«أوبنهايمر».. تحفة فنية عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية

الفيلم حصد 7 جوائز أوسكار

الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
TT

«أوبنهايمر».. تحفة فنية عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية

الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)

رجل سحقه الشك من أجل اختراع غيّر تاريخ البشرية... هي قصة «أوبنهايمر» عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية، الذي حصد، أمس الأحد، أوسكار أفضل فيلم، أبرز مكافأة سينمائية في هوليوود..

شبه تحفة كريستوفر نولان الفنية هذه النمط السينمائي القديم: طاقم تمثيلي مميز، وميزانية ضخمة، ورهانات عالية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

ويتبع الفيلم الذي يمتد على أكثر من ثلاث ساعات، اللحظات الأساسية في حياة روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي الذي أدخل الكوكب إلى العصر النووي، وعجّل بنهاية الحرب العالمية الثانية قبل أن ينتابه الشك بشأن ابتكاره الذي استحال أداة تدميرية فتاكة.

ويغيّر هذا الفيلم البالغة ميزانيته مائة مليون دولار، الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة المتمثل بمنح جائزة أوسكار أفضل فيلم لإنتاجات مستقلة بتكلفة إنتاجية أصغر.

المخرج كريستوفر نولان يتوسط كيليان مورفي وإيميلي بلانت خلال تصوير مشهد من «أوبنهايمر» (أ.ب)

وقالت منتجة الفيلم إيما توماس: «لقد حلمتُ بهذه اللحظة منذ زمن بعيد. ولكن بدا من غير المرجح أن يحدث ذلك على الإطلاق (...) السبب وراء ظهور هذا الفيلم بالشكل الذي ظهر فيه هو كريس نولان. إنه فريد من نوعه. إنه رائع»، مشيدة بكريستوفر نولان الذي فاز أيضاً بجائزة أفضل مخرج عن «أوبنهايمر».

 

ولغايات التصوير، أمر نولان بإعادة بناء لوس ألاموس في سهول جنوب غربي الولايات المتحدة، وقد صُوّرت المشاهد الرئيسية في الفيلم، الذي يعيد إنتاج أول انفجار نووي في يوليو (تموز) 1945، باستخدام متفجرات حقيقية.

 

وقد كانت هذه التركيبة فعالة، إذ نجح الفيلم في إقناع النقّاد والجمهور على السواء.

وحقق الفيلم إيرادات تجاوزت مليار دولار في جميع أنحاء العالم، كما حصد جوائز كبرى كثيرة في عالم السينما، وصولاً إلى تتويجه بأبرز مكافأة سينمائية عالمية.

حلم وكابوس

شرع كريستوفر نولان، الذي يحفل رصيده السينمائي بإنتاجات ضخمة بينها «إنسبشن» وثلاثية باتمان «ذي دارك نايت»، في المشروع بعد قراءة سيرة ج. روبرت أوبنهايمر الذاتية المتعمقة (American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer)، بقلم كاي بيرد ومارتن شيروين.

كريستوفر نولان فاز بجائزة أفضل مخرج عن «أوبنهايمر» (أ.ب)

وتحمل السيرة في طياتها عناصر درامية قوية: شخصية فريدة تنجرف في مأساة تجمع بين «الحلم والكابوس»، بحسب المخرج.

فبعد أن عرف المجد بوصفه «عراب القنبلة الذرية»، أصبح روبرت أوبنهايمر غارقاً في الندم على عواقب اختراعه.

واستحال بعدها داعية لنزع السلاح النووي، إلى أن دُفع للتنحي جانباً بسبب تعرضه للملاحقة للاشتباه في تعاطفه مع الشيوعية.

وقال كريستوفر نولان: «ليست هناك إجابة واضحة لقصته، فهي تحتوي على مفارقات رائعة».

وأصبحت صورة العالِم واضعاً يده على جبهته، وهو يحدق في الفضاء، مسترسلاً وسط هذه التناقضات اللامتناهية، أيقونة الفيلم الروائي الطويل.

ثلاثة أنواع

بُني هذا الفيلم حول مزيج ذكي من ثلاثة أنواع: القصة البطولية، وأفلام السطو، والدراما القانونية. من هنا، تتعاقب المشاهد في العمل حول السباق لصنع القنبلة الذرية بمواجهة النازيين، وإقامة فريق من الخبراء لتنفيذ المشروع، ومحاكمة عبقري أصبح هدفاً لاتهامات بالتآمر والخيانة.

واختار كريستوفر نولان لأداء الدور الرئيسي في الفيلم كيليان مورفي، وهو ممثل آيرلندي معروف لدى المخرج، فاز أمس الأحد بجائزة أوسكار أفضل ممثل.

فاز كيليان مورفي بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن فيلم «أوبنهايمر» (رويترز)

ويمثل أمامه، في العمل الذي تدور أحداثه في واشنطن حين كانت تسودها أجواء مناهضة للشيوعية في خمسينات القرن العشرين، روبرت داوني جونيور الذي فاز الأحد بأوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي.

ويزخر الفيلم بطاقم تمثيلي قوي يشمل أسماء لامعة بينها إميلي بلانت، ومات ديمون، وفلورنس بيو، وكينيث برانا، وغاري أولدمان، ورامي مالك.

روبرت داوني جونيور فاز بأوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي عن فيلم «أوبنهايمر» (أ.ب)

«باربنهايمر»

ويعود النجاح التجاري الهائل لهذا الفيلم أيضاً إلى ظاهرة «باربنهايمر». فقد كان طرح العمل الدرامي عن مبتكر القنبلة الذرية، والكوميديا الأنثوية «باربي»، في اليوم نفسه من شهر يوليو (تموز) الماضي، خلال فترة إضراب هوليوود، بمثابة حافز لآلاف المتفرجين للتعرّف إلى الفيلمين، المختلفين تماماً.

مرتادة للسينما تشتري تذكرة بينما يظهر أفيشا فيلمي «باربي» و«أوبنهايمر» (أ.ب)

وبمواجهة الدمية الشهيرة «باربي»، كانت هناك حاجة لاستقطاب الجمهور إلى فيلم طويل يمزج بين التساؤلات التاريخية والفيزياء النووية وجلسات المحاكمة المليئة بالبيروقراطية.

مع مثل هذا السيناريو، «لا تقول لنفسك إنه سيحقق إيرادات بمليار دولار»، وفق تشارلز روفن، أحد منتجي الفيلم الذي طرحته شركة «يونيفرسال».

جنيفر لايم وكيليان مورفي يحملان جائزتي أوسكار عن فيلم «أوبنهايمر» (أ.ب)

ورأى روفن أن «تحقيق هذا الأمر على أرض الواقع، مع سيل التقويمات الإيجابية للعمل، أمر ممتع للغاية!».

ولم يوقف أي شيء مذاك مسيرة «أوبنهايمر» الناجحة، إذ حصد في الأشهر الأخيرة جوائز مرموقة كثيرة أبرزها في حفلات «غولدن غلوب»، و«بافتا» البريطانية، وحتى جوائز نقابة ممثلي الشاشة (ساغ)، قبل أن يتوّج هذا المسار الأحد في حفلة الأوسكار.


مقالات ذات صلة

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)
سينما مخرجة الفيلم مع رئيسة مجلس أمناء مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جمانا الراشد ومحمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان

«صندوق البحر الأحمر» وراء المنافس العربي الوحيد في «الأوسكار»

فيلم «بنات ألفة» المدعوم من مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، كان المنافس العربي الوحيد في كل فئات جوائز «الأوسكار».

«الشرق الأوسط» (هوليوود)
يوميات الشرق الممثلة الأميركية إيما ستون خلال حفل الأوسكار في هوليوود أمس (أ.ف.ب)

إيما ستون تتسلم ثاني أوسكار في مسيرتها بفستان ممزق (صور)

تسلمت إيما ستون، الحائزة على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن أدائها في فيلم «بور ثينغز»، جائزتها، وهي تتعامل مع تمزق السحَّاب في ظهر فستانها.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق ارتداء الدبابيس الحمراء كان بمثابة دعوة لوقف إطلاق النار بغزة (أ.ف.ب)

نجوم يضعون دبابيس حمراء بحفل الأوسكار في دعوة لوقف إطلاق النار بغزة

وضع العديد من النجوم خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار بنسختها الـ96 أمس (الأحد) دبابيس حمراء في دعوة لوقف إطلاق النار بغزة.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

أفلام «كان» العربية أجنبية غالباً

مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)
مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)
TT

أفلام «كان» العربية أجنبية غالباً

مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)
مهدي فليفل (مهرجان «برلين»)

يزداد الخلاف في وصف هوية الفيلم العربي. هل يكون عربياً إذا كان مخرجه من أصل عربي؟ هل يكون عربياً إذا كان تمويله آتٍ، في غالبه، من الغرب؟ هل هو فيلم عربي إذا كانت أحداثه تقع في الغرب؟ أو هو ما زال فيلماً عربياً إذا كان المخرج عربياً وشخصياته فرنسية أو كندية أو هندية؟

إلى ذلك، هل يكفي أن يكون المخرج عربياً، أو من أصول عربية، لاعتبار أن أي فيلم ينجزه هو عربي؟ هذا السؤال الأخير ليس جديداً، لكن كثيرين من النقاد العرب عدّوا ذلك كافياً على أساس أن هوية الفيلم تتبع المخرج وليس الإنتاج.

ما يحدث يؤكد عكس ذلك، وما سنراه في مهرجان «كان» يدعم منحى أنّ الفيلم ينتمي إلى جهة إنتاجه الغالبة، وليس إلى أي فرد فيه حتى ولو كان مخرجاً. ومهرجان «كان» الذي سينطلق في 14 من هذا الشهر يأتي بدوره تأكيداً على ذلك.

هناك 6 أفلام سيُعدّها كثيرون عربية، في حين أن هناك فيلماً واحداً بينها عربي بالفعل، الباقية تختلف، لكن ليس من بينها ما هو إنتاج عربي فعلي.

6 أفلام طويلة

«نورة» هو الفيلم الوحيد الذي كان إنتاجاً سعودياً بالكامل من قِبل شركة «العلا»، وكان فاز سابقاً بجائزتها الخاصّة في مهرجان «البحر الأحمر» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويدخل مسابقة قسم «نظرة ما» في دورة «كان» العام الحالي بوصفه أول مشاركة رسمية سعودية في المهرجان العريق.

لا بدّ من القول إن السينما السعودية شاركت خارج الإطار الرسمي في عام 2006 عندما عرض المخرج السعودي عبد الله المحيسن فيلمه الروائي «زمن الصمت». وفي العام نفسه عرضت شركة «روتانا» فيلمها «كيف الحال»، الذي دارت أحداثه في المملكة من إخراج الكندي (من أصل فلسطيني) إيزادور مسلّم.

الأفلام الأخرى المعروضة لمخرجين عرب أو من أصول عربية هي، «رفعت عيني للسما» لندى رياض وأيمن الأمير؛ التمويل فرنسي ويعرض في قسم «أسبوع النقاد». في المسابقة الرسمية هناك فيلم للمخرج الكندي (الجزائري الأصل) كريم عينوز عنوانه «موتيل دستينو».

«شرق الظهر» لهالة القوصي (مهرجان «كان»)

وهناك فيلمان ناطقان بالعربية معروضان في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» هما، «إلى أرض مجهولة» للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل، الذي حصد تمويلاً من بريطانيا واليونان وهولندا، و«شرقي الظُهر» (East of Noon) للمخرجة هالة القوصي وهو من تمويل هولندي بمشاركتين مصرية وقطرية.

خارج المسابقة نجد «الجميع يحبون تودا» تمويله فرنسي بالكامل ومن إخراج المغربي نبيل عيوش.

