كيف يقيّم الليبيون فكرة دمج الميليشيات في مؤسسات الدولة؟

الدبيبة تعهد بعدم التخلي عنهم... وسياسيون يشددون على ضرورة خضوعها للقوانين المتبعة

عبد الحميد الدبيبة تعهد بعدم التخلي عن التشكيلات المسلحة (حكومة الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة تعهد بعدم التخلي عن التشكيلات المسلحة (حكومة الوحدة)
TT

كيف يقيّم الليبيون فكرة دمج الميليشيات في مؤسسات الدولة؟

عبد الحميد الدبيبة تعهد بعدم التخلي عن التشكيلات المسلحة (حكومة الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة تعهد بعدم التخلي عن التشكيلات المسلحة (حكومة الوحدة)

تمسّك أكاديميون ومسؤولون ليبيون سابقون بضرورة مراعاة القواعد والقوانين عند إدماج الميليشيات المسلحة في الأجهزة الأمنية والعسكرية، وذلك رداً على تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، حول هذه التشكيلات، وتأكيده أنه «يتم تأهيل أفرادها لإدماجهم في مؤسسات الدولة، ولا مجال للتخلي عنهم».

وعلى الرغم من توافق الجميع مع وصف الدبيبة لهذه العناصر بأنهم «أبناء ليبيا»، فإن البعض أعرب عن تخوفه من أن يكون حديثه «مقدمة لاستمرار شرعنتهم، بدمجهم في أجهزة الدولة بالمنطقة الغربية، سواء داخل سلك الجيش أو الشرطة، دون التقيُّد بالقواعد المقررة للانضمام لهما، مما يعوق جهود توحيد المؤسسة العسكرية الليبية»، المنقسمة بين شرق البلاد وغربها.

عناصر أمنية تابعة لحكومة «الوحدة» تجوب شوارع طرابلس (الوحدة)

ودعا وزير الدفاع الليبي الأسبق، محمد محمود البرغثي، إلى «عدم حصر الخيارات بشأن هذه التشكيلات بين التخلي عن عناصرها بشكل كامل، أو إدماجها جميعها في الجيش أو الشرطة... وضرورة التفكير في خيارات بديلة تحقق مصلحة الدولة وأبنائها». وقال البرغثي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك طاقة استيعابية داخل المؤسستين العسكرية والأمنية في أي بلد، علماً بأن تصنيف الجيوش حالياً يعتمد أولاً على ما تضمه من نظم دفاع وأسلحة حديثة، وليس على ضخامة أعداد أفرادها»، مضيفاً أن هناك «شروطاً وقواعد مقررة يجب التقيُّد بها عند انضمام عناصر التشكيلات لهاتين المؤسستين، من بينها أن يتم ذلك بشكل فردي، وليس بشكل جماعي، كما يتم بضم تبعية تشكيل مسلح بأكمله لوزارة الدفاع أو الداخلية».

وكان الدبيبة قد قال، في تصريح سابق، إن عناصر التشكيلات المسلحة التي وصفها بـ«فلذات أكبادنا»، دخلت منذ عامين في المجالين العسكري والأمني، وبدأت تتدرب على السلاح، وكيفية التعامل مع المواطن.

وانتقد البرغثي تصوير البعض لدورات التدريب، التي تجريها بعض التشكيلات المسلحة لعناصرها، بأنها مماثلة للدراسة والتخرج في الكليات العسكرية النظامية. وقال: «بغض النظر عن مدة التدريب، وماهية المناهج والنظم التي يتم التدريب عليها، وخلفية وخبرات المُدرِّبين بتلك الدورات، فالسؤال هنا حول خضوع المتدربين لاختبارات القبول المتبعة بالكليات العسكرية من ملاءمة السن، والحالة الصحية، والأهم مراجعة صحيفة السوابق الجنائية».

وشدد البرغثي على أن الخطر في استمرار دمج هذه التشكيلات داخل سلك الجيش أو الشرطة دون تأهيل حقيقي «لا ينحصر في ارتفاع التكلفة على الخزينة العامة، التي ستتحمل رواتبهم ومكافآتهم، وإنما في تقويض الخطط الأممية، الساعية لتفكيك تلك التشكيلات ونزع سلاحها».

