المنفي والدبيبة... توافق ظاهري وخلافات عميقة

ملف «المصالحة» الليبية وحقيبة «الخارجية» سبّبا بروز تباينات حادة بينهما

المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)
المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)
TT

المنفي والدبيبة... توافق ظاهري وخلافات عميقة

المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)
المنفي مستقبلاً الدبيبة في مكتبه بطرابلس (المجلس الرئاسي)

عكس حديث عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، حول ملف «المصالحة الوطنية» جانباً من طبيعة الخلافات غير المُعلنة مع محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، خلال الفترة الماضية، بما تخللها من تباينات في الآراء حول كثير من القضايا.

ويمثّل المنفي والدبيبة السلطة التنفيذية «الموحدة» في ليبيا، وفقاً لـ«ملتقى الحوار السياسي»، الذي عقد في 5 فبراير (شباط) عام 2021 بجنيف، قبل أن يكلف مجلس النواب حكومة أسامة حمّاد. ومنذ أن وصل المنفي والدبيبة إلى سدة الحكم جرت في نهر السياسية مياه كثيرة، وبدت الخلافات أكثر من التوافقات.

وجرت العادة في ليبيا أن المسؤولين الكبيرين لا يلتقيان إلا عند حدوث توتر أو أمر جلل، لكن الاجتماع الذي عقده المنفي في مكتبه بالعاصمة طرابلس، مساء (الأربعاء) مع الدبيبة، لم ينتج عنه إلا بيان مقتضب، أوضح أنهما بحثا «معالجة انسداد العملية السياسية، وأفكارا مشتركة تضمن حق الشعب الليبي في تقرير مصيره بشكل مباشر».

وفيما نقل المجلس الرئاسي أن اللقاء «تطرق إلى نصوص الاتفاق السياسي في ضبط الإنفاق العام وإيرادات الدولة، عبر ترتيبات مالية تُعد من قبل اللجنة المالية المشتركة»، سلط بيان منسوب للمنفي، تم توجيهه للدبيبة، الضوء على الخلاف مع الأخير حول ضرورة تشاوره مع المجلس الرئاسي في اختيار من يتولى وزارة الخارجية، خلفاً لنجلاء المنقوش المُقالة.

خلاف بين الدبيبة والمنفي حول من يتولى وزارة الخارجية خلفاً لنجلاء المنقوش المُقالة (خارجية الوحدة)

وعدّ المنفي في البيان، الذي أعادت وسائل إعلام محلية كثيرة نشره، أن «تفرد الدبيبة بتسمية من يسيّر أعمال وزارة الخارجية هو إجراء باطل لخروجه عن القواعد الحاكمة في ملتقى الحوار السياسي، ويقدح في مشروعية من يمارس العمل، ويحملكم المسؤولية القانونية نتيجة هذا الإجراء». وقال البيان إن المجلس الرئاسي «يعد طرفاً في السلطة التنفيذية ويمثل رئاسة الدولة»، لذا فإن «التشاور بشأن تسمية وزير الخارجية، لما له من أهمية بالغة، ينعكس على الواقع السياسي»، ومن ثم «يتوجب عليكم سحب الإجراء، المتعلق بتسمية من يُسيّر وزارة الخارجية، لحين التشاور مع الرئاسي».

وأقال الدبيبة وزيرة خارجيته المنقوش في أغسطس (آب) الماضي، بعد الكشف عن لقائها بنظيرها الإسرائيلي آنذاك، إيلي كوهين في روما. وسبق أن أثار ملف الخارجية والتعيينات الدبلوماسية خلافات بين الدبيبة والمنفي، ذلك أن الأخير ألغى قراراً للمنقوش كلفت فيه مستشارين بالسفارات الليبية في الخارج، بعد شهرين من تحذيرات وجهها الرئاسي إلى المنقوش، دعاها فيها إلى ضرورة التريث في اتخاذ قرارات مثل هذه.

