لبنان: «حزب الله» يتحوّل إلى الدفاع في مواجهة إسرائيل

هوّة معلومات وقيود سياسية تحصر ردوده بأهداف عسكرية حدودية

قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)
قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)
TT

لبنان: «حزب الله» يتحوّل إلى الدفاع في مواجهة إسرائيل

قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)
قصف عبر الحدود على الجيهة بين إسرائيل وحزب الله (آ ف ب/غيتي)

ضيّقت التوازنات السياسية اللبنانية والحسابات الدولية هوامش «حزب الله» في الردّ على الاستهدافات الإسرائيلية، وقادته بعد نحو 4 أشهر على الحرب من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، وأطلقت يد إسرائيل في تنفيذ اغتيالات واستهدافات نوعية في العمق اللبناني، وجد نفسه عاجزاً عن الرد عليها بالمستوى ذاته، بسبب فارق التقنيات، والهوة في المعركة الأمنية وقاعدة البيانات أو المعطيات (الداتا)، والقيود التي فرضها على نفسه في المعركة وألزمته بحصر القتال في مدى جغرافي لا يتجاوز 5 كيلومترات، إلا فيما ندر. ورغم التهديدات التي يطلقها الحزب بالردّ، فإن أدبيات الخطاب المعلن الصادر على ألسنة مسؤوليه لا تتخطى البُعد الدفاعي في الفترة الأخيرة، ومواجهة أي خطة إسرائيلية لتوسعة الحرب، والإعلان المتواصل عن الاتجاه لإيقاف المعركة عندما تنتهي معركة غزة، ورفض كل العروض والنقاشات التي تنقل أجواء إسرائيلية تطالب بإخلاء مقاتلي الحزب لمنطقة جنوب الليطاني أو حتى مسافة 7 كيلومترات. كل هذا يحصل في وقت تتواصل فيه المعارك التي تتطور نوعياً، بعدما تراجع «بنك الأهداف» على الجانب الإسرائيلي من الحدود، إثر إعادة تموضع نفّذه الجيش الإسرائيلي خلال الفترة الماضية.

استقرت المعارك في منطقة الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، بعد 110 أيام على اندلاعها، على واقع جديد يتمثل في مناطق محظورة بالنار على جانبي الحدود.

إذ لم يستطع عشرات آلاف السكان في الجليل من العودة إلى منازلهم، فيما غادر عشرات الآلاف منازلهم أيضاً على الجانب اللبناني. وفي المشهد الأحدث، تقلصت مساحة المواجهات اليومية مع إعادة التموضع التي نفذها مقاتلو الطرفين، وتحولا إلى ضربات واستهدافات. وبينما ينتظر مقاتلو الحزب هدفاً بشرياً على طول الحدود التي تناهز 120 كيلومتراً لاستهدافه، تحوّلت إسرائيل إلى الحرب الأمنية لجهة ملاحقة القياديين والعناصر، واستهداف منازل يُشتبه في أنها كانت تأوي في السابق عناصر للحزب، وتنفذ ضربات في العمق مستندة إلى قاعدة بيانات سابقة ومحدثة.

نعيم قاسم (رويترز)

خزان معلومات إسرائيلي

خبير لبناني في الأمن الرقمي، فضّل إغفال اسمه، قال إن قاعدة البيانات الإسرائيلية «جُمعت على مدى 17 سنة عبر عدة مستويات أساسية تقنية وبشرية، يقوم معظمها على النشاط التقني الذي يبدأ من معطيات الاتصالات (أو داتا الاتصالات) التي تتيح التنصّت وتعقّب المواقع، وتعطي إحداثيات للمسيّرات والأقمار الاصطناعية لتحديد المواقع التي يوجد فيها عناصر الحزب وقياديوه». وبالتالي، فإنها «تعطي إسرائيل صورة كاملة عن مواقع الوجود وإطار التحركات، وتمكّنها من جمع معلومات عن السيارات والمنازل والمواقع الحرجية». ووفق الخبير، فإن هذه المعطيات يجري تحديثها من خلال الأقمار الاصطناعية والمسيّرات التي تفارق سماء الجنوب، ويمكن تدعيمها بجواسيس موجودين على الأرض، وبتحليل بيانات مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان باعتماد الذكاء الاصطناعي.

