الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تتزايد في الجامعات الأميركية... والشرطة تعتقل العشرات

رئيس مجلس النواب يطالب بتدخل الحرس الوطني لإنهائها

ضباط الشرطة يحتجزون متظاهراً خلال احتجاج مؤيد للفلسطينيين بجامعة إيموري في ولاية أتلانتا الأميركية (أ.ف.ب)
ضباط الشرطة يحتجزون متظاهراً خلال احتجاج مؤيد للفلسطينيين بجامعة إيموري في ولاية أتلانتا الأميركية (أ.ف.ب)
TT

الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تتزايد في الجامعات الأميركية... والشرطة تعتقل العشرات

ضباط الشرطة يحتجزون متظاهراً خلال احتجاج مؤيد للفلسطينيين بجامعة إيموري في ولاية أتلانتا الأميركية (أ.ف.ب)
ضباط الشرطة يحتجزون متظاهراً خلال احتجاج مؤيد للفلسطينيين بجامعة إيموري في ولاية أتلانتا الأميركية (أ.ف.ب)

اشتعلت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في عدد كبير من الجامعات الأميركية بسرعة انتشار النار في الهشيم، وامتدت الاحتجاجات التي بدأت في جامعة كولومبيا في نيويورك الأسبوع الماضي إلى ولايات أخرى من تكساس إلى كاليفورنيا، حيث أقام الطلاب مخيمات في مواقع مركزية في الحرم الجامعي، مما أدى إلى تعطيل فصول التعليم وإعلان بعض الجامعات إغلاق الحرم الجامعي وتعليق الدراسة والتحول إلى فصول افتراضية.

واشتعلت مع المظاهرات محاولات الاستغلال السياسي للاحتجاجات واتهامات بأن الجامعات تشجّع الترهيب وخطاب الكراهية ومعاداه السامية واتهامات أخرى بقمع حرية الرأي والتعبير، وجدل آخر حول الأولويات للحفاظ على النظام أم الاستجابة لرغبات الطلبة في إدانة القمع ومساعدة المضطهدين والنظر إلى المشهد بأنه صراع بين النظام والفوضى.

ونقلت وسائل الأعلام مشاهد للحرم الجامعي بعدة جامعات حيث تتكدس الخيام والبطانيات وأجهزة التدفئة والأطعمة وعدد ضخم من المتظاهرين الذين يحملون الأعلام الفلسطينية ويضعون شعارات تطالب بتحرير غزة ووقف إطلاق النار فيها وإنهاء الحرب، ووقف تعامل الجامعات الأميركية مع نظيرتها الإسرائيلية ووقف الاستثمارات في الشركات التي توفر الأسلحة لإسرائيل، وسحب الأموال التي تضعها الجامعات في الصناديق والشركات التي تستفيد من الغزو الإسرائيلي لغزة واحتلال الأراضي الفلسطينية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن الأموال التي تستثمرها الجامعات الأميركية في إسرائيل تصل إلى ما يقرب من 50 مليار دولار، وتستثمر جامعة كولومبيا وحدها أكثر من 13 مليار دولار.

استغلال سياسي

زاد من توتر المشهد في الجامعات الأميركية ظهور رئيس مجلس النواب مايك جونسون في جامعة كولومبيا مندداً بالتجمعات ومطالباً البيت الأبيض باتخاذ إجراءات حاسمة، واقترح الاستعانة بالحرس الوطني والجيش الأميركي لقمع الاحتجاجات التي اعتبرها الجمهوريون معادية للسامية وتهدد الطلبة اليهود.

وقال جونسون خلال زيارته لجامعة كولومبيا إن الطلبة اليهود أخبروه عن أعمال تعصّب شديدة وإنهم يشعرون بعدم الأمان، وأشار إلى شعارات تهديد رفعها بعض الطلبة تعبّر عن تعاطفهم مع حركة «حماس» وتطالب بتدمير إسرائيل. ودعا جونسون رئيسة الجامعة نعمت شفيق إلى تقديم استقالتها ما لم تتمكن من إحلال النظام وإنهاء الفوضى.

من احتجاجات طلاب جامعة كولومبيا تأييداً للفلسطينيين في حرم الجامعة (أ.ف.ب)

وساند عدد من أعضاء الكونغرس من الجمهوريين مطالب جونسون باستدعاء الحرس الوطني، وحث السيناتور الجمهوري جوش هاولي من ولاية ميسوري والسيناتور توم كوتون من أركنساس، إدارة الرئيس جو بايدن باستدعاء الحرس الوطني مشيرين إلى التهديدات التي يتعرض لها الطلبة اليهود.

وقال السيناتور هاولي «أحثكم على تعبئة الحرس الوطني والسلطات الأخرى لحماية الطلاب الأميركيين اليهود في حرم جامعة كولومبيا وأي حرم جامعي آخر يتعرض فيه الطلاب اليهود للخطر».

