معادلة غربية جديدة: عزل إيران مقابل امتناع إسرائيل عن الرد

الاتحاد الأوروبي و«مجموعة السبع» يسعيان لتفكيك قنبلة التصعيد من خلال جهود دبلوماسية ووعود

القادة الأوروبيون في صورة جماعية قبل بدء قمتهم الاستثنائية في بروكسل مساء الأربعاء (رويترز)
القادة الأوروبيون في صورة جماعية قبل بدء قمتهم الاستثنائية في بروكسل مساء الأربعاء (رويترز)
TT

معادلة غربية جديدة: عزل إيران مقابل امتناع إسرائيل عن الرد

القادة الأوروبيون في صورة جماعية قبل بدء قمتهم الاستثنائية في بروكسل مساء الأربعاء (رويترز)
القادة الأوروبيون في صورة جماعية قبل بدء قمتهم الاستثنائية في بروكسل مساء الأربعاء (رويترز)

ثمة معادلة جديدة يسعى الغربيون (الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي) إلى فرضها على المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، عقب الهجمات الإيرانية بالمسيرات والصواريخ متعددة الأنواع التي ساعدوا على إسقاط كثير منها، قبل وصولها إلى الفضاء الإسرائيلي. ولأن السلطات الإسرائيلية أعلنت عن عزمها «معاقبة» طهران والرد على هجماتها، فإن الغربيين يتخوفون من أن يؤدي الرد والرد المعاكس إلى اشتعال حرب شاملة يمكن التكهن باشتعالها، ولكن يصعب التنبؤ بنهايتها.

من هنا، فإن واشنطن ودول «مجموعة السبع» ودول الاتحاد الأوروبي الـ27 تحاول إرساء معادلة تقوم على التالي: الامتناع عن التصعيد وضبط النفس مقابل عمل الغربيين على تشديد العقوبات على إيران وفرض نوع من العزلة عليها. وبرز ذلك بداية في البيان الصادر عن «قمة السبع» التي التأمت عن بُعد في 14 من الشهر الحالي، وجاء فيه أن «السبع» أعربت عن «التضامن والدعم الكاملين لإسرائيل وشعبها، وإعادة التأكيد على الالتزام بأمنها».

وجاء في فقرة ثانية أن المجموعة إذ «تعمل على إرساء الاستقرار وتجنُّب المزيد من التصعيد»، وهي رسالة موجهة إلى طهران وتل أبيب في وقت واحد، أكدت أنها «تقف على استعداد لاتخاذ المزيد من التدابير الآن، ورداً على أي خطوات إضافية مزعزعة للاستقرار».

والرسالة المتضمنة في البيان المشار إليها يمكن اختصارها بأن الدول الصناعية الأكثر تصنيعاً، أي الدول الغربية ومعها اليابان، جاهزة لحماية إسرائيل وتوفير وسائل الدفاع التي تحتاج إليها مقابل امتناعها عن تصعيد التوتر مع إيران، من خلال مهاجمتها داخل أراضيها أو استهداف وكلائها في المنطقة.

وترجمت واشنطن ذلك سريعاً، من خلال إيجاد آلية لتمكين إسرائيل من الحصول على المساعدة في مشروع قرار مقدَّم إلى الكونغرس يخول لها الحصول على مساعدة عسكرية تزيد على 14 مليار دولار مجمدة منذ أشهر في مجلس النواب الأميركي.

وترى الدول الثلاث التي ساهمت مباشرة في الدفاع عن إسرائيل، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أنها، وفق تعبير دبلوماسي أوروبي في باريس «مؤهلة لأن تطلب من إسرائيل الامتناع عن التصعيد، لأنها، من جهة، لا تريد حرباً موسعة في الشرق الأوسط، وليست راغبة، من جهة ثانية، في أن تكون في موقع المواجهة المباشرة مع إيران، لما لذلك من تداعيات جيوسياسية واستراتيجية واقتصادية خطيرة».

وروجت هذه الدول كذلك لمقولة إن فشل الهجمات الإيرانية «يُعد انتصاراً لإسرائيل» وبالتالي لم تعد هناك حاجة للرد عليها.

بيد أن المعادلة الجديدة لا يبدو أنها حازت رضا إسرائيل التي يؤكد قادتها أنها ماضية، رغم ترددها، في الرد على طهران، لترميم قدراتها الردعية. وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، إبان زيارته لإسرائيل، إن الأخيرة تريد ضرب إيران. من هنا، فإن التساؤل المطروح في عدد من العواصم الأوروبية «يتناول معرفة ما إذا كانت إسرائيل تريد رفع ثمن امتناعها عن توجيه ضربة عسكرية لإيران، وطبيعة الثمن المطلوب».

