خاص لـ«الشرق الأوسط»: «كاسبرسكي» تكشف مبكراً عن توقعاتها حول التهديدات السيبرانية لعام 2024

«كاسبرسكي»: ستبسط أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاج رسائل التصيد الاحتيالي وتمكن المجرمين السيبرانيين من تقليد شخصيات معينة (شاترستوك)
«كاسبرسكي»: ستبسط أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاج رسائل التصيد الاحتيالي وتمكن المجرمين السيبرانيين من تقليد شخصيات معينة (شاترستوك)
TT

خاص لـ«الشرق الأوسط»: «كاسبرسكي» تكشف مبكراً عن توقعاتها حول التهديدات السيبرانية لعام 2024

«كاسبرسكي»: ستبسط أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاج رسائل التصيد الاحتيالي وتمكن المجرمين السيبرانيين من تقليد شخصيات معينة (شاترستوك)
«كاسبرسكي»: ستبسط أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاج رسائل التصيد الاحتيالي وتمكن المجرمين السيبرانيين من تقليد شخصيات معينة (شاترستوك)

كما هي حال 2022، كان عام 2023 أيضاً حافلاً بحوادث الأمن السيبراني التي احتلت عناوين الأخبار في وسائل الإعلام. لقد تفاجأنا بتحولات ومنعطفات غير متوقعة، ومنها على سبيل المثال الهجمات المتطورة على القطاعات الصناعية، واستغلال تقنيات الهندسة الاجتماعية المتقدمة لاستهداف الناس والتحايل عليهم. ولكن الجانب الذي يبعث على الطمأنينة أننا لم نلاحظ أي تغييرات كان من الصعب التعامل معها.

وإذا أردنا أن نبني توقعات لعام 2024، يبدو لنا ذلك كأنه أكثر تعقيداً، حيث شارك خبراء «كاسبرسكي» بعض التوقعات أدناه حول عمليات الاستغلال الجديدة على الهواتف المحمولة والأجهزة القابلة للارتداء والأجهزة الذكية، وطرق الهجوم على سلسلة التوريد والذكاء الاصطناعي، ودورها في تكثيف الهجمات ذات الدوافع السياسية والجرائم الإلكترونية في عام 2024.

عماد الحفار رئيس الخبراء التقنيين لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا لدى «كاسبرسكي» (كاسبرسكي)

توظيف الذكاء الاصطناعي لانتحال الشخصيات

ستساعد أدوات الذكاء الاصطناعي الناشئة على تبسيط إنتاج رسائل التصيّد الاحتيالي، وتمكين المجرمين السيبرانيين من تقليد شخصيات معينة. وقد يبتكر هؤلاء أساليب أتمتة إبداعية من خلال جمع البيانات عبر الإنترنت، وتقديمها لنماذج اللغات الكبيرة لصياغة رسائل تحاكي أسلوب الشخص المتصل من أجل الإيقاع بالضحية.

وتمثل «استراتيجية التثليث للتجسس» عاماً رائداً لثغرات الأجهزة المحمولة، وقد تلهم كثيرين لإجراء مزيد من الأبحاث حول التهديدات المستمرة المتقدمة التي تهاجم الهواتف المحمولة والأجهزة القابلة للارتداء والأجهزة الذكية. وربما نشهد أيضاً قيام جهات التهديد بتوسيع جهودها الرقابية، واستهداف أجهزة المستهلك المختلفة من خلال نقاط الضعف وطرق الاستغلال «الصامتة»، بما في ذلك هجمات «النقرة الصفرية» عبر برامج المراسلة، والهجمات بنقرة واحدة عبر الرسائل القصيرة أو تطبيقات المراسلة، واعتراض حركة مرور الشبكة. ومما لا شك فيه أن حماية الأجهزة الشخصية وأجهزة الشركات قد أصبحت من الأمور الحيوية التي تزداد أهميتها بشكل متزايد.