وتابع الخبير أن المعطيات المجمّعة سلفاً «يجري تقاطعها وتحديثها بالذكاء الاصطناعي، وعليه فأي انكشاف للعناصر الذين جُمعت المعلومات عنهم سابقاً، أو مواقعهم أو سياراتهم أو المعدات التكنولوجية التي يستخدمونها، يتيح تحديث البيانات تلقائياً، ما يسهل الملاحقة والاستهداف».

هوّة معلوماتية هذا التفوق التقني يبرز معضلة أمام «حزب الله» الذي يتحرك حكماً في مناطق مكشوفة للمسيّرات والأقمار الاصطناعية وسائر وسائل الرصد الجوي والتقني، ومن بينها قرصنة كاميرات المراقبة في القرى الحدودية. وهو أيضاً يظهر الهوّة التكنولوجية بين الطرفين، التي تتمثّل في العجز عن تنفيذ عمليات ردّ قائمة على معلومات محدثة وملاحقة، كما الحال عند الجانب الإسرائيلي.

ذلك ظهر بوضوح عبر مستوى الردّ الذي نفذه واستهدف مواقع عسكرية إسرائيلية، بينها مركز قيادة الجبهة الشمالية قرب مدينة صفد في الجليل الأعلى، وقاعدة ميرون للمراقبة الجوية في جبل الجرمق مرتين، أولاهما كان في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي بنحو 62 صاروخاً من أنواع متعدّدة، رداً على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، والثانية هذا الأسبوع رداً على «الاغتيالات الأخيرة في لبنان وسوريا والاعتداءات المتكررة على المدنيين والمنازل في قرانا الصامدة»، كما قال في بيان.

إذ هذه الردود لم تتوسّع إلى العمق، بالنظر إلى أن الحزب يُحجم عن استخدام ترسانته من الصواريخ المنحرفة المتوسطة المدى، التي تقدر إسرائيل عددها بـ150 ألف صاروخ، إضافة إلى 5 آلاف صاروخ دقيق، وتتمتع بقوة تدميرية، ويلتزم بألا يوسع مساحة الاستهداف إلى مناطق أعمق. وهنا يقول رئيس مركز «الشرق الأوسط للدراسات»، الدكتور هشام جابر، إن الحزب «التزم بمسافة 5 كيلومترات في معظم الردود، بينما كانت إسرائيل تقصف على عمق يتجاوز تلك المسافة». وأضاف أن الأداة تركزت بالصواريخ الموجهة مباشرة، التي تتمتع بدقة تصويب، بينما لم يستخدم ترسانة هائلة من الصواريخ المنحنية على أنواع يمتلكها، باستثناء صواريخ «بركان» التي تتمتع بقدرة تدميرية كبيرة (تُسمى بالعبوات الطائرة، ويتراوح وزن رأسها الحربي بين 300 و500 كيلوغرام)، وصواريخ الكاتيوشا التي قصف بها مستوطنات مثل كريات شمونة والقاعدة العسكرية في صفد بمسافة قصيرة المدة لا تتعدى 15 كيلومتراً، مشيراً إلى أن الحزب «لم يستخدم ترسانة الصواريخ المنحنية المتوسطة المدى».

«بنك الأهداف»

جابر، وهو جنرال متقاعد من الجيش اللبناني، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب لم يستخدم الصواريخ المتوسطة لضرب عكا مثلاً، مع أنها قريبة، بل اعتمد المسيرات الانقضاضية، وذلك «ينطوي على رسائل أمنية يرسلها باتجاه إسرائيل». وأوضح: «تجاوزت إسرائيل أكثر من 15 مرة منطقة جنوب الليطاني إلى شمالها، ليس بالمدفعية والصواريخ، بل بالمسيرات (الدرون) والطائرات، وهو ما دفعه لإرسال مسيرات وصلت إلى حدود حيفا، وذلك حفاظاً على قواعد الاشتباك غير المعلنة بين الطرفين».

