شكَّلت نتائج الانتخابات المحلية في تركيا ما يمكن وصفها بالهزيمة الأسوأ للرئيس رجب طيب إردوغان، وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم على مدى 22 عاماً في حكم البلاد، وينظر إليها في الأوساط السياسية على أنها مقدمة لتغيير وجه السياسة والحكم مع أول انتخابات عامة قادمة.
وأعلن المجلس الأعلى للانتخابات فوز حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، بـ37.7 في المائة بعد فرز 99.9 في المائة من أصوات الناخبين في الانتخابات التي أُجريت الأحد، وحل «العدالة والتنمية» في المرتبة الثانية بنسبة 35.5 في المائة ليكون الحزب الثاني في البلاد للمرة الأولى.
وحصد «الشعب الجمهوري» 35 بلدية، وحزب «العدالة والتنمية» 24 بلدية، وحزب «الشعوب الديمقراطية» 10 بلديات، وحزب «الحركة القومية» 8 بلديات، وحزب «الرفاه الجديد» بلديتين، وكل من حزبي «الوحدة الكبرى» و«الجيد» بلدية واحدة، حسبما أعلن رئيس المجلس أحمد ينار، في مؤتمر صحافي، الاثنين.
وأقر إردوغان، في كلمة ألقاها على تجمع من أنصاره من شرفة حزبه في أنقرة ليل الأحد – الاثنين، بأن الحزب لم يحقق النتائج المرجوة من الانتخابات المحلية على الرغم من قيامه بحملة مكثفة عقد خلالها مؤتمرات في 52 من ولايات تركيا الـ81.
«نقطة تحول»
ورأى إردوغان أن الانتخابات المحلية ليست هي النهاية، لكنها «نقطة تحول»، قائلاً: «أظهرت الانتخابات أننا نفقد جزءاً من شعبيتنا في عموم البلاد وسنحلل النتائج ونراجع أنفسنا... سنحاسب أنفسنا وسندرس الرسائل الصادرة عن الشعب».
وأضاف: «سنحترم بالطبع قرار الأمة، وسنتجنب العناد والتصرف ضد الإرادة الوطنية والتشكيك في قوة الأمة... دورة الانتخابات التي ترجع إلى مايو (أيار) الماضي، والتي أنهكت الاقتصاد التركي انتهت الآن، وهذا في حد ذاته مكسب عظيم».
«تغيير وجه تركيا»
بدوره، رأى رئيس «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل، أن الناخبين أرادوا تغيير وجه تركيا، قائلاً: «أظهرت نتائج الانتخابات أن الناخبين قرروا تأسيس سياسة جديدة في تركيا، وتغيير الصورة التي استمرت 22 عاماً لتركيا، وفتح الباب أمام مناخ سياسي جديد في بلادنا».
وأضاف، في كلمة أمام حشد من أنصار الحزب في أنقرة ليل الأحد - الاثنين، أن «الأمة التركية اتخذت قراراً ليس فقط حول كيفية حكم البلاد والبلديات، بل وجّه الناخبون رسالة إلى أولئك الذين يقللون من خبزهم، ويعكرون سلامهم، ويسحقون الديمقراطية، ويدمّرون حكم القانون وأكدت أنها لن تفسح المجال لسياسة لا تعترف بالحقوق والقانون والعدالة».
وقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي خرج منتصراً للمرة الثانية من معركة شهدت تحديات عنيفة، في كلمة لأنصاره الذين احتشدوا بالآلاف أمام مبنى بلدية إسطنبول في ساعة متأخرة من ليل الأحد، إن «من لا يفهمون رسالة الشعب سيخسرون في نهاية المطاف».
عقاب على الاقتصاد
وجاءت نتائج الانتخابات أسوأ بكثير جداً مما توقعته استطلاعات الرأي، بالنسبة إلى إردوغان وحزب «العدالة والتنمية» اللذين يحكمان تركيا منذ أكثر من 20 عاماً، بسبب ارتفاع التضخم إلى ما يقرب من 70 في المائة، وسخط الناخبين المحافظين على سياسة إردوغان تجاه الحرب في غزة، وتحول نسبة منهم إلى حزب «الرفاه الجديد» بزعامة فاتح أربكان، والقبول الواسع الذي يتمتع به إمام أوغلو في المدينة الكبرى في البلاد ومركزها الاقتصادي.
ولم يتمكن إردوغان أيضاً من استعادة العاصمة أنقرة، التي حقق فيها مرشح «الشعب الجمهوري» منصور ياواش، فوزاً كاسحاً بنسبة 60 في المائة وبفارق أكثر من 27 في المائة عن مرشح حزب «العدالة والتنمية» تورغوت ألتنوك، ليحتفظ برئاستها للمرة الثانية.
ويقول محللون، ومنهم مقربون للحكومة مثل أحمد هاكان، إن مكانة إمام أوغلو وياواش تعززت في السياسة التركية، وباتت الطريق مفتوحة أمام أي منهما لرئاسة البلاد.
«الحركة القومية» تقلل
وحاول دولت بهشلي، رئيس حزب «الحركة القومية»، الشريك في «تحالف الشعب» مع «العدالة والتنمية»، التقليل من أهمية فوز «الشعب الجمهوري». وقال بهشلي الذي حصل حزبه على 5 في المائة فقط من الأصوات في بيان نشره حسابه على منصة «إكس»، الاثنين: «أصبحت الشكاوى الاقتصادية اجتماعية وانتشرت إلى الساحة السياسية... الحكومة لم تتغير. مجلس الوزراء الرئاسي قائم و(تحالف الشعب) يتمتع بالأغلبية العددية في البرلمان».
وأضاف أن «التصرف اللاواعي الذي تقوم به الأوساط التي تنشر الشائعات كأن هناك تغييراً في السلطة، وتطالب بانتخابات مبكرة، تعاني من هفوات عقلية لا توصف إلا بكلمة واحدة: استهتار وتشويه أخلاقي، ويجب أن نعلم أن (تحالف الشعب) هو مهندس المستقبل، ومحور القرن الجديد».