ماذا لو عاد الصدر؟ حسابات معقدة وخريطة شيعية جديدة

مصادر: كل ما يقوم به زعيم التيار يؤشر لاقترابه من العودة... لكن كيف ومتى؟

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف 19 أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف 19 أكتوبر الماضي (رويترز)
TT

ماذا لو عاد الصدر؟ حسابات معقدة وخريطة شيعية جديدة

مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف 19 أكتوبر الماضي (رويترز)
مقتدى الصدر يخاطب أنصاره في النجف 19 أكتوبر الماضي (رويترز)

يمهد زعيم التيار الصدري، تدريجياً، لعودة محتملة، لا سيما بعد زيارته الغامضة لمنزل المرجع الأعلى للشيعة، علي السيستاني، الأسبوع الماضي، وظهوره اللافت في تسجيل مصور وهو يتحدث عبر «جهاز النداء العسكري» لقادة فصيله المسلح المعروف بـ«سرايا السلام»، لكن مصادر ترجح أن تفضي هذه العودة إلى «خريطة شيعية معقدة».

قبل يومين، نشرت منصات مقربة من التيار الصدري مقطع فيديو للصدر وهو يسير أمام شاشة مراقبة كبيرة، ويخاطب مسؤولين في «سرايا السلام» بمدينة سامراء، عبر اللاسلكي، ليشكرهم على «خدمة العراقيين».

وسال حبر كثير في الإعلام المحلي عن معنى ما يقوم به الصدر، لكن التكهنات تركز على خطوات تمهيدية لعودته إلى المشهد السياسي.

وعن زيارة منزل السيستاني قبل أسبوعين، حاول إعلام التيار الصدري إظهارها على قدر من الأهمية، بعيداً عن الزيارات الروتينية المعتادة في إطار ديني خلال شهر رمضان، لكن مكتب السيستاني لم يصدر حتى اليوم أي توضيح بشأن ما دار حينها.

ومنذ أن أغلقت المرجعية أبوابها بوجه القوى السياسية عام 2016، وصمتها عن الكلام السياسي منذ 2019، كانت بيانات مكتب السيستاني عن ضيوفه تقتصر على أنها لمكان يدعى «البراني» داخل منزله في النجف.

زعيم التيار الصدري يزور منزل المرجع الأعلى للشيعة علي السيستاني (إكس)

ففي زيارة سابقة للصدر العام الماضي إلى المنزل نفسه بالنجف، أصدر مكتب السيستاني توضيحاً بأن زعيم التيار الصدري حضر إلى «البراني»، وهو مكان للضيافة العامة، ويشار إليه حينما لا تكون الضيف خاصاً للمرجع، بخلاف زيارة الصدر أخيراً، التي قال مقرب من الصدر إنه «لقاء خاص».

من هنا بدأت التأويلات السياسية للزيارة وطبيعة ما دار من أحاديث، لا سيما بين المضيف، المرجع السيستاني، الذي آثر عدم التدخل في الشؤون السياسية، وبين الصدر المنسحب من العملية السياسية رغم فوزه بأعلى المقاعد خلال انتخابات 2021.

بعد الزيارة، بدأ الصدر يعد العدة لما بدا أنها خطوات عملية أكثر منها مجرد تحركات سياسية لجس النبض، بعد أشهر من محاولات أطراف من «الإطار التنسيقي» إعادته إلى المشهد، في مقدمتها ائتلاف «دولة القانون» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

«يعود بإرادته»

وبينما بدأ الصدر بخطوات ملموسة، سواء لتبيان مدى قوته وقدرته على تحريك جماهير تياره، واختبارها في مختلف الميادين، أو على صعيد التهيئة للعودة، تقول مصادر إنه «في حال عاد إلى الحياة السياسية فسيكون وفقاً لإرادته وفي التوقيت الذي يختاره».