وهنا لا ينفي جابر قدرات الحزب في ردّ أوسع بالصواريخ المنحنية والدقيقة، إلا أنه يستدرك: «لكنه ما زال ملتزماً بالمسافة، وهو من ناحية عسكرية غير مضطر للتوسيع طالما أن بنك الأهداف على مسافة 5 كيلومترات لم ينفد، وقد أدت ضرباته إلى إخلاء المستوطنات القريبة والمواقع العسكرية».

ويتابع أن تلك الضربات «فعّالة ولها تأثير»، معتبراً أن قصف جبل الجرمق «استراتيجي»، لكن الرد باغتيالات «غير متاح، لأنه لا أهداف لديه لتنفيذ الاغتيالات، ولا قدرة لديه بالنظر إلى أنه لا يمتلك سلاح جو، ولا معلومات دقيقة عن أهداف بشرية إسرائيلية، فضلاً عن الهوّة التكنولوجية التي تجعل أهدافه عبارة عن مرافق حيوية، لا بشرية، وهي عبارة عن بنك أهداف محضّر سلفاً».

توازنات سياسية إضافة إلى «بنك الأهداف» المتوفر في المنطقة الحدودية، تفرض التوازنات السياسية اللبنانية تجنّب الحزب استخدام ترسانته من الصواريخ الدقيقة، منعاً لتوسع الحرب. إذ فرض المعطى السياسي قيوداً على «حزب الله» وضيّق هوامشه، فانتقلت المبادرات الدولية في الفترة الأولى من الحرب، من الضغط على الحزب لتحاشي توسيعها، إلى الضغط على إسرائيل لتحاشي التوسيع، بعدما أعلن الحزب التزامه بالسياق الدفاعي... وهو ما عبّر عنه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، في تصريح له، قائلاً: «عمل (حزب الله) في الجنوب هو عمل دفاعي... هذا العمل الدفاعي يتطلب مساندة غزَّة، لأنَّه عندما نساند غزَّة، فهذا يعني أنَّنا نساند لبنان، ونساند المقاومة، لأنَّه لا يمكن التفرج على إسرائيل وهي تعبث وهي تقتل وترتكب المجازر وتحتل».

وفي الوقت نفسه، قال في بيان: «عندما يقرر الإسرائيلي توسعة العدوان، سيتلقى الجواب بصفعة كبيرة وبعمل قوي... ويجب أن يعلم العدو أن جاهزية الحزب عالية جداً، فنحن نجهّز على أساس أنه قد يحصل عدوان له بداية وليست له نهاية، وجاهزيتنا لصدّ العدوان لا بداية لها ولا نهاية لها». وربط قاسم مجدداً استعادة الاستقرار على الحدود والمنطقة «بتوقف العدوان بشكل كامل على غزة».

القيود السياسية في الواقع ينقسم المعطى السياسي إلى نوعين. يتصل الأول بالسياسة الإيرانية، بينما يتصل البُعد الآخر بالتوازنات اللبنانية التي تحدث عنها نصر الله بالقول إن الحزب «راعى حتى اللحظة المصالح اللبنانية».

ويشرح الباحث والكاتب السياسي اللبناني، علي الأمين، هذا الأمر لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن الحزب «لم ينطلق إلى الآفاق العربية إلا بقرار إيراني. ذلك أن طهران تريده في العراق وسوريا وسائر الساحات... وهي في سياق الاستراتيجية والسياسة الإيرانية، وهو ملتزم بشكل كامل بها». لكن حسابات التدخل الإيراني في سوريا ودول عربية أخرى «لم تكن تتعرض للمصالح الأميركية، وهي بذلك تختلف عن حسابات الحرب مع إسرائيل، لأنها ستصطدم بالمصالح الأميركية، وستكون في مواجهة معها». وعليه - حسب الأمين - فإن «أي تدخل بحرب ضد إسرائيل، فإن المواجهة لن تنحصر بها، وهذا ما يتنافى مع المصالح الإيرانية».

