كوبمانس لـ«الشرق الأوسط»: موت الأطفال في غزة بسبب المجاعة أمر بشع

طالب بعدم ربط إدخال المساعدات بوقف إطلاق النار أو الرهائن

مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفين كوبمانس (تصوير سعد الدوسري)
مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفين كوبمانس (تصوير سعد الدوسري)
TT

كوبمانس لـ«الشرق الأوسط»: موت الأطفال في غزة بسبب المجاعة أمر بشع

مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفين كوبمانس (تصوير سعد الدوسري)
مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفين كوبمانس (تصوير سعد الدوسري)

طالب الاتحاد الأوروبي بعدم ربط إدخال المساعدات الإنسانية لسكان غزة بوقف إطلاق النار، أو إطلاق سراح الرهائن، واصفاً الحرب التي اندلعت منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بـ«البشعة والمأساوية».

وأوضح سفين كوبمانس مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط في حوار مع «الشرق الأوسط» أن مخاطر توسع الصراع في المنطقة لا تزال كبيرة، وأن ذلك يؤثر بشكل مباشر في الأمن الإقليمي، وهو ما يجب العمل على منعه، وفق تعبيره.

المبعوث الأوروبي أشاد بالجهود السعودية فيما يتعلق بتحقيق السلام في المنطقة، مبيناً أن الاجتماع الوزاري السداسي الذي عُقد في القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، يعد مكمّلاً للمبادرة الأوروبية – العربية للسلام التي أُطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي في نيويورك.

واحتضنت القاهرة، الخميس الماضي، اجتماعاً لوزراء خارجية كل من مصر وقطر والسعودية والأردن ووزيرة الدولة الإماراتية للتعاون الدولي وأمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» مع وزير الخارجية الأميركي، لبحث جهود وقف الحرب في غزة، وإطلاق عملية سلام شاملة.

وصف سفين كوبمانس الحرب في قطاع غزة بعد مرور نحو 5 أشهر على اندلاعها بأنها «بشعة ومأساوية»، مبيناً أن عمليات قطع المياه والدواء والغذاء «غير مقبولة ووحشية».

أضاف: «منذ السابع من أكتوبر زرت منطقتين شهدتا عمليات الاختطاف والقتل التي قامت بها (حماس) للمئات من المدنيين والمسلحين، ثم ما حدث بعدها حيث قُتل ما يزيد على 31 ألف شخص، وأصيب عشرات الآلاف، كما أن عمليات قطع المياه والدواء والغذاء غير مقبولة ووحشية أيضاً، ثم المجاعة التي بدأت وقتل فيها العشرات من الأطفال عمليات بشعة».

وتابع: «أيضاً لدينا قلق من إطلاق (حماس) للصواريخ تجاه إسرائيل، وعمليات تبادل إطلاق الصواريخ بين إسرائيل و(حزب الله)، وهناك العمليات الإرهابية بين الطرفين، والعميات التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية، كل هذه الأحداث خطيرة، وتؤدي إلى مخاطر تصاعد الوضع وتفاقمه أكثر مما هو عليه الآن».

أطفال فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام وسط نقص الإمدادات الغذائية في رفح بجنوب قطاع غزة (رويترز)

وشدد مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط، على أن «ما نحتاجه اليوم هو وقف إطلاق النار الآن، يمكن أن يؤدي لوقف إطلاق نار دائم، وأن يجري ذلك في أسرع وقت ممكن، ونحتاج أيضاً إلى إطلاق سراح جميع الرهائن، وإمكانية الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية والغذاء والمياه للسكان».

ولفت إلى أن «ما لا نرغب فيه هو أن نربط أمراً بآخر، السكان المدنيون يحتاجون الغذاء الآن سواء كان هناك وقف إطلاق نار أم لا، إطلاق سراح رهائن أم لا، لا نريد أن نربط أمراً بأمر آخر».

وأشاد مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط بالقرار السعودي لدعم «الأونروا» بـ 40 مليون دولار، وقال: «الاتحاد الأوروبي هو أكبر مانح للفلسطينيين للمساعدات الإنسانية، ونرحب بالقرار السعودي الأخير بتخصيص 40 مليون دولار لـ(الأونروا)، ونحن ممتنون للمملكة على هذا الدعم».

خطة سلام شاملة

وتعليقاً على الاجتماعات الأخيرة في القاهرة بشأن وقف الحرب، وإطلاق عملية سلام شاملة مستدامة، أوضح كوبمانس أن الاتحاد الأوروبي منخرط في هذه الجهود بالتعاون مع الشركاء في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية وعدد من الدول العربية، وأن هذه الجهود مكملة للمبادرة العربية الأوروبية التي أطلقت في نيويورك سبتمبر الماضي.

