«قلبي اطمأن»... برنامج يُذكّر المنسيين بنكهة الحياة

غيث الإماراتي يطلّ في رمضان فيُساعِد ليَسعد

غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)
غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)
TT
20

«قلبي اطمأن»... برنامج يُذكّر المنسيين بنكهة الحياة

غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)
غيث الإماراتي يُبهج بالخير (لقطة من البرنامج)

نصبح أقلّ تفكّراً بالحياة حين تمضي الأيام بخسائر محدودة. فمِن عادة المرء أن يغفل عما يمتلكه وهو يشكّل لدى الآخرين أمنية يرجو تحقيقها. برنامج «قلبي اطمَأن»، يُذكّر بأنّ بعضنا رغم الأهوال حوله، يملك إمكان العيش. ثمة بشر يمرضون بصمت. يكابدون من أجل لقمة يرميها بعضٌ في القمامة.

يُخفي الشاب الإماراتي غيث وجهه ويُدخِل تعديلات على صوته. يريد الخير ألا يقترن بالتشاوُف والدعاية. يجول في أماكن الشقاء حيث الأنين الإنساني. برنامجه في موسمه السابع، تعرضه «قناة أبوظبي». في الحلقات، يطلّ منسيّون يشاركون قسوة أيامهم. غيث يُساعِد ليَسعد. يَعرض الحالات من دون إيقاظ لحظة التباكي لرفع نسب المُشاهدة. لا يتسلّق المتألمين لمراكمة شهرته. دعوات الأمهات له بالبركات والصحة جميلُ ما يحصد.

يُغنّي حسين الجسمي شارة البرنامج، قائلاً إنّ «الناس للناس». يحلو أن تحدُث الاستفاقة من السبات، ويرنّ منبّه ينتشل من الغفلة. فلا تفقد الأشياء قيمتها ولا نظنّ أنه «من البديهي» اقتناء كل شيء. حتى بقايا الطعام هي رغبة الجائع في إسكات معدته، والسقف أقصى أماني المشرّدين من دون وُجهات.

منسيّون يستحقون الحياة (لقطة من البرنامج)
منسيّون يستحقون الحياة (لقطة من البرنامج)

القصص مصوَّرة بتقنيات متطوّرة، تملك إمكان التأثير بأي شخص، في أي مكان، ومن أي خلفية، إنْ سَكَنه حسٌّ إنساني. لتتعاطف مع سكان قرية برج الصالحي في تونس، ليس بالضرورة أن تكون تونسياً وتفهم اللهجة. الأهم أن تكون إنساناً وتحرّكك عذابات الآخر. بالتعاون مع «الهلال الأحمر الإماراتي»، نرى البسمة على الوجوه، فيلمع الأمل بأنّ الدنيا بخير.

يسأل غيث عمّا قد يفوت البعض في زمن الأيام الراكضة: «هل تعرف جيرانك أصلاً؟». يستعيد القول النبوي إنّ «الله أوصى بسابع جار» لإجراء العملية الحسابية: «سابع جار من اليمين واليسار وكلّ الجهات. كم منهم نام جائعاً؟ لا تصل إليه الكهرباء؟ وتُنهكه الديون؟». يترك الناس أمام سؤال إنساني يُرجئ إجابته حتى نهاية رمضان. يريد التفاعل عبر مواقع التواصل أن يشكّل وعياً ويعيد حسابات.

جَمعة الخير هي الأنبل، ولو فُقِدت المقاعد المريحة. في البيوت الفقيرة، يجد المرء أحياناً طريقه إلى الذات. تتكثّف العِبر من زيارة غيث للقرية التونسية الهادئة. فناسها يعتاشون من الزراعة وصيد الأسماك؛ لهم في الحياة قارب وشِباك يُلقونه في البحر وينتظرون الرزق. النساء والرجال يد واحدة في الحراثة والغرس والحصاد والقطف. راضون بالأقدار، ومؤمنون بمَن خطَّها.