لقد أصبح من الشائع استغلال نقاط الضعف في البرامج والأجهزة، الأمر الذي يحتّم علينا التعامل معها بحرص. وفي بعض الأحيان، لا يحظى اكتشاف الثغرات الأمنية عالية الخطورة بالقدر الكافي من الأبحاث، كما تظهر طرق الإصلاح في وقت متأخر، وهذا يعني تمهيد الطريق لشبكات الروبوتات الجديدة وواسعة النطاق والخفيّة لشنّ هجمات مستهدفة.

ازدياد الهجمات السيبرانية من كيانات ترعاها دول

نعتقد بأنه بات من المحتمل أيضاً ارتفاع أعداد الهجمات الإلكترونية التي ترعاها دول، في عام 2024، ويعزى ذلك إلى ازدياد التوترات الجيوسياسية. وسيركز المتسللون في المقام الأول على سرقة البيانات وتدمير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والتجسس طويل المدى. وقد ترتفع أيضاً حملات التخريب السيبراني، وفي هذه الحالات لن يقوم المهاجمون بتشفير البيانات فحسب، بل سيعمدون إلى تدميرها، مما يشكّل تهديداً كبيراً للجهات المعرّضة للهجمات ذات الدوافع السياسية. وسيشمل ذلك أيضاً هجمات مستهدفة محددة ضد الأفراد أو الجماعات. وقد تتضمن هذه الهجمات اختراق أجهزة الأفراد؛ للوصول إلى المؤسسات التي يعملون بها، واستخدام الطائرات المسيّرة لتحديد أهداف محددة، واستخدام البرامج الضارة للتنصت، وغيرها الكثير.

ويُلاحظ أن القرصنة الإلكترونية قد أصبحت أكثر شيوعاً ضمن الصراعات الجيوسياسية. ومن المتوقع أن تسهم هذه التوترات في زيادة أنشطة القرصنة الإلكترونية، سواء كانت تهدف إلى التدمير أو إلى نشر معلومات كاذبة. وتفرض هذه الأنشطة إجراء تحقيقات مكلفة، فضلاً عن الإجهاد الذي يلحق بمحللي مركز العمليات والباحثين في مجال الأمن السيبراني.

«كاسبرسكي»: من المحتمل ارتفاع أعداد الهجمات الإلكترونية التي ترعاها دول في عام 2024 (شاترستوك)

هجمات سلسلة التوريد كخدمة

تسلط الخروقات التي كشفت عنها «أوكتا» في عامي 2022 و2023 الضوء على حجم التهديدات، وتبيّن أن دوافع مثل هذه الهجمات قد تتراوح من المكاسب المالية إلى التجسس. ومن المتوقع أن يشهد عام 2024 تطورات جديدة في الأنشطة المتصلة بسوق الوصول إلى الويب المظلم، المتعلقة بسلاسل التوريد، الأمر الذي يتيح هجمات أعلى كفاءة وأوسع انتشاراً.

وبما أن هجمات سلسلة التوريد أصبحت أكثر شيوعاً بين الجهات المسؤولة عن التهديدات، يتوقع أن يمثل عام 2024 بداية مرحلة جديدة لهذا النوع من الأنشطة. وتشير التوقعات إلى أن هذا الاتجاه قد يتطور بطرق مختلفة. أولاً، يمكن استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر الشائعة لاستهداف فئة محددة من المطورين المؤسسين. ويمكن أن تقدم السوق السوداء عروضاً جديدة، بما في ذلك حزم الوصول التي تستهدف مختلف موردي البرامج وخدمات تكنولوجيا المعلومات. لذا، فإن أولئك المهتمين بشنّ الهجمات على سلسلة التوريد، والمسلحين بسبل الوصول إلى مجموعة واسعة من الضحايا المحتملين، يمكنهم اختيار أهدافهم المفضلة بعناية لشنّ هجمات واسعة النطاق. وبالتالي، يمكن للجهات القائمة بأنشطة التهديد أن ترتقي بكفاءة هجمات سلسلة التوريد والوصول بها إلى مستوى جديد.