دوريات أمنية تابعة لحكومة الوحدة (الوحدة)

واتفق وزير الداخلية الليبي الأسبق، عاشور شوايل، مع حديث الدبيبة حول وجود مسؤولية تقع على الجميع تجاه عناصر التشكيلات، مشدداً على أن ذلك «يجب ألا يكون على حساب بناء الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، التي يتطلع الجميع لأن تكون ذات احترافية عالية».

وأوضح شوايل أن «الركيزة الأساسية في تعليم وتدريب طلبة الكليات العسكرية هي زرع ولائهم للدولة، واحترامهم لسلطاتها، ولنظام التراتبية المتبع بمؤسساتها، ولا تنحصر في التدريب على حمل السلاح الذي يتوفر حتى للمرتزقة». وقلل شوايل من حديث الدبيبة بأن تلك التشكيلات صارت اليوم «تحمي حدود البلاد»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ضم تلك التشكيلات إلى أجهزة الدولة ووزاراتها جاء بشكل جماعي وليس بشكل فردي، كما كنا ولا نزال ننادي، وبالتالي فإن ولاء عناصر التشكيلات موجه بالدرجة الأولى لقادتهم، ومَن يتحالف معهم من شخصيات سياسية».

وتساءل شوايل مستنكراً: «الدبيبة يقول إن عناصر وقيادات تلك التشكيلات يخضعون لأوامر قياداتهم، فلماذا لم تتوقف سريعاً تلك الاشتباكات التي جرت في أغسطس (آب) الماضي بين جهاز الردع لمكافحة الجريمة، وقادة (اللواء 444)، رغم أن كليهما يتبع طرابلس»، محذراً من استمرار تغول التشكيلات «بفضل دعمها من خزينة الدولة».

بالمقابل يرى الباحث الليبي، مدير «معهد صادق للدراسات السياسية»، أنس القماطي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن حديث الدبيبة عن هذه التشكيلات ودفاعه عنها «ليس فقط من باب المجاملة والمهادنة لقياداتها كما يردد البعض، وإنما لعمق إدراكه أن هذه التشكيلات تمثل جزءاً من حمايته وحماية أمن المنطقة الغربية من أي هجوم جديد من قبل القوات العسكرية الموجودة بشرق البلاد».

ويعتقد القماطي بأن الحوارات، التي أُجريت مع قادة تشكيلات الغرب الليبي، أظهرت «رغبتهم في الوجود بمؤسسة عسكرية قوية لا تخضع تراتبيتها العسكرية للواسطة، أو لعلاقات القرابة الشخصية، وتبعد بدرجة كبيرة عن شكل الجيش في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي».


مقالات ذات صلة

ليبيا: عمليات إجلاء وتحذيرات رسمية للمواطنين من سيول محتملة

شمال افريقيا تصريف مياه الأمطار في العاصمة طرابلس (وكالة الأنباء الليبية)

ليبيا: عمليات إجلاء وتحذيرات رسمية للمواطنين من سيول محتملة

تشهد عدة مناطق في ليبيا أوضاعاً جوية صعبة نتيجة الأمطار الغزيرة، في ظاهرة غير مسبوقة منذ سنوات، ضربت مدن الشرق والغرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من المظاهرات الشعبية التي شهدتها بعض مدن شرق ليبيا (متداولة)

عودة المظاهرات إلى شرق ليبيا للمطالبة بـ«انتخابات رئاسية فورية»

تجددت في ليبيا الاحتجاجات الشعبية بالمنطقة الشرقية للمطالبة بانتخابات رئاسية فورية، بينما أعلنت بعثة الأمم المتحدة استبعاد مشاركين سابقين في «حوار جنيف».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الطرابلسي يستعرض في المؤتمر الصحافي نتائج «البرنامج الوطني» لترحيل المهاجرين غير النظاميين (أ.ف.ب)

هل تُضخِّم «الوحدة» الليبية أرقام «المهاجرين» سعياً للتمويل الأوروبي؟

أعاد وزير الداخلية المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عماد الطرابلسي الحديث عن أزمات ملف المهاجرين غير النظاميين في بلاده.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