«الكل يحب تودا» (فيلم دو لا نوڤو موند)

أبيض - أسود

حقيقة اعتماد معظم هذه الأفلام على «معونات» غربية أو تمويل أجنبي كاملٍ ليس حكماً عليها (أو لها) على الإطلاق. المسألة هي مسألة إطلاق التسمية على أفلام تنتمي إلى دول غير عربية إما جزئياً أو كلياً.

هو اعتمادٌ ناتجٌ عن غياب مظلّة إنتاجية جيدة في معظم دول الإنتاج العربي، تؤمن بالفيلم المحلّي الجاد والفني، الذي يمكن إطلاقه في المحافل والمناسبات العالمية المختلفة. إنه نقصٌ موجودٌ، والحديث فيه يتداخل، والأوضاع والظروف الإنتاجية والاقتصادية والسياسات المحلية التي لا تنصّ في معظم هذه الدول المنتجة، على توفير دعمٍ مدروسٍ للإنتاجات المحلية.

الاستثناء الفعلي في هذا الوضع هو من نصيب السينما السعودية، التي تمكّنت في فترة قصيرة من القفز قُدُماً في مجال صناعة الفيلم السعودي والثقافة السينمائية بوجه عامٍ تبعاً لاهتمامات الدولة.

القليل معروف عن هذه الأفلام التي لا يجوز الحكم لها أو عليها إلا تبعاً لمستوياتها الفنية، وهذا غير متاحٍ إلا من بعدِ عروضها الموزّعة على مدار الأيام الـ11 للمهرجان (14 - 25 من الشهر الحالي).

تحدثنا هنا أكثر من مرّة عن فيلم «نورة» للمخرج توفيق الزايدي واهتمامه بوضع فتاة شابّة في قرية بعيدة عن الحياة المدنية (وفي سنوات عدّة سابقة)، تجد في أستاذ المدرسة المنتدب من المدينة فرصة لتحقيق حلمها بالعيش في مكان آخر ترى منه العالم الذي تطالعه في بعض المجلات الفنية المتاحة لها. موضوعٌ جديرٌ بالاهتمام، صاغ منه الزايدي عملاً يعكس طموحاته جيداً.

على صعيد آخر، من المهم انتظار فيلم هالة القوصي بكل الاهتمام الذي يستحقه. في الأساس، وبشجاعة محسوبة، صوّرت المخرجة المصرية فيلمها الجديد بالأبيض والأسود (ثاني فيلم عربي حديث يختار الأبيض والأسود للتعبير لجانب «مندوب الليل» للسعودي علي الكُلثمي).

أظهرت هالة القوصي إبداعاً وإتقاناً في فيلمها السابق (الروائي الطويل الأول لها) «زهرة الصبار» (2017)، حين عرضت حياة امرأة شابّة (سلمى سامي). ممثلة لا تجد عملاً ولا أمل لها في ذلك. حالياً تمثل إعلاناً إذاعياً. تجول مع جارتها التي طُردت من منزلها (منحة البطراوي)، باحثة عن مأوى لها. وفي الوقت نفسه تلتقي بكاتبين كانت على علاقة معهما: شاب يتحاشى الارتباط بها، والثاني (زكي عبد الوهاب) كاتب مخضرم هي التي تحاشت ذات يوم الارتباط به. لكن المدينة لا تبدو بعد كل ذلك الخيار الصحيح، وها هي تقصد منزل أمّها الريفي، وتجدُ المخرجة هناك فسحة من الوقت لتوسيع رقعة اهتماماتها بإضافة وضع الأم وعلاقتها المتوترة بابنتها، لتخلص المخرجة إلى مشهد تلتقط فيه كاميرا علوية للنساء الثلاث مستلقيات على الحشيش الأخضر في مشهد رومانسي آخر من مشاهدها.

«زهرة الصبّار» جاء مُحاكاً جيداً، فكرة جديدة التناول لا من حيث مفارقاتها فحسب، بل من خلال أماكن حدوثها غير المستهلكة للعين.

فلسطيني في اليونان

أيضاً من المهم الوقوف عند فيلم «إلى أرض مجهولة» لمهدي فليفل، الذي كان قدّم سابقاً فيلماً جيداً عنوانه «عالم ليس لنا» (2012). فيلم تسجيلي عن أحوال ثلاثة أجيال من المهاجرين الفلسطينيين لا يزالون يعيشون بين الأمل والواقع الصعب.

فيلمه الجديد «إلى أرض مجهولة» يختلف عن سابقه حكاية، لكنه ما زال متصلاً بفلسطين من خلال شخصية شاب فلسطيني (محمود بكري) يبحث عن مهرّب سرقه ليستعيد ما هو ملكه. الفلسطيني المهاجر إلى اليونان، حسب الفيلم، يعيش في وضع مزرٍ وليس أمامه سوى الانتقام من الشخص الآخر.

بالنسبة لفيلم نبيل عيّوش «الجميع يحب تودا»، هو دراما خفيفة مؤلّفة من 102 دقيقة، يبدو - ظاهرياً - كما لو كان جزءاً من مسلسل تلفزيوني أنتجته «أمازون» في العام الماضي من إخراج عيوش وبعنوان مشابه.

نشاط ملحوظ لممثلات طموحات ومكرّمات

هناك نشاطٌ نسائيٌّ ملحوظٌ في ميادين شتّى من العمل السينمائي. طبعاً التوقف عند هذه الكلمات ليس جديداً، فالعقود القريبة الماضية شهِدت ارتفاع نسبة العاملات في السينما، كتابةً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً.

عودة المخرجة المصرية هالة القوصي إلى العمل السينمائي بعد 7 سنوات من الغياب، ينخرط في هذا النشاط، كما وصول المخرجة اللبنانية نادين لبكي للتربّع بوصفها عضو لجنة تحكيم في مهرجان «كان» السنة الحالية. لكن ذلك ليس الصورة بكاملها فهناك ما يتعدّى هاتين الشخصيّتين حالياً.

* إيزابيل أوبير

الممثلة الفرنسية المشهورة ستقود لجنة تحكيم مهرجان «ڤينيسيا» في دورته المقبلة بمطلع سبتمبر (أيلول) المقبل. اختيارها يبدو ردّاً على اختيار مهرجان «كان» للممثلة والمخرجة الأميركية غريتا غيرويغ. المقارنة بين أوبير وغيرويغ تميلُ لصالح الأولى إن لم يكن لثراء أدوارها فلحقيقة أنها في الـ71 من عمرها وما زالت تتلألأ في أي فيلم تحل به.

* تيلدا سوينتون

انتهت من تصوير أول فيلم لها مخرجةً في حياتها المهنية، التي تمتد لـ38 سنة. عنوان الفيلم «الخلية السُّداسية والفأر في المتاهة» وقد اختير لافتتاح «مهرجان شفيلد الدّولي للأفلام الوثائقية» الذي يُنظّم سنوياً في بلدة شَفيلد البريطانية. انتقالها ذاك قد يوازي شغفها الكبير في إتقان ما تؤديه من أدوارٍ آخرها كان، دورها الصغير في «القاتل» لديڤيد فينش.

* الممثلة كريتي سانون

هي إحدى أكثر وجوه السينما الهندية نشاطاً هذه الأيام، لكنها على أهبّة التحوّل كذلك إلى الإنتاج إذ ارتبطت بعقد مع «نتفليكس» لإنتاج «دو باتي» الذي سيُعرض على المنصّة العام الحالي.

* جيسيكا لانج

ستعود من سنوات الغياب لحضور مهرجان «ميونيخ» المقبل، ليس بسبب فيلم جديد، بل لمنحها جائزة شرفيّة عن جميع أعمالها السينمائية. وبعد غياب دام 7 سنوات، شُوهدت في عام 2022 في «مارلو»، فيلمٌ بوليسي يا ليته كان بمستوى إبداعاتها.


شاشة الناقد: عودة المخرجة اللبنانية هَيني سرور بعد غياب طويل

«ليلى والذئاب» (هَيني سرور)
«ليلى والذئاب» (هَيني سرور)
TT

شاشة الناقد: عودة المخرجة اللبنانية هَيني سرور بعد غياب طويل

«ليلى والذئاب» (هَيني سرور)
«ليلى والذئاب» (هَيني سرور)

المخرجة اللبنانية هَيني سرور غابت طويلاً وتعود الآن بفيلم قديم - جديد؛ مع اقتراب مهرجان «كان» نختار عملين فازا بذهبيته في دورتين سابقتين

ليلى والذئاب ★★★☆

إخراج: هَيني سرور | دراما | لبنان- بريطانيا | 2024

غابت المخرجة اللبنانية هَيني سرور منذ الثمانينات حتى نسيانها. من تذكّرها لم يسمع منها أو عنها، ومن لم يتذكرها نسيها تماماً. صاحبة «دقّت ساعة التحرير... برّة يا استعمار»، و«ليلى والذئاب»، وفيلمين قصيرين. بدت هَيني سرور كما لو أنها اكتفت من الإخراج ونأت بنفسها عن عالم السينما.

ربما نعم وربما لا. لكنها عادت فجأة بمناسبة مرور 40 سنة على إطلاق فيلمها «ليلى والذئاب». رممته وسَعَت لإعادة عرضه في صالات «ICA» في العاصمة البريطانية لندن، مع احتمالات عروضٍ أخرى كون الفيلم أحد الأعمال التي احتفى بها مهرجان «ڤينيسيا» بوصفه عملاً كلاسيكياً خاصاً.

وهو كذلك فعلاً، وتأتي إعادة عروضه لتواكب ما يحدث حالياً في قطاع غزة، وفي زمن ما زالت فيه «بلاد الشام»، كما يقول الفيلم في مطلعه، تعيش حروباً مختلفة.

الفيلم الماثل هو مزيج من مسائل عدّة. هو «روائي» و«وثائقي». عن المقاومة الفلسطينية ضدّ البريطانيين الذين احتلوا فلسطين ورحّبوا (كما يرد في مشهد مختار بعناية) بالمهاجرين اليهود الفارين من ويلات النّازيين، كما في العامين الأولين من الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1977).

لكنّ الخيط الرابط بين كل هذه المسائل، هو موقع المرأة في ذلك الوقت انطلاقاً من اعتقادٍ سائدٍ (وخاطئ) من أن المرأة لم تتعاطَ السياسة مطلقاً. لدى هَيني سرور كثير تريد قوله في هذا الشأن. المرأة حاربت وضحّت وعانت لا من الحروب وحدها، بل كذلك من القبضة الذكورية المتوارثة، حين باتت هي المسؤولة عن أوضاع الحياة المجتمعية وهي التي تُعاقب على عشاء لم يُحضّر أو ولدٍ لم تُنجبه. خلال العرض يسود شعور بأن المخرجة زادتها قليلاً من دون أن تمضي في منهج يزيد رسالتها قوّة وعمقاً. المسألة، يستطيع المرء أن يُناقشها، ليس في نطاق «كيف عُوملت المرأة»، بل «لماذا عُوملت المرأة على هذا النحو»؛ هذا مع الاعتراف أن الطرح الأول هو الأنسب ضمن المعالجة المختارة للفيلم. فالمخرجة ليست في وارد سرد قصّة ستضمن وجود تحليلٍ ما، بل يقدّم فيلمها شخصية رمزية عابرة للأزمنة اسمها ليلى (نبيلة زيتوني) تحمل، رمزياً، مشعلاً لإضاءة التاريخ ودور المرأة فيه من خلال شبه حكايات تخدم هذا السعي.

هو فيلم يحمل رحيقاً من أفلام الجورجي تنجيز أبولادزو، الأرمني الجورجي سيرغي بارادجانوف.

العلاقة مع الحاضر ليست وهماً. يخصّص الفيلم حديثه للمقاومة الفلسطينية قبيل النكبة ودور المرأة فيها، لكن بعد مرور 40 سنة، نجدُها تصبّ فيما يحدث اليوم في حرب غزة. نكتشف أن أشياء كثيرة لم تقع بعد في 4 عقود منذ تحقيق هذا الفيلم ومن بينها العدالة.

