مصر على خطى اليونان أم الأرجنتين؟

مفاجآت وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد حتى 2030

لوحة عملاقة تدعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الماضية (أ.ف.ب)
لوحة عملاقة تدعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الماضية (أ.ف.ب)
TT

مصر على خطى اليونان أم الأرجنتين؟

لوحة عملاقة تدعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الماضية (أ.ف.ب)
لوحة عملاقة تدعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الماضية (أ.ف.ب)

يحاول المصريون استشراف مستقبل بلدهم وسط أزمات مالية طاحنة ومتلاحقة، تعزوها الحكومة عادة إلى «التأثيرات الخارجية (مثل كوفيد 19 والحرب الروسية - الأوكرانية وحرب غزة) على الاقتصاد المصري» المنكشف عالمياً دون حماية أو تأمين. بينما يرى اقتصاديون أنها «إخفاق حكومي».  

وبعد أن ضربت الأزمات المالية والاجتماعية معظم الأسر والأفراد والشركات في مصر، بدأوا يخططون لمستقبلهم بعيداً عن التخطيط الحكومي، الذي فشل حتى الآن في حمايتهم من تداعيات العوامل الخارجية، وذلك بعد أن قررت القاهرة انكشاف اقتصادها الداخلي على الاقتصاد العالمي دون تأهيل مسبق، وقامت بربط أسعار الوقود المحلية بالأسعار العالمية، وخفض العملة المحلية وتركها للعرض والطلب مع عدم وجود بدائل حقيقية، إضافة إلى رفع الدعم العيني، وهو ما ساهم في زيادة الضغوط على جموع المصريين.

يظن بعض المصريين أن بلادهم على طريق الأرجنتين، التي لجأت إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي 22 مرة منذ انضمامها عام 1956، وهي الآن مدينة للصندوق بـ43 مليار دولار. حتى صار الأرجنتينيون لا يثقون بالعملة الوطنية، (بيزو)، وبدأوا ادخار أموالهم بالدولار، في وقت يعيش فيه نصف السكان على الإعانات الحكومية بسبب الفقر.

أما الفريق الآخر، فيعتقد أن مصر تسير على نفس طريق اليونان، التي عانت من أزمة مالية طاحنة خرجت منها الآن وبدأ مواطنوها يتنفسون الصعداء، فيما سمي بـ«معجزة اقتصادية»، وفق محللين وخبراء اقتصاد. غير أن أثينا، التي خرجت في 20 أغسطس (آب) 2022، رسمياً من إطار الرقابة المعززة للاتحاد الأوروبي، التي كانت تراقب ميزانية اليونان ومحددات الصرف والأولويات الحكومية، من أزمة استمرت 12 عاماً.

وبين هذا وذاك، انخفض الجنيه بأكثر من النصف مقابل الدولار منذ مارس (آذار) 2022. ورغم التخفيضات المتكررة في قيمة العملة، يبلغ سعر الدولار نحو 60 جنيهاً مصرياً في السوق السوداء، مقارنة بسعر رسمي يبلغ 31 جنيهاً.

ورغم استمرار المخاوف من زيادة تراجع العملة المحلية، يقول رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن التداعيات الخارجية هي ما أثقلت كاهل الاقتصاد المصري، مشيرا إلى «كوفيد 19 والحرب الروسية - الأوكرانية وحرب غزة». بينما يرى المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن استمرار إدارة الاقتصاد بـ«نفس أسلوب الإدارة.. (يعني) مزيداً من الديون الجديدة».

ورغم أن تسعير كل شيء، من سلع وخدمات وأغذية ومشروبات، بات يتم بدولار السوق السوداء (الموازية)، لفشل السياسات الحكومية الحالية في توفيره، فإن الحكومة تجرأت وتجاسرت وأعلنت مؤخراً، عن وثيقة جديدة ترسم وتحدد أولويات التحرك على صعيد السياسات بالنسبة للاقتصاد المصري حتى عام 2030، تحت اسم: «وثيقة أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة» (2024-2030). وذلك في توقيت تزداد فيه المطالب بحتمية التغيير الوزاري، على أن تتبنى الحكومة الجديدة وضع الاستراتيجية لتحمل تداعيات تنفيذها.

وتواجه مصر أزمة اقتصادية وسط تضخم قياسي ونقص حاد في العملة الأجنبية، فضلاً عن أن ارتفاع مستويات الاقتراض على مدى السنوات الثماني الماضية لسداد الديون الخارجية، صار عبئاً مرهقاً بشكل متزايد على الميزانية المصرية. وانعكس على مستويات المعيشة لجميع المصريين.