بناء شبكات الروبوت الجديدة عبر الأجهزة الاستهلاكية والمؤسسية

من بين الحقائق المعروفة لكثيرين أنه لا تزال هناك ثغرات أمنية في البرامج والأجهزة شائعة الاستخدام على المستويين التجاري أو الشخصي. ولا تعدّ شبكات الروبوت في حد ذاتها أداة هجوم جديدة. على سبيل المثال، تم قبل بضع سنوات استخدام شبكة روبوتية تضم أكثر من 65000 جهاز توجيه منزلي لتوكيل حركة المرور الضارة لشبكات الروبوتات والتهديدات المتقدمة الأخرى. وهناك مثال آخر ظهر في أعقاب انتشار ظاهرة العمل عن بُعد، ويتعلق بحملات التهديدات المستمرة المتقدمة التي تستهدف الموظفين العاملين عن بُعد عبر أجهزة توجيه المكاتب الصغيرة/ المكاتب المنزلية المصابة بفيروس من فئة «أحصنة طروادة» للوصول عن بعد، والذي يشبه الروبوتات. ونظراً لوجود عدد كبير من نقاط الضعف التي تم الكشف عنها أخيراً، نتوقع أن نرى هجمات جديدة من هذا النوع في عام 2024.

ولن تقتصر الهجمات، التي تعتمد على الروبوتات، على مجموعات التهديدات المستمرة المتقدمة، بل يمكن أيضاً أن يتبناها المجرمون السيبرانيون. وتمثل الطبيعة السرية لهذه الهجمات التحديات المتعلقة بالكشف عنها، كما أنها تتيح للمهاجمين في الوقت نفسه فرصاً كبيرة للتسلل وتسجيل وجودهم داخل البنية التحتية للشركة أو المؤسسة.

«كاسبرسكي»: لا يحظى اكتشاف الثغرات الأمنية عالية الخطورة بالقدر الكافي من الأبحاث كما تظهر طرق الإصلاح في وقت متأخر (شاترستوك)

خدمات الاختراق عن طريق الاستئجار

تتخصص مجموعات القرصنة مقابل الاستئجار (أو الاختراق مقابل الاستئجار) في أنظمة التسلل، كما تقدم خدمات سرقة البيانات. وتشمل قائمة عملائها جهات التحقيق الخاصة، وتطول القائمة لتشمل شركات المحاماة والمنافسين التجاريين، وحتى أولئك الذين يفتقرون إلى المهارات التقنية اللازمة لمثل هذه الهجمات. ويعلن هؤلاء المرتزقة السيبرانيون خدماتهم علناً، ويستهدفون الكيانات المهتمة بهذه الأنواع من الأنشطة.

ومن بين هذه المجموعات التي يتتبعها فريقنا العالمي للبحث والتحليل، مجموعة تحمل اسم «ديث ستوركر (DeathStalker)»، التي تركز على شركات المحاماة والشركات المالية حصرياً، وتقدم لها خدمات القرصنة، كما تعمل وسيطاً معلوماتياً بدلاً من العمل بوصفها جهةً للتهديدات المستمرة المتقدمة من النوع التقليدي. وتستخدم هذه المجموعات رسائل البريد الإلكتروني للتصيّد الاحتيالي، مع مرفقات ملفات ضارة للتحكم في أجهزة الضحايا وسرقة البيانات الحساسة.

ويلاحظ الآن أن هذا النهج يكتسب زخماً عالمياً، ونتوقع أن يتطور في عام 2024. ومن الممكن أن تلجأ بعض مجموعات التهديدات المستمرة المتقدمة إلى توسيع نطاق عملياتها؛ بسبب الطلب المتزايد على هذه الخدمات، على ضوء حاجتها إلى توليد الدخل للحفاظ على أنشطتها والدفع لمحترفيها.

تنامي أنشطة التزييف الصوتي العميق

بالإضافة إلى الصور المزيفة العميقة التي باتت مألوفة في هذا الوقت، يمثل استنساخ الصوت أحد مسارات التطور الرئيسية. وكما ظهر من خلال العرض التقديمي الأخير الذي قدمته «OpenAI» حول المساعدين الصوتيين، فإن التطورات التي طرحتها الشركة في مجال المحتوى الصوتي الاصطناعي يمكن أن تسهم في تحقيق مزيد من التقدم. ومع ذلك، يمكن استغلال هذه التكنولوجيا من قبل المحتالين. ليس هذا فحسب، بل قد يؤدي الاستغلال المحتمل إلى إنشاء محتوى خادع يمكن الوصول إليه على نطاق أوسع. ومن المتوقع حدوث طفرة في تطوير التزييف الصوتي، وقد يتواصل هذا التطور في تقنية التزييف العميق.