هَيني سرور كانت أول امرأة من عِرق الأقلية (هي يهودية) تحقّق فيلماً روائياً طويلاً في العالم العربي وتعرضه في لندن. للأسف، ضاعت سنوات كثيرة، ولأسباب مجهولة، كان يمكن لهذه السيدة أن تُنجز أكثر بكثير مما فعلت.

للفيلم إدارة غير مريحة. فيه أداءات متفاوتة الإجادة. دخوله وخروجه ما بين المشاهد ثم بين فصليه (يتحوّل الفيلم من فلسطين إلى لبنان بعد منتصفه بقليل). كان يمكن التوسع قليلاً لشرح العلاقة بين القضيّتين، حرب الاحتلال والحرب الأهلية، هذا لو تم لمنح الفيلم بعداً سياسياً خارج نطاق ما تم طرحه.

في المشهد الأخير هذه ليلى ترمز جيداً لوطن يتلقّفه رجال ينتمون إلى طوائف مختلفة. تمنح المخرجة المشهد رمزيته هذه ومن ثَمّ تُقفل الفيلم على تجربة كانت رنّانة آنذاك ولا تزال تتعامل مع فرادتها إلى اليوم.

* عرض خاصّ

THE TREE OF WOODEN CLOGS ★★★★★

إخراج: إرمانو أولمي | دراما تاريخية | إيطاليا | 1978

صوّر إرمانو أولمي فيلمه هذا بكاميرا 16 ملم، ومن لا يعرف هذه الحقيقة لن يتوقف عند ملاحظة أن الفيلم بهذا النظام يبدو كما لو كان استخدم المقاس العادي (35 ملم)، هذا بسبب مساحة مشاهده الخارجية وعمق تلك الداخلية من بين عناصر تقنية أخرى. كذلك صوّر المخرج هذا الفيلم بممثلين غير محترفين، ورغم أن المرء يستطيع تخمين ذلك، لكنه لن يكون واثقاً كون ممثليه يتمتعون بفهمهم الكامل للبيئة التي يعيشونها ويتصرّفون فيها بسلوكيات هي طبيعية بالنسبة إليهم سواء كانت في التقديس المستمر دينياً أو في تفاصيل حركتهم الطبيعية وممارستها أمام الكاميرا كما لو كانت، فعلاً غير موجودة.

«شجرة القباقيب الخشبية» (راي إيطاليا)

ضع هذه الملاحظات جنباً إلى جنب، حقيقة إن أولمي لم يأتِ من البيئة التي يصوّرها، تجد نفسك معجباً بالطريقة الخالية من الشوائب التي نقل فيها حياة قرية فلاحية تعمل لتأكل وتنال ثلث قيمة الحصاد التي تزرعه. لا أحد لديه القدرة (والأحداث تقع عند مطلع القرن العشرين) على النظر إلى هذه الحال سياسياً، لكن السياسة تمرّ ضمن ما يستعرضه المخرج. يجمع المخرج هنا، كما في أفلام أخرى، الناحيتين الدينية والسياسية ويخلص صوبَ نتاجٍ إنساني في الوقت الذي ينظر فيه لما يعرضه من دون تدخّل أو فعلٍ عاطفي محدد.

* عروض: «كان» 1978

APOCALYPSE NOW ★★★★★

إخراج: فرنسيس فورد كوبولا | تشويق | الولايات المتحدة | 1983

إذ يعود فرنسيس فورد كوبولا إلى عرين الأسود في «كان» هذا العام بفيلمه الجديد «ميغالوبوليس» يستدعي ذلك العودة إلى أفلامه البديعة التي اشتغل عليها من «العراب» (1982) وما بعد. «القيامة الآن» ليس فقط من أفضل أفلامه، بل هو بحجم طموحاته التي جسّدها هذه السنة بفيلمه الجديد.

عن رواية طالما قيل إنها عصيّة على «التفليم» هي «قلب الظلام» لجوزيف كونراد (التي تقع أحداثها في الكونغو وسيناريو من رجل المهام الصعبة جون ميليوس قدّم كوبولا حكاية تبتعد عن صلب الرواية باختيارات دقيقة، تعكس الفوضى التي صاحبت تلك الحرب وتنقل عنها صوراً لا تبتعد عن الحقيقة، لكنها مترجمة إلى مشاهد عملاقة تشي بكل ما كانت عليه وهي كثيرة يفرد لها المخرج فصولاً متوالية. تتقدم القيادة العسكرية من الكابتن ويلارد (شين) بطلب إنجاز مهمّة اغتيال للكولونيل كورتز (براندو) الذي اقتطع لنفسه جزءاً من البلاد على الحدود الكمبودية متمرّداً على القيادة الأميركية. الفريق الذي يقوده ويلارد هو زمرة من غير المؤهلين (سام بوتومز، وفردريك فورست، ولورنس فيشبورن، وألبرت هول) والجميع ينطلقون في قارب سريع (اسمه إيريبوس، على اسم ابن إله الظلام الإغريقي) منتقلاً من حدث لآخر طوال رحلة شاقّة.

«القيامة الآن» (أميركان زوتروب)

إنه على تلك الطريق يوفّر الفيلم مشاهد من جنون الحياة في حاضنة الحرب: القتال، والقصف الأميركي، والضحايا، والحفلات الراقصة... إلخ. في أحدها يقف قائد عسكري (روبرت دوڤول) أمام وحدته التي تحتمي من قصف الفيتكونغ ليقول، بعد غارة أميركية استخدم فيها النابالم «أحب رائحة النابالم في الصباح». حين الوصول إلى حيث اقتطع الكولونيل كورتز ولايته يقف ويلارد (وقد بقي من فريقه جندي واحد) على المشهد المفجع لرجل فقد رجاحة عقله وعاش على العنف حتى بات جزءاً منه. دينيس هوبر في دور لا يُنسى مصوّراً غائباً عن الحقيقة بدوره. والنهاية حتمية، اغتيال ويلارد لكورتز، لكن ربما ليحل مكانه كونه لا يستطيع إنقاذ أحد من هذه الحرب بدءاً بنفسه. لا يخطئ كوبولا مرة واحدة في منح المشهد ما يتطلبه من تأمين عناصر وبصريات متّحدة في غايتها الوصول إلى لبّ ما يريده من كل لقطة. تصوير رائعٌ من الإيطالي ڤيتوريو ستورارو مختلف عن تصوير أي شيء سبق تقديمه في السينما. التعليق الذي يصاحب الفيلم بصوت ويلارد مع موسيقى ڤاغنر لجانب حرفة كوبولا الخبيرة والعالية، من الأمور التي جعلت هذا الفيلم عملاً خالداً.

من بين كلّ ما خرج من السينما الأميركية من أفلام تتناول الحرب الڤيتنامية، «القيامة الآن» هو أفضلها من نواحي متعدّدة. كتابة وإخراجاً وتمثيلاً وعناصر إنتاجية علماً بأن المشاكل التي سبقت تصويره وتلك التي وقعت خلال التصوير كان يمكن لها أن تقضي على العمل أو تعرّض طموحاته للتلف. كوبولا موّل الفيلم مما جناه من أفلامه السابقة («العرّاب» الأول والثاني و«المحادثة») وصوّره في الفلبين. في الخطّة قضاء 5 أشهر في التصوير. في الواقع امتد التصوير لـ16 شهراً وتعرّض فيها فريق العمل لأحداثٍ ومشاكل متعددة على كل نطاق (عواصف عاتية هدمت الديكورات)، وشخصية (مشاكل بين المخرج ومارلون براندو)، وصحية (إصابة مارتن شين بنوبة قلبية)... إلخ كل ذلك لم يمنع كوبولا في النهاية من إتمام فيلم رائع، مشحون بالنقد ضد المؤسسة العسكرية وضد الحرب بصرف النظر عمّا هي وتحت أي لواء.

* عروض منصّات مختلفة

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


عروض الأفلام تتنوّع في أميركا وتختلف

عروض الأفلام تتنوّع في أميركا وتختلف
TT

عروض الأفلام تتنوّع في أميركا وتختلف

عروض الأفلام تتنوّع في أميركا وتختلف

اختارت الشركة الفرنسية «MPM» الأسبوع الحالي، الفيلم الفلسطيني «علَم» لطرحه في الأسواق الأميركية. خطوة لامعة إلى حد يكفي لمنح الفيلم نسبة أعلى من الإيرادات أكثر ممّا كان يستطيع إنجازه فيما لو لم تكن الحرب في غزة مشتعلة.

يتمحور «عَلم» للمخرج فراس خوري حول العلم الفلسطيني وما يرمز إليه. هناك، فوق سطح مدرسة تقع في القدس المحتلّة (نرى المسجد الأقصى في الخلفية في مشهد واحد) علم إسرائيلي يرفرف فوق السطح. تامر (محمود بكري) ورفاقه يخطّطون لاستبدال علم فلسطيني بالعلم الإسرائيلي. المهمّة عليها أن تبقى سريّة خوفاً من العواقب.

العَلَم بالطبع هو رمز، لكن الحكاية لا تعدو في نهايتها أكثر من جمع بين الموضوع السياسي (القضية والهوية) ومتابعة بيئة شبابية مراهقة موزّعة بين عواطف مختلفة مع علاقة عاطفية تنمو (بتمهّل جيد) بين تامر وميساء (سيرين خاص). يلقي المخرج نظرة عارفة على تلك البيئة والعالم المحدود بين المدرسة والبيت، بين الأستاذ هُنا والأب هناك.

يمرّ معظم الفيلم في حوارات بين تامر وأصحابه كاشفة لشخصيات كلّ منهم، لكن ليس هناك لا من إدارة ولا من معالجة فنيّتين. مشاهد المظاهرات تهدف لرفع مستوى الحماس، مما يحيل الفيلم إلى عمل عاطفي آخر مع نهاية هامدة، تلك التي نرى فيها تامر وهو لا يزال بلا قرار والبحث عن هوية حقيقية لنفسه بوصفه فلسطينياً يمضي بشعور من العبث.

رغم بساطة تكوينه فإنّ النقاد الأميركيين في الولايات المتحدة منحوه، عبر مجلات ومواقع مهمّة، تقديرات عالية من شأنها مساعدة الفيلم، في الظروف الحالية، على تحقيق بعض الرّواج. «فيلم تريت» ومجلة «فرايتي» و«سكرين دايلي» منحت هذا الفيلم من الاستحسان أكثر ممّا منحت فيلم «إنساني» (Humane) لكايتن كروننبيرغ، ابنة المخرج الكندي الشهير ديڤيد كروننبيرغ الذي باشر العرض في الأسبوع نفسه.

لقطة من «إنساني» (IFC Films)

هذا الفيلم يحمل قضيّة لبعض الوقت ثم يطليها بلون التشويق بعد حين. يدور حول فكرة أنّ هناك في هذا العالم من قرّر التخلص من 20 في المائة من الأحياء منعاً لاكتظاظ البشر. مثل «حرب أهلية» لأليكس غارلاند الذي ترأس قائمة أكثر الأفلام رواجاً لثلاثة أسابيع متوالية، يقبض «إنساني» على موضوع يشغل بال الناس. على عكسه، لا يواصل القبض على جدّية الموضوع، بل يحيله إلى فيلم رعب كحال أفلام والد المخرجة نفسه.

آهات القلب

الإقبال ضعيف، كذلك مستوى النقد، لفيلم «جين دو باري»، الذي كان افتتح الدورة السابقة لمهرجان «كان» ثم أخذ وقته ليصل إلى العروض الأميركية وسواها. بطلة الفيلم ومخرجه مايوَن تسرد حكاية المرأة الفاتنة جين فوبرنييه، التي شقّت طريقها سريعاً من عشيقة لعدد من النبلاء وصولاً إلى فراش الملك لويس الـ15، كما يقوم بدوره جوني دِب.