حتى اليوم، يريد الأوروبيون فرض عقوبات جديدة على إيران، وتحديداً على الشركات الضالعة في تصنيع المسيرات والصواريخ الإيرانية، أي الأسلحة التي استُخدِمت في استهداف إسرائيل. وبيَّنت قمة القادة الأوروبيين التي ناقشت هذا الملف في بروكسل ليل الأربعاء - الخميس توافقاً تاماً على فرض هذه العقوبات. ودافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي التزم منذ أشهر نهجاً بالغ التشدد إزاء إيران، عن أنه من «واجب الاتحاد» توسيع نطاق العقوبات على طهران.​

صورة لوزراء خارجية «مجموعة السبع» بمناسبة اجتماعهم في مدينة كابري الإيطالية الأربعاء (إ.ب.أ)

 

وجاء نص تصريحه: «نؤيد فرض عقوبات يمكن أن تستهدف أيضاً كلَّ مَن يساعد في صنع الصواريخ والطائرات المسيرة التي استُخدمت خلال هجوم ليل السبت - الأحد». وجاء في البيان الصادر عن القمة أن القادة الأوروبيين «مستعدون لاتخاذ مزيد من الإجراءات التقييدية ضد إيران، لا سيما فيما يتعلق بالطائرات المسيرة والصواريخ». إلا أنهم في الوقت نفسه ربطوا ذلك بدعوة «كل الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والامتناع عن أي عمل قد يزيد التوترات»، وهو رسالة موجهة لإيران وإسرائيل معاً. وبيان القادة يُعد بمثابة ضوء أخضر مبدئي يتعين على وزراء الخارجية الأوروبيين لدى اجتماعهم في بروكسل يوم الاثنين المقبل التوافق على تفاصيله، وتحديد الكيانات التي ستُطبق عليها العقوبات وزمن انطلاقها.

جاءت كل التصريحات الأوروبية في الاتجاه عينه تحت باب العقوبات والعزل؛ فقد قال رئيس القمة شارل ميشال باسم المشاركين: «نشعر بأنه من المهم للغاية بذل كل ما في وسعنا لعزل إيران»، بينما شدَّد المستشار الألماني أولاف شولتس على أهمية «ألا ترد إسرائيل بهجوم واسع النطاق». وكلام المسؤول الألماني يحمل تفسيرات متعددة، ومنها أنه لا يعارض رداً إسرائيلياً لكن بشرط «ألا يكون واسع النطاق». وتسعى ألمانيا وفرنسا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي إلى توسيع مخطط يضع قيوداً على توريد المسيرات الإيرانية إلى روسيا، ليشمل الإمداد بالصواريخ، وليغطي تزويد وكلاء إيران في الشرق الأوسط بها.

تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن الأميركيين والأوروبيين رفضوا رفع القيود عن برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وفق ما تنص عليه فقرة وردت في الاتفاقية النووية لعام 2015، بحجة أن إيران لم تلتزم بمضامينها. والعقوبات المرتقبة ستكون امتداداً للعقوبات القائمة؛ ما يعيد إلى الواجهة السياسة التي سارت عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب التي اعتمدت العقوبات وسيلة وحيدة لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات من أجل اتفاق نووي أكثر صرامة.

تجدر الإشارة إلى أن للاتحاد الأوروبي برامج متعددة تستهدف إيران، على صلة بانتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ودعم طهران للحرب الروسية في أوكرانيا.

بيد أن التسريبات عن قمة الـ27 أظهرت وجود خلافات بين الأوروبيين تتناول نقطتين: الأولى فرض عقوبات على «الحرس الثوري» ككيان؛ الأمر الذي رد عليه مسؤول السياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل بالقول إن الأمر يتطلب إثباتات من دولة عضو تبين أن «الحرس الثوري» متورِّط في نشاط إرهابي، ودافع المستشار شولتس عن مقاربة بوريل بإشارته إلى أن السير بعقوبات كهذه يتطلب المزيد من المراجعات القانونية. كذلك، سعى الأوروبيون إلى عدم «استفزاز» السوق النفطية من خلال فرض عقوبات اقتصادية على طهران من شأنها التسبب في ارتفاع كبير بالأسعار.

أجواء التشدد في بروكسل كانت حاضرة في مدينة كابري الإيطالية حيث اجتمع وزراء خارجية «مجموعة السبع» وطالب بوريل بمراجعة نظام «العقوبات من أجل توسيعه وجعله أكثر كفاءة».

وذكر بوريل أن قيوداً فُرضت على صادرات الشركات الأوروبية إلى إيران من «المكونات التي تسمح بإنتاج هذا النوع من الأسلحة»، أي الصواريخ والمسيرات، مضيفاً: «لذلك سنشددها».

