مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

بيير رينيرو المسؤول عن صورتها وإرثها لـ«الشرق الأوسط»: مواكبة العصر لا تعني تجاهل الأصل

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)
TT

مواجهة بين الماضي والحاضر في إصدارات «كارتييه» لعام 2024

مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها   (كارتييه)
مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» عبارة عن مقابلة جريئة بين المينا ومرآة يبدو فيها الوقت معكوساً لكل نسخها (كارتييه)

«كارتييه ولادة»، هذا ما قاله بيير رينيرو، في لقائه مع «الشرق الأوسط»، على هامش معرض «ساعات وعجائب لعام 2024». يستدل على قوله برسالة كتبها لوي كارتييه، في النصف الأول من القرن الماضي، لمصممة الدار آنذاك جان توسان يُثني فيها على تصميم اقترحته له، وجاء فيها: «إنها فكرة رائعة تكمن روعتها في أنها خصبة يمكن أن تُولد منها أفكار كثيرة».

بيير رينيرو (جون فراسوا روبير)

بيير رينيرو هو مدير الصور والأسلوب والتراث في «ميزون كارتييه» منذ عام 2003، يرى نفسه مسؤولاً عن صورة الدار وإرثها الغني، يعرف كل صغيرة وكبيرة في أرشيفها، ويشم نفَسها في كل تصميم، يؤمن بأن هذا المبدأ الذي أرساه جاك كارتييه والقائم على تخصيب أفكار قديمة لتوليد أفكار وأشكال معاصرة، يجب عدم الحياد عنه، مشيراً إلى أن «من فات قديمه تاه»، وهذا، تحديداً، ما كان واضحاً في معرض «ساعات وعجائب» الذي تحتضنه جنيف سنوياً.

تكشف النسخة الجديدة من مجموعة «كارتييه بريفيه» عن ساعة «تورتو» بالبلاتين أو الذهب الأصفر (كارتييه)

عادت الدار مثلاً إلى مجموعتها «كارتييه بريفيه»، وتحديداً ساعة «تورتو» التي ظهرت في عام 1912، لتعيد صياغتها، ولسان حالها يقول لجيل الشباب إنها، بشكلها المميز ووظائفها الجديدة، ابتُكرت لهم وليس لأجدادهم. كذلك الأمر لمجموعة «سانتوس» التي صممها لوي كارتييه للطيار سانتوس في عام 1904، عادت هي الأخرى بحُلة لم تتأثر بالزمن، بالعكس زادتها السنوات قوة وجاذبية، فضلاً عن ساعات «كراش» و«ريفلكسيون دو كارتييه»، وغيرها، كلها أُعيدَ النظر فيها وتعزيزها بتقنيات جديدة تخدم مواصفاتها الجمالية. «الظروف والناس والأذواق، بل العالم أجمع تغيّر، لهذا لا يمكننا أن نكتفي بتكرار أو استنساخ ما قدمناه في الماضي، مهما كان جماله»، وفق قول بيير رينيرو، مضيفاً «ثم إن النظرة إلى الجمال نسبية تختلف عبر الزمن، ومن جيل إلى آخر. من هذا المنظور، نحرص على أن تبقى عجلة التطوير في الدوران لتواكب إصداراتنا متطلبات العصر والحياة». يقول هذا وهو يعبّر عن سعادته بأن المجال الذي يعمل فيه لا يتطلب التقيد بقواعد تُكبّل الإبداع. «بالعكس تماماً، إنه قابل للتفكيك والتغيير وفق ما تُمليه الحالة الزمنية والأحاسيس والمشاعر».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

لا يُخفي بيير أن العملية تتضمن نوعاً من المغامرة بحُكم أن نتائج المشاعر غير مضمونة مسبقاً، لكن ما يُطمئن ويُحفز فريق العمل أن الدار تتقبل الأخطاء، تعترف بأخطائها وتملك جرأة التراجع عنها؛ بدليل أن «هناك تصميمات جرى اختبارها ولم تر النور، وأخرى توقّف إنتاجها لأنها لم تعد مناسبة»، وهذا، بنظره، أمر صحي وإيجابي.

لكنه يعود ليؤكد أن مواكبة التغييرات لا تأتي على حساب الأصول والجذور، ولا سيما إذا كانت قوية وراسخة في المخيلة والوجدان. «خذي باريس مثلاً، هي اليوم غير باريس القرن الماضي، توسعت وازدحمت بالسيارات وغيرها من التطورات التي غيّرت إيقاعها، لكنها لا تزال تسكن وجداننا ومخيلتنا عاصمة الأناقة والرومانسية والجمال، كذلك إبداعاتنا».