أضاف أن «الاتحاد الأوروبي والسعودية ومصر والأردن بالتعاون مع عدد من الدول العربية توصلت إلى ما يطلق عليه (يوم السلام) الذي أطلقناه في سبتمبر الماضي في نيويورك، وأقمنا مجموعات عمل بين الرياض وبروكسل من تواصل جهود السلام. هذه المبادرة تقدم حزمة كاملة من السلام تشمل الجوانب السياسية الاقتصادية والأمنية في المنطقة انتهاء بالتوصل للسلام بين إسرائيل وفلسطين، بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية».

ولفت كوبمانس إلى أن «كل هذه الجهود توقفت في 7 أكتوبر والحرب التي تلتها، ولكن الجهود لا تزال قائمة، وكلها تستند إلى مبادرة السلام العربية، تعتمد نفس المبادئ، وتشمل التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وإقامة الدولة الفلسطينية».

فلسطينيون يقفون على أنقاض منزل أصيب بقصف إسرائيلي في الجزء الشمالي من رفح جنوب غزة (أ.ف.ب)

وتابع: «أعرف أيضاً أن أصدقائي العرب في الإمارات وقطر يعملون على خطة لإنهاء الحرب، ولكنها تركز على الوضع في غزة، وما الذي سيحدث في الضفة الغربية، وسعيد بأن كل هذه الأعمال حدثت، ونحن على اتصال مع زملائنا العرب وسعيد أنهم يناقشون كل هذه الأمور مع وزير الخارجية الأميركي، حيث إن الولايات المتحد تعمل عن قرب مع إسرائيل، ومن ثم لديها مسؤولية كبيرة في هذا الشأن».

ووفقاً للمبعوث الأوروبي فإن نقاشات القاهرة مكملة للجهود العربية الأوروبية السابقة، وقال: «كما سمعت من الأمير فيصل بن فرحان (وزير الخارجية السعودي)، بأن تلك الجهود تكمل الأعمال التي قمنا بها، وأنا متأكد أن الاتحاد الأوروبي سوف يكون منخرطاً بشكل كبير، وكل ما أستطيع قوله هو الترحيب بكل تلك الجهود، وأتطلع قدماً للتواصل والانخراط في هذه الجهود، حيث يمكننا التعامل معها بشكل كبير».

الهجمات الحوثية والأمن الإقليمي

في شأن آخر، أكد مبعوث الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط، أن مخاطر توسع الصراع في المنطقة، خصوصاً الهجمات الحوثية في البحر الأحمر واستهداف السفن تؤثر في الخليج والاتحاد الأوروبي والأمن الإقليمي عموماً.

وقال: «أرى أن هناك مخاطر كبيرة من توسع الصراع، مثل تبادل الهجمات بين إسرائيل و(حزب الله)، إذ قُتل بالفعل عشرات الأشخاص، وهناك ما يزيد على 100 ألف شخص أخرجوا من منازلهم، بالإضافة إلى الوضع غير المستقر في الضفة الغربية والقدس. وهناك كثير من الأشخاص قُتلوا في هذه المناطق، ومنع الدخول للحرم المقدسي، بالإضافة إلى الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، والهجمات ضد السفن كل تلك الهجمات تؤثر في السعودية ودول الخليج، وعلى الاتحاد الأوروبي، لهذا السبب أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة بحرية لحماية السفن».

الفرقاطة الألمانية «هيسين» خلال مشاركتها في المهمة الأوروبية البحر الأحمر مطلع فبراير الماضي (أ.ف.ب)

تابع: «هناك مخاطر من توسع الصراع في كثير من المناطق الأخرى. إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يؤثر في جميع دول العالم، والسعودية والاتحاد الأوروبي جيران لهذا الصراع الذي يؤثر في أمننا الإقليمي بشكل كبير، لذا يجب علينا جميعاً أن ننخرط في كل تلك الجهود لمنع توسع الحرب، وهنا أشكر السعودية على الشراكة من أجل التوصل للسلام وحل الصراع، وسعيد جداً بأن المملكة تعمل على إنشاء الدولة الفلسطينية، ويجب أن يكون هناك شراكة كاملة من كل الأطراف، الاتحاد الأوروبي أيضاً يعمل مع الجميع من أجل التوصل لكل تلك الجهود».


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

هل ستدفع مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حكومات لتقليص اتصالاتها مع إسرائيل؟

نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن خبراء ومسؤولين أن مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستدفع بعض الحكومات لتقليص اتصالاتها مع نتنياهو وغيره من المسؤولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

عقب إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يساور القلق المسؤولين الإسرائيليين خشية ملاحقة ضباطهم أيضاً.

نظير مجلي (تل أبيب)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.