في المصادر التاريخية كانت ذات جمال آسر، لكن مايوَن، ومن دون زعل، لا تبدو جميلة كفاية لتثير من حولها كل هذا الاهتمام. جوني دِب حاضر للكاميرا تلتقطه بثياب الملك وسلوكياته، لكن أفضل تمثيله ما زال يقبع في تلك الأفلام التي خاضها قبل 20 سنة وأكثر.

بالتزامن، نلاحظ هجمة للأفلام العاطفية.

في السابق، نبعت هذه الأفلام من الحاجة لاستخراج آهات العاطفة من قلوب المشاهدات. هذا لم يكن يتم عبر الحكايات فقط، بل عبر جهد الممثلات لتشخيص حالاتهن على نحو عميق. فيفيان لي («ذهب مع الريح»)، وجولي كريستي («دكتور جيفاغو»)، أودري هيبورن («عطلة رومانية»)، وكلوديت كولبرت («حدث ذات ليلة»)، وإنغريد برغمن («كازابلانكا») وسواهن كثيرات دعمن حكايات الحب بشخصيات قوية مقنعة، وهذا اختفى منذ سنوات.

البديل، غالباً، حكايات حول بلوغ سن المراهقة والوقوع في الحب من النظرة الأولى وسرد حيثيات تنافس على قلب الشاب من قِبل صديقات (أو عدوّات) البطلة.

هذا متوفر في عروض هذه الفترة عبر فيلمين أساسيين هما «السلاحف نزولاً» (Turtles All the Way Down)، و«أنت كفكرة» (The Idea of You).

هذا الثاني أفضل نوعاً بين هذين الفيلمين لكنه يرمي، أساساً، لطرح ممثل جديد، نيكولاس غالتزين، الذي تلقبه الإعلانات بأنه «أحسن مغنٍ على الكوكب». المقدّمة الترويجية (تريلر) تقدّمه على هذا النحو وتختار لنفسها مقاطع من أغانيه التي ليس من بينها ما يثبت هذا الكلام فنياً.

الموضوع أفضل قليلاً من سواه من النوع نفسه، وهو عن أم (آن هاذاواي) تصطحب ابنتيها الصغيرتين في رحلة استجمام. هناك تتعرّف على ذلك الشاب وتقع في غرامه رغم الفارق الكبير في السن (هي 40 وهو في الـ24).

بانتظار القردة

أفلام الأكشن لا تترك أسابيع السنة تمضي. هي دوماً في الجوار تتحدّث عن رجل ضد عصابة، رجلان ضد عصابة، رجل وامرأة ضد عصابة أو امرأة ضد عصابة. لكن أحياناً ما تبتكر هوليوود حبكة مختلفة. في «كاش آوت» (Cash Out) بطل الفيلم هو العصابة وهو ليس سوى جون ترافولتا الذي خسر، لجانب شعر رأسه، الكثير من النجومية السابقة.

هنا يؤدي شخصية لص مصارف محترف، لكن احترافه لا يخدمه؛ إذ يجد نفسه مُطارداً من رجال البوليس. من حسن حظه أن المرأة الخبيرة بفن التواصل والتفاوض كانت صديقته القديمة التي ستفكّر في استعادة العلاقة معه. ليس أنّ كل الفيلم محصور داخل المصرف؛ إذ سيُتاح لبطل الفيلم ركوب سيارة رياضية فارهة، واستخدام طائرة شخصية، وتسلية المشاهدين ببعض التشويق أيضاً.

وكانت شركة ليونزغايت دفعت بفيلم جديد للمخرج البريطاني غاي ريتشي إلى الأسواق في الأسبوع الماضي تحت عنوان «وزارة الحرب غير الجنتلمانية» (The Ministry of Ungentlemanly Warfare)، التي كان أنشأها ونستون تشرشل بهذا الاسم على أساس أن الألمان، خلال الحرب العالمية الثانية، ابتدعوا طرقاً غير «جنتلمانية» ضد بريطانيا، مما يبرّر إنشاء وزارة من المعيار نفسه.

ما أنجزه ريتشي هنا هو فيلم خفيف الوزن. ساخرٌ ويعمل لصالح عناصر الإبهار. لم يكن في الفيلم أيّ جديد، مما تسبّب في انزلاقه سريعاً من المركز الرابع إلى ورائه.

«مملكة كوكب القردة» (فوكس)

كل ما سبق لن يزعج خطة سطو القردة على كوكب الأرض التي ستتم في العاشر من هذا الشهر. هذا هو الموعد الذي ستنطلق فيه عروض أولى الأفلام الكبيرة المخصصة لما يُسمى بموسم الصيف.

الفيلم هو «مملكة كوكب القردة» (Kingdom of the Planet of the Apes)، وفيه نرى البشر وقد أصبحوا تحت استعمار الغوريلات والقردة بعد عقود من الصراع بينهما. ليست المرّة الأولى التي يقع فيها الآدميون ضحايا ذلك لأن سلسلة «كوكب القردة» شملت حتى الآن ثلاثة مواقف: البشر يحكمون القردة. البشر والقردة يعيشون في سلام لولا أن أحدهما ينقلب على الآخر. أو القردة يحكمون البشر كما الحال في هذا الفيلم الجديد.


دورة جديدة بأكثر من 70 فيلماً سعودياً وخليجياَ

«المُرهَقون» (مهرجان أفلام السعودية)
«المُرهَقون» (مهرجان أفلام السعودية)
TT

دورة جديدة بأكثر من 70 فيلماً سعودياً وخليجياَ

«المُرهَقون» (مهرجان أفلام السعودية)
«المُرهَقون» (مهرجان أفلام السعودية)

انطلقت يوم أمس، الخميس، الدورة العاشرة لمهرجان الفيلم السعودي التي ستنتهي بحفل توزيع الجوائز في التاسع من هذا الشهر.

حضّر فريق العمل برئاسة محمد الملا المتواصل منذ نحو سنة، فإتمام عشر دورات (تشمل التظاهرات التي قامت بها جمعية السينما السعودية قبل تأسيس المهرجان ذاته سنة 2008) ليس بالأمر السهل وما كانت لتتحقق لولا الطموح والإرادة والكثير من مصلحة عمل متبادلة بين المهرجان وصانعي الأفلام. الأول يطلب أفلامهم والطرف الآخر يطلب الفرصة التي يتيحها لعرض أفلامه.

هناك أربعة أقسام رئيسية يُعرض فيها نحو 75 فيلماً حسب آخر تعداد. مسابقة الفيلم الروائي الطويل ومسابقة الفيلم الروائي القصير ومسابقة الفيلم التسجيلي/ الوثائقي الطويل ومسابقة الفيلم التسجيلي القصير.

فيلمان من الستة التي تعرضها مسابقة الأفلام الروائية الطويلة كانا من بين عروض «مهرجان البحر الأحمر» في دورته في الشهر الأخير من العام الماضي، وهما الفيلم البديع «المُرهَقون» لعمرة مجد جمال و«هجان» لأبو بكر شوقي.

الأفلام الأخرى تحتوي على «ثلاثة» لنائلة الخاجة، وهو فيلم رعب بفكرة ليست بعيدة عن أفلام طاردي الأرواح الشريرة في الغرب، في «أحلام العصر» لفارس قدس حكاية انتقام لنجم كرة قدم سابق ضد الإعلاميين الذين ظلموه تتحوّل إلى الرغبة في الإثراء عبر مشاريع عقارية مشبوهة.

بعيداً عن هذين الموضوعين السابقين يطالعنا «بين الرمال» لمحمد العطاوي بموضوع غير مطروق: الزمن هو 1927 والموقع صحراوي والتحدّي أن يقطع بطل الفيلم الصحراء الشّاسعة في الوقت المناسب للوصول إلى زوجته التي ستضع مولودهما الأول.

عدد الأفلام المشتركة في مسابقة الفيلم الروائي القصير يصل إلى 24 فيلماً، مما يجسّد اهتمامات أكثر تنوّعاً. وهو كذلك حال الأفلام الوثائقية الطويلة (20 فيلماً) تتطرّق لمواضيع حول أشخاص وحول أماكن وحول مجتمعات وبيئات.

لا ريب في أنّ وجود هذا المهرجان المتخصّص أساساً في السينما السعودية، على نحو مواكب، السينما الخليجية يمنح المخرجين فرصاً لم تكن متوفرة قبل سنوات قليلة، أو لنقل قبل عقد واحد. المنافسة التي تنشأ في رحاب المهرجان من ناحية والرغبة في الوثوب إلى صناعة ثرية بالوعود والطموحات تتبلور عاماً بعد عام في نشاط لم تشهده دول المنطقة من قبل.

طبعاً ستكون هناك أفلام جيدة وأخرى أقل من ذلك، لكن هذا لا يمنع من أن مهرجان «أفلام السعودية» خلق الأجواء الصحيحة لتقدّم سينما كبيرة وطموحة.


شاشة الناقد: فيلم سعودي أصيل وأميركي هزيل

من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

شاشة الناقد: فيلم سعودي أصيل وأميركي هزيل

من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)
من «مندوب الليل» (مهرجان البحر الأحمر)

فيلم سعودي أصيل، فيلم أميركي هزيل مع استعادة لفيلم حول الكومبيوتر الذي قد يشعل حرباً نووية

مندوب الليل ★★★★

إخراج: علي الكلثمي | درما | السعودية | 2023

أحد المشاهد التي تمرّ على العين غير الخبيرة، ذلك الذي يضع فيها المخرج الكاميرا عالية عن مستوى الأرض تصوّر سيارة بطل الفيلم فهد (محمد الدوخي) وهو يبتعد بسيارته في ظلمة الليل في شارع يمتد أمامه طويلاً. هناك في نهاية الشارع ظل رجل لا علاقة للفيلم به، ظلّه مرسوم على الأرض تحت ضوء الطريق. لن تمر السيارة به، فاللقطة هي لبداية تحرّك السيارة ومصممّة لكي توحي وليس لتتحدّث.

الحديث والإيحاء يتناوبان هنا جيداً. في لقطة أخرى ينتظر فهد في شقة في طابق علوي. تنطلق الألعاب النارية في سماء المدينة (الرياض) ويستدير لينظر إلينا وإليها معاً. ليس من السهل كتابة وصف هنا لكن سأحاول: أول ما يستدير صوب النافذة الكبيرة. تقطع الكاميرا لوجهه فنجده يحدّق بها. تلتقطه من الخلف ها هو يحدّق. مدهوشاً، بتلك الألعاب التي تبدو كما لو كانت تحتفي به. أو هكذا سيشعر لحين، فتوقيت المشهد مرتبط بأول عملية بيع كحول مهرّبة ينفّذها.

الطريق التي أوصلته إلى هذا المشهد ليست طويلة لكنها حافلة. هو شاب طيّب نراه يعمل في مطلع الفيلم في شركة اتصالات هاتفية، وبعد قليل يُطرد من العمل. لديه أب معتلّ وشقيقة تطلّقت من زوجها تعيش في البيت مع ابنتها الصغيرة، وهو يعيل العائلة بكاملها. يجد عملاً مندوباً لتوصيل البيتزا. لكنه ينتبه إلى أن هناك من يوصل طلبات الكحول فيقرّر سرقة المكان وبيع الكحول على حسابه. ذلك المشهد المذكور يمثّل نجاحه الأول من اثنين قبل أن يكتشف أنه وضع نفسه وعائلته في خطر.

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم من البداية باستثناء جزءٍ سيأتي ذكره. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتوليفاً وتصويراً وتمثيلاً مصمّم بدقة. مُعالج بدراية، وفعّال في عرض التفاصيل التي بيّنها المشهد الأول المشار إليه لكنها منسابة على كل مشاهد الفيلم بلا تلكؤ أو هفوات. الفيلم نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت الكثير من التصميم المسبق والتنفيذ.

