ترمب يختار السياسة بدلاً من الآيديولوجيا والمحافظون يواصلون دعمه

بعد إعلانه أن حظر الإجهاض قضية للولايات لا للحكومة الفيدرالية

ترمب خلال حدث انتخابي في ويسكونسن في 2 أبريل الحالي (رويترز)
ترمب خلال حدث انتخابي في ويسكونسن في 2 أبريل الحالي (رويترز)
TT

ترمب يختار السياسة بدلاً من الآيديولوجيا والمحافظون يواصلون دعمه

ترمب خلال حدث انتخابي في ويسكونسن في 2 أبريل الحالي (رويترز)
ترمب خلال حدث انتخابي في ويسكونسن في 2 أبريل الحالي (رويترز)

بعد مقاومة استمرت نحو سنتين لتأجيل الإعلان عن موقفه من قضية حظر الإجهاض، اختار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الانحياز للسياسات بدلاً من الآيديولوجيا، معلناً أن تقرير هذا الحظر يجب أن يكون من صلاحيات الولايات، وليس الحكومة الفيدرالية. وسرعان ما تعرض ترمب لانتقادات المدافعين عن حظر الإجهاض، خصوصاً من الجمعيات التي تدين بالولاء للطائفة الإيفانجيلية البروتستانتية، وكذلك من أقرب حلفائه، على رأسهم السيناتور الجمهوري النافذ ليندسي غراهام.

وبعدما حاول ترمب الدفاع عن اقتراح حظر الإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل، بوصفه يحظى بإجماع وطني، فرضت عليه نتائج انتخابات 2022 النصفية، وبعدها الانتخابات الجزئية في بعض الولايات الأكثر ولاءً للجمهوريين، والنتائج المخيبة للآمال، التراجع عن تبني هذا الاقتراح لجعله قراراً فيدرالياً. وأدرك ترمب أن تكلفة الاندفاع وراء تبني هذا الحظر قد تكون أكبر كثيراً من الدفاع عن موقف آيديولوجي، في ظل دعوات أكثر تطرفاً لجعل هذا الحظر بعد 6 أسابيع؛ ما من شأنه أن يضاعف حجم المعارضة.

مارغوري داننفيلسر رئيسة منظمة «برو - لايف أميركا» المؤيدة لحظر الإجهاض (أرشيفية - أ.ب)

ورغم محاولته المراوغة في تقديم موقف واضح، عبر إحالة القضية على الولايات، لا يزال من المرجح أن يدفع ترمب ثمناً قد يكون مدمراً لحملته الانتخابية، إذا ما تربعت قضية الإجهاض على رأس القضايا التي تحظى باهتمام الناخبين، خصوصاً لدى النساء، علماً أن قرار المحكمة العليا الذي ألغى هذا الحق لم يكن ليصدر لو لم يعيّن 3 قضاة من أشد المحافظين.

ترمب يهاجم حلفاءه

بيد أن موقفه الجديد كشف عن انقسامات حزبية، بعد أن أصدر السيناتور الجمهوري غراهام بياناً، الاثنين، قال فيه إنه «يختلف بكل احترام مع موقف ترمب»، بينما أعربت مارغوري داننفيلسر، رئيسة منظمة «برو - لايف أميركا» المؤيدة لحظر الإجهاض، وهي أكبر منظمة نسوية إيفانجيلية عن خيبة أملها. وقالت: «نشعر بخيبة أمل عميقة إزاء موقف الرئيس ترمب». كما عد نائبه السابق مايك بنس موقفه «صفعة على وجه ملايين الأميركيين المؤيدين للحياة الذين صوّتوا له في عامي 2016 و2020».

المنصة الاجتماعية لترمب «تروث سوشيال» على شاشة هاتف جوال (إ.ب.أ)

ورغم ذلك، رد ترمب بحدة على تلك الانتقادات، متهماً غراهام والجمهوريين من أمثاله، بـ«إغراق» الحزب الجمهوري، في إشارة إلى الخسائر السياسية السابقة التي مُني بها في الانتخابات الماضية. وكتب ترمب رداً على غراهام على منصته الاجتماعية «تروث سوشيال» قائلاً: «السيناتور ليندسي غراهام يلحق ضرراً كبيراً بالحزب الجمهوري وببلادنا... أشخاص مثل ليندسي غراهام، الذين لا يلينون، يحققون للديمقراطيين حلمهم في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وربما حتى الرئاسة».