مثُل أبو عجيلة أمام محكمة اتحادية بالعاصمة الأميركية للاشتباه بتورطه في تفجير طائرة «بان أميركان 103» فوق لوكربي عام 1988 (رويترز)

ولم يؤكد مكتب رئيس المجلس الرئاسي البيان الموجه للدبيبة مساء (الأربعاء) أو ينفيه، لكن الدبيبة وجه من جهة ثانية انتقادات مبطنة حول إدارة المجلس الرئاسي لملف «المصالحة الوطنية»، مقللاً خلال فعاليات «ملتقى مخاتير محلات ليبيا»، الذي عقد في طرابلس مساء (الأربعاء) من أهمية عقد لقاءات تتعلق بالمصالحة خارج ليبيا. وقال إنه «لا يمكن أن يأتي وزراء أو لجان من دول أخرى لتلك المصالحة... المصالحة هنا في هذه القاعة؛ وكثيرون يريدون السمسرة تحت هذا العنوان، ويريدون الركوب عليه».

وتتواصل أعمال اجتماعات اللجنة التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية» في مدن ليبية، برعاية أممية ومشاركة أفريقية. وسبق أن أعلن المجلس الرئاسي أن «المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة الوطنية» سيعقد بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) المقبل.

وكلف الدبيبة الطاهر الباعور بتسيير أعمال وزارة الخارجية، خلفاً للمنقوش. لكن منصب وزارة الخارجية لم يكن هو الوحيد الذي أثار خلافاً بين المنفي والدبيبة خلال الفترة الماضية، حيث سبقه خلاف أكبر في يونيو (حزيران) 2021 على حقيبة الدفاع والتشاور حولها، وانتهى الأمر بأن أسندها الأخير إلى نفسه بجانب رئاسته للحكومة.

ومن جملة اعتراضات رئيس المجلس الرئاسي على إجراءات سبق أن اتخذها الدبيبة، قضية ضابط الاستخبارات السابق، أبو عجيلة المريمي، الذي سلمه الدبيبة إلى الولايات المتحدة، حيث شدد المنفي في أعقاب ذلك على ضرورة تفعيل القانون، وقال إن «تسليم مواطن ليبي لأي جهة خارج حدود الولاية القانونية للدولة الليبية هو إجراء ينبغي أن يتم التعامل معه من الناحية القانونية قبل السياسية»، علما أن المجلس الرئاسي وجه في تلك الأثناء رسالة إلى النائب العام لاستجلاء الوضع القانوني الخاص بتسليم أبو عجيلة لواشنطن.

من جملة اعتراضات المنفي على قرارات الدبيبة قضية ضابط الاستخبارات السابق أبو عجيلة المريمي الذي سلمه الدبيبة إلى الولايات المتحدة (الشرق الأوسط)

وكان الدبيبة قد اتهم أبو عجيلة بـ«الإرهاب وقتل الأبرياء». ومثُل أبو عجيلة منذ أن سلمته حكومة الدبيبة أمام محكمة اتحادية بالعاصمة الأميركية واشنطن، للاشتباه بتورطه في تفجير طائرة «بان أميركان 103» فوق لوكربي في أسكوتلندا عام 1988، ولا يزال إلى الآن محبوساً رهن القضية.

وقال مصدر سياسي بغرب ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن المنفي اعترض خلال الفترة الماضية على كثير من القرارات التي اتخذها الدبيبة، لكن الأمور تسير بينهما وفقا لسياسة «الأمر الواقع»، أو بقاء «الوضع على ما هو عليه». وأبرز المصدر ذاته أن «الخلافات العميقة تتجدد بينهما؛ لكن الرئاسي عادة ما يستوعبها بهدف تجنب الصدام».


مقالات ذات صلة

«البلديات الليبية»... بروفة «لترويض» الصراع السياسي

شمال افريقيا بدء عملية مسح وإدخال بيانات استمارات نتائج الانتخابات بمركز العدّ والإحصاء في مفوضية الانتخابات الليبية (المفوضية)

«البلديات الليبية»... بروفة «لترويض» الصراع السياسي

ما بين جملة من السلبيات والإيجابيات التي رافقت العملية الانتخابية عكس هذا الاستحقاق النادر شعوراً لدى جل الليبيين بتحقيق «خطوة إلى الأمام» لجهة حلحلة الجمود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صالح وحماد في لقاء سابق ببنغازي (مكتب صالح)