ويرى الأمين أن «الأميركيين تجنّبوا المواجهة»، لافتاً إلى أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان حين زار بيروت بعد أيام قليلة من انطلاق الحرب «بلّغ رسالة أن التوسع بالمواجهات هو خط أحمر، ويجب إبقاء نمط المساندة والمشاغلة من دون الدخول بالحرب المفتوحة». واعتبر الأمين أن هذا الإطار «لا يستفزّ الأميركيين، ويلبي في الوقت نفسه البُعد المعنوي بأنهم ما عادوا على حياد عندما اندلعت حرب غزة، وذلك لأن طهران لا تستطيع إدارة الظهر وفق مبدأ (وحدة الساحات)، لكنها تسير تحت سقف ألا تستفز الحسابات الأميركية». ورأى الباحث اللبناني أن ما ساعد على هذا الأمر «هو وجود تباين بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو ما أعطى هامشاً من الحركة، ذلك أن الأميركيين في لحظة معينة قد يكونون بحاجة إلى نوع من الضغط على حكومة نتنياهو وتحريك الضغوط من دون الوصول إلى حرب واسعة، وكانت إيران توفر هذا المطلب».

وفق هذا المبدأ، يرى الأمين «تقاطع مصالح بين واشنطن وطهران، بينما يتحرك الحزب ضمن هذه الدائرة. لكن المتغير الأساسي أنه في أول شهرين، كان السؤال موجهاً لـ(حزب الله) عما إذا كان سيوسّع الحرب، بينما الآن السؤال بات موجهاً للجانب الإسرائيلي الذي باتت المبادرة بيده، فهو الذي يهدد بالحرب الآن». ويعتبر أن فقدان الحزب لموقع يتيح له شن الحرب يعود إلى «الاغتيالات التي حصلت، والتي تظهر أن هناك خرقاً أمنياً وانكشافاً، فيما لا تلقى الاغتيالات الرد الملائم الذي يوازي حجم الاستهداف الإسرائيلي، ما أتاح لتل أبيب التقدم، وتبدو كأنها صاحبة المبادرة التي تمسك بالمعادلة بما يتخطى الحزب».

حرب... بالنقاط بالمعطى اللبناني، يقول الأمين إن وجود الحزب الأمني والعسكري «مكرّس لمهمة مقدسة، هي مهمة الدفاع عن إيران في حال مهاجمتها من قبل الولايات المتحدة، أو إذا تعرضت لتهديد كبير، لكنه في الوقت نفسه، لا يشعل حرباً من أجل فلسطين أو لإنقاذ (حماس)».

ويضيف: «في لحظة تتعرض فيها إيران لتهديد كبير، سيتحرك الحزب، ولا مصلحة له بمواجهة مفتوحة مع إسرائيل ما دون هذا التهديد»، موضحاً أن طبيعة الحرب التي يخوضها مع إسرائيل يتمايز فيها عن استراتيجية «حماس». ففي حين تخوض الأخيرة حرباً مدمرة، يخوض الحزب في المقابل «معركة بالنقاط»، ما يعني أن نظرية الحزب ليست لعبة مواجهة مفتوحة. وفي حين «ينذر الحزب نفسه لمهمة إيرانية أساسية ويدافع عنها، فإنه في المقابل، ليس هناك ما يستحق أن يغامر بنفوذه ودوره بحرب ليست مضمونة النتائج، وترتب عليه المغامرة ببيئته ويؤذي قاعدته». لكن كل ذلك «لا يعني أن إيران ستتخلى عن استخدام العامل الفلسطيني الذي تستثمر به... فهو الذريعة التي تشكل نظام الحماية للوجود العسكري والأمني الذي يمثله الحزب والأذرع الإيرانية، خصوصاً إذا لم يكن لديه بديل يوفر نفس الكفاءة والقيمة».

أما في لبنان، فيقول الأمين إن الحزب «يتمتع بنظام حماية ووضعية نفوذ وسلطة... حيث استوعب التركيبة القائمة بالنظام السياسي وهضمها وجيّرها لصالح مشروعه». وظهر ذلك، حسب الأمين، في انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 «حين تعهّد بإنهاء الانتفاضة، على قاعدة حماية المصالح»، مشيراً إلى أن هذه الحماية «لها ثمن»... وبات هناك «تناغم بين نظام المحاصصة ونظام المصالح الذي باتت المنظومة قائمة عليه، ودور الحزب ونفوذه وسيطرته وخصوصيته، وهو أمر لا يستطيع التفريط به، لأنه ليس حزباً انتحارياً، وبات يفكر بطريقة مختلفة عما كان عليه إبان نشأته. وبالتالي، فإن أي خطوة سيزينها بحسابات نظام مصالحه الخاص».