وتفيد المصادر بأن الصدر نجح في إنجاز مباردة شعبية لإغاثة الفلسطينين في غزة، مطلع الشهر الماضي، وأظهر مجدداً قدرته على تحشيد جماهيري كبير.

وأضافت المصادر أن الصدر شكل 5 لجان، كان من بينها لجنة تضم نواب التيار الصدري الذين قدموا استقالاتهم من البرلمان صيف 2022.

صحيح أن النواب الـ73 لم يعد ممكناً عودتهم ثانية إلى البرلمان، إلا بعد إجراء انتخابات جديدة، لكن مجرد الإعلان عن وجود هذه الكتلة بكامل أعضائها في لجنة يشكلها الصدر بنفسه تعني أن هناك حراكاً جديداً يهيئ له الصدر، وفقاً للمصادر.

تجنب الصدر مصافحة المالكي في آخر لقاء جمعهما بمنزل هادي العامري يناير 2022 (إكس)

وبدأت الصورة الآن تأخذ حيزاً أكثر جدية، رغم أن التيار بجميع مؤسساته يتحفظ عن إظهار مواقف علنية بسبب المركزية الشديدة التي يتحكم بها الصدر.

لكن السؤال الذي يتداوله سياسيون عراقيون فيما إذا كانت تحضيرات الصدر على صلة باحتمال إجراء انتخابات مبكرة هذا العام، وهل عودة الصدر مرهونة أو مشروطة بها.

وفي سياق الجدل السياسي، فإن القوى السياسية العراقية المعارضة للسوداني، وتضم قوى مدنية ومستقلين تعاني من التفكك، تأخذ على الحكومة تعهدها في البرنامج الحكومي بإجراء انتخابات مبكرة في غضون عام.

لكن القوى التي شكلت الحكومة، سواء كانت الشيعية منها (الإطار التنسيقي)، أو القوى الكردية والسنية (ائتلاف إدارة الدولة) لا تحبذ إجراء انتخابات مبكرة، لكن هذا الخيار بات مدفوعاً الآن من قوى تريد الإطاحة بحكومة محمد شياع السوداني لمنعه من استغلال الحكومة والحصول على قاعدة جماهيرية أكبر، ما يرجح، حسب المصادر، «الدخول في حسابات معقدة قبل أن نصل إلى خريطة شيعية جديدة».

«تكتل عابر»

بالتزامن مع هذا الجدل، بدأت أوساط سياسية عديدة تروج لإمكانية أن يشكل السوداني كتلة سياسية عابرة تتكون من قوى سنية وكردية، بالإضافة إلى بعض قوى «الإطار التنسيقي» ممن يؤيدون منحه ولاية ثانية.

ويبدو أن هذه الكتلة ستكون منافسة لائتلاف «دولة القانون» وزعيمها نوري المالكي، الذي يتردد أنه يحاول وقف تمدد السوداني، ودفعه أخيراً إلى فتح قناة اتصال مع الصدر لخلط الأوراق، كما يقول سياسي عراقي مستقل.

وفي حال تشكيل السوداني كتلته العابرة، التي من شأنها التأثير على مساحة المالكي، فإن محاولات المالكي مع الصدر تبدو موجهةً ضد «عصائب أهل الحق»، بزعامة قيس الخزعلي، الذي ستتغير عليه قواعد اللعبة حينما يعود «التيار» الذي سبق أن انشق عنه عام 2004.


مقالات ذات صلة

رئيس البرلمان العراقي: المنطقة قريبة من «نكبة ثانية»

المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام منتدى السلام في دهوك (شبكة روداو)

رئيس البرلمان العراقي: المنطقة قريبة من «نكبة ثانية»

قدم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يزور مقر وزارة التخطيط المشرفة على التعداد صباح الأربعاء (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: انطلاق عمليات التعداد السكاني بعد سنوات من التأجيل

بدت معظم شوارع المدن والمحافظات العراقية، الأربعاء، خالية من السكان الذين فُرض عليهم حظر للتجول بهدف إنجاز التعداد السكاني الذي تأخر لأكثر من 10 سنوات.

