاً» مفتوحاً.