تعقب تكنولوجي إسرائيلي لمسؤولين في الحزب

> ساهمت التكنولوجيا الإسرائيلية في تعقّب مسؤولين في «حزب الله» واغتيال، بعضهم، ويتصدّرهم القيادي وسام الطويل، أحد أبرز القيادات العسكرية في فرقة «الرضوان» (وحدة النخبة)، وهو في طريق العودة إلى منزله في قرية خربة سلم في جنوب لبنان. كذلك أدت ضربة أخرى في بلدة البازورية الأسبوع الماضي إلى مقتل علي حدرج، الذي نعاه الحزب «شهيداً على طريق القدس»، فيما أظهرت السيرة الذاتية له أنه مهندس، ناقش في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي رسالة الدكتوراه في الجامعة اليسوعية في بيروت، مرتبطة بهندسة الاتصالات. وقتل في الضربة نفسها محمد دياب الذي تناقل اللبنانيون سيرة ذاتية له تظهره خبيراً في التكنولوجيا، ونعاه «المجتمع المدني اللبناني الرقمي المتخصص» كما نعاه «قطاع التكنولوجيا والاتصالات في لبنان». ويرجع الحزب الملاحقة إلى «تكنولوجيا متطورة يتم استخدامها»، إضافة إلى «تعاون استخباراتي أميركي - إسرائيلي، وبريطاني - إسرائيلي يساعد إسرائيل في تحديد أهدافها واغتيالهم».

الكاتيوشا (رويترز)

أسلحة قصيرة المدى يستخدمها«حزب الله» في مواجهة إسرائيل

> تعتمد ترسانة «حزب الله» الأساسية من الأسلحة على الصواريخ، وتنقسم إلى نوعين. هي الصواريخ قصيرة المدى والموجهة التي استخدمها في معركته الأخيرة، إلى جانب المسيرات، والصواريخ متوسطة المدى التي لم يستخدمها حتى الآن. واستخدم الحزب حتى الآن... - صواريخ «بركان» المنحرفة القصيرة المدى، ويطلق عليها السوريون اسم «الفيل»، وهي عبارة عن عبوة طائرة يتراوح وزنها بين 300 و500 كيلوغرام، وتمتاز بقوة تدميرية هائلة. - صواريخ «الكورنيت» الروسية المضادة للدروع، وهي صواريخ موجهة ومعروفة بدقتها، ويستهدف بها تجمعات الجنود ومواقع عسكرية وآليات عسكرية ومدرعات على الحدود. وتعد أبرز الأسلحة التي يستخدمها الحزب في المعركة الأخيرة ضد إسرائيل. - صواريخ «الكاتيوشا»، وهي صواريخ منحرفة قصيرة المدى، يتراوح مداها بين 10 و15 كيلومتراً، وتحمل رأساً حربياً لا يتعدى وزنه 20 كيلوغراماً، واستخدمها في قصف المستعمرات الإسرائيلية. - المسيرات الانقضاضية، وهي مسيرات انتحارية مفخخة، استخدمها لضرب أهداف تبعد مسافة تتراوح بين 10 و20 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية، واستخدمها الخميس لقصف منظومات القبة الحديدية في سهل الحولة جنوب شرقي لبنان،

الكاتيوشا يستخدمها الحزب في قصف المستعمرات الإسرائيلية (غيتي)

كما استخدمها لاستهداف مقر قيادة الشمال في الجيش الإسرائيلي قرب مدينة صفد. - قذائف الهاون (المورتر)، وهي قذائف قصيرة المدى، تُطلق لاستهداف مواقع إسرائيلية وتجمعات جنود. - صواريخ دفاع جوي قصيرة المدى، تستخدم لاستهداف المسيرات الإسرائيلية، وأعلن الحزب عن إسقاط 4 مسيرات منذ بدء الحرب.



قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
TT

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

جاء الإعلان عندما أبلغ وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري وسائل الإعلام أن «الهند والصين توصلتا إلى اتفاق على طول خط السيطرة الفعلية»، ولم يلبث أن أكد لين جيان، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، إبرام الاتفاق.

يُذكر أن المواجهة على امتداد «خط السيطرة الفعلية» (الحدودي)، بدأت بمناوشات بين القوات الهندية والصينية على ضفاف بحيرة بانغونغ خلال مايو (أيار) 2020. ثم توترت العلاقات بين البلدين بعد اندلاع اشتباكات مميتة في يونيو (حزيران) 2020 – تضمنت استخدام الصخور والقضبان الحديدية وتبادل اللكمات - حول نهر غالوان، الواقع على ارتفاع كبير، وبانغونغ تسو في إقليم لاداخ؛ ما أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً، إلى جانب عدد غير معروف من القوات الصينية، قدّرته وسائل إعلام روسية بما يتجاوز 40. سقوط أول الضحايا على «خط السيطرة الفعلية» منذ 45 سنة دفع العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوى لها منذ حرب الحدود عام 1962. وأدّت التدابير المضادة القوية للهند، والوجود العسكري الكثيف لها، إلى مواجهة حدودية استمرت لأكثر من أربع سنوات، مع تمركز أكثر من 50 ألف جندي على الجانبين. ومن ناحيته، أكد الجانب الهندي أن مجمل العلاقات مع الصين «يتعذر تطبيعها من دون إقرار حالة من السلام والهدوء على الحدود» بينهما.

«خط السيطرة الفعلية»... نقطة اشتعال تاريخية

يكمن السبب الجذري للصراع بين الهند والصين، في حدودهما المشتركة الممتدة لمسافة 3440 كيلومتراً، والتي يشار إليها عادةً باسم «خط السيطرة الفعلية». ولطالما كانت هذه الحدود الجبلية غير المحدّدة على نحو واضح، ولا سيما أنها تمر عبر تضاريس وعرة، مصدراً دائماً للتوتر بين القوتين النوويتين. وبعكس الحدود الدولية التقليدية، يشكل «خط السيطرة الفعلية» خط الحدود بين الصين والهند فقط «بحكم الأمر الواقع»؟ ذلك أن ثمة تبايناً كبيراً بين البلدين حيال تصوره وتعريفه.

تاريخياً، لدى كل من الهند والصين وجهة نظر خاصة مختلفة بشأن ترسيم خط السيطرة الفعلية؛ الأمر الذي أدى إلى اشتعال نزاعات متكرّرة حول السيطرة على النقاط الاستراتيجية على طول الحدود. وبناءً عليه؛ ما دفع إذن باتجاه هذا التطور الإيجابي في العلاقات؟

في هذا الصدد، أعرب الصحافي الهندي جواراف ساوانت، الذي يزور روسيا حالياً لتغطية أخبار مجموعة «البريكس»، عن اعتقاده بأن بين العوامل وراء ذوبان الثلوج بين نيودلهي وبكين «انتخابات الشهر المقبل في الولايات المتحدة». وشرح أن «السباق الانتخابي (الأميركي) متقارب، وثمة احتمال واضح لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض». وأردف أن تراجع مستوى التوتر بالعلاقات بين البلدين سيخدم كلاً منهما. ومن وجهة نظر الصين، فإن قيادة هندية تسعى إلى سياسة خارجية مستقلة منفصلة عن المصالح الغربية أفضل بالتأكيد لبكين.

أهمية قمة «البريكس»

والآن، لماذا تشكّل قمة «البريكس» السادسة عشرة لحظة مهمة، في الدبلوماسية العالمية؟

في الواقع، للمرة الأولى منذ الحرب بين روسيا وأوكرانيا اجتمع عدد كبير من قادة العالم في روسيا، وهو ما فُسّر بأنه فشل للمحاولات الغربية في عزل موسكو، وهذا أمر قد يؤثر كذلك على توازن القوى العالمي. ثم إنه يدور موضوع قمة هذا العام حول «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين».