مقالات ذات صلة

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية؟

خاص تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض ما يحسن نتائج العلاج ويقلل التكاليف (شاترستوك)

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية؟

يجعل الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية أكثر تخصيصاً وإتاحة وكفاءة بدءاً من التشخيص والعلاج وصولاً إلى تفاعل المرضى وتحسين العمليات التشغيلية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا شعار شركة «غوغل (رويترز)

«غوغل» تختبر إصداراً من محركها البحثي يعمل بالذكاء الاصطناعي فقط

أطلقت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل» اليوم الأربعاء نسخة تجريبية من محرك البحث الخاص بها، التي تلغي تماماً النتائج التي تتضمن 10 روابط زرقاء كلاسيكية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا تؤدي واحدة من كل أربع عشرة إصابة ببرامج سرقة المعلومات إلى سرقة بيانات بطاقات الائتمان (شاترستوك)

تسريب بيانات أكثر من مليوني بطاقة مصرفية عبر الإنترنت المظلم

تقرير «كاسبرسكي» يؤكد على ضرورة تحسين الأمن السيبراني لمواجهة برامج سرقة المعلومات المتطورة والمنتشرة بشكل متزايد.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا جهاز CL1 أُطلق خلال مؤتمر في برشلونة وُوصف بأنه «جسم في صندوق» (كورتيكال لابز)

«جسم في صندوق»... طرح أول كمبيوتر بالعالم يعمل بخلايا الدماغ البشرية للبيع

كشفت شركة ناشئة أسترالية عن أول كمبيوتر بيولوجي تجاري في العالم يعمل على خلايا دماغية بشرية حية.

«الشرق الأوسط» (كانبيرا)
تكنولوجيا يعكس قرار إيقاف «سكايب» التطور السريع في تقنيات الاتصال والتحول نحو الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

وداعاً «سكايب»... نهاية حقبة تكنولوجية وبداية أخرى

بعد 22 عاماً على ظهوره، «مايكروسوفت» تعلن إيقاف «سكايب» تماماً في 5 مايو (أيار) 2025.

نسيم رمضان (لندن)

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية؟

تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض ما يحسن نتائج العلاج ويقلل التكاليف (شاترستوك)
تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض ما يحسن نتائج العلاج ويقلل التكاليف (شاترستوك)
TT

كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية؟

تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض ما يحسن نتائج العلاج ويقلل التكاليف (شاترستوك)
تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض ما يحسن نتائج العلاج ويقلل التكاليف (شاترستوك)

يشهد قطاع الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية تحولاً عميقاً، مدفوعاً بـ«رؤية المملكة 2030»، وتبنٍّ سريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي والحلول الصحية الرقمية. في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، تشارك أليشا موبن، المديرة العامة والرئيسة التنفيذية لمجموعة «Aster DM Healthcare» رؤيتها حول كيفية إعادة الذكاء الاصطناعي تشكيل قطاع الرعاية الصحية في السعودية، وتحديات تبني هذه التقنيات، ومستقبل الرعاية الصحية الرقمية في المنطقة.

أليشا موبن المديرة العامة والرئيسة التنفيذية لمجموعة «Aster DM Healthcare» متحدثة إلى «الشرق الأوسط» (أستر)

تحويل طريقة تقديم الرعاية الصحية

لم يعد الذكاء الاصطناعي مفهوماً مستقبلياً في قطاع الرعاية الصحية، بل أصبح واقعاً ملموساً يعيد تشكيل طريقة تقديم الخدمات. وفقاً لموبن، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في جعل الرعاية الصحية أكثر تخصيصاً وإتاحة وكفاءة في السعودية. وتقول إنه مع وضع «رؤية 2030» التحول الرقمي أولويةً، يتم دمج الذكاء الاصطناعي في جوانب مختلفة من الرعاية الصحية، بدءاً من التشخيص والعلاج، وصولاً إلى تفاعل المرضى وتحسين العمليات التشغيلية.

