تمثل مرحلة المراهقة نوعاً من العبء النفسي على الآباء والمراهقين. وفي أغلب الأحيان يتم تفسير سلوك المراهق شديد التقلب بين الاتزان والهدوء في بعض الأوقات، والتهور والاندفاع والتصرفات غير المسؤولة في أوقات أخرى، على أنه نتيجة مباشرة للتغيرات الهرمونية والنفسية التي تحدث في هذه المرحلة.
تفسير علماء الأعصاب
ولكن حسب علماء الأعصاب من جامعة تافتس (Tufts School of Medicine) بالولايات المتحدة، فإن هناك تفسيراً عصبياً لما يحدث نتيجة لتغيرات عضوية في خلايا المخ أثناء نموه، تؤثر على طريقة تفكير المراهقين وتصرفاتهم بشكل مختلف عن البالغين.
وأوضح الباحثون وجود اختلافات بين مخ المراهق والبالغ تتعلق بكيفية تخزين المعلومات والذكريات المختلفة التي تشكل ما يشبه خرائط (mapping) لخلايا الأعصاب.
تواتر المعلومات وازدياد القلق
وهذه الخرائط العصبية تختلف في كل جيل تبعاً لاستجابة المخ للمتغيرات المستجدة في بيئة المراهقين، بمعنى أن تجارب الجيل الحالي من المراهقين الذين عاصروا أحداثاً فريدة من نوعها بما فيها التقدم التكنولوجي المتسارع وتوفر المعلومات بشكل غير مسبوق بالضرورة، سوف تكون مختلفة عن جيل الآباء.
وقد أسهم توفر المعلومات بسهولة في زيادة معدلات القلق والمخاوف للمراهقين. وعلى سبيل المثال، فإن قضايا مثل الخوف من الحروب النووية أو التغيرات المناخية أو انتشار الأورام الخبيثة لم تكن تشغل تفكير المراهقين السابقين.
نمو مخ المراهقين
ومن المعروف أن نمو وتطور المخ يحدث في فترة المراهقة وحتى بداية العشرينات من العمر، ويمر بشكل تدريجي. وفي البداية تنمو وتتطور منطقة معينة في خلايا المخ تسمى اللوزة المخية (amygdala) المسؤولة عن سرعة الاستجابة تبعاً للمؤثرات المختلفة، وهو الأمر الذي يجعل المراهق سريع التأثر بالعواطف المختلفة، ومندفعاً ويقدم على التجارب بسهولة.
وبعد ذلك يحدث التطور والنمو في بقية الخلايا حتى يصل إلى قشرة الفص الجبهي (prefrontal cortical area)، وهي آخر جزء في المخ يتم تطوره والمسؤولة عن التفكير المنطقي والتخطيط واتخاذ القرارات، فضلاً عن تنظيم المشاعر والعواطف المختلفة والتفاعل مع الآخرين.
سرعة رد الفعل وعواقبه
ولكي يحدث اتزان في ردود الأفعال والتحكم في العواطف المختلفة، يجب أن يكون هناك تجانس وتوافق بين سرعة رد الفعل وإدراك عواقبه. وعلى سبيل المثال، عند رؤية حبل ملقى على الأرض يمكن للمنطقة المسؤولة عن سرعة الاستجابة (اللوزة المخية) أن تجعل المخ يفترض أن هذا ثعبان، ما يستدعي سرعة التصرف لمحاولة تفادي الخطر، ولكن القشرة المخية في المقابل تقوم بتهدئة المخ، والتأكيد على أن الحبل ليس ثعباناً، ومن ثم يتصرف المراهق بشكل طبيعي.
وخلال فترة المراهقة في الأغلب تكون تصرفات المراهقين بشكل اندفاعي (impulsively)، لأن هناك أجزاء معينة في المخ مثل اللوزة المخية قد نضجت وتطورت بشكل كامل، بينما لا تزال قشرة الفص الجبهي في طور النمو. كما أن الروابط والتوصيلات العصبية بين قشرة الفص الجبهي واللوزة المخية والمناطق المرتبطة بها لم تكتمل بشكل كامل.
ظاهرة الحدّة والتطرّف
أثناء المراهقة يكون التطور الكيميائي لخلايا المخ العصبية غير مكتمل، مما يؤدي إلى قدر أقل من التثبيط للناقلات العصبية المختلفة مثل السيروتونين والدوبامين والهرمونات أيضاً، فضلاً عن ناقلين يسمى أحدهما غابا (GABA)، والآخر غلوتامات (glutamate)، يحملان الإشارات العصبية بين الخلايا العصبية، ولذلك تكون مشاعر المراهقين أكثر حدة وتطرفاً إيجاباً وسلباً. ولهذا السبب تكون فترة المراهقة هي الفترة التي يعتنق فيها المراهقون الأفكار التي تعتمد على إثارة العواطف والحماسة، وهو الأمر الذي يوضح انخراط صغار السن في أعمال عنيفة.
ذاكرة الخوف
أوضح الباحثون أن أفضل الطرق للتعامل مع المراهقين تكون من خلال ما يعرف بذاكرة الخوف (fear memory)، بمعنى أن المراهق على الرغم من أن تصرفاته في الأغلب تحكمها العواطف، فإنه يجب أن يدرك أن التعامل بالعواطف فقط يمكن أن يعرضه للعقاب.
وعلى سبيل المثال في المدرسة، في حالة قيام طالب بالتنمر على زميله، وفي المقابل قام الذي تعرض للتنمر بالاعتداء البدني على المتنمر، يجب العقاب على الطالبين حتى يدرك الطالب (الضحية) أن هناك وسائل شرعية للدفاع عن النفس، وأن العنف وكسر النظام يمكن أن يعرضاه للعقوبة حتى لو كان صاحب حق.
وفي النهاية يجب أن يتحلى الآباء بالحكمة والتفهم في التعامل مع أبنائهم واتباع قاعدة الثواب والعقاب، حتى يمكن عبور هذه المرحلة بسلام.