فنان فلسطيني لوحته الصبّار والأرض متحفه

السطح حيٌّ ورمز الصمود يُبدع الاستشفاء الذاتي

رمزية التحدّي الجمالي تشغل أحمد ياسين (حسابه الشخصي)
رمزية التحدّي الجمالي تشغل أحمد ياسين (حسابه الشخصي)
TT

فنان فلسطيني لوحته الصبّار والأرض متحفه

رمزية التحدّي الجمالي تشغل أحمد ياسين (حسابه الشخصي)
رمزية التحدّي الجمالي تشغل أحمد ياسين (حسابه الشخصي)

أحمد ياسين فنان فلسطيني من نابلس، تعامل مع نبتة الصبّار «كصدفة مدروسة جراء انتشارها». يَعْلقُ في ذهنه دورانُ أبطال حكايات جدّته حول معاني هذا الزرع المتجذّر في أرضه، الصلب بأشواكه، وشهيّ الطعم. كبُر وهو يبحث عن ارتباطه بشعبه ومزاحمته الزيتون في اختزال الصمود.

هو ليس أول فلسطيني يرسم على ألواح الصبّار، فبعضٌ سبقه إلى هذا التحدّي الجمالي. الفارق أنه يُنجز لوحاته والنبتة في أرضها، رافضاً اقتلاعها. يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ الرسم يكتمل حين يلتحق بحيّزه الجغرافي، وهو غالباً الجرد أو الأرض العارية من التحوُّل. يستخلص من النبتة رمزيتها، ويُحمّلها موضوعات تحاكي المعنيَيْن الكامنين فيها: «وعورة حياة الفلسطيني، وحلاوة الثمار الدالّة على كرم الشعب التاريخي».

متحف أحمد ياسين هو الأرض (حسابه الشخصي)

علاقته بالصبّار «انعكاسٌ للهوية وتعزيز للترابط الاجتماعي». بحث أحمد ياسين في دلالة هذه النبتة لدى «الطرف الآخر المُمتهن محوَ الثقافة والإرث»، فعثر على «محاولات منذ بدايات الاحتلال لتحقيق الانقطاعَيْن التاريخي والحضاري، تشمل رفض الاعتراف بحق السكان الأصليين في أرضهم وحتى في نباتاتهم. أرادوا اقتلاع الصبّار لخوفهم من الرمزية».

يقول إنه أول مَن راح يرسم مباشرة على هذه الألواح، بينما ينقل كثيرون الرسم من «الكانفاس» إليها. يسرد تجربته: «يختلف الأسلوب عن الرسم على أي سطح آخر. السطح هنا حيّ، واللوح لا يتوقّف عن النمو. أخشى إصابته بالضرر فأبقى حذراً».

يصوّب الاهتمام نحو التوثيق المُلحَق بخلفية ثابتة هي الأرض. يقول: «فراغ الطبيعة والبيئة المحيطة، بعضُ صدقية المشهد. لا أريد رسماً يُحفَظ في متحف. المتحف هو الأرض؛ بؤرة الصراع الفلسطيني».

يُنجز لوحاته رافضاً اقتلاع النبتة من أرضها (حسابه الشخصي)

باستعمال تركيبة لونية مناسبة، يُجنّب ألواح الصبّار الضرر. بالنسبة إليه، «لا بأس بإفساد اللوحة لتبقى النبتة بخير». يعلم أنّ قدرتها على الاستشفاء عجيبة. ففيها النسيج المُتحلّي بإمكان إعادة تشكيل نفسه وبلسمة ما جُرِح. يعاملها برأفة، ويداري خصوصيتها. يحفُر رسمه ويمنحه «الأتربة اللونية الطبيعية». فمن الصبّار يخرج سائل لزج يمزجه مع اللون بحرص على عدم الأذية وتجريد اللوحة من دورة حياتها. تجذّرها محاكاة لديمومته الفنية.

لا تجسُّدَ لوجوهه في الواقع، «بل تمثّل الصمود الإنساني». يرسم الأطفال «لرغبة في إعلاء الأمل من صميم الألم. الطفل على الصبّار تحية للأرواح المغادرة، ولتجدُّد الحياة بتعاقُب الولادات. الأطفال يُكملون ما انتهى إليه الراحلون، فنستمر».

الأمل مردُّه أيضاً اللون الأخضر الطافح من اللوح والساري في عروقه: «يوحي بالشباب والربيع والتجدُّد. رمزية الصبّار ولونه، والموضوعات المطروحة، هي فرصة للتواصل. يظنّ الإسرائيليون أنّ الرسم الفلسطيني محدود بكتلة رموز سياسية مباشرة، مثل السلاح ومفتاح العودة. الوجوه حفرٌ في الخطيئة التي ارتكبوها. ليست ألواح الصبّار شبيهة بأي نبات تشترط حياته الريّ وعناية الإنسان. بمجرّد ملامسته الأرض، يحيط نفسه بظروف إنبات ملائمة. يشتبك بترابه مثل الفلسطيني».

وليس الصبّار ورقة لإفراغ المشاعر. عند أحمد ياسين، هو «التزام». يرسم لتفكيك الاستيلاء والطرد والمحو والإبادة. يرسم للعدالة.