أحد أهم تأثيرات الذكاء الاصطناعي قدرته على اكتشاف الأمراض مبكراً، غالباً قبل ظهور الأعراض. وتوضح موبن أنه في مجالات مثل الأشعة وعلم الأمراض، تساعد الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الأطباء على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة؛ ما يحسن النتائج في النهاية. هذه القدرة تُعدّ حاسمة في منطقة يمكن أن يؤدي التشخيص المبكر فيها إلى تحسين جودة حياة المرضى بشكل كبير.

بالإضافة إلى التشخيص، يعمل الذكاء الاصطناعي على كسر الحواجز التي تعيق إتاحة الخدمات الصحية. وتشير موين إلى تطبيق «myAster» وهو نظام شامل للرعاية الصحية من «أستر» (Aster) يعكس كيف يمكن أن تجعل التكنولوجيا الرعاية الصحية أكثر إتاحة. يقدم التطبيق للمرضى جدولة المواعيد واستشارة الأطباء افتراضياً والوصول إلى تقارير المختبرات وإدارة الأمراض المزمنة، وحتى توصيل الأدوية من خلال منصة واحدة. وقالت موبن إن «الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية؛ بل يتعلق بضمان حصول كل مريض على الرعاية المناسبة في الوقت المناسب».

تعزيز الإتاحة والتفاعل مع المرضى

في بلد شاسع، مثل السعودية، يُعدّ ضمان إتاحة الخدمات الصحية للمجتمعات النائية تحدياً كبيراً. يعمل الذكاء الاصطناعي على معالجة هذه القضية من خلال تمكين الطب عن بُعد والاستشارات الافتراضية. وترى موبن أن الروبوتات والمساعدين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي يعززون تفاعل المرضى من خلال تقديم نصائح طبية فورية وجدولة المواعيد وتقييم الأعراض؛ ما يجعل الرعاية الصحية متاحة على مدار الساعة.

إدارة الأمراض المزمنة مجال آخر، حيث يُحدِث الذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً. تسمح أدوات المراقبة عن بُعد المدعومة بالذكاء الاصطناعي بتتبع العلامات الحيوية في الوقت الفعلي؛ ما يتيح الكشف المبكر عن المضاعفات. وتشير موبن خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» إلى أهمية ذلك للمرضى الذين يعانون حالات، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب؛ ما يضمن التدخلات في الوقت المناسب، ويقلل من زيارات المستشفيات.

وتشرح موبن التزام شركتها باستخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإتاحة يتجلى في تعاونها مع «غوغل كلاود» لدمج ميزات الاستجابة الصوتية باللغة العربية في منصة «myAster». وتعدّ أن هذه الميزة تتيح للمستخدمين وصف الأعراض بلهجاتهم المحلية؛ ما يضمن تفاعلات شخصية وملاءمة ثقافياً.

وتقول إن مثل هذه الابتكارات تُعدّ حاسمة في منطقة تلعب فيها اللغة والخصوصيات الثقافية دوراً كبيراً في تقديم الرعاية الصحية.

وتذكر موبن أن استثمارات «Aster» في السعودية تتماشى مع أهداف «رؤية 2030» لتعزيز إتاحة وجودة الرعاية الصحية. وتشير إلى التزام شركتها باستثمار نحو مليار ريال سعودي (250 مليون دولار أميركي) خلال السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة لتوسيع المستشفيات والعيادات والصيدليات والخدمات الصحية الرقمية. تقول موبن: «يهدف هذا الاستثمار إلى خلق تجربة شاملة للصحة والعافية لسكان المملكة».

التكامل بين الرعاية الصحية المادية والافتراضية يضمن استمرارية الرعاية للمرضى من خلال تزامن البيانات عبر المنصات المختلفة

الرعاية الصحية المادية والافتراضية

أحد أكثر التطورات إثارة في الرعاية الصحية الرقمية هو دمج الرعاية المادية والافتراضية. يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في ضمان استمرارية الرعاية للمرضى، بغض النظر عن موقعهم. وتبين موبن أن الذكاء الاصطناعي يتيح المراقبة عن بُعد، وتتبع الحالات المزمنة من خلال الأجهزة الذكية، وضمان حصول الأطباء على تنبيهات في الوقت المناسب إذا كانت هناك حاجة للتدخُّل.