ليبيا: حكم قضائي يعمّق الخلاف بين «الرئاسي» و«النواب» بشأن «مفوضية الاستفتاء»

في حكم قضائي جديد قضت محكمة استئناف بنغازي في شرق البلاد بوقف نفاذ قرار المجلس الرئاسي بشأن إنشاء «مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني» وتعيين مجلس إدارة لها.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا ليبي يدلي بصوته بأحد مراكز الاقتراع في مصراتة (أ.ف.ب)

ليبيا: انطلاق الانتخابات المحلية وسط توتر أمني بين ميليشيات «الوحدة»

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات بليبيا، (السبت)، انطلاق عملية الاقتراع في 352 مركزاً انتخابياً، و777 محطة اقتراع في 58 مجلساً بلدياً، تضم نحو 186055 ناخباً.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا من جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المركز الصحافي لرئيس المجلس عقيلة صالح)

ما خيارات «النواب الليبي» للتعامل مع إعلان تكالة فوزه بـ«الأعلى للدولة»؟

اتسعت حدة الخلاف على رئاسة «المجلس الأعلى للدولة» في ليبيا، بين خالد المشري ومحمد تكالة؛ مما عمّق المخاوف حول تجميد دوره السياسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا بلدية مصراتة التي يتنافس على إدارتها عدد من الناخبين (أ.ف.ب)

ليبيا لكسر «حاجز الانقسام» بخوض الانتخابات المحلية غداً

تتجه أنظار الليبيين إلى 58 بلدية في شرق البلاد وغربها وجنوبها يتوقع أن تجرى بها الانتخابات المحلية، وسط ترقب لكسر حاجز الانقسام السياسي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

البرلمان المصري يقر «مبدئياً» قانوناً لتنظيم أوضاع اللاجئين

مجلس النواب (الحكومة المصرية)
مجلس النواب (الحكومة المصرية)
TT

البرلمان المصري يقر «مبدئياً» قانوناً لتنظيم أوضاع اللاجئين

مجلس النواب (الحكومة المصرية)
مجلس النواب (الحكومة المصرية)

بهدف تقنين وجودهم وتمييزهم عن الأجانب المقيمين، وافق مجلس النواب المصري (البرلمان)، الأحد، مبدئياً على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين الذين تزايدت أعدادهم أخيراً، في ظل صراعات وحروب تشهدها المنطقة.

ويضع مشروع القانون، قواعد تنظيمية تمنح اللاجئ امتيازات وحقوقاً، وتفرض عليه الالتزام بالتشريعات المصرية، كما يُميز بين اللاجئ الذي تحول ظروف قهرية دون عودته لبلاده، والزائر الأجنبي الذي يُقيم في البلاد لأسباب متنوعة، من بينها العمل والدراسة.

وينظم مشروع القانون، الذي قدّمته الحكومة أوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم المختلفة، في إطار الاتفاقيات الدولية التي انضمت مصر إليها، لضمان تقديم جميع أوجه الدعم والرعاية للمستحقين، وفق النص المقترح.

وبموجب القانون الجديد سيجري إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين «لتكون الجهة المختصة بكل شؤون اللاجئين، بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بهم... وتفصل اللجنة في طلبات اللجوء، بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة»، وفق «وكالة أنباء الشرق الأوسط».

طرق مشروعة وغير مشروعة

يحصل اللاجئون من بعض الجنسيات على امتيازات المصريين في التعليم والصحة (مفوضية الأمم المتحدة)

ومن المفترض أن تنظر اللجنة في طلبات اللجوء، خلال 6 أشهر، لمن دخل البلاد بطرق مشروعة، وخلال سنة بحد أقصى لمن دخل البلاد بطرق غير مشروعة. و«يتمتع اللاجئ فور اكتسابه هذا الوصف بحقوق؛ منها الحق في الحصول على وثيقة سفر... وحظر تسليمه إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة»، وفق مشروع القانون.