غيث الإماراتي يجول في الأماكن كأنه منها (بوستر البرنامج)
غيث الإماراتي يجول في الأماكن كأنه منها (بوستر البرنامج)

إنْ ذُرف دمعٌ، فهو ليس انكساراً بل تعبير عن شُكر. يحافظ البرنامج على كبرياء أصحاب النفوس العزيزة، ولا يحاول جرَّهم إلى التذلُّل للإضاءة على جهده. لا يريد أن يُشار إلى الحاجة، بل إلى صلابة تحمُّل آثارها. يروي ضيوف غيث قصصهم برأس مرفوع. لا يمدّون يداً ولا يستعطفون. وهو حين يُساعد بمظروف مغلق، أو بافتتاح مشروع، فلثقته بأنّ الخير الحقيقي والسعادة الكبرى هما أولاً في النيات النظيفة والقلوب المترفّعة عن التلذّذ بمشهد الضعفاء.

تلمع عيون الأطفال أمام الكاميرات، وتخرج حكايات من بريقها. تقول صغيرة يميل شَعرها إلى اللون الأشقر: «لا نستطيع الخروج لنرى الدنيا». الطاعنات في السنّ عيونهنّ تدمع بخفر. يبرعن في الدعوات لغيث المؤكِّد دائماً بأنّ الفضل لله فقط. يرجون له التوفيق ومواصلة العطاء.

بكنزته الزرقاء وقبّعته، حاملاً حقيبة ظهر، لا يظهر من غيث سوى اللطف. كلماته مواساة، فيُشعِر المنسيين بأنهم محاطون برحمة الله مُجسَّدةً بالخيِّرين أمثاله، وثمة عناية تُنقذهم من حيث لا ينتظرون.

بعد التصوير في المنازل والحقول وعلى الشطآن، يجلس مقدّم البرنامج في استوديو يسدي النصيحة ليصبح فعل الخير سلوكاً بشرياً لا يقتصر على مناسبات، ولا يُنجَز مثل فروض الواجب. يشرح أنّ بحر قرية برج الصالحي التونسية شهد أحداث الحرب العالمية الثانية عام 1945 وعاش أهلها أصناف القسوة. المقدّمة تليها ما نراه ونسمعه، فالفقر يتكلّم وإنْ عمَّ الصمتُ الجالسين. بكنزته الزرقاء وقبّعته، حاملاً حقيبة ظهر، لا يظهر من غيث سوى اللطف. كلماته مواساة، فيُشعِر المنسيين بأنهم محاطون برحمة الله مُجسَّدةً بالخيِّرين أمثاله، وثمة عناية تنقذهم من حيث لا ينتظرون.

يُردّد جملته: «بسم الله، نبدأ سعادة جديدة ونُغيث الإنسان»، كأنها بَرَكة كل خطوة. يُشعِر مَن يطرق أبوابهم بأنه فرد منهم، ولا يملك أكثر مما يملكونه. يُريحهم، فيُهوِّن عليهم قبول العون. وإنْ رأى ما يلفته، مثل مذياع قديم يفتقر إليه معظم المنازل في زمن الاستماع الذكي، دلَّ إليه بحميمية، وأخبر مَن أمامه أنه يشكّل بعض ذاكرته. يشاء التمثُّل بالمكان وإنسانه، لإيمانه بالداخل، لا بالقوالب الخارجية التي نوضَع فيها، ولا المكاسب التي يحصّلها بعض وتتعذَّر على آخر.

تستوقفه في القرية عائلات من المصابين بالصَّمم، تكاثر أفرادها بفعل التزاوج بين الأقارب. يُخبر مُتابع برنامجه عن قسوة انقطاع التواصل وصعوبة الفهم بين البشر، ويلفتهم إلى مرارة الانغلاق وعدم التقبُّل. بعد المقيمين في صمت الأصوات، يتمهّل أمام مُقعد على كرسيّه، وآخر مصاب بالسرطان، وكل مَن لديه قصة عنوانها «الصبر مفتاح الفرج». يجمعهم إيمان يجعل الأيام تمرّ بأقل وجع، وإرادة عظيمة للعيش وسط الصعاب. يفتقرون للمال والدواء وربما للذائذ الموائد، لكنهم يملكون إدراك قيمة الأشياء والشُّكر على النِّعم، وهذه ثروة إنسانية.


