الـ«سوشيال ميديا» تسرق وهج السبق الصحافي

كان «وساماً» يعلِّقه الإعلامي على صدر مشواره المهني

وليد عبود (الشرق الأوسط)
وليد عبود (الشرق الأوسط)
TT

الـ«سوشيال ميديا» تسرق وهج السبق الصحافي

وليد عبود (الشرق الأوسط)
وليد عبود (الشرق الأوسط)

يحمل السبق الصحافي (السكوب) نكهة خاصة لكل إعلامي شغوفٍ بمهنته، فهو بمثابة حلم يراوده منذ ولوجه عالم مهنة المتاعب، يلهث وراءه ويجتهد لبلوغه مهما كلّفه الأمر من تعب وجهد. والهدف أن ينشر خبراً حصرياً استطاع وحده اقتناصه كي يعزّز به مشواره، فيكون وساماً يعلقه على صدره، ويحفظه الناس في ذاكرتهم، ويتذوّق معه طعم نجاح من نوع آخر لا يقارن بغيره.

ولكن منذ انتشار الـ«سوشيال ميديا»، فقد الـ«سكوب» وهجه. وصار كل شخص موجود في مكان الحدث قادراً بواسطة تليفونه الجوّال أن ينشره بالسرعة المطلوبة. ذلك أن ركائز السبق الصحافي تتألف من خبر أو مقابلة حصرية تُقدَّم للمتلقي بأسرع وقت ممكن، ومعها يسابق الإعلامي الزمن والزملاء في آن. إلا أنه مع الصفحات الإلكترونية كـ«إكس» و«إنستغرام» غاب الـ«سكوب» إلى غير رجعة. ومن ثم، صار على مَن يرغب في معرفة سبب دوي انفجار ما أو آخر أخبار الساحة، اللجوء - وبسرعة - إلى تلك الصفحات كي يقف على حقيقة الحدث عند لحظة حدوثه.

الإعلامي... والمختلف

إعلاميون لبنانيون كثر حقّقوا السبق الصحافي غير مرة في «زمن الإعلام الذهبي»، من بينهم روز زامل التي ذاع صيتها عبر أثير إذاعة «صوت لبنان» في عقد الثمانينات.

وردة زامل (الشرق الأوسط)

روز، التي عُرفت إعلامياً بـ«وردة زامل»، وكانت رائدة في تقديم المحتوى الإذاعي الرفيع من خلال حوارات سياسية واجتماعية وفنية، تركت حقاً بصمتها في الأخبار والمقابلات والمعلومات الحصرية. إذ قابلت فيروز، وحاورت غونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية السابقة)، كما التقت رؤساء جمهورية عرباً ولبنانيين. بيد أن السبق الصحافي الأهم لها الذي يتذكّره اللبنانيون، كان - يومها - مع وزير الداخلية السوري الراحل غازي كنعان، الذي أعطاها حصرياً آخر حديث إعلامي له قبل أن يُقدِم على الانتحار. وكان ذلك في عام 2005، وخصّها شخصياً بتصريحه الأخير، واصفاً إياها في حينه بـ«الصحافية الموضوعية».

زامل تصف نفسها بأنها تنتمي إلى «مدرسة حربية»؛ إذ إنها بدأت ممارسة مهنتها في الإذاعة إبان الحرب اللبنانية. وكانت في إذاعة «صوت لبنان» الحزبية - يومذاك - «الصوت الصارخ باسم الناس» كما قالت في حوارها مع «الشرق الأوسط». ثم تابعت: «كنا نبحث عن السبق الصحافي لنوصله بأسرع وقت ممكن للناس. وما زلت حتى اليوم في برنامجَي (صالون السبت) و(المجالس أمانات) في إذاعة الشرق أفتش عن الخبر المميز».

زامل ترى أن على الإعلامي كي يختلف عن غيره «ألا ينام على حرير، إثر أي نجاح يحققه». ورداً على سؤالنا: أين موقع السبق الصحافي اليوم؟ قالت: «صار بمقدور أي مواطن تحقيق (سكوب) ما. إننا نشهد اليوم على نهاية مهمة وسائل الإعلام... فعندما يغيب السبق الصحافي، الذي أعتبره نجماً يسهم في تجديد المادة الإعلامية، يفتقد هذا المجال رونقه».

من جهة ثانية، لا تنفي روز زامل انزعاجها من ذاكرة الناس التي تحفظ آخر سبق صحافي يحققه الإعلامي، «فهي بذلك تمحو تاريخاً طويلاً من إنجازات الإعلامي، ويكون قد دفع ثمنها جهداً وتعباً ذهبا سدى». غير أنها تستدرك فتضيف: «لا يجوز أن نستسلم لاكتساح وسائل التواصل الاجتماعي الساحة الإعلامية، ولا للخبر الـ(ديلفري) الذي يأتينا على طبق من فضة... إن الوفاء لمهنة المتاعب مطلوب دائماً. وأنا أجتهد لإحراز الفرق في مقابلة أو حوار أو خبر ما».

كلير هولينغورث

الجدير بالذكر أن السبق الصحافي هو «خبر ينشره صحافي أو مؤسسة إخبارية قبل أي مصدر آخر، ويكون ذا محتوى استثنائي أو أهمية، ويحدث مفاجأة. وأحياناً يأخذ منحى الإثارة أو كشف معلومات سرية». وتُعد البريطانية كلير هولينغورث صاحبة أهم سبق صحافي في التاريخ. وبفضله لقبت بـ«أسطورة السبق الصحافي في العالم»؛ لأنها كانت أول من رصد تقدم الجيش النازي باتجاه الحدود الألمانية - البولندية، كاشفةً عن انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية.