ولدى مصر برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي، يقدر بنحو 3 مليارات دولار، ومرشح لزيادته إلى 10 مليارات دولار، وذلك بعد الأعباء التي تحملتها مصر نتيجة أزمة حرب إسرائيل وغزة.

 

توريق الدولار

أهم ما جاء في الوثيقة الحالية، المنشورة على الموقع الإلكتروني لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء المصري، أن هناك دراسة لتوريق موارد الدولار، وذلك لاستخدامها في سداد الديون قصيرة الأجل.

أوراق نقدية من الجنيه والدولار وفي الخلفية مياه النيل بوسط القاهرة (أ.ف.ب)

ورغم أنه يبدو حلاً سريعاً لتفادي أزمة عدم السداد، فإن هذا المقترح يركز على سداد الديون كهدف أساسي، دون التطرق لأي مقترحات لإصلاح منظومة الاقتراض، وذلك لتقليل معدل الديون، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وعدم خروجه عن السيطرة.

تتخطى ديون مصر الخارجية أكثر من 160 مليار دولار بنهاية 2023، مقارنة بنحو 40 مليار دولار في عام 2014، وهو ما يعد زيادة ملحوظة ستمثل خطورة كبيرة حال استمرار الاقتراض بنفس المعدل في الإطار الزمني نفسه.

وخفضت وكالة «موديز» نظرتها المستقبلية لتصنيف الإصدارات الحكومية المصرية إلى «سلبية» من «مستقرة»، في ظل تراجع قدرة البلاد على تحمل الديون الحكومية وارتفاع الضغوط الخارجية، كما أكدت تصنيف الإصدارات بالعملات الأجنبية والمحلية على المدى الطويل عند «Caa1».

ومع ذلك، يسمح مقترح الحكومة بتوريق الدولار، باستمرار نفس أسلوب الإدارة، ومزيد من الديون الجديدة، بالإضافة إلى حرمان مصر لسنين طويلة من إيرادات دولارية بشكل منتظم. رغم أن إعادة جدولة الديون مع تبني إصلاحات مؤسسية، قد تمثل حلاً جذرياً.

وفيما يخص سعر الصرف، فقد ذكرت الوثيقة، أن مصر ستواصل تبني سياسة مرنة لسعر الصرف، رغم أن ذلك لا يتم على أرض الواقع، بينما يتناول التوجه الاستراتيجي الثاني، ضمن أبرز التوجهاتِ الاستراتيجيةِ للاقتصادِ المصري، «تبني سياسات اقتصادية قابلة للتوقع وداعمة لاستقرار الاقتصاد الكلي تستهدف تحقيق الاستقرار السعري، والانضباط المالي، ووضع الدين العام في مسارات قابلة للاستدامة، وتنفيذ برنامج لتعزيز المتحصلات من النقد الأجنبي بحصيلة مستهدفة 300 مليار دولار بنهاية عام 2030 بما يمثل ثلاثة أضعاف المستويات الحالية». وفق الوثيقة.

ويرى المركز المصري للدراسات الاقتصادية، في مذكرة بحثية اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، أن تحديد الوثيقة سعر 36.83 جنيه للدولار كسعر للصرف، وفقاً لصندوق النقد الدولي، هو «رقم غير موجود في آخر تقرير للصندوق، كما أن الصندوق حريص على عدم طرح سعر بعينه، فالأصل في المرونة هو التعامل من خلال قوى السوق»، أي العرض والطلب.

 

تضارب في الأهداف

أبرز المركز المصري، تضارباً في أهداف الاستراتيجية، وأوضح في المذكرة أن الوثيقة تتوقع «زيادة الاستثمار إلى 25 في المائة أو 30 في المائة من الناتج المحلي، هو سياسة توسعية لا تتفق مع الضبط المالي والسيطرة على التضخم الذي تذكره نفس الوثيقة، لا سيما في ظل انكماش دور القطاع الخاص».

وهناك مقترح بإنشاء شركة للترويج للاستثمار في الخارج، وأخرى لتصدير العقار، وبالرغم من أهمية المستهدف من هذه الشركات، فإن «المركز المصري للدراسات الاقتصادية» يرى أن ورودها في التوجهات الاستراتيجية «يعد تعجلاً في غير محله، لأنه يأتي دون دراسة ما هو موجود حالياً لتحقيق هذه الأهداف، ودون وجود دراسات تفصيلية للتكلفة والعائد من هذه الشركات الجديدة».

أوضحت المذكرة البحثية، أنه في الإطار نفسه «يأتي تحديد 5 مناطق حرة جديدة بما فيها مناطق تتعامل مع الخدمات كما في حالة تكنولوجيا المعلومات دون تقييم موقف المناطق الحرة منذ إنشائها حتى الآن، فليس من المنطقي أن يكون التحول للمنطقة الحرة هو الحل المطروح للقضاء على المشكلات البيروقراطية، وتحفيز الاستثمار والتصدير، وعلى النسق نفسه فمن غير المنطقي أن يكون الاعتماد على تشجيع الاستثمار والتصدير من خلال حوافز مثل الرخصة الذهبية، فالأفضل أن تكون كل الرخص ذهبية».