معلومٌ أن مجموعة «البريكس» انطلقت، بداية الأمر، من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب إفريقيا. إلا أنها سرعان ما برزت منصةً رئيسية للتعاون الاقتصادي والسياسي العالمي. وفي عام 2023، انضم أعضاء جدد للمجموعة، بينهم المملكة العربية السعودية، وإيران، ومصر والإمارات العربية المتحدة؛ ما جعلها أكثر شمولاً.

واليوم، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 60 تريليون دولار، تمثل دول «البريكس» 37.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متجاوزة بذلك «مجموعة الدول السبع». ومع مواصلة «البريكس» توسعها، كبر دورها وازداد وضوحاً على صعيد إعادة تشكيل ديناميكيات القوة العالمية. وهنا أضاف الصحافي الهندي ساوانت أن «هذا النوع من الود الذي يتأمله الهنود والروس والصينيون على الأرض - إلى جانب آخرين داخل (البريكس) - من شأنه أن يثير قلق الغرب»، مشيراً إلى أن مودي وشي سيعقدان لقاءً ثنائياً على هامش القمة.

ولجهة مسألة «العزلة»، تكشف قمة «البريكس» عن أن روسيا بعيدة كل البعد عن العزلة، لدى توجه قادة من مختلف الدول إلى قازان للمشاركة في مناقشات يمكن أن تشكل مستقبل الحكم العالمي. واللافت، طبعاً، أن القمة لم تجتذب حلفاء روسيا المقربين فحسب، بل اجتذبت أيضاً عدداً من الدول التي تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع موسكو.

قمة «البريكس» المنعقدة لثلاثة أيام، وسط إجراءات أمنية مشددة، تعد أكبر حدث دولي تستضيفه روسيا منذ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بغزو أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وفي حين يسعى بوتين، صراحةً، إلى بناء تحالف من خلال «البريكس» قادر على تحدّي «هيمنة» الغرب، صرّح رئيس الوزراء الهندي مودي أثناء زيارته روسيا بأن زيارتيه إلى روسيا في الأشهر الثلاثة الماضية «تعكسان التنسيق الوثيق والصداقة العميقة بين البلدين». وأضاف: «لقد عزّزت قمتنا السنوية في موسكو في يوليو (تموز)، تعاوننا في كل المجالات... وفي غضون 15 سنة، بنت مجموعة (البريكس) هويتها الخاصة. واليوم، تسعى الكثير من دول العالم للانضمام إليها».

وحول الموضوع الأوكراني، من وجهة نظر هندية، يرى المحلل السياسي سوشانت سارين أنه «على الصعيد الدبلوماسي، سار مودي على حبل مشدود منذ بدء الصراع في أوكرانيا... إذ تعهّدت نيودلهي بتقديم الدعم الإنساني لكييف، لكن مع تجنب الإدانة الصريحة للهجوم الروسي بالوقت ذاته. ثم في يوليو، زار مودي موسكو، أعقب ذلك بزيارة إلى كييف خلال أغسطس (آب)، داعياً إلى عقد مباحثات لإنهاء الصراع. وأثمرت جهوده بالفعل إلى دعوات إلى أن تضطلع الهند بدور وسيط بين الجانبين».

كذلك، مع إعراب مودي عن دعم الهند «حل عاجلاً» للوضع في أوكرانيا، ومعه مختلف جهود إرساء السلام والاستقرار، خاطب الزعيم الهندي نظيره الروسي قائلاً في حديث بينهما: «كنا على اتصال دائم بشأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ونعتقد أن النزاعات يجب أن تُحل سلمياً فقط. ونحن ندعم تماماً الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار سريعاً... وكل جهودنا تعطي الأولوية للجوانب الإنسانية».

الرئيس الروسي يلقي كلمته في القمة (رويترز)

من جهتها، أضافت مصادر بوزارة الشؤون الخارجية الهندية، على صلة بمكتب «البريكس» أن «المناقشات حول إقرار عملة للـ(بريكس)، لتحدي هيمنة الدولار الأميركي تكتسب زخماً. كما تقدّم القمة منصّة للدول تعينها على توحيد صفوفها ضد العقوبات التعسفية التي يفرضها الغرب. ومع توسع (البريكس) وتطورها، بات من الواضح أن هذه المجموعة تستطيع أن تلعب دوراً مركزياً في تشكيل نظام عالمي جديد، وتحدي الهيمنة الغربية التقليدية. وسيكون دور الهند في (البريكس)، إلى جانب علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، أساسياً في تحديد كيفية تطور هذا التوازن الجديد للقوى».