وأعادت مطالبة رئيس مجلس النواب باستدعاء الحرس الوطني حادثة بارزة وقعت عام 1970 حينما أطلق الحرس النار على الطلبة المتظاهرين ضد حرب فيتنام في جامعة كينت في أوهايو مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص.

وانتقدت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز استدعاء الشرطة والقبض على المتظاهرين الشباب في حرم الجامعة، ووصفت ذلك بالعمل التصعيدي والمتهور والخطير، وقالت في حسابها عبر موقع «إكس»: «هذا فشل فادح للقيادة ويعرض حياة الناس للخطر إنني أدين ذلك بأشد العبارات».

توازنات بايدن

وأعلن البيت الأبيض، مساء الأربعاء، أن الرئيس بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية. وقالت كارين جان بيير المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس يؤمن بأهمية حرية التعبير وقدرة الناس على التعبير عن أنفسهم بطريقة سلمية، واستطردت أنه «حينما يكون هناك خطاب كراهية وأعمال عنف لابد من مواجهتها»، مشيرة إلى أن الرئيس بايدن ندد بمعاداة السامية وأكد أنه لا مكان لها في حرم الجامعات.

ويحاول البيت الأبيض الموازنة بين دعم إسرائيل وعدم جعل هذا الدعم يؤثر على إعادة انتخاب بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الوقت نفسه، خاصة مع تزايد الغضب لدى أوساط كبيرة من الشباب الديمقراطي، ويسير البيت الأبيض على خط رفيع بين الدفاع عن القيم الأميركية والحقوق المتعلقة بحق التعبير والاحتجاج السلمي وبين التوجهات لوقف الاحتجاجات من منطلق أنها تشجع خطاب الكراهية ومعاداة السامية.

اعتقالات بالعشرات

ولم يقتصر تدخل الشرطة واعتقال العشرات من طلبة جامعة كولومبيا، بل امتدت اعتقالات الشرطة للطلبة في جامعة ييل وجامعة جنوب كاليفورنيا حيث أعلنت شرطة لوس أنجليس أنه تم القبض على 93 شخصاً في جامعة جنوب كاليفورنيا للاشتباه في التعدي على ممتلكات الغير. وتعد اعتقالات جامعة جنوب كاليفورنيا أكبر اعتقالات جماعية في الحرم الجامعي منذ بدء المظاهرات الأسبوع الماضي.

وقالت كلية ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية إنها ستظل مغلقة على الأقل خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث احتل المتظاهرون، ومن بينهم غير الطلاب، مبنيين في الحرم الجامعي. وقالت مدرسة الفنون إنه تم انتهاك العديد من القوانين، بما في ذلك مقاومة الاعتقال وتدمير وإتلاف الممتلكات والتعدي الإجرامي. واحتجزت الشرطة تسعة طلاب في جامعة منيسوتا وعدد آخر من الطلبة في ولاية أوهايو

وقام الطلاب في جامعات أخرى، بما في ذلك جامعة براون وكلية إيمرسون وجامعة هارفارد من بين جامعات أخرى، بتنظيم احتجاجات وإنشاء معسكرات.

وفي جامعة تكساس في أوستن، تم القبض على 34 شخصاً بعد رفضهم إنهاء الاحتجاج داخل الحرم الجامعي، وقالت الشرطة إنها قامت بعمليات القبض بناء على طلب الجامعة وحاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، لمنع التجمع غير القانوني. وهاجم حاكم تكساس الجمهوري المظاهرات قائلاً على موقع «إكس»: «هؤلاء المتظاهرون مكانهم السجن»، مضيفاً أنه يجب طرد الطلاب الذين ينضمون إلى ما وصفه بالاحتجاجات المعادية للسامية في الجامعات العامة، وقال «لن يتم التسامح مع معاداة السامية في تكساس».

صب الزيت على النار

وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتصب الزيت على النار وتزيد من حدة الانقسام حول المظاهرات. وقال نتنياهو في مقطع فيديو إن «ما يحدث في حرم الجامعات الأميركية أمر مروع... لقد استولى الغوغاء المعادون للسامية على الجامعات الرائدة ويطالبون بإبادة إسرائيل ويهاجمون الطلبة اليهود وأعضاء هيئة التدريس اليهود».

وقارن رئيس الوزراء الإسرائيلي ما وصفه بمعاداة السامية في الجامعات الأميركية بما حدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات، وقال «لا بد من وقف هذا الأمر وإدانته بشكل قاطع»، وأضاف «لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي».

وتقدّم تعليقات نتنياهو دافعاً للقادة الجمهوريين للاستمرار في انتقاد المتظاهرين واتهامهم بمعاداة السامية واتهام مديري الجامعات والديمقراطيين وإدارة بايدن بالفشل في حماية الطلبة اليهود.


مقالات ذات صلة

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

«نتنياهو المطلوب» يقلق إسرائيل على ضباطها

في ظلّ معلومات عن اتجاه دول أجنبية إلى تقليص اتصالاتها مع الحكومة الإسرائيلية غداة صدور مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، بنيامين نتنياهو، وأخرى بحق وزير دفاعه

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دهوك)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».