أضافت أنه يجب «ألا يكون الاستثمار بحاجة إلى قانون خاص، بل الأصل أن يتم تبني بيئة الأعمال بشكل كامل وفي إطار زمني سريع يتناسب مع احتياجات المرحلة، وأن يتم تبني توحيد الجهات المطلوب (مرة أخرى إصلاح مؤسسي) لتحقيق هذا الهدف».


مقالات ذات صلة

روسيا تسعى لخفض التكاليف المتعلقة بمدفوعات القمح لمصر

الاقتصاد حصَّادة تحصد القمح في حقل زراعي (رويترز)

روسيا تسعى لخفض التكاليف المتعلقة بمدفوعات القمح لمصر

قال رئيس اتحاد منتجي ومصدري الحبوب في روسيا إدوارد زرنين، إن مصدّري الحبوب الروس سيقترحون سبلاً لخفض تكاليف المعاملات المتعلقة بسداد أسعار تصدير القمح لمصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد وزير البترول والثروة المعدنية المصري خلال استقباله بندر الخريف وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي والوفد المرافق له في القاهرة (الشرق الأوسط)

مصر للاستفادة من خبرات السعودية في قطاع التعدين

تسعى مصر لتعظيم الاستفادة من قطاع التعدين خلال الفترة المقبلة، وذلك عبر علاقتها الوطيدة بالسعودية التي تمتلك خبرة كبيرة في هذا القطاع.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

وقّعت مصر وشركة «إيميا باور» الإماراتية اتفاقين باستثمارات 600 مليون دولار، لتنفيذ مشروع محطة رياح، بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سوق الأسهم السعودية ترتفع بدعم من «البنوك»

أحد المستثمرين يتابع شاشة التداول في السوق المالية السعودية بالعاصمة الرياض (أ.ف.ب)
أحد المستثمرين يتابع شاشة التداول في السوق المالية السعودية بالعاصمة الرياض (أ.ف.ب)
TT

سوق الأسهم السعودية ترتفع بدعم من «البنوك»

أحد المستثمرين يتابع شاشة التداول في السوق المالية السعودية بالعاصمة الرياض (أ.ف.ب)
أحد المستثمرين يتابع شاشة التداول في السوق المالية السعودية بالعاصمة الرياض (أ.ف.ب)

أغلق مؤشر السوق الرئيسية السعودية (تاسي)، يوم الاثنين، على ارتفاع بنسبة 0.84 في المائة، وزيادة 99.42 نقطة، ليقفل عند 11948 نقطة، بتداولات بلغت نحو 5 مليارات ريال (1.33 مليار دولار)، وذلك بدعم من قطاع البنوك الذي ارتفع 2.05 في المائة.

وزاد سهم «مصرف الراجحي» 2.77 في المائة إلى 92.80 ريال، فيما ارتفع سهم «مصرف الإنماء» 1.60 في المائة إلى 28.65 ريال.

أما سهم «البنك الأهلي السعودي» فقد ارتفع 1.53 في المائة ليبلغ 33.25 ريال.

وفيما يخص قطاع الطاقة، فقد زاد سهم «أرامكو السعودية» بمعدل 0.18 في المائة إلى 28.50 ريال. وارتفع سهم «أكوا باور» 0.41 في المائة ليصل إلى 388 ريالاً.

وتصدرت أسهم «الزامل للصناعة» و«الإعادة السعودية» و«ميدغلف للتأمين» و«البحر الأحمر» و«المملكة»، قائمة الشركات الأكثر ارتفاعاً، بنسب 4.31 في المائة، و4.20 في المائة، و4.16 في المائة، و3.89 في المائة، و3.75 في المائة، على التوالي.

في المقابل، جاءت أسهم «الوطنية للتعليم» و«الدريس» و«أسمنت الرياض» و«ولاء» و«مجموعة إم بي سي»، في مقدمة الشركات الأكثر انخفاضاً بـ3.94 في المائة و3.84 في المائة و3.61 في المائة و3.52 في المائة و3.17 في المائة، على التوالي.

من جانب آخر، انخفض مؤشر الأسهم السعودية الموازية (نمو) 285.18 نقطة ليقفل عند مستوى 30953 نقطة، وبتداولات بلغت قيمتها 52 مليون ريال (14.9 مليون دولار)، وتجاوزت كمية الأسهم المتداولة 3 ملايين سهم.