وعدَّ أن «المهم تطبيق القرار» داعياً أيضاً إسرائيل إلى ضبط النفس حيث إن المنطقة «على حافة» الحرب. ونقلت الوكالات عن مصدر دبلوماسي إيطالي أن عقوبات فردية تستهدف أشخاصاً منخرطين في سلسلة التوريد الصاروخية إلى إيران. ومن جانبها، حثت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بايربوك على «عزل إيران» ولكن أيضا «تجنب التصعيد». واختصر وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاجاني الموقف الجماعي بتأكيد دعم «مجموعة السبع» لإسرائيل قائلاً: «نحن أصدقاء إسرائيل وندعمها».

هكذا يتبدى المنهج الأوروبي بطرح مقايضة العقوبات على إيران وعزلها، بشرط أن تمتنع إسرائيل عن أي إجراءات تفتح الباب لحرب واسعة بالمنطقة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل «الإغراءات» الأوروبية كافية للجم إسرائيل، أم أن الأخيرة ماضية في مخططاتها رغم ما عرف في الأيام الأخيرة، ووفق تسريبات الصحافة الأميركية، عن خطط تم التراجع عنها في الدقائق الأخيرة؟

الجواب في تل أبيب بالطبع، ولكنه في جانب كبير منه في واشنطن أيضاً.​

 


مقالات ذات صلة

بزشكيان: لا مناص من التعامل مع واشنطن

شؤون إقليمية صورة نشرتها الرئاسة الإيرانية اليوم من اجتماع ترأسه بزشكيان وبجواره نائبه للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف

بزشكيان: لا مناص من التعامل مع واشنطن

رأى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أنه لا مناص من التعامل مع الولايات المتحدة وإدارة العلاقات المتوترة معها. وقال بزشكيان لوزراء خارجية إيران السابقين.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
الولايات المتحدة​ قوات أميركية بسوريا (رويترز)

الجيش الأميركي يعلن استهداف مستودع أسلحة في سوريا

قال الجيش الأميركي، اليوم، إنه نفذ ضربات ضد مستودع أسلحة تابع لجماعة مسلحة مدعومة من إيران في سوريا.

المشرق العربي دورية مشتركة بقيادة أميركية في ريف القامشلي شمال شرقي سوريا (أرشيفية-رويترز)

«المرصد»: القوات الأميركية في ريف دير الزور تسقط مُسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القوات الأميركية في قاعدة كونيكو للغاز في ريف دير الزور أسقطت طائرة مسيرة تابعة لفصائل موالية لإيران.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي في قاعدة كرياه العسكرية في تل أبيب بإسرائيل في 28 أكتوبر 2023 (رويترز)

نتنياهو للإيرانيين: نظام خامنئي يخشاكم أكثر من إسرائيل

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، في رسالة مباشرة للإيرانيين، إن نظام المرشد الإيراني علي خامنئي يخشى الشعب الإيراني أكثر من إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة نشرتها الرئاسة الإيرانية اليوم من اجتماع ترأسه بزشكيان وبجواره نائبه للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف

الرئيس الإيراني: علينا أن ندير العلاقة والمواجهة مع أميركا بأنفسنا

دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى «إدارة» العلاقات المتوترة بين إيران والولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

بزشكيان: لا مناص من التعامل مع واشنطن

صورة نشرتها الرئاسة الإيرانية اليوم من اجتماع ترأسه بزشكيان وبجواره نائبه للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف
صورة نشرتها الرئاسة الإيرانية اليوم من اجتماع ترأسه بزشكيان وبجواره نائبه للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف
TT

بزشكيان: لا مناص من التعامل مع واشنطن

صورة نشرتها الرئاسة الإيرانية اليوم من اجتماع ترأسه بزشكيان وبجواره نائبه للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف
صورة نشرتها الرئاسة الإيرانية اليوم من اجتماع ترأسه بزشكيان وبجواره نائبه للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف

رأى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أنه لا مناص من التعامل مع الولايات المتحدة وإدارة العلاقات المتوترة معها. وقال بزشكيان لوزراء خارجية إيران السابقين: «شئنا أم أبينا، سيتعين علينا التعامل مع الولايات المتحدة على الساحتين الإقليمية والدولية، ولذا من الأفضل أن ندير هذه العلاقة والمواجهة بأنفسنا». وتعهد بزشكيان أن يتحرك «في إطار الاستراتيجية والتوجهات» الخاصة بالجمهورية الإسلامية.

ويسود ترقب بشأن السياسة الخارجية التي سينتهجها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بشأن مفاوضات إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات.

وجاءت تصريحات بزشكيان عشية زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، إلى طهران. وقال غروسي إن «هوامش المناورة بدأت تتقلّص» في ما يتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني، مطالباً طهران بزيادة التفتيش والشفافية والتوصل إلى حلول دبلوماسية في ظل الوضع الدولي المتوتر.