نعم، هو أيضاً عن رجل القاع يجد من رياض الأزقة نفسه في الرياض الجديدة. المباني الشاهقة. الأضواء. الرفاهية التي يعيش فيها البعض. لكن ذلك لا يتحوّل إلى رسالة اجتماعية. هو إيحاء وجودٍ لكنه ليس رسالة. مضمون ينساب بلا تعليق. عميق الدلالات التي لا تحتاج لحوارات توضح أو مشاهد مبنية على أساس استنساخ الواقع. كل ما تريده من فيلم جيّد بأسلوب عمل عالمي اللغة، تجده فعلاً في هذا الفيلم.

بداية الفيلم هي الناحية التي أجدها ضعيفة. مشهد سيُعاد تقديمه لاحقاً لفهد وهو في كرنفال مع ابنة شقيقته قبل أن يتلقى اتصالاً فينطلق لتلبيته. حين إعادة عرض هذا المشهد نفهمه كاملاً، لكنّ تقديمه في المرّة الثانية هي المناسبة توقيتاً ودرامياً. الأولى لا تعدو سوى محاولة لجذب المُشاهد إلى وضع ما، ينصرف عنه في المشهد الثاني (دخوله مكتب العمل) مما يجعله يبدو محشوراً.

تمثيل محمد الدوخي جيد جداً في بساطة تلقيه وإلقائه. لكن العلامة الأكثر تميّزاً هي للتصوير الذي قام به أحمد الطاحون، ليس سهلاً التصوير في الليل إذا كان لديك موضوع على كل شيء في تلك العتمة أن يبرز بأدواته (سيارة، مدخل منزل، شارع... إلخ) وبمعانيه حين تكون بمثابة الكيفية التي على تلك الأدوات أن تشكل الحكاية وعمق مدلولاتها.

* عروض مهرجان البحر الأحمر

REBEL MOON PART TWO: THE SCRGIVER ★

إخراج: زاك سنايدر | أكشن | الولايات المتحدة | 2024

حال يتولى الحوار القول بأنه من المستحيل تحقيق الانتصار في المعركة المقبلة، أغمض عينيك واستمتع براحة نفسية واثقاً من أن النبوءة لن تتحقق.

إنها إسطوانة مشروخة كغيرها. رغبة صانعي الفيلم في إثارة شكٍّ وخوفٍ وترهيبٍ. فقط الذين لم يشاهدوا فيلماً من قبل سيصدّقون أن هذا الوعد صادق، وهذا الوعيد سيتحقق وسينتصر الشّر على الخير في النهاية. الباقون موجودون من باب الفضول أو لملء فراغٍ يدركون أنه لن يُملأ.

«قمر متمرد 2» (نتفليكس)

في النصف الأول من هذا الفيلم يجمع المحارب القديم تايتوس (جيمون هاونسلو) المزارعين حوله ليقِصّ عليهم، ومن خلالهم علينا، حكايات عمّا حدث معه عندما تم غزو بلاده (فوق كوكب ما) من قِبل مجرمين ومحاربين أشرار مسلّحين بما لا يملكه وشعبه من أدوات حرب، وإلقاء القبض عليه. يحمل الرجل شعوراً بالذنب لأنه فضّل الحياة على الموت عندما خيّروه بينهما.

مستمعوه يصغون إليه ويهزّون رؤوسهم معاً. يهمهمون معاً ويوافقون معاً. مع مطلع النصف الثاني يهيم بمستمعيه أن يهبوا لمقاومة الغزاة: «تسلّحوا بكل بندقية وسكين». نعم؟ ضد مركبات فضائية مسلّحة تستخدم الليزر؟ بندقية وسكين؟ ماذا عن «مدقّة» ثوم... ألا تنفع؟

خِطب رئيس البلدة تشبه تلك التي ألقاها الممثل بلاك بوزمان في «بلاك بانثر» لرايان غوغلر والمزارعون، الذي يهيب بهم رئيس بلدتهم وحاكمهم الدفاع عن أرضهم يشبهون مزارعي «الساموراي السبعة» لأكيرا كوررساوا. الفيلم بأسره يبدو نتفاً مأخوذة من أكثر من مكان، لكن حين تقع الأحداث في مكان غير الأرض، وفي زمن من المفترض أن يكون غير زمننا، يبدو عجيباً أن حياة الفلاحين لم تتغير. أضف إلى هذه الخلطة ما استورده هذا الفيلم (من كتابة المخرج مع آخرين) من شخصيات تدور في محيط الأفلام الأولى من سلسلة «ستار وورز».

بعد خطبة السيد الرئيس يَطلب من بعض المجتمعين حوله سرد حكاياتهم الخاصّة. مرّة أخرى نجد أنفسنا في مشاهد «فلاشباك» تبتعد بنا عن الحدث الحاصل (على ضجره)، ثم تعود (بعد ضجر مماثل) إليه. لا يمنحنا الفيلم شيئاً عميقاً عن تلك الشخصيات، بل هي، والفصل بكامله، لأجل الاستماع وليس القبول.

لا يتحسّن الوضع إلا في نهاية الفيلم عندما تقع المعركة الفاصلة التي نعرف نتيجتها مسبقاً، كون أصحاب القضايا ينتصرون في كل مرّة في الأفلام التي هي على هذه الشاكلة. لكنه تحسّنٌ تقني لا يفضي إلى مفاد ما.

هذا هو الجزء الثاني من مسلسل من المفترض به أن يكون «فانتازيا من الخيال العلمي» كما أحب سنايدر وصفه. إذ تضع هذه المعلومة في مؤخرة رأسك وتتابع بعينيك فيلماً لا جديد فيه تدرك كم نحن محظوظون أن المخرج لم ينبرِ لتحقيق فانتازيا فعلية من الخيال العلمي مثل «Dune»، أو لم يُسند إليه تحقيق ثلاثية بيتر جاكسون البديعة «The Lord of the Rings».

لا أحد قال إن زاك سنايدر مخرج فنان ولا حتى منفّذ جيد، وهذا هو عذره الوحيد.

* عروض عالمية و«نتفليكس».

WARGAMES ★

إخراج: جون بادهَم | تشويق | الولايات المتحدة | 1983

بينما ترتفع التكهنات حول حرب نووية محتملة، يمكن للمرء العودة إلى بضعة أفلام حول الخطر الماثل في هذا الموضوع. هناك بالطبع فيلم ستانلي كوبرَك الساخر «دكتور سترانجلف» (1964) مثالاً بارزاً على مثل هذا الاحتمال، إلّا أن هناك أفلاماً أقل شهرة تناولت الموضوع نفسه ومن بينها «ألعاب حرب» للمخرج جون بادهَم.

«ألعاب حرب» (يونايتد آرتستس)

الفيلم هو عمّا يمكن أن يحدث فيما لو تدخلت التكنولوجيا نتيجة خطأ لتُنذر بهجوم نووي فوق الولايات المتحدة. عن سهولة وقوع مثل هذه الأخطاء (قيل إن 172 حالة من هذا النوع وقعت في الأشهر الـ18 التي سبقت إنتاج هذا الفيلم) واحتمالات عدم القدرة على تداركها والاندفاع بالتالي لتدمير هذا العالم الذي لا ملجأ للبشر سواه.

يحقق جون بادهَم في نظريات قابلة للتّصديق. بطله مراهق كومبيوتر (ماثيو برودريك) محترف شاب يعرف أسرار التكنولوجيا وكيف يسبر أغوارها ويتسلل إلى أي موقع يريد. في واحدة من المرّات التي عاين فيها موقعاً للعبة فيديو يكتشف أن اللعبة تحمل إنذاراً حقيقياً تبعاً لتمرد الكومبيوتر ورفضه الاستجابة لإيقاف اللعبة. النتيجة هي أن الكومبيوتر يلفّق وجود صواريخ نووية معادية في طريقها للولايات المتحدة.

ما بين احتمالات أن يكون ذلك صحيحاً يسارع الأميركيون لإطلاق السّلاح النووي على الاتحاد السوڤياتي. الفصول الأولى تمهيدية ومليئة بالحوار. الأخيرة أفضل. ليس بالفيلم الذي يمضي عميقاً فيما يعرضه، لكنه يؤدي ذلك القدر من واجب التحذير. مشاهدته اليوم تشي بأن كل الاحتمالات ما زالت على الطاولة، وقعت أو لم تقع.

* عروض منصّات مختلفة

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


كونتِن تارنتينو يُلغي فيلمه المقبل ولا جديد

كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)
كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)
TT

كونتِن تارنتينو يُلغي فيلمه المقبل ولا جديد

كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)
كونتِن تارنتينو وراء الكاميرا خلال تصوير «غريندهاوس» (دايمنشن فيلمز)

قرر المخرج كونتِن تارنتينو إلغاء مشروع فيلم كان أعلن عنه قبل أكثر من سنة تحت عنوان «The Movie Critic». لم يصرّح مخرج «ذات مرّة في هوليوود» و«بالب فيكشن» عن السبب ولم يردّ على المكالمات التي رغبت في الحديث معه في هذا القرار المفاجئ.

بالنسبة لمخرج له مكانته وشهرته الكبيرة، فإن إلغاء مشروعٍ ما له حجمه من الأهمية، خصوصاً، أن أعماله متفرقة وقليلة. هذا الفيلم المُلغى كان من المفترض به أن يكون الفيلم الروائي العاشر (كما أُعلن) في مسيرته والأخير له. حسب تصريحات سابقة ذكر تارنتينو أنه سيتوقف عن الإخراج بعد فيلمه هذا لينصرف إلى كتابة الكتب النقدية والروائية.

حال أعلن ذلك احتج المعجبون بأفلامه السابقة. النقطة التي التقى حولها معظمهم هي، أن الأسباب الدّاعية لقراره ليست مبرّرة ولا تأخذ بعين الاعتبار ما كان حققه لنفسه من شهرة. لكن تارنتينو لم يستجب أو يغيّر موقفه، وردّه الوحيد حينها كان أنه يرغب في التقاعد حال بلوغه الستين من العمر.

أوما ثورمن في «أقتل بل 1» (ميراماكس)

آنذاك، أي حين أعلن رغبته في الاعتزال، كان بلغ الـ57 من العمر. وهو حالياً في الواحدة والستين، فما الذي يدفعه لإلغاء فيلمه العاشر؟ هل سيتوقف فعلاً عن العمل مكتفياً بـ9 أفلام مُعلنة (هناك سواها)، أم سينتقل إلى مشروع جديد يكمل به مسيرته؟ هل عدل تماماً أو ما زال على رأيه؟

10 أو أكثر؟

‫ليس هناك من رد جازم إلا إذا تبرّع هو به. لكن ما هو مؤكد أن هذا الفيلم المُلغى كان من المفترض به أن يُباشر بتصويره قبل نهاية العام الحالي وخلال مطلع العام المقبل تحت عنوان جديد هو «الناقد»، والذهاب به إلى مهرجانه المفضل «كان». وكان من المفترض حينها، أن يلعب براد بيت بطولته في ثالث لقاء بينه وبين تارنتينو من بعد «Inglourious Basterds» سنة 2009 و«hollywood Once Upon a Time...in» سنة 2019.‬

لكن هل كان هذا الفيلم الملغى هو فيلمه العاشر فعلاً؟ هل أخرج تارنتينو 9 أفلام روائية فقط خلال رحلته التي بدأت سنة 1992 بفيلم «مستودع الكلاب» (Reservoir Dogs)؟ كيف نحسب أعماله التي تزيد عن 10 أفلام في الواقع؟ ومن ثَمّ ماذا عن نحو أفلام أخرجها مع آخرين؟

لو اكتفينا بأفلامه التي حقّقها منفرداً لبلغت 11 فيلماً وليس 9 كما أحصاها البعض بناءً على أقواله.

في الأساس، لم يكن «مستودع الكلاب» أول فيلم له كما يُشاع. هو أول فيلم لافت وأول فيلم عرضه له «مهرجان كان» سنة 1991، لكنه الثاني لأن تارنتينو أخرج قبله بأربع سنوات فيلماً كوميدياً عنوانه «عيد ميلاد أفضل أصدقائي» (قام تارنتينو بدور أول فيه). ذلك الفيلم متوفر للمشاهدة على «يوتيوب» في نسخة من 30 دقيقة، لكنه تألف في الأصل من 69 دقيقة.

