بيروت تتألّق استعداداً لاستقبال رمضان

انتشار المعارض والأسواق بانتظار روّادها

بيروت تنبض بنشاطات رمضانية حتى الثانية فجراً (الشرق الأوسط)
بيروت تنبض بنشاطات رمضانية حتى الثانية فجراً (الشرق الأوسط)
TT

بيروت تتألّق استعداداً لاستقبال رمضان

بيروت تنبض بنشاطات رمضانية حتى الثانية فجراً (الشرق الأوسط)
بيروت تنبض بنشاطات رمضانية حتى الثانية فجراً (الشرق الأوسط)

عشية حلول شهر رمضان، ينشغل اللبنانيون في الاستعداد لاستقباله. الأسواق، والشوارع، والأحياء الشعبية البيروتية، ارتدت الحلّة وتزيّنت. عربات التمور والمكسرات بدأت بدورها تختار الأماكن الأكثر ازدحاماً، باحثة عن مورد رزقها في الشهر الكريم، ومتّخذة من الزوايا والساحات المعروفة موقعاً لها.

وبدورها، تعرض محلات مشهورة بأنواع البهارات والفاكهة المجفَّفة منتجاتها بأسلوب جاذب. أما المحلات التجارية المعروفة ببيعها زِينة رمضان، ففرشت الفوانيس، وشرائط الإنارة، ومجسّمات كرتونية للحكواتي والمسحّراتي، وبدأ اللبنانيون يتوافدون إليها لاختيار ما يناسبهم.

الزينة الرمضانية لها أسواق خاصة (الشرق الأوسط)

في قلب العاصمة، انتصبت قرية رمضانية بعنوان «بيروت العيد»، تمتدّ على طول شوارعها الأساسية حتى وسطها. هذه المبادرة التي تعيد المدينة إلى أيام العزّ في هذا الشهر، تُنظّمها شركة «إس إم إس»، بالتعاون مع جمعية «أجيالنا»، وشركة «سوليدير». ولتميّزها، اختارتها محطة «إم تي في» منصّة يومية لنقل أجوائها مباشرة. كما سيطلّ الإعلامي طوني بارود من «شارع عزمي» في طرابلس طوال الشهر المبارك لتقديم برنامجه للألعاب والجوائز؛ «ضوّي يا قمر».

افتتاح القرية الرمضانية في وسط بيروت (الشرق الأوسط)

تحتوي هذه القرية على معارض، ومسارح، ومطاعم، ومقاهٍ، وخيم رمضانية؛ فتؤمّن للكبار والصغار ما يحتاجونه لإمضاء أمسية طويلة في أحضانها؛ فهي تفتح أبوابها من الخامسة بعد الظهر حتى الثانية فجراً، وتقدّم عروضاً مُغرية للإفطار والسحور.

يقول أحد المسؤولين في شركة «إس إم إس» هاني علايلي إنّ بيروت تعود هذه السنة إلى سابق عهدها، عاصمةً نابضةً بالحياة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «منذ فترة طويلة، لم تشهد هذا النمط من الاحتفالات في الشهر الكريم. هذا العام، قرّرنا أن تستعيد وهجها، وأضأنا جميع شوارعها، من ويغان وعدنان الحكيم وأورغواي، وصولاً إلى حديقة سمير قصير. أما قرية رمضان (بيروت العيد)، فتُشكل عنواناً فريداً للراغبين في تمضية ساعات الإفطار أو السحور في خيمة أو مقهى. كما يستطيع الزائر شراء ما يناسبه من أسواقها، من مونة وأعمال حرفية، وخصّصنا للأولاد مساحة مهمّة للألعاب».

إضافة إلى ذلك، تُقدّم قرية رمضان نشاطات أخرى فنية. يشرح علايلي: «نصبنا مسرحَيْن لتُقام عليهما وصلات موسيقية وغنائية، واستعراضات خاصة بالمناسبة. وستشهد القرية يومياً سهرات رمضانية من خلال عزف على العود، ولوحات صوفية، وحضور للحكواتي والمسحّراتي، وكل ما يتعلّق برموز الشهر الكريم».

باحة رمضانية أخرى بعنوان «معرض ليالي زمان»، يستضيفها مركز «فوروم» للحفلات والمعارض، صُمِّمت لتواكب المناسبة بديكورات وهندسات تذكّر الناس برموز الشهر. فبُني فيها ما يُعرف بـ«الخان»، تتوسّطه البِركة والنافورة. يمتدّ هذا المعرض على مساحة 10 آلاف متر مربّع، وهو من تنظيم شركة «إن أكشين إيفنتس»، إلى جانب «سوق الأكل»، يشارك فيه عدد من الحرفيين والباعة والفنانين، اختارته محطة «إل بي سي آي» لنقل أجوائه يومياً عبر شاشتها.

محلات الحلباوي تؤكد أنّ حركة الشراء في ذروتها (الشرق الأوسط)

محلات الحلباوي لبيع المكسّرات والفاكهة المجفَّفة في منطقة حارة حريك، تُعدّ من أكبر المتاجر وأشهرها في بيروت. ووفق صاحبها سليمان الحلباوي، فإنّ حركة البيع تشهد ذروتها عشية رمضان. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أسعارنا مقبولة لدى جميع الفئات الاجتماعية. وأكثر المنتجات التي تُباع حالياً هي التمور على أنواعها، والفاكهة المجفَّفة».

وبالنسبة إلى التمور، فهناك عشرات الأنواع المشهورة في بيروت، والتي يختارها كل فرد وفق ميزانيته. وتُعدّ تلك المستوردة من المملكة العربية السعودية الأفضل جودة، فيتابع الحلباوي: «لدينا أصناف مختلفة من الخليج العربي، والأردن، وغيرها... كلّها تمتاز بجودتها العالية التي تناسب أسعارها الجميع، وتتراوح ما بين 7 و20 دولاراً للكيلوغرام».

الفاكهة المجفَّفة والقلوبات الموضَّبة تنتظر زبائنها (الشرق الأوسط)

وبدورها، تشهد محلات الزينة زحمة لافتة، فيرتادها زبائن يتمسّكون بتزيين بيوتهم وشرفاتهم في المناسبة. يقول محمود الذي التقته «الشرق الأوسط» في أحد هذه المحلات بمنطقة الطريق الجديدة: «أقصدها سنوياً، وأختار أنواعاً من الزينة، وأضيفها إلى التي جمعتُها في الأعوام الماضية. هذا العام، اخترتُ شراء مجسّم كبير للمسحّراتي لوضعه أمام مدخل منزلي، فهو يُضفي أجواء الشهر المبارك، ويُبهج أولادي».

أما محلات الحلوى، فتتوقّع حركة بيع مزدهرة في الشهر الكريم؛ وهو ما يؤكده علي الصفصوف صاحب أحد أشهر محلات بيع الحلوى في بيروت. ويعلّق: «لا يمرّ رمضان من دون أن نشهد حركة بيع تفوق غيرها من أيام السنة. فطبق الحلوى على مائدة الإفطار أو السحور وجبة أساسية يحبّها الكبار والصغار. نأخذ دائماً في الحسبان الحالة الاقتصادية لأهلنا في بيروت، فنقدّم لهم أسعاراً مقبولة. هذا شهر البركات عند الفقير كما الثري».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».