تعمل ساعة بآلية حركة ميكانيكية ذاتية التعبئة تدمج التوقيت المزدوج لإتاحة قراءة وقت منطقتين في آن واحد. وشكلاً تعزز الأناقة بشكل علبتها وسوارها وأيضاً بعقاربها المصممة على شكل سيف ومطلية بالروديوم المكسو بمادة مضيئة

إصدارات «ميزون كارتييه» الأخيرة تؤكد رأيه، فالماضي والحاضر فيها وجهان لعملة واحدة، وفي كل حالاتها وتجلياتها تثير الرغبة فيها، بغضّ النظر عن الزمن والثقافات. الفضل، وفق شرح رينيرو، أن أرشيفها الغني لم يكن يوماً مرجعاً يتقيد به مصمموها، بقدر ما هو قاموس يستلهمون منه تصميمات تتجدد باستمرار. الشرط الوحيد، الذي يُفرض على مصمميها وصُناعها، أن يتقيدوا بجينات الدار وأسلوبها الخاص. ساعة «تورتو» مثلاً كان الهدف من تصميمها في عام 1912، ابتكار شكل إبداعي مختلف. في عام 2024 عادت بشكلها الأصلي نفسه، مع إضافة ميزات جديدة مثل وظيفة الكرونوغراف المعقدة أحادية الزر، وعروات امتدت على طول السوار، ما جعل المظهر الجانبي يبدو نحيفاً، ووزن الساعة خفيفاً، كما ظهرت فيها عقارب على شكل سكة حديدية تدور حول علامات الساعة، جعلت المينا أوضح.

يُكرر بيير رينيرو مدى أهمية «أسلوب كارتييه» في كل عملية ابتكار، قائلاً: «إنه المركز الأساس لكل شيء»، فهو ما يُميزها، هذا الأسلوب اكتسبته من مهارتها وخبرتها في التصميم والترصيع وصقل الأحجار الكريمة أولاً، بحكم أنها لم تبدأ صانع ساعات، بل صائغ مجوهرات، وهو ما يتجسد في عنصر جذب لا يقام لمُنتجاتها على المستويين الفني والتجاري.

من مجموعة «ريفلكسيون دو كارتييه» النسائية التي تنافس كلاً من ساعات «كلاش» و«كوسان» بتصميمها الذي يجمع خبرة الدار في صناعة الساعات وصياغة المجوهرات، ويظهر هذا في التصميم الهندسي للسوار المفتوح، فهو يجمع الأسطح المخرَمة والذهب المصقول العاكس والخطوط الممدودة والزوايا الدقيقة (كارتييه)

أرقام المبيعات تؤكد أن مكانة «كارتييه» لا تهتز أو تتزعزع، على الرغم من الاضطرابات الاقتصادية التي مر بها قطاع المنتجات المترفة ولا يزال. اسمها يتحدى الأجيال، ويكفي ليُحرك مشاعر الهواة والعارفين على حد سواء. ما يُحسَب لها أنها لم تستثن في أي مرحلة من مراحل تطورها الكل، بمن فيهم المتطلعون لدخول نادي الفخامة من بابها، لم تُقلقها احتمالية أن يؤثروا عليها سلباً. أخذت دائماً موقفاً ديمقراطياً، تخاطبهم باللغة الأنيقة نفسها والراقية التي تخاطب بها هواة الاقتناء من العارفين، وتُقدم لكل شريحة بُغيتها، سواء من خلال قطعة مجوهرات صغيرة تناسب إمكانياتهم المتواضعة، أم ساعة مرصعة بالماس تتضمن حركات ووظائف معقدة تُقدَّر بمئات الآلاف.

من مجموعة «سانتوس دومو» بإصدار محدود لا يتعدى الـ200 قطعة، وفيه بتصميمها أناقة التصميم الأصلي لعام 1904 صُنع المينا من العقيق الأحمر بتدرجات لونية خفيفة تُسلط الضوء على البلاتين (كارتييه)

يشرح بيير رينيرو أن هذه الشمولية تدخل في صُلب جينات «كارتييه» منذ تأسيسها في عام 1847، ولم تتخلَّ عنها على مر العقود؛ بفضل رؤية جماعية تحترم السيناريو الذي كتبه المؤسس جاك كارتييه وأبناؤه من بعده. قبل بدء أي عمل، أياً كان حجمه وقيمته، تجري حوارات كثيرة بين المصممين وفريق العمل في الاستديو، وعلى رأسهم رينيرو بوصفه مدير الصور والأسلوب والتراث؛ للتأكد من أن التصميم سيكون إضافة لتاريخ الدار واستمراريتها. يقول: «أنا واحد من هذه الرؤية الجماعية. دوري يتركز في رسم صورة تليق باسمها والحفاظ على تاريخها وإرثها، ننسج منه قصصاً مثيرة، لكن نحرص على أن ترتبط بشكل أو بآخر بالمستقبل، استناداً لما قاله جاك كارتييه لجان توسان في رسالته».