ليوناردو ديكابريو «ذات مرّة في هوليوود» (كولومبيا)

بعد «مستودع الكلاب» أنجز سنة 1994 «بالب فيكشن»، وفي سنة 1997 حقق «جاكي براون»، ثم فيلمي «أقتل بل 1» (بطولة أوما ثورمن) و«أقتل بل 2». صحيح أنه دمجهما معاً لاحقاً، لكن الأول عُرض منفصلاً سنة 2003 والثاني عرض منفصلاً أيضاً، كأي مسلسل سينمائي، بعد ذلك بعام.

الفيلم السابع هو «بُرهان موت» (Death Proof) ورد سنة 2007، تلاه «أبناء العاهرة المشينين» (Inglourious Basterds) بعد عامين، ثم فيلمه الوسترن الأول «دجانغو بلا قيد» (Unchainged Django) سنة 2012، وفيلمه الوسترن الثاني «الثمانية الكارهون» (The Hateful Eight) في عام 2015، واختتم هذه المسيرة (حتى الآن) بـ«ذات مرة في هوليوود» (2019).

ساهم بتحقيق 3 أفلام أخرى تكوّنت من أجزاء أو ساعد في الإشراف على إخراجها وهي «أربع غرف» (1995)، ثم «مدينة الخطيئة» (Sin City) سنة 2005، وعنه مُنح لقب غريب وهو «مخرج ضيف خاص» (Speical Guest Director)، ثم «غرينهاوس» (Grindhouse) سنة 2007.

الخطوة التالية

حتى عام مضى كان الفيلم الجديد، «الناقد»، موضوع على روزنامة الإنتاج. فاتَح براد بيت فيه واتصل بالممثلة أوليڤيا وايلد التي التقته في جلسة عمل، كذلك تواصل مع الممثل ديفيد كرومهولتز (له دور في فيلم «أوبنهايمر») والممثل بول وولتر هاوزر الذي شوهد في فيلم سبايك لي الساخر«BlackKklansman» سنة 2018.

خلف الكاميرا تحدّث مع ستايسي شر (Sher) التي أنتجت فيلميه الوسترن. بالتالي بدا كل شيء ممنهجاً للبدء بالتصوير، بل جمع له من لجنة «كاليفورنيا فيلم كوميشن» 20 مليون دولار جزءاً من الميزانية.

وفي حين حافظ المخرج على سريّة الموضوع، فإن الدّلالات تشير إلى أن «الناقد» يدور حول ناقد سينمائي جيد، لكنه مغمور يعمل في مجلة «بورنو» بعدما أخفق في إيجاد فرصة عمل في صحف أو مطبوعات أولى.

الأمر الثاني المعروف هو أن الأحداث تقع في السبعينات، مما يجعله أقرب إلى فيلم تارنتينو الأخير «ذات مرّة في هوليوود»، الذي دار حول ممثل (ليوناردو ديكابريو) و«دوبليره» (براد بِيت).

هذا علماً بأن علاقته مع النقد والنّقاد غامضة. في بعض تصريحاته السابقة هاجم ما وجده نقداً غير صائبٍ لبعض أفلامه. في أخرى أعلن غبطته بأن أفلامه وجدت بين غالبية النقاد كل هذا القدر من الإعجاب.

الواقع أن النقاد الأميركيين والفرنسيين العاملين في الصحف الرّسمية منحوا معظم أفلامه تقديرات عالية. على سبيل المثال، حصد «بالب فيكشن» 95 في المائة من النقد الإيجابي. هبط المعدّل في «جاكي براون» إلى 62، ثم ارتفع مجدداً إلى 83 حين عرض «اقتل بل 2». لكن فيلمه الأخير، «ذات مرة في هوليوود» حصل على 69 في المائة.

لكن إذا ما أُلغي هذا الفيلم لسبب لا يعرفه سوى تارنتينو، ماذا في جعبته بديلاً؟

هل سيقلع عن العمل نهائياً منصرفاً إلى تأليف الكتب كما قال، أم سينقلب على قراره ويختار فيلماً آخر؟

في رأس تارنتينو حبكات أفلام متعددة. حسب مقالٍ في العدد الورقي الشهري من مجلة «ذَ هوليوود ريبورتر» فإن هذه الحبكات قد تتبلور إلى أعمال مؤكدة.

من بينها تحقيق جزءٍ ثالث من «أقتل بل». أو العودة إلى فكرة خطرت له بعدما أخرج «دجانغو بلا قيد»، وهي الجمع بين شخصية دجانغو وبين شخصية زورو المكسيكية. وكانت الأخبار تداولت سابقاً أنه عرض تحقيق جزءٍ جديدٍ من المسلسل الخيالي العلمي «Star Trek». هذا قد يعود إلى الواجهة أيضاً إذا ما قرر خطوته التالية.


مستقبل مخرجين فلسطينيين خارج الحدود

آن ماري جاسر (آب أند بيورن)
آن ماري جاسر (آب أند بيورن)
TT

مستقبل مخرجين فلسطينيين خارج الحدود

آن ماري جاسر (آب أند بيورن)
آن ماري جاسر (آب أند بيورن)

تضع الحرب الدائرة في قطاع غزّة المخرجين الفلسطينيين أمام تساؤلات مهمّة تتعلّق بما يستطيعون القيام به لتحقيق أفلامهم المقبلة.

لم يعد الحاضر كالماضي، في السابق كان يكفي حديث البعض عن تاريخ الصراع أو عن ذكريات العيش في غزة أو القدس الشرقية أو عن عرس تخيّم عليه قوانين الاحتلال أو عن وضعٍ عائلي متأزم بسبب هجرة جديدة.

كانت هناك أفلام عن سجينات من النساء («3000 ليلة» لمي المصري)، أو عن سجناء رجال («أميرة» لمحمد دياب)، أو عن جدار عازل بين شرق القدس وغربها («200 متر» لأمين نايفة)، أو عن زواج تتدخل فيه السياسة («واجب» لآن ماري جاسر و«عرس رنا» لهاني أبو أسعد)، أو عن وقاءٍ من القتل الجماعي للفلسطينيين («كفر قاسم» لبرهان علوية و«جنين جنين» لمحمد بكري).

كل ذلك يبدو اليوم جديراً كمجموعة من الأفلام التي تناولت، روائياً أو تسجيلياً، عن أوضاع ما قبل 2023. لكن الصورة تغيّرت، ولا تزال تتغيّر، بعد أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام. كل الموضوعات السابقة تبدو الآن قديمة لا يمكن العودة إليها مجدداً.

مع وجود أشهر مخرجي السينما الفلسطينية خارج البلاد (منذ سنوات)، كيف يمكن لهؤلاء تحقيق أفلامهم المقبلة؟ علام ستدور؟ كيف ستموّل وكيف ستُصاغ لخدمة قضية دخلت حرباً طاحنة؟

الواقع أن السينمائيين الفلسطينيين المنتشرين في بقاع عدّة أهملوا (ربما من دون قصد)، فكرة تكوين جبهة سينمائية متّحدة تعزّز مكاناتهم وأدوارهم. فضّلوا، ككثيرين من سينمائيي العالم العربي، العمل على نحو منفرد. لا يمكن لوم أحد معيّن في ذلك، فالمخرجون الفلسطينيون الذين هاجروا إلى الغرب باتوا موزّعين في بلدان شتّى. ميشيل خليفي («عرس الجليل») في بلجيكا. رشيد مشهراوي في باريس. مي المصري في لبنان (إلا إذا تركته لمنزل عائلتها في لندن)، آن ماري جاسر وهاني أبو أسعد في الولايات المتحدة. إيليا سليمان في قطر.

مع أن الوقت الآن مُتاحٌ لأن يبدأ هؤلاء (أو بعضهم على الأقل) بالتواصل مع البعض الآخر لتشكيل نواة سينمائية فاعلة، إلا أن ذلك لن يحدث بسهولة. أحد الأسباب هو ذلك التباعد الجغرافي بين المخرجين.

ربما لا تبدو المسألة الجغرافية حائلاً، لكنها كذلك في الواقع من حيث أن هذا اللقاء في الجغرافية لا يشكّل أرضية إنتاجية مناسبة.

ومن غير المتاح أن يكون لهذا اللقاء أرضية إنتاجية مناسبة لعمل مشترك. لا توجد قوّة حضورٍ إنتاجية لأيٍّ منهم تستطيع أن تقود حركة فنية من هذا النوع بغطاء تمويلي شامل، كما كان الحال أيام موجة السينما الفرنسية الجديدة أو مثيلاتها في بريطانيا والبرازيل على سبيل المثال.

تشكيل هذه الجبهة قد يكون له صدى إعلامياً أفضل بكثير من الصدى الإعلامي الذي قد ينجح فردٌ واحد في تحقيقه. لكن تطبيقه الفعلي يتطلب لقاء أفكار وخطط، كما يتطلب قراراً بتناول موضوعات لا تكتفي بعرض الواقع المأساوي الحالي، بقدر ما يتوجّه صوب منهج جديد لسينما فلسطينية تلعب الدور الإعلامي والفني المنشودان لها في عالم اليوم.


شاشة الناقد: نبوءة الحرب الأهلية

«حرب أهلية» (A24)
«حرب أهلية» (A24)
TT

شاشة الناقد: نبوءة الحرب الأهلية

«حرب أهلية» (A24)
«حرب أهلية» (A24)

نبوءة الحرب الأهلية أصبحت فيلماً جيداً لا يُضيف، لكنه يلتقي على نحوٍ غير مباشـر مع نبوءة أخرى لفيلم كوبولا «المحادثة».

CIVIL WAR ★★★

إخراج: أليكس غارلاند|حرب | الولايات المتحدة | 2024

من يدخل «حرب أهلية» معتقداً أنه مليء بمشاهد المعارك سيجد نفسه أمام موضوع رئيسي مختلف. ومن سيدخل الفيلم باحثاً عن تعليق سياسي عن أميركا اليوم أو المستقبل القريب سيصاب بخيبة أمل. «حرب أهلية» هو ليس فيلماً حربياً - على غرار «فجر أحمر» (Red Dawn) لجون ميليوس (1984) - حين يحارب الأميركيون غزواً روسياً للبلاد، و«سقوط البيت الأبيض» (Olympus Has Fallen) لأنطوان فوكوا (2013)، حيث ينجح الكوريون الشماليون في تدمير البيت الأبيض. لكن هذا لا يعني أن «حرب أهلية» خالٍ من المعارك (واحدة محدودة في البداية وأخرى كبيرة في النهاية) أو من خيوطٍ سياسية في الخلفية.

الفيلم في صلبه يدور حول الإعلاميين وحياتهم الخطرة خلال تأديتهم واجباتهم الصحافية. الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث تقع في مستقبل غير بعيدٍ على الإطلاق. إنه كناية عن وقوع حرب أهلية بين بعض الولايات ومحاولة المنشقين الوصول إلى البيت الأبيض وقتل الرئيس. جيرارد بتلر ليس هنا لإنقاذ الرئيس كما فعل في «سقوط البيت الأبيض» في 2013 وباقي السلسلة، ولا الفيلم يحتوي على أيّ بطولات قتالية.

هو فيلم عن الصحافة في زمن صعبٍ يستلّ بعض إيحاءاته مما تردد مؤخراً في احتمال نشوب حرب أهلية جديدة (الأولى ما بين 1861 و1865) إذا ما خسر دونالد ترمب جولته الرئاسية؛ مَعنيٌّ بحكاية 4 صحافيين هم سامي (ستيفن ماكينلي هندرسن)، ولي (كيرستن دنست)، وجووَل (واغنر مورا)، وجيسي (كايلي سبايني)، هذه الأخيرة التحقت بالصحافة مؤخراً، ولا تزال خضراء بلا خبرة وستحذّرها لي بخطورة ما ستتلقفه لكنها تصرّ. في النهاية صار لديها خبرة وجرأة والعنف الذي كان جديداً عليها يصبح جزءاً من حياتها العملية.