أضاف: «يجب على السيناتور ليندسي غراهام ومارغوري داننفيلسر درس التعديل العاشر وحقوق الولايات. وعندما يفعلان ذلك، ينبغي لهما أن يواصلا بكل فخر مساعدة الجمهوريين على الفوز في الانتخابات، بدلاً من جعل تحقيق ذلك مستحيلاً عليهم!... ألوم نفسي على ليندسي غراهام، لأن السبب الوحيد الذي جعله يفوز في ولاية ساوث كارولينا العظيمة هو أنني دعمته!».

شبح انتخابات 2022

وكان المرشحون الجمهوريون الذين أيدوا فرض قيود مشددة على الإجهاض، قد خسروا في كل الولايات، ما تسبب بخسارة الحزب في انتخابات 2022، الأغلبية في مجلس الشيوخ، وفشله في إحداث موجة حمراء في مجلس النواب، لم تمكنه من تحقيق سوى أغلبية ضيقة، تناقصت يوما بعد يوم.

ونتيجة لذلك، حاول ترمب على مدى عامين، تجنب إعطاء إجابة مباشرة حول موقفه من قضية الاجهاض. وحتى بيانه يوم الاثنين، كان غامضا بما يكفي لمنحه أقصى مقدار من المرونة السياسية، مما يسمح له بحرية نسبية في اتخاذ أي موقف مستقبلي بشأن الإجهاض، وهو ما عرضه في الوقت نفسه لانتقادات الديمقراطيين.

وبحسب مراقبين، كان فريقه الانتخابي، يعلم أنه سيتعين عليه الإدلاء ببيان حول الإجهاض، خصوصا بعدما دفع منافسه الديمقراطي الرئيس جو بايدن بهذه القضية لتكون قضية مركزية في حملته الانتخابية.

ونشر ترمب رسالته المصورة على منصته الاجتماعية «تروث سوشال» بعد أشهر من المناقشات العلنية والخاصة حول ما إذا كان سيدعم الحظر الفيدرالي، حيث دفعه بعض الحلفاء إلى تبني هذا الحظر، وفق تقارير في كثير من الصحف الأميركية.

وقال ترمب: «ستكون كثير من الولايات مختلفة، وسيكون لدى كثير منها عدد مختلف من الأسابيع، أو سيكون بعضها أكثر تحفظاً من غيرها، وهذا ما ستكون عليه... في نهاية المطاف، الأمر كله يتعلق بإرادة الشعب. هذا هو ما نحن فيه الآن وهذا ما نريده: إرادة الشعب».

ترمب مع زوجته ميلانيا في فلوريدا (أرشيفية - أ.ب)

قضية خاسرة سياسياً

ووفق كثير من حلفاء ترمب، فقد أشاروا إلى أن هذه القضية ستكون خاسرة سياسياً، ورأوا فائدة قليلة في المطالبة بحظر وطني، بحجة أنه سيعطي بايدن قضية يمكن من خلالها مهاجمة ترمب. وكانوا يشعرون بالقلق من أن اعتماد حظر لمدة 15 أسبوعاً من شأنه أن يضعه في مواجهة مع قادة جمهوريين في ولايات أصدرت قوانين تقيد الإجهاض بشكل تام ودون استثناءات للاغتصاب أو سفاح القربى، بما عدا تعريض حياة الأم للخطر. كما كان هناك بُعد آخر لمعارضة ترمب للحظر الوطني، يتمثل في سعيه أيضاً لاستمالة بعض أكبر المانحين الماليين للحزب، وكثير منهم أكثر ليبرالية في القضايا الاجتماعية. وهو ما حدث على سبيل المثال مع حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، عندما قام بالتوقيع على حظر لمدة 6 أسابيع خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري العام الماضي، حيث أعلن بعض مانحيه الرئيسيين أن حماسهم له قد تضاءل.