مجموعة «سانتوس دومو» إصدار محدود بثلاث نسخ حصرية: تتميز بالأناقة بفضل طلاء اللَّكر الذي يغطي المينا ويسلط الضوء على الإطار الخارجي والعُلبة. تتوفر نسخة باللون الأخضر والبلاتين ونسخة بلون الطاووس الأزرق والذهب الوردي والثالثة بالرمادي الداكن والذهب الأصفر (كارتييه)

يأخذني الحماس وأسأله عن المعرض الذي نظمته «كارتييه» في اللوفر منذ فترة قصيرة، وركزت فيه على تأثير الفن الإسلامي، وما إذا كان التوجه إلى ثقافات معينة من الاستراتيجيات التسويقية التي تتبعها الدار، فينفي بشدة: «أبداً، وهذا ليس تعجرفاً أو تعالياً منا، كل ما في الأمر أن لدينا منطقنا وأسلوبنا الخاص الذي لا نحيد عنه، إنه أسلوب عالمي منفتح على كل الثقافات، ومن ثم لا يعترف بمكان ولا زمان».

لا ينكر أن الجانب التجاري مهم ولا يمكن تجاهله، إلا أن أهميته تتساوى مع قيمة المنتج وضرورة أن يلمس مشاعر الناس من جهة، ويبقى معهم كاستثمار يحمل اسم الدار للأبد، من جهة ثانية. هذا الانفتاح على الغير، وفق قوله، يفتح مساحة أكبر للإبداع، «فعوض أن نبقى سجناء ثقافة معينة تضعنا في إطار ضيق ومحدود، نُفضل أن نحلّق بخيالنا ونستكشف ثقافات جديدة وبعيدة نرى من خلالها الأشياء من زوايا مختلفة، أما علاقة (كارتييه) بمنطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي ككل، فهي ليست وليدة اليوم أو عملية تسويقية»، كما يؤكد. إنها تعود إلى أكثر من قرن عندما زارها جاك كارتييه وانبهر بثقافتها وفنونها، «وهذا يعني أنها بدأت حتى قبل افتتاح أي محل لنا بالمنطقة، وتبدأ معاملاتنا التجارية فيها، لهذا يمكنني القول بثقة إنها بُنيت على حب الجمال والاحترام، والدافع لها كان الانفتاح على ثقافات العالم. لم نقتصر على الاستلهام من الفن الإسلامي، من خلال أشكال هندسية من فن الآرت ديكو تحديداً، استلهمنا أيضاً من الفنون اليابانية والصينية وغيرها، فكلما استكشفنا ثقافات وحضارات بعيدة، جغرافياً وتاريخياً، توسعنا فنياً ليترسخ اسم الدار في الذائقة العامة».


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
TT

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.

وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.

احتلت «لورو بيانا» كل واجهات محلات «هارودز» بمناسبة الأعياد والاحتفالات (لورو بيانا)

هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.

ورشة العجائب

تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.

الجنود المجهولون أو الحرفيون أخذوا نصيبهم من الاحتفال باستعراض مهاراتهم أمام الضيوف (لورو بيانا)

تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،

وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.

الواجهة والنوافذ

الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .

... وطبعاً لا تكتمل الإطلالات من دون حقائب تعكس اهتمام الدار بالتفاصيل (لورو بيانا)

صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.

نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.

منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.

قطع حصرية لـ«هارودز»

احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.

لم تستسهل «لورو بيانا» عملية تزيين 36 نافذة وكانت النتيجة مرآة لتاريخها وإرثها (لورو بيانا)

الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.

من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.

متجران مؤقتان

سيجد زائر «هارودز» كل ما يطمح إليه من أزياء أو إكسسوارات مصنوعة من أجود أنواع الألياف (لورو بيانا)

بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.

استلهمت الدار الإيطالية كثيراً من التصاميم من الأجواء البريطانية العريقة... من الأشكال والقطع إلى الألوان (لورو بيانا)

أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.

تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.