مقالات ذات صلة

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

يوميات الشرق أتقن جوان رَسْم ملامح «فجر» وقدَّم مشهديات صامتة (مشهد من «تحت سابع أرض»)

جوان خضر: لا تجوز المنافسة ضمن المسلسل الواحد

أتقن الممثل السوري جوان خضر رَسْم ملامح «فجر» في مسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني وقدَّم مشهديات صامتة أغنت الحوار. نطق بعينيه. شخصية مُركَّبة حملت أكثر من تفسير.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق في فيلم «نهاد الشامي» تُجسّد جوليا قصّار شخصية الحماة المتسلّطة (إنستغرام)

جوليا قصّار لـ«الشرق الأوسط»: الكيمياء بين ممثل وآخر منبعُها سخاء العطاء

ترى جوليا قصّار أنّ مشاركة باقة من الممثلين في المسلسل أغنت القصّة، ونجحت نادين جابر في إعطاء كل شخصية خطّاً يميّزها عن غيرها، مما ضاعف حماسة فريق العمل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق حسن عسيري خلال استضافته المطرب إيهاب توفيق (الشرق الأوسط)

حسن عسيري يستحضر حسَّه الكوميدي في برنامجه «بروود كاست»

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدّث الفنان والمنتج السعودي حسن عسيري عن كواليس برنامجه «بروود كاست».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

انتهت مسلسلات رمضان وبقيت تتراتها عالقة في الأذهان

من مصر إلى لبنان وسوريا مروراً بالخليج، جولة على أكثر أغاني المسلسلات جماهيريةً واستماعاً.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق العمل أهلٌ بتصنيفه بين الأفضل (البوستر الرسمي)

«بالدم»... مخاطرةٌ رابحة مع ملاحظات ضرورية

العمل لم ينل التنويه لمجرّد عواطف وطنية، فذلك مُعرَّض لأنْ تفضحه ثغر ويدحضه افتعال. أهليته للإشادة به مردُّها أنه أقنع بكثير من أحداثه، ومنح شخصيات قدرة تأثير.

فاطمة عبد الله (بيروت)

مؤتمر الدراما المصرية يستعيد «كلاسيكيات الأعمال الفنية»

رئيس «الوطنية للإعلام» خلال حديثه في المؤتمر (الهيئة الوطنية للإعلام)
رئيس «الوطنية للإعلام» خلال حديثه في المؤتمر (الهيئة الوطنية للإعلام)
TT
20

مؤتمر الدراما المصرية يستعيد «كلاسيكيات الأعمال الفنية»

رئيس «الوطنية للإعلام» خلال حديثه في المؤتمر (الهيئة الوطنية للإعلام)
رئيس «الوطنية للإعلام» خلال حديثه في المؤتمر (الهيئة الوطنية للإعلام)

أكد مشاركون في مؤتمر «الدراما المصرية إلى أين؟»، الذي نظَّمته «الهيئة الوطنية للإعلام»، الثلاثاء، ضرورة عودة التلفزيون للإنتاج الدرامي بعد غيابه لسنوات. واستعاد المؤتمر كلاسيكيات الأعمال الفنية في فيلم تسجيلي، قبل مناقشة التحديات التي تواجه صناعة الدراما المصرية، والعمل على إنتاج «أعمال هادفة».

وكرَّم المؤتمر مجموعةً من كبار الفنانين؛ منهم سميرة أحمد، والمخرج محمد فاضل، والكاتب محمد جلال عبد القوي، والفنان عبد الرحمن أبو زهرة بمنحهم «وسام ماسبيرو للإبداع»، وسط غياب الممثلين الشباب عن التكريمات والحضور.

وأكد رئيس «الهيئة الوطنية للإعلام»، أحمد المسلماني، أن انعقاد المؤتمر يأتي في وقت يتطلب أن يكون هناك حوار مجتمعي مستمر يضم المفكرين والأكاديميين ودوائر المثقفين؛ من أجل «تعزيز الإبداع وتصحيح المسار»، مشيراً إلى أن «المخاطر الكثيرة التي تحيط بالمجتمع تتطلب أن يكون المبدع شريكاً في الحرب والمواجهة».