فاضل النشمي (بغداد)
رياضة عربية «تصفيات المونديال»: العراق يهزم عُمان ويعزز حظوظه في التأهل

«تصفيات المونديال»: العراق يهزم عُمان ويعزز حظوظه في التأهل

فاز العراق 1 - صفر على مضيفه منتخب سلطنة عُمان ضمن الجولة السادسة من منافسات المجموعة الثانية بالدور الثالث من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.

«الشرق الأوسط» (مسقط)

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
TT

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بسبب الحرب في غزة، أثارت غضباً عارماً بين مختلف أطياف الساحة السياسية في إسرائيل، ولكن على المدى البعيد، لا يبدو هذا الأمر جيداً بالنسبة لرئيس الوزراء.

وأضافت أنه كلما تم تصوير نتنياهو على أنه منبوذ دولياً، بدا أن كثيراً من الإسرائيليين يحتضنونه على الرغم من الاستقطاب الداخلي العميق.

وقال المحللون إنه من المرجح أن يتجمع معظم الإسرائيليين حول رفض نتنياهو قرار المحكمة، الذي ندد به بوصفه «معادياً للسامية».

وذكر ميتشل باراك، وهو خبير استطلاعات رأي عمل مساعداً لنتنياهو في التسعينات: «هذا يساعده». ووصفه بأنه «الرجل الوحيد الذي يقف ضد كل الشر في العالم».

وقال باراك: «إن هذا يحوله إلى الضحية التي يحب أن يكونها، والشخص الذي يقاتل من أجل حقوق إسرائيل»، مضيفاً أن الإسرائيليين كانوا موحَّدين إلى حد كبير في دعمهم للحرب.

وجاءت مذكرة الاعتقال في الوقت الذي تآكلت فيه صورة نتنياهو المحلية في الأشهر الأخيرة، ومع ازدياد اللوم الدولي على الأزمة الإنسانية في غزة، حيث قُتل أكثر من 44 ألف فلسطيني، وفقاً لمسؤولي الصحة المحليين.

وانخفضت ثقة الإسرائيليين في قيادة نتنياهو، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنَّته حرك «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واتهمه كثير من الإسرائيليين بإطالة أمد الحرب في غزة لأسباب سياسية: للحفاظ على ائتلافه الحاكم اليميني، والبقاء في السلطة حتى مع معركته ضد اتهامات الفساد.

ووفقاً لمسؤول حكومي إسرائيلي متقاعد، أخيراً، عمل على قضايا تتعلق بالشؤون الدولية لإسرائيل لسنوات، وطلب عدم الكشف عن هويته، فمن المحتمل أيضاً أن نتنياهو لا يقلق بسبب أوامر الاعتقال، لأمر واحد، لأن الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأكثر أهمية، رفضت القضية ضد القادة الإسرائيليين. ومن ناحية أخرى، إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الدولية ولا تعترف بولايتها القضائية في إسرائيل أو غزة.

وقالت الصحيفة إن عدداً قليلاً من الإسرائيليين أعربوا علناً عن تعاطفهم مع المدنيين في غزة، وألقوا باللوم على «حماس» في معاناتهم. ومع تجنيد معظم الشباب، يجد معظم الإسرائيليين صعوبة في تصور الجنود مجرمي حرب.

ويدرك الإسرائيليون أنه لا يزال من الممكن إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد الضباط والجنود، مما يزيد من عدائهم للمحكمة، ولكن في الوقت نفسه فإنهم معزولون، إلى حد كبير، عن العداء لإسرائيل في الخارج.

وحتى خصوم نتنياهو السياسيين يقولون ما يبدو أن معظم الإسرائيليين يفكرون فيه، حيث كتب يائير لبيد، زعيم المعارضة، على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس: «تدافع إسرائيل عن حياتها ضد المنظمات الإرهابية التي هاجمت وقتلت واغتصبت مواطنينا»، مضيفاً: «أوامر الاعتقال مكافأة للإرهاب».