لقاء محتمل بين مودي وشي

وعودة إلى موضوع العلاقات الهندية - الصينية، ذكّر الصحافي مانيش جها، بأنه «لم يعقد الطرفان مباحثات رسمية ثنائية منذ عام 2019؛ ولذا فإن أي تقارب اليوم سيكون تطوّراً محموداً... وسيحظى بمتابعة أميركية من كثب». وأضاف جها: «الواضح أن واشنطن استغلت فتور العلاقات بين مودي وشي للتقرّب من نيودلهي، وتعزيز التجمّعات الإقليمية مثل مجموعة (الكواد «الرباعية»)، التي تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، مع العمل على الضغط على الهند للانضمام إلى العقوبات ضد روسيا؛ الأمر الذي رفضته نيودلهي حتى الآن». ثم تابع: «لا يمكن تجاهل دور روسيا بصفتها وسيطاً في هذه العملية، ذلك أنها تظل شريكاً استراتيجياً رئيسياً لكل من الهند والصين. ورغم التحديات التي تفرضها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حافظت الهند على علاقة متوازنة مع روسيا؛ ما يضمن بقاء مكانتها على الساحة العالمية قوية».

في الحقيقة، هذا الوضع مربح لكل من الهند والصين. فبالنسبة للصين، التي تمرّ بفترة ركود اقتصادي، سيكون استئناف النشاط الاقتصادي الطبيعي مع الهند بمثابة مكافأة. وبسبب حروب التعرفات الجمركية مع الولايات المتحدة - التي بدأت مع إدارة دونالد ترمب واستمرت خلال رئاسة جو بايدن - بدت بكين حريصة على استئناف العلاقات الاقتصادية مع نيودلهي، بينما يواصل القادة الميدانيون العسكريون والدبلوماسيون مناقشة وحل السقطات التي وقعت عام 2020، وهذا رغم إصرار نيودلهي على عدم استئناف العلاقات الطبيعية مع بكين إلى حين تسوية القضايا العالقة منذ وقوع المواجهات العسكرية ذلك العام.

في هذه الأثناء، تراقب واشنطن التطوّرات. وفعلاً صرّح ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، بأن واشنطن تتابع هذه التطورات (في العلاقات الهندية – الصينية عن قرب». لكن الوزارة لم تذكر ما إذا كانت نيودلهي قد أبلغت واشنطن - الشريك الجيوسياسي الرئيسي – بالاتفاق.

في هذا السياق، نشير إلى أنه منذ مواجهات عام 2020، عززت نيودلهي علاقاتها مع واشنطن لمواجهة ما تعتبره الدولتان «تحركات بكين العدوانية ضد جيرانها». وجرى تسليط الضوء على هذه العلاقة المتعمقة من خلال توقيع «اتفاقيات التعاون الدفاعي»، بما في ذلك تقارير عن تبادل المعلومات الاستخباراتية.

ومع ذلك، ظهرت مخاوف في واشنطن بشأن التقارب المتزايد بين نيودلهي وموسكو، وخصوصاً في خضم الضغوط الغربية لعزل الرئيس بوتين دولياً، في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا.

من جانب آخر، من وجهة نظر الصين، فإن القضاء على أسباب الانزعاج من الهند قد يجعل الفلبين نقطة الاشتعال الرئيسية بسبب مطالبات إقليمية متضاربة. (إلى جانب تايوان، التي تدّعي الصين أحقية السيادة عليها). أما الهند فترى أن تحقيق انفراج في العلاقات مع الصين، أمر بالغ الأهمية؛ لأنه يتيح لها مساحة أكبر للمناورة التفاوضية مع شركائها الغربيين، خصوصاً واشنطن، في أعقاب التوتر الدبلوماسي مع كندا.