لا بدّ من القول هنا إن الفيلم لا يحاول الدخول في تفاصيل الوضع سياسياً. من ضد من، ولماذا أمران يأتي ذكرهما عابراً، لكن محور الفيلم ليس عن الأسباب بل عن النتائج. هناك مشهدٌ حابس للأنفاس عندما يُوقف مجنّدان لا نعرف انتماءهما 6 صحافيين (بينهم الأربعة المذكورين) ويقتل اثنين منهم بدم بارد. في فيلم آخر كان يمكن لصانعيه منح هذين المجنّدين مرجعية ما، لكن المخرج وكاتب السيناريو أليكس غارلاند يريد اصطياد الموقف وليس من يقف وراءه.

هذا يختلف حتى عن أفلام جيّدة حول الصحافي في الحرب. لدينا «حروب صغيرة» لمارون بغدادي (1982)، و«دائرة الخداع» لڤولكر شلندروف عن الحرب الأهلية اللبنانية (1983)، و«تحت النار» للجيد والمنسي روجر سبوتيسوود، لكن لكل واحد من هؤلاء هدفٌ لتقديم رؤية سياسية من خلال بطله أو (بالنسبة لفيلم سبوتيسوود) أبطاله. «حرب أهلية» يملك الجرأة في تقديم فريقه من الصحافيين الذين يسعون للحفاظ على مسافة بينهم وبين الدّوافع، لكنهم يفقدون المسافة الكافية بينهم وبين المخاطر والأحداث نفسها.

يمرّ الفيلم ببعض فترات من مشاهد تبدو كما لو أنها لا تريد دفع الأحداث صوب ذروتها، لكن ما إن تتبدّى للمشاهد غاية الفيلم من موضوعه وحكايته، تتضح حقيقة ما يرغب هذا المخرج في إنجازه. يعمد المخرج للاستعانة بأغاني قليلة عوض استخدام الموسيقى التأثيرية، ويجيد تصوير ما يجري على الأرض وانعكاسه على أولئك الصحافيين الذين لا ينتمون إلّا لعملهم ويدفع بعضهم حياته في سبيله.

* عروض عالمية

THE BOY AND THE HERON ★★★★

إخراج: هاياو ميازاكي | رسوم | اليابان | 2023

بعد 10 سنوات من الانقطاع عن العمل، عاد الفنان هاياو ميازاكي لتقديم فيلم قد يكون الأخير بالنسبة إليه، حسب وصفه. النسخة اليابانية التي شُوهدت (هناك نسخة إنجليزية للتوزيع الخارجي)، أكثر تجذراً مع الثقافة التي ينتمي إليها كلٌ من الفيلم ومخرجه.

عنوان النسخة اليابانية هو «كيف تود أن تعيش؟» (How Do You Want to Live‪?‬)، وهو عنوان أعمق بكثير من العنوان التجاري للنسخة الإنجليزية («الصبي ومالك الحزين»). كذلك فإن اسم الصّبي في النسخة الأصلية يُنطق ماشيتو (عوضاً عن ماهيتو بالنسخة الإنجليزية)، والحوار باليابانية ملتصق بتلك الثقافة، بينما تفتقد تلك الإنجليزية بعض ميزاتها طمعاً في الوصول إلى مشاهديها.

«الصبي ومالك الحزين» (ستديو غيبلي).

تبقى الحكاية نفسها مع تمهيدٍ جيد عن الصبي الذي فقد والدته خلال غارة أميركية على المدينة خلال الحرب العالمية الثانية، وبات عليه الآن العيش مع عمّته. والده، وقد انتهت الحرب، بات من الأثرياء ولديه منزل كبير في الريف. لكن كوابيس الفتى الناجمة عن فقدانه والدته لا تتوقف، خصوصاً أن طائر مالك الحزين يُصرّ على زيارته لينقله إلى مواقع أخرى.

إنها نقلة واضحة من خلفية واقعية إلى شغل على المتخيّل من أحداث وكائنات. هذه النقلة تبدأ بتلك الخيالات والحكايات التي تتداولها خادمات المنزل العجوزات، ومن ثَمّ تنجلي عن دخول عالم من الفانتازيا المزدحم بالأساطير كما بالأشرار وبعض الأخيار. تفعيل مكثّف للحكايات الأسطورية تشبه (إلى حد) حكايات «ألف ليلة وليلة» في تراثنا.

لا يفقد المخرج رسالاته المعتادة التي تصرّ على الأمل، كل هذا ليس في عداد فيلمٍ من تلك التي توفرها هوليوود. المغامرات هنا تختلف في كونها منصبّة على إبراز العامل الإنساني. الفيلم مع بطله الصغير ضد الجن والجنيّات، لكنه ليس بالبطل التقليدي في هذا المجال. ميازاكي هنا هو ميازاكي في أفلامه السابقة من حيث إصراره على المضمون الإنساني من ناحية ولو أن انتقالاته من مشهد لآخر قد تكون مفاجئة سلباً، لكن ما يحشده من فنون العمل وآلية إنتاجه هو ما يجعل أفلامه تعيش أكثر من سواها. لا أتحدث عن الألوان الثرية التي يوظفها في مشاهده فقط، بل عن حقيقة أن ما نراه مرسوماً باليد وليس على الكومبيوتر ما يفصله بباع شاسع عن أساليب بلهاء، في الغالب، تعمد إليها أفلام الرسوم الأكثر انتشاراً.

* عروض صالات وقريباً منصّات.

THE CONVESATION ★★★★

إخراج: فرنسيس فورد كوبولا | تشويق | الولايات المتحدة | 1974

إذ يعود المخرج كوبولا إلى حاضرة «مهرجان كان» وإلى الشاشات العالمية عبر فيلمه الجديد «Megalopolis» بعد ثماني سنوات من الغياب، يحتفل كذلك بمرور 50 سنة على فيلمه الرصين والممتاز «المحادثة».

على عكس «حرب أهلية» تأتي رسالة «المحادثة» سياسية بامتياز رغم أنها، بدورها، تكمن في الخلفية كما الحال مع الفيلم الجديد. هي في إطار عمليات التّجسس التي تقوم بها قوى خفية على أفرادٍ معيّنين لأسباب مختلفة. يصدمنا الفيلم اليوم بأنه نبوءة أخرى، لكنها واقعة اليوم، إذ إن هناك 18 جهة فيدرالية رسمية أميركية حالياً تجمع معلومات عمّن تريد من الأميركيين.

«المحادثة» (ذ دايروكتورز كومباني)

كان فيلم كوبولا السابق «العرّاب» بدأ بمشهد عامٍ قبل أن ينتقل إلى مشهد خاص. في «المحادثة» يكرّر البداية نفسها. لقطة عامة من موقع مرتفع فوق ميدان في سان فرانسيسكو ومن بعده «زوم» على شخص واحد. الرجل هو هاري (جين هاكمن في أفضل أدواره). خبيرُ تنصّت من الدرجة الأولى. شخص انطوائي وكتوم. خصوصياته ملكه وحده، لكن عمله يتيح له التّجسس على خصوصيات الناس. يعمل لصالح مؤسسة ومطلوبٌ منه الإنصات إلى شاب وصديقته لأسباب لا يعرفها (لكنها ستتضح لاحقاً). حين استماعه للتسجيل يكتشف أن هناك عبارة توحي بأن جريمة قتل ستقع لهما. يتوجه بمعلوماته إلى رئيس المنظّمة لكنه يفشل في مقابلته. تتعقّد الأمور سريعاً في خط هيتشكوكي المعالجة فتقع جريمة قتل بالفعل، ويُسرق شريط التسجيل منه، ويتلقى تهديداً. المشهد الأخير لهاري يحصره في مأزقه: ها هو يقلب شقّته رأساً على عقب باحثاً عن أجهزة تنصت. ما كان يقوم به من غزو لخصوصيات الناس بات يُمارس عليه. في النهاية وبعدما ينهكه البحث بلا نتيجة، يعمد إلى آلة الساكسفون (رأيناه يعزف عليها من قبل) ويعزف لنفسه. يتبع المُشاهد هنا الخطوات التي رصفها له المخرج. غير مسموح له أن يعرف أكثر أو أقل ممّا يعرفه هاري. هذا يعني أن الفيلم لا يحاول تغطية مواضيع مشتقة من أي نوع.

ليست هناك امتدادات صوب حكايات أخرى. هذا لا يترك أي تأثير على الفيلم، كون خصوصية هاري لا تسمح له بدخول جوانب أخرى غير ضرورية ولن تكون واقعية. على ذلك، هناك إيحاء بقضية ووترغيت (من خلال فضيحة التنصّت) ولو أن الفيلم كُتب قبل عدّة سنوات من تلك الفضيحة.

* عروض: خاصة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


تاريخ طويل لأفلام اليسار واليمين وحرب الأشقاء

من «حرب أهلية» (A24)
من «حرب أهلية» (A24)
TT

تاريخ طويل لأفلام اليسار واليمين وحرب الأشقاء

من «حرب أهلية» (A24)
من «حرب أهلية» (A24)

الحبكة التي يدور حولها فيلم «حرب أهلية» (Civil War) للمخرج أليكس غارلاند، ويحتل الأسبوع الحالي، المركز الأول في الإيرادات بالولايات المتحدة وكندا والمكسيك وبضع دول أخرى هي، ماذا لو اندلعت حرب أهلية أميركية في الزمن الراهن أو المستقبل غير البعيد.

ماذا يسأل الفيلم، لو انقسمت البلاد إلى قسمين: واحد يتبع النظام القائم والثاني متمرد عليه. والطرف المناوئ للنظام ليس عصابة أو مجموعة إرهابية، بل يتألف من معترضين على النظام السياسي القائم ممن يريدون استبداله.

لا يُبحر الفيلم في طرح البديل ولا يوفر فكرة لنظام بديل أو آيديولوجيا معيّنة، بل ينطلق لتصوير وضع خيالي مستمد، على ما يبدو، من احتمال انقسام البلاد كما حذّر الرئيس السابق دونالد ترمب أكثر من مرّة.

نقدُ الفيلم له مجال آخر، لكنه مبنيّ في الواقع، ولو نسبياً، على أن الولايات المتحدة شهدت حربها الأهلية من قبل، ما بين 1861 و1865 التي دارت بين قوات الحكومة الأميركية الفيدرالية وبين القوات العسكرية المنتمية إلى الجنوب المعارض لها. النتائج كانت مروعة تتراوح بين 600 ألف و750 ألف قتيل من الجهتين. المؤرخ الجامعي جيمس ماكفيرسون يرفع الرقم إلى شمالي 800 ألف.

مهما كان الرقم (وهو مرتفع) فإن السينما، ومنذ بداياتها عالجت تلك الحرب، مما يجعل الفيلم الجديد نبوءة خيالية في مقابل أن نحو 100 فيلم تداولت تلك الحرب بوصفها واقعة. وبعض أهمّها علماً وصفها بأن ذلك التناول اختلف من فيلم لآخر حسب معطيات سياسية مختلفة.

«رفاهية جنوبية» (سينما غروب فنتشرز)

يسار الخط ويمينه

الفترة التي تقع فيها أفلام الحرب الأهلية هي نفسها المعروفة بأفلام الغرب (أو «الوسترن»). لكن ليس كل فيلم عن الحرب الأهلية هو بالضرورة فيلم عن الغرب الأميركي والعكس صحيح. المشترك بين الأفلام التي تتحدث عن الحرب الأهلية وتلك التي تبتعد عنها هو التاريخ. في «Shane» (جورج ستيڤنز، 1953) لا نعلم تاريخ بطل الفيلم الآتي من عمق الأفق إلى الواجهة. ربما شارك في الحرب وربما لم يشارك. هذا أيضاً حال «رجل وحيد» (A Man Alone) إخراج راي ميلاند وبطولته (1955) ومئات الأفلام الأخرى. لا شيء فيها عن تلك الحرب ولا عن الشخصية وماذا فعل خلال تلك السنوات العنيفة.

