بعد فرض عقوبات جديدة هل تعود واشنطن إلى سياسة «الضغوط القصوى»؟

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: فشل احتواء إيران فرض على بايدن تغيير مقاربته

صاروخ "عماد" الباليستي ومسيرات "شاهد 136" خلال مراسم ذكرى الثورة الإيرانية في ميدان آزادي وسط طهران في فبراير الماضي (تسنيم)
صاروخ "عماد" الباليستي ومسيرات "شاهد 136" خلال مراسم ذكرى الثورة الإيرانية في ميدان آزادي وسط طهران في فبراير الماضي (تسنيم)
TT

بعد فرض عقوبات جديدة هل تعود واشنطن إلى سياسة «الضغوط القصوى»؟

صاروخ "عماد" الباليستي ومسيرات "شاهد 136" خلال مراسم ذكرى الثورة الإيرانية في ميدان آزادي وسط طهران في فبراير الماضي (تسنيم)
صاروخ "عماد" الباليستي ومسيرات "شاهد 136" خلال مراسم ذكرى الثورة الإيرانية في ميدان آزادي وسط طهران في فبراير الماضي (تسنيم)

مع إعلان وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات جديدة على إيران، بالتنسيق مع بريطانيا، وقرار دول الاتحاد الأوروبي الأربعاء، تشديد العقوبات عليها، بدا أن فصلاً جديداً قد فتح في مقاربة ملف العلاقة مع طهران.

فقد أعلنت الخزانة الأميركية اليوم (الخميس) فرض عقوبات على 16 فرداً وكيانين يعملان على تمكين إنتاج المسيّرات الإيرانية، بما في ذلك أنواع المحركات التي تعمل على تشغيل المسيّرات من نوع «شاهد»، والتي تم استخدامها في هجوم 13 أبريل (نيسان). وأضاف بيان الخزانة، أن هذه الجهات الفاعلة تعمل نيابة عن «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري» الإسلامي الإيراني، وذراع إنتاج المسيّرات، وشركة «كيميا بارت سيفان» وغيرها من الشركات المصنعة الإيرانية للمسيّرات ومحركاتها.

كذلك صنّف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، خمس شركات توفر المواد المكونة لإنتاج الصلب لشركة «خوزستان» للصلب الإيرانية، أحد أكبر منتجي قطاع الصلب في إيران، الذي يدر عائدات تعادل عدة مليارات من الدولارات سنوياً. وفرض المكتب أيضاً، عقوبات على شركة «بهمن غروب» لصناعة السيارات الإيرانية وثلاث شركات تابعة لها، واصلت تقديم الدعم المادي لـ«الحرس الثوري» الإيراني والكيانات الأخرى المدرجة وفقاً لسلطات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك وزارة الدفاع الإيرانية ولوجيستيات القوات المسلحة.

وتابع البيان أنه بالتزامن مع هذا الإجراء، فرضت المملكة المتحدة عقوبات تستهدف العديد من المنظمات العسكرية الإيرانية والأفراد والكيانات المشاركة في صناعات الطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية الإيرانية.

التنسيق مع الحلفاء

وأضاف البيان: «اليوم، بالتنسيق مع المملكة المتحدة وبالتشاور مع الشركاء والحلفاء، نتخذ إجراءات سريعة وحاسمة للرد على هجوم إيران غير المسبوق على إسرائيل».

وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين في البيان: «إننا نستخدم الأدوات الاقتصادية لوزارة الخزانة لإضعاف وتعطيل الجوانب الرئيسية لنشاط إيران الخبيث، بما في ذلك برنامج الطائرات من دون طيار والإيرادات التي يدرها النظام لدعم الإرهاب». وأكدت على مواصلة فرض العقوبات «لمواجهة إيران بمزيد من الإجراءات في الأيام والأسابيع المقبلة»، مشيرة إلى أنه على مدى السنوات الثلاث الماضية، «استهدفنا أكثر من 600 فرد وكيان مرتبطين بنشاط إيران الإرهابي وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وتمويلها لـ(حماس) والحوثيين و(حزب الله) والميليشيات العراقية. كما قمنا أيضاً بتنفيذ عقوباتنا بقوة، بما في ذلك فرض غرامات تاريخية وكشف مخططات وشبكات التهرب من العقوبات». وأشارت إلى أن «أفعالنا تجعل الأمر أكثر صعوبة وتكلفة بالنسبة لإيران لمواصلة سلوكها المزعزع للاستقرار».