المحافظون متمسكون بترمب

ورغم ذلك، لم يعترض جميع المحافظين على الموقف الذي أعلنه ترمب. ويوم الاثنين، أشاد «تحالف الإيمان والحرية»، وهو منظمة يشرف عليها الناشط الجمهوري رالف ريد، بترمب وعده بأنه «الرئيس الأكثر تأييداً للحياة في التاريخ الأميركي». وقال جيم بوب، المستشار العام للجنة الوطنية للحق في الحياة، الذي صاغ التشريع النموذجي قبل قرار المحكمة العليا بإلغاء الحق في الإجهاض، إن مجموعته تتفق إلى حد كبير مع بيان ترمب، قائلاً إنه «في حيرة» من موقف رئيسة منظمة «برو - لايف أميركا». وأضاف: «لا يوجد إجماع وطني يبرر اتخاذ الحكومة الفيدرالية موقفاً، وهذا ما جادلنا فيه في المحكمة العليا: أنه تجب إعادتها إلى الولايات. وهذا ما فعلوه».


مقالات ذات صلة

ترمب يصبّ غضبه على النظام القضائي «الفاسد» في أميركا

الولايات المتحدة​ الرئيس السابق دونالد ترمب خلال مؤتمره الصحافي في «برج ترمب» بوسط مانهاتن الجمعة (رويترز)

ترمب يصبّ غضبه على النظام القضائي «الفاسد» في أميركا

يستعد فريق الدفاع عن الرئيس السابق استئناف الحكم، في عملية يمكن أن تستغرق أشهراً وربما سنوات.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ميرشان مترئساً جلسة النطق بقرار هيئة المحلفين في قضية أموال الصمت، في 30 مايو (أ.ب)

من هو خوان ميرشان المشرف على قضية «أموال الصمت»؟

ولد ميرشان في بوغوتا، وهاجر إلى الولايات المتحدة في سن السادسة، وكان أول من التحق بالجامعة من بين أفراد أسرته.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (رويترز)

بلينكن يرد على بيسكوف: اتهاماتكم بشأن محاكمة ترمب حالة كلاسيكية من الإسقاط

رد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اليوم (الجمعة)، على تصريحات للمتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس السابق دونالد ترمب مغمضاً عينيه خلال التعليمات من القاضي خوان ميرشان لهيئة المحلفين في محكمة الجنايات في مانهاتن (أ.ف.ب)

المحلّفون يدققون في «الشهادات» قبل الحكم على ترمب

طلبت هيئة المحلفين في محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إعادة سماع أجزاء من إفادات شهود حول قضية «أموال الصمت»، في إطار جهودها لاتخاذ قرار مصيري بحقه.

علي بردى (واشنطن)

ستورمي دانييلز تلوذ بالصمت بعد إدانة ترمب

صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانييلز (رويترز)
صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانييلز (رويترز)
TT

ستورمي دانييلز تلوذ بالصمت بعد إدانة ترمب

صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانييلز (رويترز)
صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانييلز (رويترز)

خاضت ستورمي دانييلز، الممثلة والمخرجة السابقة للأفلام الإباحية، معاركها القضائية مع دونالد ترمب بلا خجل، لكنها لم تنبس ببنت شفة مذ اعتلت منصة الشهود أثناء المحاكمة التي جعلته أول رئيس سابق أميركي تتم إدانته.

قد تُذكّر العلاقة برواية رديئة، ملياردير مستهتر يسعى لأن يصبح رئيسا وممثلة إباحية تتحدث عن علاقة مقتضبة بينهما قبل أن تتورط في مكائد غير قانونية كان الغرض منها ضمان سكوتها قبل الانتخابات.

أعلنت هيئة محلفين تضم 12 مواطنا عاديا من نيويورك، الخميس، إدانة ترمب بكل التهم الأربع والثلاثين الموجهة إليه في قضية تزوير مستندات محاسبية بهدف إخفاء مبلغ مالي دفعه لشراء صمت دانييلز قبل انتخابات 2016 التي خاضها ضد هيلاري كلينتون.