يومذاك، كانت كلير شابة طموحة في الـ27 من عمرها، عينتها صحيفة الـ«دايلي تلغراف» اللندنية مراسلة لها في بولندا عام 1939. وبعد أسبوع واحد فقط من توليها الوظيفة، نشرت الخبر. أما في الولايات المتحدة، فيعد كثيرون السبق الأهم ذلك السبق الصحافي الذي تحقق على يد الصحافيين الاستقصائيين بوب وودورد وكارل بيرنشتاين في صحيفة الـ«واشنطن بوست». وهما اللذان كانا وراء تسريب خبر «فضيحة ووترغيت» الأميركية، وكان من يقف وراء تسليمهما هذه المعلومة أحد المسؤولين في مكتب التحقيقات الفيدرالي الـ(إف بي آي) ويليام فيلت.

انطفاء السبق الصحافي

في الحقيقة، مرّ السبق الصحافي بحالتي صعود وهبوط عبر السنوات الماضية، وصار يأخذ أشكالاً مختلفة. وهذا الواقع تسبب في إصابة بعض الإعلاميين المحترفين بالإحباط.

ثم إنه ازدهرت في حقبة التسعينات الـ«السكوبات» المفبركة مقابل حفنة من المال؛ إذ كانت تشتري وسيلة إعلامية معينة السبق من صاحب العلاقة، وأحياناً لعب صاحب العلاقة نفسه دوراً في الموضوع، فكان يختار المحطة التلفزيونية أو الوسيلة الإعلامية حسب ميوله السياسية، ليزوّدها بتصريح يصب في خانة السبق الصحافي.

الدكتورة وفاء أبو شقرا، أستاذة الإعلام في الجامعة اللبنانية ورئيسة «مركز الأبحاث» في كلية الإعلام بالجامعة، تعلّق لـ«الشرق الأوسط» على هذا، موضحةً: «عندما نقول (سكوب) فإن ذلك يعني جهداً مضاعفاً نبذله للحصول على مادة إعلامية حصرية، نعمل لها شخصياً وتميّزنا عن غيرنا. ولكن عندما تدخل عليها مزايدات من هنا وهناك، وتصبح إمكانية شرائها بالمال متوافرة، أو مقدمة على طبق من فضة، تفقد المادة الإعلامية معناها الحقيقي».

الدكتورة وفاء أبو شقرا (الشرق الأوسط)

كون الدكتورة أبو شقرا أستاذة جامعية يجعلها تتطرق حالياً في صفوفها لهذا الموضوع، وإن من دون إعطائه حيّزاً كبيراً. وهنا تضيف: «لقد انطفأ السبق الصحافي في ظل انتشار السوشيال ميديا... لكننا نعرّج على هذا الموضوع بشكل بسيط في الدراسة الجامعية للإعلام كمعلومة على الطلاب معرفتها». وتستطرد: «تطوّر التكنولوجيا صار بإمكانه أن يوصلك بمكتب الكونغرس الأميركي وغيره من مصادر المعلومات بكبسة زر. هذا في رأيي قزّم دور المراسل الإعلامي وحصره في البحث عن أسلوب آخر ليتميز به... صار التركيز أكبر على المحتوى الإعلامي، في حد ذاته، بحيث يجذب المتلقي ويفيده بمعلومات يحتاج إليها». وتختم أبو شقرا كلامها، موجزةً: «مفهوم الـ(سكوب) تبدّل وصارت الـ(notifications) (التنبيهات) والـ(ترند) على وسائل التواصل الاجتماعي تتقدمه».

مرّ السبق الصحافي بحالتي صعود وهبوط عبر السنوات الماضية، وصار يأخذ أشكالاً مختلفة. وهذا الواقع تسبب في إصابة بعض الإعلاميين المحترفين بالإحباط

لعبة الاستهلاك

أما وليد عبود، رئيس تحرير نشرة الأخبار في محطة «إم تي في» المحلية اللبنانية، فيشير خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إلى أن «معايير السبق الصحافي اليوم اختلفت عن الماضي». وفي رأيه أن «كل مواطن صار صحافياً من باب التكنولوجيا المتطورة»... وأن الصحافيين لا يستطيعون أن يكونوا حاضرين في جميع الأماكن بحثاً عن الحدث»، وبالتالي - حسب عبود - ما عاد الصحافيون قادرين على تأمين حضور سريع إلى مكان الخبر، ما أتاح للمواطن العادي أن يسبقهم ويؤدي هذه المهمة.

ويتابع وليد عبود: «بالهاتف الجوال بات يَلتقط الصورة أو يسجل فيديو قصيراً... فيصار إلى عرضه على وسائل التواصل الاجتماعي في اللحظة نفسها». ثم يضيف: «لذا تحول الإعلام التقليدي اليوم إلى ما بعد الخبر... أي إلى تحليل ما وراء الخبر وأبعاده. وفي ظل كثافة المقابلات والحوارات من سياسية وغيرها على الشاشات الصغيرة، ما عادت الحصرية متوافرة. فالضيف نفسه الذي تحاوره يطل مرات في اليوم نفسه على شاشات تلفزيونية أخرى. وأحياناً وقبل أن تستضيفه بقليل يطل على موقع إلكتروني أو عبر صفحته معلناً عن موقف أو خبر معين».

ويختم: «ثمة كمية استهلاك هائلة من قبل متابعي أخبار تلك المواقع والصفحات الإلكترونية، ولذا من الصعب تحقيق السبق الصحافي المطلوب عبر وسائل إعلام تقليدية... لأن الجميع غارق في لعبة الاستهلاك، وهنا تكمن المشكلة».


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».