بعض مؤرخي النوع قسّم سينما الغرب بأكملها (بما فيها أفلام الحرب الأهلية) إلى نوعين. قسم ديمقراطي والآخر جمهوري وذلك تبعاً لأي سياسة يتبنّاها. لكن التقسيم الأجدى أو الأكثر وضوحاً على الأقل، هو أن أفلام الغرب إما تقف على يسار الخط أو على يمينه. إما مع الانعتاق من التقاليد ومواجهة النخبة من أصحاب الأملاك أو مع الحفاظ عليها، بما فيها مسألة الرّق التي كانت وقود تلك الحرب.

في هذا الإطار فإن «مولد أمّة» (Birth of A Nation) هو يمينيّ محافظ في مقابل «مجد» (Glory) لإدوارد زويك مثلاً. الأول (1915) مع تجارة العبيد والثاني (1989) يتبنّى قضيتهم.

«مولد أمّة» ملحمة تاريخية. أول فيلم روائي طويل لمخرجه ديفيد وورك غريفيث وأول فيلم طويل عن الحرب الأهلية (كان غريفيث تطرّق إليها في أفلامه القصيرة قبل هذا الفيلم)، وأول فيلم تمنعه بعض الولايات المتحدة الأميركية إلى أن انتشر هذا المنع، بالصورة التجارية، تدريجاً وذلك نسبة للتعصّب العنصري الذي استوحاه المخرج من رواية وضعها المبشّر توماس دِيكسون ودارت حول عائلتين من مواطني الجنوب متجاورتين، يسود الوئام بينهما إلى حين اندلاع الحرب. إحدى العائلتين تصطفّ مع المنشقين والأخرى مع القوات الفيدرالية. في خضم ذلك، هناك الجنود السّود الذين يحاربون ضمن تلك القوّات والذين حال تتاح لهم فرصة اقتحام بلدة جنوبية ينتشرون بحثاً عن مال يسرقونه أو امرأة بيضاء يغتصبونها. في الرواية كما في الفيلم الخلاص يتم على أيدي عصبة كوكلس كلان، لكي تحمي العنصر الأبيض من خطر العنصر الأسود.

على عكسه تماماً، انطلق «مجد» (مع بطولة لدينزل واشنطن وكاري إلويس وماثيو برودريك) لتقديم الجنود السود يضحّون بحياتهم في سبيل الانعتاق من العبودية ومؤازرة القوّات الحكومية التي تجمعهم تحت مظلّتها.

كلينت ايستوود في «الشرير جوزي وَلز» (وورنر)

لأجل من يحب

المسألة ليست أبيض وأسود في فيلم «ذهب مع الريح» (Gone with the Wind) لڤيكتور فليمنغ (1939). هذا فيلم أسطوري بالنسبة لخلفيّاته الإنتاجية والميزانية الكبيرة التي خصّصت لنقل رواية مارغريت ميتشل ذائعة الصيت. هناك الجنوبي في نشأته الذي لا يمتنع عن اعتبار الحرب فرصة سانحة للكسب المادي (كلارك غايبل) الذي يقع في حب الفتاة الجنوبية التي تعارض الحرب لكنها تشعر بأسى لم يحدث لها. المسألة العنصرية ممحيّة هنا مع وجود امرأة سوداء (هاتّي مكدونيال) السعيدة بحياتها ضمن الأسرة الجنوبية البيضاء.

ومع أن فيلم الكوميدي باستر كيتون «الجنرال» (1926) يتحدّث عن رجل من الجنوب يخترق الجبهة الشمالية ويعود فاشياً بعض أسرارها للمتمرّدين، إلا أن المحور هنا هو حبّه للفتاة التي اختطفها جنود الشمال. سينمائياً، كان من الصعب - تاريخياً - إقناع المشاهدين آنذاك أن يكون الأمر معاكساً (كأن يكون البطل شمالياً والخاطفون جنوبيين) نظراً لأن تركيبة هذه الدراما تعتمد على التطوّع للحرب، وهو أمر كان شبه مناط بالجنوبيين الأقل عدداً من الجيش الشمالي. هذا لا يمنع مطلقاً من النظر إلى هذا الفيلم بوصفه تحفة من بين تلك التي حققها المخرج خلال الفترة الصامتة.

هناك فيلمان لكلينت إيستوود تعاملاً مع الحرب الأهلية. الأول كان من بطولته فقط، وهو «المخدوع» (دونالد سيغل، 1971) والثاني، «الخارج عن القانون جوزي وَلز» (The Outlaw Joesey Wales) وبطولته (1976).

في «المخدوع» هو مجنّد شمالي جريح تنقله فتيات مدرسة خاصة للبنات، تقع في الجزء الجنوبي من البلاد، إلى غرفة في المدرسة للاعتناء به. فيلمٌ خالٍ من السياسة، لكنه يفصح عن مواقف عاطفية (تقع المدرّسة وبعض البنات في حبّه) وأخرى عنصرية (وجود خادمة سوداء تثري الدراما المحكية).

«الخارج عن القانون جوزيه وَلز» في صميم تلك الحرب. إيستوود هو وَلز، الذي يخسر عائلته بسبب هجومٍ شماليٍّ، يهرب مباشرةً بعد انتهاء الحرب من مطارديه، ومن ثَمّ يتحوّل إلى متبنٍّ لنظرية أن أميركا هي ملكُ الجميع. في الفيلم حثالات من الشخصيات البيضاء الشريرة، هنودٌ حمر جيّدون، ومجموعة من البيض يحاولون أن يجدوا لأنفسهم مكاناً فوق تلك الأرض.

ضحايا اليوم بسبب الأمس

تبعات وأوضاع تلك الحرب وردت في العديد من الأفلام في «بندقية سبرينغفيلد» (أندريه د توث، 1952) يحاول غاري كوبر معرفة مَن الذين يسرقون الجياد لبيعها للجنوبيين. في «الهروب من فورت براڤو» (جون ستيرجز، 1953) نجد ويليام هولدن يعامل الجنوبيين الأسرى معاملة قاسية لكن على الجانبين العمل معاً على دحر القبائل الهندية.

مثله في تشييد تعاون رغم العداوة «غير المهزومين» (The Undefeated) لأندرو ڤ. مكلاغلن (1960). قصّة كولونيل اتحادي (جون واين) يستقيل من الجيش ويَسوقُ نحو 1000 دقرة لبيعها في المكسيك. في الوقت نفسه، هناك كابتن في القوّات الانفصالية (روك هدسون) يقود الرافضين لنتائج الحرب الأهلية إلى المكسيك للاستقرار. رغم عداوتهما سيتآلفان لردّ هجمات العصابات والعساكر الفرنسيين. معارك جيدة التنفيذ مع خللٍ في الانتقال بسلاسة بين قصّتين تسيران متوازيتين. لجانب قتال يدوي بين الشماليين والجنوبيين من نوع «لكمة مني لكمة منّك» للترفيه. يسعى الفيلم أن يتحاشى الانضمام إلى فريق دون آخر، لكن بما أن واين هو القيادي فإن الفيلم عليه أن يضع ما يمثله نصف خطوة إلى الأمام.

ومن ثَمّ هناك ذلك الفيلم الرائع «رفاهية جنوبية» (Souther Comforts) لوالتر هِيل (1981) فيلم حديث (ليس وسترن) عن فرقة من جنود الحرس الوطني يُنقلون إلى ولاية لويزيانا الجنوبية في مهمّة تدريبية؛ بنادقهم لا تحمل ذخيرة حيّة، ويجدون أنفسهم مكروهين في مواجهة أبناء الجنوب الذين لا يزالون يكنّون للشماليين العداء. فيلم منسيّ اليوم، لكنه من بين أفضل ما حققه ذلك المخرج وما تحقق في تلك الفترة، ومعالجة خفية لموضوع الحرب التي لا تنطوي.


مكتبة سينمائية متنوعة من «مهرجان أفلام السعودية»

غلاف «جمالية التلقي» (مهرجان أفلام السعودية)
غلاف «جمالية التلقي» (مهرجان أفلام السعودية)
TT

مكتبة سينمائية متنوعة من «مهرجان أفلام السعودية»

غلاف «جمالية التلقي» (مهرجان أفلام السعودية)
غلاف «جمالية التلقي» (مهرجان أفلام السعودية)

لا يختلف اثنان على أن نشر بعض مؤسسات ومهرجانات السينما العربية كتباً متخصصة في مختلف شؤون الفن السابع، هو فعل ثقافي تماماً كحالة تلك المؤسسات والمهرجانات.

الكتاب بالنسبة لمهرجان سينمائي هو بمثابة الذراع للجسم. تفعيل لدورٍ شامل على المهرجان أن تُنظم فيه جنباً إلى جنب العروض الخاصّة بأفلامه. بعض المهرجانات تنجح أكثر من سواها في هذا الشأن، كونها تضع النشر في منهج مدروس عوض أن يكون مجرد مواكبة عابرة.

وهذا الفهم الكامل لماهية الكتاب السينمائي وصِلته بالمناسبة الفنية المقامة نجده في الدورة العاشرة من مهرجان الأفلام السعودية الذي سينطلق في 2 مايو (أيار) وحتى التاسع منه. وهو الذي كان خصّص الدورات السابقة لمجموعة من الكتب المميّزة التي وضعتها مجموعة من النقاد العرب سابقاً. المختلف هو أن العديد من هذه الإصدارات هي لمؤلّفين ومترجمين سعوديين.

غلاف «الكاميرا القلمية» (مهرجان أفلام السعودية)

عدد الكتب التي سيصدرها المهرجان في دورته الجديدة هي 23. منها 6 كتب من تأليف كتّاب سعوديين، وكتابان من مؤلفين خليجيين غير سعوديين. من الكتب الـ23 هناك 4 مترجمة. و11 كتاباً لمؤلّفين آخرين من العالم العربي.

أحد الكتب التي وضعها مؤلفون سعوديون هو د. عبد الله العقيبي، يبحث فيه موضوعاً مهماً وشائكاً، يبدأ بسؤال عن السينما السعودية التي انطلقت فجأة، وأنتجت عدداً كبيراً من الأفلام (قصيرة وطويلة)، بحيث بات يجوز التساؤل في مستقبلها وفيما إذا كانت ستتطور فنياً وموضوعياً وكيف. وفي الكتاب أيضاً قراءات نقدية لـ5 أفلام سعودية طويلة.

كتاب آخر لمؤلّف سعودي يأتي تحت عنوان «المدينة العارية: المرجع الشّامل في الأفلام الوثائقية الاستقصائية». المؤلف هو د. مسفر الموسى الذي يعاين كلّ ما يتعلّق بهذا النوع من السينما في ثلاثة أجزاء كل جزء مؤلّف من ثلاثة فصول، مما يشكل، على الأرجح، الكتاب الأضخم بين هذه الإصدارات.

هناك كتاب للمؤلف البحريني النشط أمين صالح، حول المخرج إنغمار برغمان يبحث فيه رؤيته الخاصة وتأويله للعالم وللذات. ليس أول كتاب عنه بل ربما، ولسِعَة اطلاع المؤلف، ربما سيكون المرجع الأهم بينها.

عن السينما الوثائقية أيضاً وضع الناقد الجزائري عبد الكريم قادري، كتاباً بعنوان «جمالية التلقي في السينما الوثائقية». الهدف بدوره يقوم على الإحاطة بهذا النوع من الأفلام إنما من زاوية المُشاهد أو المتلقّي. في الوقت نفسه يتطرّق المؤلف إلى الجوانب التاريخية لهذا النوع وإلى تقديم قراءات لبعض الأفلام المهمّة في هذا الإطار.