«أمضيت 35 عاماً في الجيش اللبناني وتقاعدت برتبة عميد على أمل أن أعيش بقية حياتي مرتاحاً من دون حاجة إلى أحد، لكن للأسف ها هم أولادي اليوم يصرفون عليّ وعلى والدتهم... أشعر بالخجل مما أوصلونا إليه... نطالب فقط بأن نعيش بكرامتنا»، بهذه الكلمات يتحدث العميد المتقاعد جورج نادر عن وضعه ووضع الآلاف من زملائه المتقاعدين الذين تآكلت رواتبهم وحقوقهم، ويرفعون أصواتهم مطالبين بإنصافهم.
في مواجهة زملائهم وأبنائهم العسكريين المولجين حماية المؤسسات الرسمية، استمر المتقاعدون في تحركات شعبية كان آخرها (الثلاثاء)، مطالبين بتصحيح رواتبهم ومساواتهم بموظفي القطاع العام عبر منحهم ما يُعرف بـ«بدل إنتاجية»، الذي من شأنه أن يسد ثغرة في الهوة الناتجة عن ارتفاع سعر صرف الدولار.
وهذا ما يشير إليه نادر، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أنه سبق أن مُنح المتقاعدون الذين يقبضون اليوم نحو 10 في المائة من قيمة رواتبهم السابقة، بعض الزيادات في وقت مضى، «لكنها أضيفت بوصفها مساعدات اجتماعية وليست قانوناً من أساس الراتب، وهي التي قد تُلغى في أي وقت، كما أنها لا تُضاف إلى الراتب التقاعدي للذين لا يزالون اليوم في الخدمة العسكرية، وهي تقدّر بنحو 10 ملايين ليرة لبنانية، أي نحو 100 دولار أميركي». من هنا يشدد نادر على أن «مطلب المتقاعدين الذين يرفعون صوتهم، باسمهم وباسم زملائهم في الخدمة العسكرية، هو منحهم في المرحلة الأولى، نحو 40 في المائة من قيمة رواتبهم السابقة، قبل الأزمة، وفي مرحلة تالية نسبة 20 في المائة، وهو ما لم يحصل رغم كل الوعود التي تلقيناها من رئيس حكومة تصريف الأعمال والمسؤولين المعنيين».
وتتراوح رواتب العسكريين اليوم، باختلاف الرتب العسكرية، بين 100 و200 دولار أميركي، أما الضباط فتتراوح القيمة بين 200 و400 دولار حداً أقصى، بحسب نادر، مشيراً إلى أن عدد العسكريين المتقاعدين وعائلات الشهداء والفئات التي تتقاضى رواتب المتقاعدين في الأجهزة العسكرية كلها، يقدّر اليوم بنحو 71 ألفاً. ويؤكد: «معظم هؤلاء غير قادرين على العيش حياة كريمة كما كانوا يطمحون عندما خدموا في المؤسسات العسكرية والأمنية، وبات معظمهم يعتمدون على أولادهم لمساعدتهم، في حين تبقى المشكلة عند مَن ليس لديه مَن يساعده، إضافة إلى أن أولاد عدد كبير من هؤلاء المتقاعدين يعملون أيضاً في الأجهزة العسكرية، وبالكاد يستطيعون تأمين متطلبات حياتهم وحياة عائلاتهم، ويعيشون على المساعدات».
ونفّذ المتقاعدون (الثلاثاء)، تحركات استباقاً لموعد جلسة الحكومة المحددة يوم الخميس، حيث تجمعوا أمام عدد من المؤسسات الرسمية منها؛ مبنى الضريبة على القيمة المضافة، ووزارة المال، في حين كان التجمع الأكبر، أمام مدخل مرفأ بيروت في الكرنتينا، حيث أشعلوا الإطارات لمنع الدخول إلى المرفأ.
وطالب المعتصمون، «بإلغاء الامتيازات والتسميات (مثل المساعدات الاجتماعية، والسلفة على الرواتب، وبدل النقل)، غير القانونية دستورياً، واستبدال سلسلة رتب ورواتب تكون منصفة ومتساوية للجميع بها».
وشددوا على أنهم ليسوا ضد موظفي الإدارة العامة، «ولا نقارن أنفسنا بهم، ولكنّ هناك صيفاً وشتاء تحت سقف واحد، ونطالب بالحد الأدنى من العيش الكريم». ودعوا الموظفين في الخدمة إلى أن يقفوا إلى جانبهم والحكومة لإعادة النظر بالرواتب قبل 2019.
ويقول نادر في هذا الإطار: «مطالبنا ليست مدرجة على جدول أعمال الجلسة الحكومية، لكن نأمل في أن تُطرح من خارج الجدول، ونحن سنستمر بتحركاتنا إلى حين إنصافنا، وسنقوم بتحركات يوم الخميس؛ لمنع تأمين نصاب جلسة الحكومة»... وهو الأمر نفسه الذي أكده العقيد المتقاعد في الجيش سامر عرمون، قائلاً: «في حال عدم تلبية مطالبنا سنتجه إلى التصعيد الأوسع».
وقال عرمون: «بعد خروجي إلى التقاعد وخدمتي في السلك العسكري، يبلغ راتبي التقاعدي حالياً 165 دولاراً، لو أردت دفع تكلفة مولد الكهرباء لمنزلي لبلغت 100 دولار، ماذا يبقى لعائلتي؟».
كذلك، قال العميد المتقاعد بسام أيوبي، أحد مؤسسي تحرك المتقاعدين، «نواجه عصابة منظمة محمية بالقوانين، وبتكبيل القضاء. هم انقضوا على أموال المودعين وسرقوها، والوزارات نظمت عمليات السرقة والاحتيال».
وكان العسكريون المتقاعدون قد أصدروا بياناً طالبوا فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «عدم إقرار أي مرسوم زيادة أجور قبل إطلاع أصحاب الحق على مضامينه، وإشراكهم في صناعة القرار الذي يرتبط بأمنهم الاجتماعي».
وأكدوا ضرورة «إقرار نسبة زيادة موحدة وعادلة من القيمة الفعلية للرواتب والمعاشات التقاعدية، وفق ما كانت عليه قبل الانهيار المالي».
ودعوا إلى «إقرار خطة لاستكمال التدرج في التصحيح المستدام للأجور في مهل زمنية محددة وبنسب محددة... وخطة للتصحيح المرحلي لقيمة التعويضات التقاعدية التي فقدت من قيمتها بسبب انهيار سعر الصرف».