أدى التصادم المسلح بين تشكيلين في مدينة الزواية غرب ليبيا إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

النيابة العامة تحقق في قضية تزوير «أوراق وطنية»

قال مكتب النائب العام الليبي إن التحقيقات انتهت من فحص تسعة قيود عائلية وتبين للمحقق تآمر موظف بمكتب السجل المدني مع تسعة أشخاص غير ليبيين

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
TT

السودان: ضربة لـ«الدعم السريع» توقع عشرات القتلى في جنوب كردفان

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - أ.ب)

أسفر هجوم نفَّذته «قوات الدعم السريع» بمسيّرة على بلدة كلوقي في ولاية جنوب كردفان في السودان عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال، بحسب ما أفاد مسؤول محلي «وكالة الصحافة الفرنسية»، الأحد.

وقال عصام الدين السيد، الرئيس التنفيذي لوحدة كلوقي الإدارية، للوكالة الفرنسية في اتصال عبر «ستارلينك» إن المسيّرة قصفت 3 مرات، الخميس، «الأولى في روضة الأطفال، ثم المستشفى، وعادت للمرة الثالثة لتقصف والناس يحاولون إنقاذ الأطفال».

وحمّل «قوات الدعم السريع» وحليفتها «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» بقيادة عبدالعزيز الحلو، مسؤولية الهجوم.

وقالت «قوات الدعم السريع»، السبت، إن الجيش قصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان بوسط البلاد.

وذكرت، في بيان، أن الجيش استهدف قافلة المساعدات بطائرة مسيّرة في منطقة جبرة الشيخ بشمال كردفان، مشيرة إلى أن القافلة مكونة من 39 شاحنة تحمل مساعدات غذائية.

كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد حذر يوم الخميس من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع، مع تصاعد القتال في إقليم كردفان بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».


تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
TT

تصاعد القتال في كردفان ومسيّرات تستهدف المدنيين

سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)
سيدة سودانية أصيبت في معارك الفاشر بالسودان تجلس في خيمتها مخيم طويلة (أ.ب)

تصاعدت حدة القتال مجدداً بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في ولايات كردفان؛ حيث شنت مسيّرات الجانبين هجمات طالت قافلات مساعدات وروضة أطفال، وسط تحذيرات أممية من أن السودان يواجه خطر اندلاع موجة أخرى من الفظائع.

وبينما أفادت تقارير بأن مسيّرة تابعة لـ«الدعم السريع» قصفت «روضة أطفال» في بلدة كلوقي بولاية جنوب كردفان، أدت إلى مقتل 114 شخصاً، بينهم 20 طفلاً، وإصابة العشرات، قالت «قوات الدعم السريع» إن مسيّرة تابعة للجيش قصفت قافلة مساعدات إنسانية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي في ولاية شمال كردفان، وذكرت في بيان أن القافلة مكونة من 39 شاحنة «تحمل مساعدات غذائية عاجلة للأسر النازحة التي تعاني انعدام الأمن الغذائي»، وعدّته استمراراً لما أطلقت عليه «الاستهداف الممنهج» للقوافل الإنسانية، ونهجاً خطيراً لتعطيل إيصال المساعدات الضرورية، والاعتداءات المتكررة على المنظمات الدولية العاملة في الإقليم، الأمر الذي يفاقم الأزمة الإنسانية ويضاعف معاناة المدنيين.


كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
TT

كيف دمّرت الحرب والسياسة أكبر مشروع زراعي في السودان؟

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)
الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

يواجه مشروع الجزيرة في السودان (أكبر مشروع زراعي يعمل بالري الانسيابي في العالم، تحت إدارة واحدة) أزمة مُركبة بسبب السياسات الخاطئة التي خرّبته، والحرب التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) 2023، ودمّرت بنيته التحتية من قنوات الري والسكك الحديدية ونهب الآليات والمعدات الزراعية والمخازن ومحالج القطن والمصانع.

والمشروع الذي أنشأه الإنجليز عام 1925 على مساحة تبلغ 2.2 مليون فدان (نحو مليون هكتار)، ويعمل فيه نحو 140 ألف مزارع، يُعدّ شرياناً حيوياً للإنتاج الزراعي في البلاد، لكنه بات يعاني إهمالاً واضحاً، ما أدّى إلى التوقف الكامل لبعض المواسم الزراعية فيه، وتكبّد المزارعين المرتبطين به خسائر فادحة.

وقدَّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أكثر من 1.8 مليون أسرة سودانية تعمل في الزراعة والرعي داخل المشروع، وأنه يشكّل مصدر دخل أساسياً لها.

المزارع أصبحت مرتعاً للحيوانات بعد أن هجرها أصحابها بسبب الحرب (الشرق الأوسط)

وفي ظل الحرب بات المزارعون يجدون صعوبة في الوصول إلى مزارعهم لأسباب أمنية، أو الحصول على المواد الأولية للزراعة.

خسائر بالمليارات

ووفقاً لوزير الزراعة السوداني، البروفسور عصمت قرشي عبد الله، فإن خسائر القطاع الزراعي تتجاوز 100 مليار دولار، وهي أرقام أولية، وأنهم ماضون في عمل إحصاءات دقيقة مصحوبة بدراسات متخصصة لتقديمها للجهات الداعمة.

وشكا المزارع عمر يوسف من الانهيار الكامل جرّاء تدمير البنية التحتية للري ونهب المؤسسات الحكومية والآليات الزراعية والمخازن والمصانع وخطوط السكك الحديدية ما أدّى إلى خسائر مالية كبيرة.

وقال يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غياب كامل لمؤسسات الدولة، ونحن نشاهد مسؤولي الإدارة والري في أيام الحصاد فقط، وليس لديهم أي دور سوى جمع الضرائب (الجبايات) وتحصيل الأموال الهائلة دون معرفة أوجه صرفها».

أحد المزارعين يقوم بإصلاح مساحات شاسعة في أرضه يدوياً (الشرق الأوسط)

وأوضح يوسف أن «المزارعين يعتمدون على الجهد الذاتي دون دعم أو عون من الدولة أو من إدارة المشروع».

وأضاف: «التجار والبنوك الزراعية يتحكمون في المزارع البسيط... نتمنى أن تنعكس الضرائب التي تجبى على المزارعين في تطهير قنوات الري وإنشاء الكباري». لافتاً إلى أن «80 في المائة من سكان ولاية الجزيرة يعتمدون على الزراعة، لكن ولاية الجزيرة تعاني استشراء الفساد، ونريد وضع حدٍّ للفساد والنهوض بالزراعة».

فشل حكومي

من جهته، يقول المزارع، فخر الدين يوسف، إن تدمير مشروع الجزيرة ليس مجرد فشل حكومي أو خطأ إداري، بل جريمة منظمة تسببت في فقدان البلاد ثروة اقتصادية كبيرة.

وأوضح يوسف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن كبرى المشكلات التي تواجه المزارعين «تتمثّل في توزيع التقاوي والأسمدة منتهية الصلاحية، فيما يعاني الذين يموّلون زراعتهم على نفقتهم الخاصة غلاء الأسعار وجشع التجار، إلى درجة انعدام التوافق بين التكلفة والإنتاج».

وشدّد يوسف على ضرورة تأهيل قنوات الري وعودة السكك الحديدية وتأهيل المخازن والمصانع، ومحاسبة الفاسدين، وإعادة نظام التمويل الحكومي بكل عدالة ومساواة وشفافية للمزارعين، وإرجاع المهندسين والخبراء الزراعيين الذين هجروا المشروع، وتعيين إدارة جديدة مستقلة بعيداً عن السياسة.

الحشائش تملأ قنوات الري مما يصعب وصول المياه إلى المزارع (الشرق الأوسط)

بدوره، أوضح المزارع أحمد علي أن المشروع، الذي يتمدّد على مساحة شاسعة بوصفه أكبر مشروع ريّ انسيابي تحت إدارة واحدة، ويضم 18 قسماً، ويعتمد على صغار المزارعين الذين يُقدّر عددهم بنحو 140 ألف مزارع، قد تعرّض لأكبر نكسة منذ إنشائه بسبب انهياره كلياً، وأصبح ساحة للنهب والدمار.

