دمشق لضبط وهيكلة مؤسساتها والميليشيات المرتبطة بها

«حملات محاسبة» لمجموعات تحولت إلى عصابات بعد تراجع العمليات العسكرية

معبر «نصيب» على الحدود السورية - الأردنية (أ.ف.ب)
معبر «نصيب» على الحدود السورية - الأردنية (أ.ف.ب)
TT

دمشق لضبط وهيكلة مؤسساتها والميليشيات المرتبطة بها

معبر «نصيب» على الحدود السورية - الأردنية (أ.ف.ب)
معبر «نصيب» على الحدود السورية - الأردنية (أ.ف.ب)

بينما لم تتضح بعد صحة الأنباء المتضاربة حول مصير أحد أبرز أمراء الحرب السوريين بعد مداهمة مكاتب شركاته ومقرات مجموعاته في اللاذقية، تواردت الأنباء من مدينة حمص عن اختطاف مقاول من قبل زعيم ميليشيا محلية مسلحة مرتبطة بأحد الأجهزة الأمنية في ريف حمص، على خلفية رفضه الانسحاب من مناقصة طرحتها المحافظة.

جاء تواتر تلك الأنباء مع إعلان الرئاسة السورية، رسمياً، إعادة هيكلة أجهزتها الأمنية وتطوير التنسيق بينها، بهدف تعزيز الأداء في المرحلة المقبلة.

وفي اجتماع أخير للرئاسة مع القادة الأمنيين، وضع الاجتماع خريطة طريق أمنية، وفق «رؤى استراتيجية تحاكي التحديات والمخاطر الدولية والإقليمية والداخلية بما ينعكس على أمن الوطن والمواطن وأمن القوات المسلحة أيضاً»، بحسب بيان رئاسة الجمهورية الذي صدر بعد أقل من شهر على أحداث «الأمانة العام لرئاسة الجمهورية»، والذي تلته تغييرات وتنقلات في الأجهزة الأمنية، أبرزها تعيين اللواء علي مملوك مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون الأمنية، وتعيين اللواء كفاح الملحم خلفاً له في رئاسة مكتب الأمن الوطني، في حين نُقل اللواء كمال حسن من رئاسة فرع فلسطين ليصبح رئيس شعبة المخابرات العسكرية، خلفاً للواء كفاح الملحم.

نبش الحاويات بأحد شوارع دمشق من قبل أفراد حاصرهم غلاء المعيشة (الشرق الأوسط)

ونقل الإعلامي السوري المعارض، أيمن عبد النور، عبر حسابه في «إكس»، يوم الأحد، تسريبات تفيد بأن أول قرار للواء كفاح ملحم بعد استلام منصبه كان إعادة «المركزية الهرمية للجهاز الأمني، والتأكد من أن كل الإدارات والفروع تعمل بصورة كاملة وحصراً مع مكتب الأمن الوطني».

وأوضح عبد النور أن ذلك يعني «تخفيف الصلاحيات، وإلغاء الصلاحيات الاستثنائية التي كانت ممنوحة سابقاً، وفرض رقابة مباشرة داخل كل فرع».

مصادر متابعة قالت لـ«الشرق الأوسط» إن دمشق مقبلة على تغييرات تهدف إلى إعادة ضبط وهيكلة قوتها الأمنية والسياسية، والميليشيات المرتبطة بها التي تحولت بعد تراجع الأعمال العسكرية إلى شبكات ارتزاق وعصابات خطف ونهب متعددة الولاءات (روسيا، إيران، القصر، شقيق الرئيس).

وأضافت المصادر أن هذه الشبكات تستفيد من الصلاحيات الممنوحة لرؤساء الفروع في المحافظات بممارسة نشاطات غير شرعية بأريحية مطلقة ضمن مناطقها. وأصبح زعماء الميليشيات السابقون زعماء أو أمراء محليين، رغم وجود ملاحقات قانونية بحقهم لارتكابهم جرائم أو مخالفات.

سكان حي المزة فيلات بدمشق يتفقدون الأضرار في موقع الغارة الإسرائيلية على مبنى تابع لـ«الحرس الثوري الإيراني» 20 يناير (رويترز)

وتابعت المصادر أن تجاوزات تلك الشبكات بدأت تشكل عبئاً ثقيلاً على النظام ذاته، إن لم نقل باتت مصدر خطر يهدد أمن النظام وأمن الحلفاء. في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات خطيرة، في إشارة إلى عمليات الاغتيال التي نفّذتها إسرائيل لعدد من القادة والمستشارين الإيرانيين في دمشق.

»>http://

كانت وسائل إعلام وصفحات سورية مقربة من السلطات بدمشق قد بثّت أنباء عن إطلاق «حملات المحاسبة» مع إحالة نحو 100 موظف في الجمارك للتحقيق، بينهم ضباط ومديرون ورؤساء مفارز ومراقبون وخفراء، على خلفية كشف عمليات تزوير وثائق لتمرير البضائع.

مديرية الجمارك العامة في سوريا

ونقلت صحيفة «الوطن» المحلية المقربة من السلطة، الأحد، عن مصدر في الجمارك، كشفها عن إقالة أو كف يد نحو 30 من المحقق معهم، وأنهم باتوا خارج العمل الجمركي.