منشأة «نطنز» النووية التي تبعد 322 كيلومتراً جنوب طهران (أ.ب)

ترضية أم مقاربة جديدة؟

وفيما عَدّ البعض فرض تلك العقوبات «جائزة ترضية» لحض إسرائيل على تجنب الرد على الهجوم الإيراني، وعدم توسيع الصراع، اختلفت آراء أخرى حول ما إذا كانت العقوبات، تشير إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن في طريقها لإنهاء مقاربتها السابقة للعلاقة مع طهران، والعودة إلى سياسة «أقصى الضغوط» التي كانت إدارة سلفه، دونالد ترمب، قد فرضتها، بعد انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018.

وبعدما حاولت إدارة بايدن إعادة التفاوض على الاتفاق النووي، وتخفيف العقوبات، وتحرير عشرات المليارات من الأموال المجمدة، فشلت تلك السياسة في حض إيران على التحول إلى «دولة طبيعية»، وواصلت سياساتها «المزعزعة» للاستقرار، وخصوصاً بعد هجوم «حماس».

وبحسب تحليلات صحافية أميركية، فإن الهجوم الإيراني هو عمل عدواني مفتوح، لكنه ليس بداية هذا الصراع. هو تصعيد للحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران المستمرة منذ ما قبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من خلال وكلائها في الشرق الأوسط. والفرق الآن أنه أصبح في العلن وليس في الظل، وهذا من شأنه أن يغير الحسابات في واشنطن على وجه الخصوص.

المنطقة أمام سيناريو تصعيدي

ويشبه البعض ما جرى بأنه يذكّر بحقبات سابقة من الصراعات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط. فبعد حرب 1967، جرت جولات من الهجمات المتبادلة بين إسرائيل والمنظمات الفلسطينية، انتهت باجتياح لبنان عام 1982، وخروج تلك المنظمات منه. اليوم، ومع تبادل الهجمات مع الميليشيات الإيرانية، ومع إيران نفسها، فقد تكون المنطقة أمام سيناريو مشابه، وسط إجماع غربي على معاقبتها، وعجز الدول «الصديقة» لإيران عن التأثير على مجريات الأحداث.

ورغم ذلك، يقول برايان كاتوليس، كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إنه لا يرجح العودة إلى سياسة «الضغط الأقصى»، لسببين رئيسيين: «أولاً، كانت هذه السياسة التي انتهجها الرئيس ترمب، بمثابة (استرضاء سلبي) لتصرفات إيران الإقليمية، في أماكن مثل سوريا والعراق والمملكة العربية السعودية، بسبب أشياء مثل عدم وجود أي رد على أفعال مثل الهجوم على حقول النفط في إبقيق عام 2019. ثانياً، تريد العديد من الدول العربية تجنب المزيد من التصعيد مع إيران، كما تفعل إدارة بايدن».

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

من جهته، يقول بهنام بن طالبلو، كبير الباحثين في الشأن الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: لسوء الحظ، هذا لا يرقى إلى مستوى العودة إلى ممارسة قدر أقصى من الضغط على إيران. ويضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: تمثل العقوبات الجديدة نهجاً تدريجياً يهدف إلى «إدارة المشكلة» معها بدلاً من حلها. ويؤكد بن طالبلو على أنها موضع ترحيب، وتطبيق العقوبات الحالية هو ما يهم مع مرور الوقت. لكنه أضاف: «التغيير الكبير في الصورة سيكون دعم إعادة فرض العقوبات في الأمم المتحدة أو فرض عقوبات على (الحرس الثوري) الإيراني بأكمله بوصفه منظمة إرهابية».

ويعتقد بن طالبلو، أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يشعران بالحاجة إلى الضغط على برنامج إيران للطائرات من دون طيار والصواريخ والبرنامج العسكري بعد هجوم طهران، لكنهم يشعرون بانجراف استراتيجي من واشنطن، ومن المرجح ألّا يقدموا على خطوات أكبر قبل إدارة أميركية تضغط على إيران خلال عام انتخابات رئاسية.

إيران مأزومة ومحرجة

يبدو أن نجاح التحالف الدولي والإقليمي، الذي شكل على عجل، في إحباط الهجوم الإيراني، يقرأ كإشارة على أن الأمور قد تكون متجهة في غير مصلحة سياسات طهران المأزومة، وقد ينعكس على علاقاتها مع ميليشياتها نفسها، وخصوصاً «حزب الله» ودوره في لبنان. ويستدل على ذلك، من مسارعة إيران، قبل تنفيذ هجومها على إسرائيل، وبعده، تأكيد حرصها على عدم توسيع الصراع، وعدم رغبتها في الدخول في حرب مع أحد، بحسب تصريحات وزير خارجيتها، وسحب خبرائها وعناصر «الحرس الثوري» من سوريا والعراق، وطلبها من ميليشياتها «أخذ الحيطة والحذر» تخوفاً من الرد الإسرائيلي، الذي عدّ أقرب إلى الاعتراف بانسحابها من المواجهة.