فبعد سنوات من تراشق الاهانات مع ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها سنواته الأربع في البيت الأبيض، وجدت ستورمي دانييلز، واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، نفسها في موقع قوة.

وشهادتها التي تضمنت تفاصيل لما قالت إنها كانت علاقة جنسية عابرة في 2006، كانت بالغة الأهمية في الدعوى القضائية الساعية إلى أن تظهر أن السياسي الجمهوري كان يخشى أن يتسبب أي تسريب للقصة بالقضاء على حملته الانتخابية.

لكن عقب ذلك ظلت المرأة البالغة 45 عاما صامتة على نحو غير معهود.

وقال زوجها باريت بلايد لشبكة «سي إن إن» الإخبارية إنها «لا تزال تحاول استيعاب الامر». ورأى أن صمتها قد يكون له بُعد آخر. وأوضح «جميع الاغبياء المؤيدين لحركة (لنعِد العظمة لأميركا) سيلاحقونها» في إشارة إلى شعار حملة ترمب.

وفي بلد يعاني انقسامات قد لا تكون تلك المخاوف مستبعدة. لذا ارتدت دانييلز سترة مقاومة للرصاص عندما توجهت إلى المحكمة في نيويورك، على ما أكد محاميها كلارك بروستر في مقابلة مع قناة تلفزيونية محلية تابعة لشبكة «إيه بي سي».

والأجواء بالنسبة لدانييلز «شريرة وخطرة، من ناحية الخوف مما قد يفعله شخص ما»، بحسب بروستر. وأضاف «إنه خوف حقيقي».

وعما إذا كانت تلك المخاوف قد تزايدت عقب قرار إدانة ترمب قال بروستر «هذا استنتاج منطقي».

ستيفاني كليفورد المعروفة بـ«ستورمي دانييلز» مع محاميها كلارك بروستر في نيويورك (د.ب.أ)

* الحقيقة والأذى

رغم الأذى النفسي، تشعر دانلييز بـ«نوع من التبرئة، لأنها كانت تقول الحقيقة» وفق زوجها الذي قال إنها لم تسع لمواجهة ترمب خلال المحاكمة التي أزاحت نهايتها «عبئا كبيرا عن كاهلها».

غير أن التوتر لم ينته بعد. فانتهاء المحاكمة «يلقي عليها عبئا آخر بشأن ما سيحدث بعد ذلك»، وفق بلايد الذي أضاف «نأخذ الأمر يوما بيوم».

عاشت دانييلز طفولة صعبة وانخرطت في عالم الأفلام الإباحية المليء بالصعوبات لتخرج منه سيدة أعمال ناجحة.

لكن في فيلم وثائقي حديث قالت إنها ربما تُظهر شخصية متماسكة ومرحة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها تأذت من الشتائم المستمرة من ترمب ومؤيديه.

وتقول في فيلم «ستورمي»:«في عام 2018، كانت تُوجه (عبارات) مثل كاذبة وفاسقة وباحثة عن المال. الآن الأمر مختلف تماما. إنها تهديدات مباشرة، مثل: سآتي إلى منزلك وأذبحك ويجب تنفيذ القتل الرحيم بابنتك».

وعلى العكس منها، كان شاهد الادعاء الرئيسي الآخر في المحاكمة مايكل كوهين، مساعد ترمب السابق، يروي قصته بحماسة عقب المحاكمة.

فقد ظهر المحامي الذي أكد في شهادته أنه كان في قلب مخطط الرئيس السابق لإسكات دانييلز. كوهين لشبكة «إي بي سي نيوز» الإخبارية إن «الأمر كان مستنزِفا»، مضيفا أنه سعيد لاجتياز هذه المحنة.

وتابع «أريد أن يتذكر الناس أيضا أنني أتحمل مسؤولية ما فعلته... لقد قبلت ذلك ودخلت السجن بسببه».