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يشدد حصاره على جباليا... ويقتل 30 فلسطينياً

المشرق العربي صبي يتابع الأدخنة الصاعدة جراء القصف الإسرائيلي في مدرسة الرفاعي بمخيم جباليا (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يشدد حصاره على جباليا... ويقتل 30 فلسطينياً

شدد الجيش الإسرائيلي حصاره لمدينة ومخيم جباليا شمال قطاع غزة، اليوم (الأربعاء)، وقتل ما يقارب 30 فلسطينياً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (غزة )
العالم العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ.ف.ب)

«حماس» و«فتح» تجتمعان بالقاهرة لبحث الحرب في غزة

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، في بيان، الأربعاء، عقدها اجتماعات مع وفد من حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالعاصمة المصرية القاهرة

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد أشخاص قرب دمار سببه القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

14.5 تريليون دولار خسائر متوقعة للاقتصاد العالمي بسبب الصراعات الجيوسياسية

قالت سوق التأمين «لويدز أوف لندن»، الأربعاء، إن الاقتصاد العالمي قد يواجه خسائر تبلغ 14.5 تريليون دولار على مدى خمس سنوات بسبب صراع جيوسياسي يضر بسلاسل التوريد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تصاعد ألسنة اللهب والدخان أثناء الغارات الإسرائيلية على غزة (رويترز)

«ستاندرد آند بورز»: اتساع صراع الشرق الأوسط قد ينعكس سلباً على التصنيفات الائتمانية السيادية

قالت «ستاندرد آند بورز غلوبال» إنها تُقيّم مستوى الضغوط الإقليمية بالمعتدلة، مع احتمال تطورات تؤدي إلى سيناريوهات ضغط أكبر.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يزعم زيارة غزة... وتقرير يؤكد عدم وجود سجل لذلك

زعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أنه سبق أن زار غزة في الماضي، لكن تقريراً نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أكد أنه لا يوجد أي سجل لهذه الزيارة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«أستطيع فعل أي شيء»... مصابة بضمور العضلات تشارك في 12 ماراثوناً

صورة لبيري فينكلشتاين من حسابها على «فيسبوك»
صورة لبيري فينكلشتاين من حسابها على «فيسبوك»
TT

«أستطيع فعل أي شيء»... مصابة بضمور العضلات تشارك في 12 ماراثوناً

صورة لبيري فينكلشتاين من حسابها على «فيسبوك»
صورة لبيري فينكلشتاين من حسابها على «فيسبوك»

أكملت شابة أميركية، مصابة بنوع نادر من ضمور العضلات، 12 ماراثوناً على كرسي متحرك؛ وذلك بغرض جمع الأموال للأعمال الخيرية.

ووفق شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، فقد وُلدت بيري فينكلشتاين (24 عاماً)، بنوع من ضمور العضلات يسمى الاعتلال العَضلِي الخيطي، والذي يتسبب في ضعف عضلي شديد ويؤثر على الكلام والحركة.

وعلى الرغم من قيودها الجسدية، فقد قررت المشاركة في سباقات الماراثون، عام 2010، عندما بدأت والدتها وشقيقها الركض لجمع التبرعات والأموال لصالح الأعمال الخيرية.

وقالت: «في ذلك الحين، حين شاهدت الأشخاص يخوضون الماراثون، وسط هتافات وأجواء حماسية، شعرت بأنني أريد أن أشارك في ذلك، وأترك أثراً كبيراً في هذا المجال».

قررت فينكلشتاين المشاركة في سباقات الماراثون عام 2010 (صورة من حسابها على «فيسبوك»)

وبسبب صِغر سنها في هذه الفترة، فقد كانت والدة فينكلشتاين تدفعها، خلال السباقات، في عربة أطفال مع جميع المُعدات الطبية اللازمة مثبتة بها.

ثم في عام 2016، قررت فينكلشتاين أنه حان الوقت للمشاركة بمفردها في كرسيها المتحرك، مع الوقوف والمشي بضع خطوات فوق خط النهاية، بمساعدة مُعالجها الطبيعي ووالديها.

وقالت: «في تلك اللحظة، شعرت وكأنني أستطيع فعل أي شيء أضعه في ذهني. كانت لحظة حاسمة عندما أدركت أن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يقف في طريقي هو نفسي، وأن الأمر متروك لي لتغيير حياتي».

وفي الماراثونات اللاحقة، زادت فينكلشتاين من هذه الخطوات البسيطة بعض الشيء.

شاركت فينكلشتاين في 12 ماراثوناً على كرسيها المتحرك (فيسبوك)

وإجمالاً، شاركت الشابة، التي تعيش في نيويورك، في 12 ماراثوناً على كرسيها المتحرك، وأسست منظمة غير ربحية لجمع التبرعات، وتقديم الدعم للمرضى والمعاقين وأُسرهم.

وقالت فينكلشتاين إن مؤسستها التي تُدعى «تيم بيري (Team Peri)» تسعى جاهدة لجعل العالم «مكاناً أكثر ترابطاً وشمولاً للجميع»، و«تعطيل وجهات النظر النمطية التي تدور حول الإعاقة».