سوق البدو... قصة تحكي تبادل المنافع بين تجار جدة وأهل البادية قديماً

أبو الجدائل لـ«الشرق الأوسط»: أسواق جدة تشهد حركة تجارية كبيرة في رمضان والأعياد

باب مكة قديماً ويبدو جزء من سوق البدو الشهيرة في جدة من أرشيف خالد أبو الجدائل (الشرق الأوسط)
باب مكة قديماً ويبدو جزء من سوق البدو الشهيرة في جدة من أرشيف خالد أبو الجدائل (الشرق الأوسط)
TT

سوق البدو... قصة تحكي تبادل المنافع بين تجار جدة وأهل البادية قديماً

باب مكة قديماً ويبدو جزء من سوق البدو الشهيرة في جدة من أرشيف خالد أبو الجدائل (الشرق الأوسط)
باب مكة قديماً ويبدو جزء من سوق البدو الشهيرة في جدة من أرشيف خالد أبو الجدائل (الشرق الأوسط)

بحلول ساعات الفجر الأولى، تفد قوافل إبل أهل البادية وتنيخ ركابها بالقرب من باب مكة بجدة التاريخية، وذلك قبل أن تفتح البوابة في السابعة صباحاً وتتجه هذه القوافل مباشرة إلى سوق البدو التي تُعد إحدى أقدم أسواق البيع والشراء في جدة الواقعة داخل السور القديم لمدينة جدة التاريخية، وكانت تمثل قديماً شرياناً تجارياً واقتصادياً مهماً لأهالي جدة، ومناطق البادية المجاورة لها، وبحسب تقديرات تاريخية يعود عمر السوق لأكثر من 150 عاماً.

وكانت الصفقات داخل السوق تتم بعد أن يجلب أهل البادية ما يملكون من المقتنيات التراثية والإنتاج الزراعي من الحبوب والتمور، وبعد بيعها يقومون بشراء ما يحتاجون من السوق التي كانت تعج بمحلات التوابل والملابس والنحاسين والصاغة ومحلات الذهب.

سوق البدو بالمنطقة التاريخية تعد إحدى أهم الأسواق القديمة في جدة (واس)

وبحسب الكاتب والمؤلف السعودي خالد أبو الجدائل، فإن سوق البدو تقع في محلة المظلوم باتجاه سوق باب مكة غرباً، واشتهرت بهذا الاسم لبيعها الملابس والاحتياجات الخاصة بأهل البادية الذين كانوا يقصدونها من المناطق المحيطة.

وأشار أبو الجدائل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن سوق البدو كانت تعرف قبل ذلك بـ«سوق الباب» نسبة إلى منطقة باب مكة، وأضاف: «مع مرور السنين تحول اسم السوق إلى سوق البدو، حيث كان أهل البادية يأتون منذ ساعات الصباح الباكر إلى السوق وينيخون جمالهم بالقرب من باب مكة، حتى يفتح ثم يدخلون للبيع والشراء».

صورة تبين جزءاً من سوق البدو قديماً من أرشيف خالد أبو الجدائل (الشرق الأوسط)

ومن أشهر تجار سوق البدو – كما يروي أبو الجدائل - الشيخ طه ياسين صابر، الذي كان يتاجر في الأقمشة بالإضافة إلى تجارة الحبوب، والشيخ حامد كيكي الذي كان يتاجر في الحبوب والأرز والأقمشة.

وتابع بقوله: «كما كان في السوق خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي العديد من محلات الحجامة بالطريقة التقليدية، وبعض محلات بيع الذهب والفضة».

وكانت مدينة جدة ميناء تجارياً مزدهراً خلال العقود الماضية، ولجميع أسواقها مشايخ يشرفون عليها ويقفون على معالجة مشكلاتها في تلك الحقبة الزمنية.

ويضيف خالد أبو الجدائل وهو مؤلف كتاب «العمّارية... قصة حي من ذاكرة جدة»: «كان شيخ سوق البدو عام 1288 هجرياً حسن بن أحمد باهارون وهو في الوقت نفسه شيخ الحضارم وممثلها أمام الحاكم في ذلك الوقت».

سوق البدو بجدة تأسست قبل أكثر من 150 عاماً (الشرق الأوسط)

كما كان الأغوات وهم (مجموعة من الأشخاص كانوا يخدمون في المسجد الحرام والمسجد النبوي) يملكون بعض المحلات في سوق البدو، مخصصة كأوقاف كما يذكر أبو الجدائل، مبيناً أن الجزء الشمالي من السوق يحوي دكاكين لأغوات المدينة المنورة، والجزء الجنوبي دكاكين لأغوات مكة المكرمة.

وأوضح أبو الجدائل أن منطقة جدة التاريخية بشكل عام تنتعش وتزدهر في المواسم مثل رمضان والأعياد، وتشهد إقبالاً كبيراً من سكان جدة والمناطق الأخرى، وقال «كل المنطقة من باب مكة إلى السوق الكبير بجانب عمارة الشربتلي تنتعش في رمضان والأعياد، وتتحول إلى أسواق حية يأتيها الناس من كل مكان لشراء احتياجاتهم».

خالد أبو الجدائل كاتب سعودي ومؤلف كتاب العمارية قصة حي من ذاكرة جدة (الشرق الأوسط)


مقالات ذات صلة

السعودية… حوكمة عمليات الشراء الحكومية ورفع كفاءة أداء المحتوى المحلي

الاقتصاد وزير الصناعة والثروة المعدنية رئيس مجلس إدارة «هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية» بندر الخريف (واس)

السعودية… حوكمة عمليات الشراء الحكومية ورفع كفاءة أداء المحتوى المحلي

ركزت السعودية على تحفيز الفئات المستهدفة في تبني المحتوى المحلي وإعطائه الأولوية، إلى جانب تحسين حوكمة عمليات الشراء الحكومية، ورفع كفاءة الأداء في هذا المجال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مبنى المكعب ضمن وجهة المربع الجديد (الشرق الأوسط)

رئيس «المربع الجديد»: توظيف مبادئ الاقتصاد الدائري في تطوير الداون تاون

أكد الرئيس التنفيذي لشركة «المربع الجديد»، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، مايكل دايك، على التزام الوجهة بتوظيف مبادئ الاقتصاد الدائري.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد جناح "بلت الصناعية" في أحد المعارض بالسعودية (موقع الشركة الإكتروني)

شركة تابعة لـ«لدن للاستثمار» السعودية توقع عقداً بـ171 مليون دولار لتنفيذ مشروع «ذا بوينت»

وقعت شركة «بلت الصناعية»، التابعة لـ«لدن للاستثمار» السعودية، عقداً بقيمة 645.66 مليون ريال (171.8 مليون دولار)، لتنفيذ أعمال مشروع «ذا بوينت» بمدينة أبها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد أحمد الخطيب وزير السياحة ورئيس المجلس التنفيذي للسياحة بالأمم المتحدة (الشرق الأوسط)

مع ختام رئاستها المجلس التنفيذي... السعودية تدعو لدعم السياحة العالمية

من المتوقع أن ترتفع مساهمة السياحة مدعومة بزيادة الربط الجوي والطلب في مرحلة ما بعد جائحة «كورونا»، وتوسع القاعدة السياحية للطبقة المتوسطة في الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (قرطاجنة)
سفر وسياحة التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

قال الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار: «نسعى إلى تحويل المدن الواعدة في السعودية إلى وجهات عالمية».

غازي الحارثي (الرياض)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».