وأشار رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، النائب أحمد العوضي، إلى أن «مشروع القانون يستهدف في الأساس تقنين أوضاع اللاجئين الموجودين حالياً في مصر، ما يتيح لهم دعماً وحقوقاً في العمل والحياة، ويفرض عليهم واجبات عدة، على رأسها الالتزام بقانون البلاد».

وقال العوضي لـ«الشرق الأوسط»: «إن مصر لديها ملايين الأجانب المقيمين، جميعهم يعيشون على أرضها ضيوفاً أعزاء لا يقيمون في مخيمات»، مشيراً إلى أنه «في ظل الاضطرابات الإقليمية الأخيرة، زاد عددهم حتى باتوا يُشكلون ما يزيد على 8.5 في المائة من تعداد السكان، ما فرض عبئاً اقتصادياً على البلاد، يتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً؛ لذلك كان لا بد من تقنين أوضاعهم، عبر تشريع يتماشى مع المعايير الدولية». وقدّر رئيس مجلس الوزراء المصري، في وقت سابق، التكلفة المباشرة لاستضافة مصر ما يزيد على 9 ملايين شخص، بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.

فض الاشتباك

بدوره، عَدّ مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، القانون الجديد «محاولة لتنظيم وجود الأجانب في مصر، وفض الاشتباك بين اللاجئ أو طالب اللجوء والمقيم لعمل أو غيره». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مصر أصبحت ملاذاً للكثيرين في السنوات الأخيرة، لا سيما مع الحروب الدائرة في المنطقة، وعلى رأسها الوضع في السودان».

وأضاف: «القانون مهم للتمييز بين اللاجئ الذي تمنعه الظروف من العودة لبلاده، والمقيم الذي جاء للعمل أو الاستثمار أو غير ذلك»، مشيراً إلى أن «القانون جاء استجابة لإشكالية ناتجة عن عدم تسجيل اللاجئين في مصر على قوائم مفوضية اللاجئين الأممية، ومن ثم صعوبة حصول القاهرة على دعم لهم».

ونوه إلى أن القانون «سيفرض على الأجانب إما تقديم طلب لجوء إذا كانوا يريدون الحصول على صفة لاجئ وإما الحصول على تصاريح إقامة إذا كانوا غير ذلك». وفي حين تقر بيانات حكومية رسمية بوجود أكثر من 9 ملايين أجنبي من 133 دولة في مصر، يمثلون 8.7 في المائة من تعداد السكان الذي تجاوز 107 ملايين نسمة، تُشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى «تسجيل 818 ألف لاجئ من 60 دولة في مصر، يحتل السودانيون المرتبة الأولى بينهم، بواقع 537 ألفاً و882 لاجئاً، يليهم السوريون بواقع 148 ألفاً و938 لاجئاً».

مفوضية اللاجئين

لاجئون سودانيون يسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر (المفوضية)

وسبق أن أشارت مفوضية اللاجئين إلى أن «أكثر من 1.2 مليون سوداني لجأوا إلى مصر» منذ بداية الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023. وفرق العوضي بين اللاجئ والمهاجر أو الزائر الأجنبي للبلاد، قائلاً: «التشريع الجديد يسري على اللاجئين، وهم مَن تمنعهم ظروف قهرية من العودة لبلادهم، ووضعهم مختلف عن الزائر أو المهاجر الذي يزور مصر طوعاً، ويمكنه العودة لبلاده في أي وقت».

وأشار إلى أن «لجنة شؤون اللاجئين ستكون مسؤولة عن تلقي طلبات اللجوء والبت فيها، بالتنسيق مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وسيتيح القانون للاجئ فرص العمل وتأسيس الشركات».

ووفقاً لمشروع القانون «لا يُقبل طلب اللجوء إذا توفرت في طالبه أسباب جدية لارتكابه جريمة ضد السلام أو الإنسانية أو جريمة حرب، أو إذا ارتكب جريمة جسيمة قبل وصوله إلى مصر، أو إذا ارتكب أي أعمال مخالفة لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، أو إذا كان مدرجاً على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين داخل مصر، أو إذا ارتكب أي أفعال من شأنها المساس بالأمن القومي أو النظام العام»، ويحق لمصر حال رفض طلب اللجوء إبعاد صاحبه خارج البلاد.