وتأتي أوامر الاعتقال في وقت مضطرب، يعيشه نتنياهو وإسرائيل، التي على وشك التوصل إلى اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار بشأن الصراع مع «حزب الله» في لبنان، في حين لا يزال نحو 100 رهينة، من المفترض أن يكون ثلثهم على الأقل قد لقوا حتفهم، في غزة.

وأقال نتنياهو، أخيراً، يوآف غالانت من منصب وزير الدفاع؛ بسبب الخلافات حول استمرار الحرب في غزة والسياسات الداخلية؛ مما أدى إلى تقويض الثقة في الحكومة.

كما تعرَّض مكتب نتنياهو للتدقيق بشكل متزايد بشأن سلسلة من التحقيقات التي ركزت على سوء التعامل مع المواد الاستخباراتية.

ويوم الخميس، اتهم المدعون الإسرائيليون أحد مساعديه بتسريب معلومات سرية عن «حماس» بطريقة يقول المدعون إنها من المرجح أن تضر بالأمن القومي، وتضع الناس في خطر يهدد حياتهم في وقت الحرب.

وفي الشهر المقبل، من المتوقع أن يقف نتنياهو في محاكمة بعدما وُجِّهت إليه اتهامات بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، في 3 قضايا منفصلة ولكنها مترابطة يتم الاستماع إليها بالتوازي.

وقد نفى ارتكاب أي مخالفات في القضايا التي تركز على اتهامات بأنه رتب خدمات لرجال أعمال مقابل هدايا، وتغطية إخبارية متعاطفة له ولأسرته.

وحرصاً على تجنب أي لوم شخصي تجاه نتنياهو على تلك الإخفاقات، ومع اقتراب الوقت المناسب للإدلاء بشهادته في قضايا الفساد، ضاعف أنصاره هجماتهم ضد النظام القضائي الإسرائيلي وربما شجعهم فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على ذلك، فقد تغذوا على فكرة أن نتنياهو يتعرَّض للاضطهاد من قبل القوى الليبرالية في الداخل والخارج.

ويتوقع الإسرائيليون أن تكون إدارة ترمب الجديدة أكثر استيعاباً للحكومة الإسرائيلية، الأكثر يمينية ومحافظة دينياً في تاريخ البلاد.

وعلى الرغم من الرفض الإسرائيلي الواسع النطاق لقرار إصدار أوامر الاعتقال، فإن التعاطف مع نتنياهو قد يتضاءل في الأمد البعيد، كما يقول بعض المحللين.

نتنياهو وغالانت خلال مؤتمر صحافي سابق في قاعدة «كيريا» العسكرية في تل أبيب (رويترز)

وقال باراك، خبير استطلاعات الرأي، إن كون المرء «شخصية دبلوماسية غير مرغوب فيها» ليس مظهراً جيداً لرئيس الوزراء، خصوصاً أن مكانة نتنياهو الدولية الضخمة كانت ذات يوم واحدة من دعاياته الانتخابية.

ولا يواجه نتنياهو وغالانت أي خطر للاعتقال في إسرائيل بسبب أوامر الاعتقال. ومع ذلك، يمكن احتجازهما إذا سافرا إلى إحدى الدول الأعضاء في المحكمة، البالغ عددها 124 دولة، والتي تشمل معظم الدول الأوروبية ولكن ليس الولايات المتحدة.

وحتى السفر جواً إلى الولايات المتحدة قد يكون محفوفاً بالمخاطر إذا احتاج شخص ما على متن الطائرة، على سبيل المثال، إلى علاج طبي عاجل، مما يضطره إلى الهبوط اضطرارياً في الطريق.

وفي إشارة إلى القيود الجديدة على قدرة نتنياهو على السفر إلى الخارج، قال باراك: «لا يمكنك أن تكون رئيس وزراء على تطبيق زووم».