ويقول كاتوليس: «بالفعل لقد غيرت إدارة بايدن نهجها في الشرق الأوسط بشكل كبير عما كانت عليه في عام 2021، وهذا انعكاس للاعتراف بحقيقة أن إيران تواصل لعب دور سلبي في تقويض أمن الشرق الأوسط ككل». لكنه أضاف، أن هذا التحول في سياسة الولايات المتحدة، ينبغي أن ينعكس في نهج مختلف في علاقتها مع دول مثل المملكة العربية السعودية، التي وقعت اتفاقاً توسطت فيه الصين العام الماضي، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

وقال كاتوليس: لقد أظهرت إيران مدى ضعفها مقارنة بالولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من شركاء أميركا. كان هجومها على إسرائيل فاشلاً في معظمه، وهي الآن تتراجع وسط إحراج كبير.

ويرى بن طالبلو أن إيران في حالة تأهب قصوى خوفاً من رد إسرائيلي ضدّها، ومع عدم امتلاكها قدرات ردّ جديد، تعوض عن ذلك، بإغراق وسائل الإعلام بالتعليقات حول استعدادها للرد والتهديد بمزيد من الهجمات، على أمل أن تكبح واشنطن تل أبيب.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات تستهدف «أسطول الظل» الروسي

أوروبا صورة أصدرها حرس الحدود الفنلندي أمس تُظهر سفينة تابعة له خلال مهمة حراسة ناقلة نفط في البحر (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات تستهدف «أسطول الظل» الروسي

توعَّد الاتحاد الأوروبي بفرض مزيد من العقوبات على السفن الروسية بعد فتح هلسنكي تحقيقاً بتخريب ناقلة نفط أبحرت من روسيا كابلاً كهربائياً يصل بين فنلندا وإستونيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم من بين الشركات التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات 274 شركة متهمة بتزويد روسيا بتكنولوجيا متقدمة فضلاً عن شركات الدفاع والتصنيع الروسية (رويترز)

الكرملين: تحويل أميركا مليار دولار لأوكرانيا من أرباح الأصول الروسية «سرقة»

قال الكرملين إن إرسال الولايات المتحدة مبلغ مليار دولار، بحسب تقارير، إلى أوكرانيا عبر البنك الدولي الذي تمت تغطيته بأرباح الأصول الروسية المجمدة، يعد سرقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية حشد من المتظاهرين أمام السفارة الأميركية في العاصمة الكوبية هافانا (إ.ب.أ)

مظاهرة حاشدة أمام السفارة الأميركية في هافانا

تظاهر مئات الآلاف من الكوبيين، يتقدمهم الرئيس ميغيل دياز كانيل، والرئيس السابق راؤول كاسترو، أمام سفارة الولايات المتحدة في هافانا، للمطالبة برفع الحصار.

«الشرق الأوسط» (هافانا)
شؤون إقليمية ناقلة بترول إيرانية (أرشيفية)

واشنطن تفرض عقوبات على كيانات وشخصيات إيرانية وحوثية

أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس فرض عقوبات على أكثر من 10 كيانات وسفن وأفراد متورطين في نقل النفط الإيراني أو في تمويل جماعة الحوثيين المدعومة من إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أنصار جماعة الحوثي اليمنية (د.ب.أ)

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على إيران وكيانات مرتبطة بالحوثيين

ذكر موقع وزارة الخزانة الأميركية، الخميس، أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شخصيات وكيانات مرتبطة بإيران وجماعة الحوثي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا أطلق من اليمن تجاه تل أبيب

صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا أطلق من اليمن تجاه تل أبيب

صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، اعتراض صاروخ بالستي أطلق من اليمن قبل دخوله إلى وسط البلاد.

وأفاد الإسعاف الإسرائيلي عن إصابة 18 شخصا خلال التدافع وهم في طريقهم إلى المنطقة المحمية، فيما ذكرت يديعوت أحرونوت أن هبوط الطائرات إلى مطار بن غوريون توقف أثناء تفعيل صفارات الإنذار.

وكانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية قالت إن صفارات الإنذار دوت في عشرات المناطق وسط إسرائيل إثر رصد إطلاق صاروخ من اليمن.