كما تعدّ أن تزامن البيانات عبر جميع إعدادات الرعاية التي تشمل المستشفيات والعيادات والصيدليات والمنصات الصحية الرقمية مجال آخر، حيث يحدث الذكاء الاصطناعي فرقاً. وتذكر موبن أن تاريخ المريض الطبي والوصفات الطبية وخطط العلاج تكون دائماً متاحة لمقدمي الرعاية الصحية؛ ما يعزز التشخيص واتخاذ القرارات.

هذا التكامل السلس يقلل من الفجوات في الرعاية، ويضمن أن تكون المتابعات في الوقت المناسب واستباقية.

تحديات تبني الذكاء الاصطناعي

على الرغم من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، فإن تبني هذه التقنيات ليس من دون تحديات. تعدّ أمن البيانات والخصوصية من أكبر العقبات. وترى موبن أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على كميات هائلة من بيانات المرضى؛ ما يجعل الأمن السيبراني والامتثال للإطار التنظيمي أمراً بالغ الأهمية».

وتضيف أن إنشاء سياسات قوية لإدارة البيانات، وضمان التوافق مع لوائح بيانات الصحة في السعودية سيكون مفتاحاً للتغلب على هذا التحدي.

تحدٍّ آخر هو تكامل الذكاء الاصطناعي مع البنية التحتية الحالية للرعاية الصحية. تشير موبن إلى أنه «لا تزال الكثير من المستشفيات والعيادات تعمل بأنظمة قديمة، ويتطلب الانتقال إلى الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي توافقاً سلساً». التعاون بين مقدمي الرعاية الصحية وشركات التكنولوجيا، وصُنّاع السياسات ضروري لتسريع هذا التحول.

بناء الوعي بالذكاء الاصطناعي بين المتخصصين في الرعاية الصحية أيضاً أمر بالغ الأهمية. وتنوه موبن بأن «التحول الرقمي لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل أيضاً بتمكين الأطباء من استخدام الذكاء الاصطناعي أداةً مساعدة، بدلاً من عدّه بديلاً». وتقول: «برامج التدريب المنظمة والتعليم المستمر سيضمنان أن يعزز تبني الذكاء الاصطناعي سير العمل السريري».

تحديات تبني الذكاء الاصطناعي تشمل أمن البيانات وتكامل الأنظمة القديمة وضرورة تدريب الكوادر الطبية (شاترستوك)

ماذا عن المستقبل؟

بالنظر إلى المستقبل، تبدو موبن متفائلة بشأن دور الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية الرقمية في تشكيل مستقبل الخدمات الطبية في السعودية. وترى أن تشخيصات الذكاء الاصطناعي والطب عن بُعد وخطط العلاج المخصصة ستغير شكل الرعاية الصحية خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتضيف أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل جينات المريض ونمط حياته ستؤدي إلى خطط رعاية أكثر تخصيصاً؛ ما يؤدي إلى نتائج أفضل.

على الجانب التشغيلي، يعمل الذكاء الاصطناعي على تبسيط عمليات المستشفيات، وتحسين تدفُّق المرضى، وحتى المساعدة في العمليات الجراحية. تقول موبن إنه من خلال تبني الذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي: «نحن لا نعمل فقط على تحسين طريقة تقديم الرعاية، بل نجعل الرعاية الصحية أكثر ذكاءً، وإنسانية، ومرتكزة حول المريض».

بينما تواصل السعودية مسيرتها نحو «رؤية 2030»، فإن دمج الذكاء الاصطناعي والحلول الصحية الرقمية سيحدث تحولاً جذرياً في نظام الرعاية الصحية بالمملكة. وبينما تظل التحديات قائمة، فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في الرعاية الصحية في السعودية لا يمكن إنكارها. من خلال معالجة هذه التحديات وتبني الابتكار، تتجه المملكة لتصبح قائدة عالمية في مجال الرعاية الصحية الرقمية.