دقة في المواعيد، والتزام بالمواقيت، ولا مجال للخطأ أو التقصير، في غرفة مكبرية الحرم التي تربط الملايين من ضيوف الرحمن وتضبطهم على قلب رجل واحد، تنادي للصلاة، وتحثّ على رصّ الصفوف، وتبث صوت القرآن في أركان الحرم ومحيطه، ومن ثم إلى العالم أجمع في البث الحيّ والمباشر للصلوات وتفاصيل الحياة في المكان الذي يتوجه إليه المسلمون طوال الوقت. ومع حلول شهر رمضان الكريم، تبدأ رحلة إيمانية متجددة، وتستأنف مهمة لا غنى عنها، حيث يبدأ النداء في كل ليلة من الشهر الفضيل، لصلاة القيام وتنضبط الصفوف، وتلتئم الجماعات، ويتحاذى المصلون، ويستغرقون في صلاتهم مقبلين إلى الله، بلا انقطاع ولا أذى. ومن غرفة مكبرية الحرم، حيث تضبط الأصوات وتدار عملية واسعة تتعامل مع عشرات الأئمة والمؤذنين، تتفاوت أصواتهم في حدتها ونعومتها، في ترتيلها وإيقاعها، يعكف سالمين باكرموم الذي قضى أكثر من 3 عقود، وفريق من العاملين المحترفين في مكبرية الحرم على سلامة الأداء وحفظ آلية انتقال الصوت بسلاسة وانضباط.
لحظات: صلاة القيام أثابكم الله..أهلاً يا خير الشهورأهلاً #رمضان ..#المسجد_الحرام pic.twitter.com/X4nQdgOaYr
— الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين (@ReasahAlharmain) March 10, 2024
وتعمل المكبرية من خلال منظومة متكاملة من الخدمات، وفق عمل مؤسسي، يوجد المؤذن المكلف بالأذان داخل المكبرية قبل الموعد المحدد بنحو ساعة، ولكل صلاة يتوفر مؤذن وملازم ومؤذن احتياط، حيث يقوم المؤذن برفع الأذان والإقامة والتبليغ وهو ترديد تكبيرة الإحرام وتكبيرات الركوع والسجود والتسليمتان بعد الإمام، بينما يقوم الملازم بالنداء للصلاة على الجنائز، حيث تصله المعلومات المتعلقة بالجنائز عقب كل صلاة من خلال شاشة مخصصة لهذا الغرض داخل المكبرية، ترتبط بشكل إلكتروني مع وحدة الجنائز، ويتكفل المؤذن الاحتياط بأداء أعمال المؤذن أو الملازم تحسباً لحالات الطوارئ والظروف غير المتوقعة.
كيف يرفع الأذان قديماً في الحرمين؟
شهد النظام الصوتي تطوراً مثل بقية الجوانب المتعلقة بالحرمين الشريفين، وذلك للتسهيل على ضيوف الرحمن، ونقل رسالة الحرمين وأثير الصلوات والخطب منها إلى كل بقعة في العالم، وقديماً كانت المنارات التي تتوزع حول الحرم، هي وسيلة النداء بالصلاة، حيث تفتح وقت الأذان وتقفل بعده، ويبدأ الأذان من المنارة الرئيسية ثم يتبعه بقية المؤذنين من المنارات الأخرى.
بينما تقوم المكبرية اليوم بمهمة رفع الأذان في الحرمين على أتم وجه، انطلاقاً من موقعها الأثير داخل الحرم المكي، وما تتمتع به من منظومة إلكترونية وصوتية حديثة ومتطورة، وعمل فريق محترف ومتخصص في ضمان استقرار واستمرار بث صوت الأئمة والمؤذنين، وتغذية شبكة الصوت المكونة مما يزيد عن 7 آلاف سماعة، داخل المسجد الحرام وساحاته والتوسعات الجديدة، والطرقات المحيطة.
تفاصيل فريدة للنظام الصوتي
يحكي سالمين باكرموم، مشغل الصوت بالحرم المكي، حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، التي تولى مسؤوليتها منذ 3 عقود، حيث يقول إن المهمة تساوي عدد الملايين من المصلين الذي ينتظمون في جماعة المسجد الحرام وفي زواياه المترامية، مشيراً إلى أن نظام الصوت في الحرم المكي تطور كثيراً وأصبح مداه يصل إلى نحو 2 كيلو متر خارج حدود المسجد.
من الجدير بالذكر أن 25 شاباً سعودياً من المشغلين، يتولون تجهيز وإعداد النظام الصوتي لكل صلاة، بينما يتولى فريق كامل ومتخصص في متابعة وصول الصوت إلى كل زاوية وركن داخل الحرم المكي عند كل تجربة تسبق الصلاة، كما تتولى كاميرات مخصصة متابعة وصول الأئمة وتجهيز النظام الصوتي للعمل خلال الأذان والإقامة، ويتولى الفريق تجهيز ارتفاع لاقط الصوت حسب كل إمام، وأثناء الصلاة يتابع مشغل الصوت اعتدال مستوى الصوت خلال التلاوة والركوع والسجود لكل إمام، وكذلك الحال مع كل مؤذن.