وعدَّ أن القوة الناعمة المصرية عند «مفترق طرق» إما التراجع في التنوير والتأثير، أو أن يكون المستقبل امتداداً للماضي، مع التأكيد على أهمية استمرار العطاء وتقديم الأعمال الهادفة.

المؤتمر شهد تكريم عدد من صناع الدراما بمصر (الهيئة الوطنية للإعلام)
المؤتمر شهد تكريم عدد من صناع الدراما بمصر (الهيئة الوطنية للإعلام)

واستهل المؤتمر أعماله بعرض فيلم عن «كلاسيكيات الأعمال الفنية»، ثم دارت مناقشات استمرّت لأكثر من 6 ساعات بين المشاركين سواء على المنصة أو الحضور الذين تحدَّثوا عن رؤاهم لتطوير الدراما التلفزيونية، مع التأكيد على ضرورة عودة التلفزيون المصري للإنتاج الدرامي مرة أخرى بعد توقف دام سنوات.

وخلال مداخلته في المؤتمر، أكد المنتج والخبير الإعلاني عمرو قورة أن الدراما شهدت تحولاً كبيراً على مستوى العالم، وأصبحت المسلسلات تُقدَّم بجودة عالية مذهلة من حيث الصورة والكتابة والأداء، مما يستوجب مواكبة هذا التطور السريع، مشيراً إلى أن جمهور اليوم لم يعد ينتظر المحتوى التقليدي، بل يبحث عمّا يلامس اهتماماته، ويتماشى مع ذائقته المتجددة.

وتطرَّق إلى غياب صناع الدراما من الشباب عن المؤتمر، لافتاً إلى «أهمية التطرق للذكاء الاصطناعي الذي سيُغيّر شكل المحتوى التلفزيوني قريباً جداً».

وهو رأي دعمه السيناريست مدحت العدل خلال مشاركته على المنصة بالتأكيد على ضرورة إشراك جيل الشباب من المبدعين على منصة المؤتمر حتى يحدث التواصل المطلوب بين الأجيال، مؤكداً ضرورة البحث عن الأسباب التي تدفع المسلسلات التي ينتقدونها لتحقيق أعلى نسب مشاهدة، وأسباب الانفصال بين ما يريدون تقديمه وما يريده الجمهور.

وتحدَّث الفنان أشرف عبد الباقي عن وجود أجيال لا تعرف بعض الفنانين؛ نتيجة اختلاف وسيلة العرض واختلاف الجمهور، مؤكداً ضرورة توصيل رسائل الدراما للشباب وفق طرقهم وأساليبهم مع أهمية تمثيلهم في لجان المؤتمر.

أشرف عبد الباقي يتحدث خلال المؤتمر (الهيئة الوطنية للإعلام)
أشرف عبد الباقي يتحدث خلال المؤتمر (الهيئة الوطنية للإعلام)

وقال أمين عام المؤتمر، السيناريست سيد فؤاد، إن «الأمانة الفنية للمؤتمر ستعمل خلال الأيام المقبلة على تفريغ كامل المقترحات التي تحدَّث بها المشاركون في جلسات المؤتمر، من أجل تدوينها مكتوبةً، واستخلاص العناصر المشتركة لإعداد التوصيات قبل إعلانها».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التوصيات قد تستغرق وقتاً لإعلانها بشكل كامل، وهو أمر يرجع للعدد الكبير من المشاركين، والمناقشات التي ستسبق إعلانها»، واصفاً المناقشات التي جرت خلال الجلسات بـ«الثرية»، مع وجود تنوع في الآراء بين المشاركين.

وعدَّ الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن «المؤتمر خطوة مهمة نحو الاهتمام بالدراما المصرية ومناقشة المشكلات التي تواجهها بشكل واضح»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «الأهم من المناقشات التي تمت تفعيل التوصيات لتحقيق استفادة عملية من نتائج المؤتمر».