وقال علي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب دمّرت المشروع، وأصبح ساحة للفوضى، ونُهبت مؤسسات المشروع الإدارية والخدمية والسكنية، واحترق بعضها إبّان سيطرة (قوات الدعم السريع) على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة». لافتاً إلى أن عملية التخريب شملت خطوط السكك الحديدية التي كانت تسير عليها القاطرات لمسافة تزيد على 1200 كيلومتر، لتغطي كامل منطقة الجزيرة والمناقل بطاقة 34 قاطرة و1100 عربة ترحيل تعمل أساساً في نقل السلع والحبوب، وتبلغ قيمة البنية الأساسية للسكك الحديدية التي بيعت خردة ما يقارب 200 مليون دولار.

امتصاص الصدمة

محافظ مشروع الجزيرة، المهندس إبراهيم مصطفى، سبق أن أقرّ في تصريحات إعلامية بمواجهة مشكلات في عملية الري، فضلاً عن وجود الحشائش والطمي وقنوات الري التي تحتاج إلى الصيانة، وتمثّل هاجساً كبيراً. وأكّد أن إدارة المشروع تسعى، بالتنسيق مع وزارة الري، إلى تجاوز المشكلة، وتوفير كلّ الإمكانات لإصلاح عملية الري.

المزارع علي أحمد في حقله (الشرق الأوسط)

وأوضح المحافظ أن المساحة المزروعة في الموسم الصيفي الماضي بلغت 500 ألف فدان، وأن إدارة المشروع تبذل قصارى جهدها لدعم المزارعين والإسهام في امتصاص الصدمة والعودة إلى العملية الإنتاجية، رغم الضربات القوية الموجعة التي تلقّاها المشروع. وأشار مصطفى إلى سريان حالة من الخوف في المشروع، لكنه أوضح أن الأمور مضت بسلام بفضل مساعي الإدارة والمزارعين.

الخبير الاقتصادي د. محمد الناير يقول إن مشروع الجزيرة يُعد ركيزة أساسية للاقتصاد السوداني، ويُعتبر من أكبر المشروعات على مستوى العالم، ويمتلك مساحة كبيرة، ويُروى انسيابياً عبر أنظمة الري المعتمدة. وأوضح الناير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع يضم 2.2 مليون فدان، ما يعادل 900 ألف هكتار، الأمر الذي يجعله من أكبر المشروعات الزراعية على مستوى العالم، إذ يمتلك رقعة زراعية في مكان واحد ويُروى انسيابياً، وهي ميزة كبيرة لهذا المشروع الضخم الذي ظل يدعم الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة من خلال زراعة محصولات مهمة مثل محاصيل القطن والقمح والذرة وغيرها من المحاصيل الأخرى.

المزارع فخر الدين يوسف وسط مزرعته (الشرق الأوسط)

وأضاف الناير: «هذا المشروع تراجع أداؤه بصورة كبيرة بسبب قانون 2005، الذي أعطى المزارع حرية مطلقة في زراعة أرضه بما يشاء، وقد أثّر ذلك سلباً بصورة كبيرة. ففي السابق كانت هناك رؤية زراعية متكاملة من قبل الدولة، يتم من خلالها تحديد المساحات المزروعة من القطن والقمح والمحاصيل الأخرى، ما يسهّل مكافحة الآفات الزراعية».

وتابع: «المزارع الآن يقوم بتنويع المحاصيل في رقعة زراعية واحدة، وبالتالي يصعب مكافحة الآفات. وعندما حاولت الدولة التدخل لإصلاحات لم تنجح بسبب فقدان المشروع للسكك الحديدية، ومحالج القطن ومصانع الزيوت التي كانت مكملة له بصورة كبيرة. وتعرض المشروع للنهب والتدمير الممنهج».

وأضاف: «هناك عقبات تواجه المشروع في استزراع المساحات الكبيرة، مثل نظافة قنوات الري، وعمليات تمويل المزارعين، وتوفير التقاوي والأسمدة، وإعادة مؤسسة الأقطان السودانية التي كانت تشتري محصول القطن بأسعار مجزية، وإعادة صيانة المحالج ومعاصر الزيوت الملحقة بالمشروع، لتضيف قيمة مضافة له حتى يعود أفضل مما كان عليه في السابق».