كما طالت «حملات المحاسبة» أحد أمراء الحرب، المعروف بـ«أبي علي خضر»، وكان مقرباً من شقيق الرئيس ماهر الأسد، وبرز اسمه بأعمال ترفيق البضائع والمعابر منذ عام 2011 قبل أن يظهر على الساحة عام 2017، مع إنشائه شركة «القلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية» المدرجة لاحقاً على قوائم العقوبات الدولية. تقدم أبو خضر بعدها إلى الواجهة الاقتصادية، بعد إزاحة رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس. وشمل نشاط أبي علي خضر الاتصالات والجمارك والتعهدات والصرافة وغيرها.

وتشير المعلومات المتداولة إلى صدور قرار قبل نحو الشهر بالتدقيق في أعمال أبي علي خضر، واستعادة الأموال التي اكتسبها بطريقة غير مشروعة، وعدم التعامل معه من قبل أي جهة حكومية.

»>http://

وأفاد موقع «صوت العاصمة» المحلي، يوم الجمعة، بعثور القوى الأمنية السورية على سجن سري تحت الأرض، ضمن مستودع تابع لأبي علي خضر في مدينة اللاذقية خلال مداهمته الأسبوع الماضي، ونقل الموقع عن مصادر قولها إن اشتباكات مع حراسه أدت إلى مقتل وجرح عدد منهم.

وعثر في السجن السري على 3 مخطوفين، أحدهم ابن تاجر كبير ومعروف في مدينة حلب، وجرى نقله إلى مستشفى في اللاذقية، بينما الاثنان الآخران نُقلا إلى دمشق. كما تم اكتشاف جثتين في فناء المستودع، وأسلحة رشاشة ومواد مخدرة وكميات من المبالغ المالية المزوّرة. مع الإشارة إلى أن المستودع يستخدم لتخزين المشروبات الروحية والعصائر المهربة وبضائع تبغية يحتكر تجارتها في سوريا.

صورة متداولة على مواقع التواصل لشجاع العلي

على صعيد متصل، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، عن قيام مجموعة مسلحة في ريف حمص الغربي، يتزعمها المدعو «شجاع العلي»، باختطاف المقاول محمود الرجب لرفضه الانسحاب من المناقصة التي تمّ الإعلان عنها من قبل مديرية الأشغال في مدينة حمص لإزالة الأنقاض وهدم المباني الآيلة للسقوط في حي الخالدية الذي دمر في الحرب.

ونقل المرصد عن نشطائه في حمص، قولهم: «إن عملية الاختطاف أتت عقب حصول مشادات كلامية بين الرجب والمقاول علي عبد الكريم الذي يرتبط بعلاقات وثيقة برؤساء الأفرع الأمنية»، ومع شجاع العلي.

وبحسب مصادر أهلية في حمص، فإن «شجاع العلي» ملاحق بكثير من القضايا الجنائية، ويمتلك عدة محطات وقود ومطاعم، ونحو 400 عنصر مسلح ضمن منطقة محصنة في ريف حمص الغربي، ولديه سجن للمخطوفين.

وتضيف المصادر أن شجاع العلي «يقوم بأعمال خيرية»، ولديه أتباع، وقد قام مؤخراً بنصب تمثال للرئيس بشار الأسد في قريته بلقسة بريف حمص.


مقالات ذات صلة

كيف أطال نتنياهو حرب غزة للهروب من فضائح الفساد؟

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

كيف أطال نتنياهو حرب غزة للهروب من فضائح الفساد؟

يربط فيلم «ملفات بيبي» بين فضائح الفساد التي تطارد نتنياهو واستراتيجياته للبقاء في السلطة، حتى لو كان الثمن استمرار الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا شرطيان إيطاليان (رويترز - أرشيفية)

توقيفات ومصادرة 520 مليون يورو في تحقيق أوروبي بشأن المافيا والتهرب الضريبي

ألقت الشرطة في أنحاء أوروبا القبض على 43 شخصاً وصادرت 520 مليون يورو، في تحقيق أوروبي بمؤامرة إجرامية للتهرب من ضريبة القيمة المضافة.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)
رياضة عالمية داني جوردان (رويترز)

اعتقال رئيس اتحاد جنوب أفريقيا لكرة القدم بسبب مزاعم فساد

ذكرت وسائل إعلام محلية أن السلطات في جنوب أفريقيا ألقت القبض على داني جوردان، رئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم، الأربعاء؛ بسبب مزاعم بشأن استخدام أموال الاتحاد.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
الخليج «نزاهة» أكدت مضيها في تطبيق النظام بحقّ المتجاوزين دون تهاون (الشرق الأوسط)

السعودية: «نزاهة» تشهر بمواطن استخرج تمويلاً «مليونياً» بطريقة غير نظامية

شهّرت هيئة الرقابة السعودية بمواطنين ومقيمين تورطوا بعدة قضايا جنائية باشرتها خلال الفترة الماضية، والعمل جارٍ لاستكمال الإجراءات النظامية بحقهم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي جلسة مجلس الشعب السوري الأربعاء (سانا)

مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة عن اثنين من نوابه

رفع الحصانة عن النائبين في مجلس الشعب السوري جاء بعد يوم من إسقاط عضوية النائب أنس محمد الخطيب بسبب حصوله على الجنسية الأردنية إلى جانب السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.