طوب بلاد ما بين النهرين يؤكد شذوذ المجال المغناطيسي القديم؟!

طوب بلاد ما بين النهرين يؤكد شذوذ المجال المغناطيسي القديم؟!
TT

طوب بلاد ما بين النهرين يؤكد شذوذ المجال المغناطيسي القديم؟!

طوب بلاد ما بين النهرين يؤكد شذوذ المجال المغناطيسي القديم؟!

منذ حوالى 3000 عام في بلاد ما بين النهرين القديمة، طبع صانعو الطوب أسماء ملوكهم على الطوب الطيني. والآن، أكد تحليل الحبيبات المعدنية الموجودة في ذلك الطوب وجود شذوذ غامض في المجال المغناطيسي للأرض.

فقد وجدت دراسة جديدة أن الطوب القديم لبلاد ما بين النهرين ساعد في تأكيد شذوذ غامض في المجال المغناطيسي للأرض حدث قبل 3000 عام. حيث قام صانعو الطوب بخبزه طابعين عليه أسماء ملوك بلاد ما بين النهرين، وذلك بين الألف الثالث والألف الأول قبل الميلاد.

وقد سجلت حبيبات أكسيد الحديد داخل الطين تغيرات في المجال المغناطيسي للأرض عندما تم تسخين الطوب، ما مكن العلماء من إعادة بناء التغيرات في المجال المغناطيسي مع مرور الوقت.

وأفاد فريق الدراسة التي نشرت بمجلة «PNAS» العلمية المرموقة بأن «هذا الاكتشاف قد يساعد العلماء أيضًا على تحديد تاريخ القطع الأثرية في المستقبل». وذلك وفق ما نقل موقع «لايف ساينس» العلمي.

ومن أجل المزيد من التوضيح، قال مارك تول المؤلف المشارك في الدراسة أستاذ آثار الشرق الأدنى وعلوم البيانات الأثرية بجامعة كوليدج لندن في بيان له «نعتمد في كثير من الأحيان على طرق التأريخ مثل تواريخ الكربون المشع للحصول على إحساس بالتسلسل الزمني في بلاد ما بين النهرين القديمة. ومع ذلك، فإن بعض البقايا الثقافية الأكثر شيوعًا، مثل الطوب والسيراميك، لا يمكن عادةً تأريخها بسهولة لأنها لا تحتوي على مواد عضوية. ويساعد هذا العمل الآن في إنشاء خط أساس مهم للتأريخ».

وللتحقق من المجال المغناطيسي للأرض؛ الذي يتزايد ويتضاءل وحتى يتقلب مع مرور الوقت، نظر الباحثون إلى حبيبات أكسيد الحديد المعدني في 32 قطعة من الطوب الطيني من بلاد ما بين النهرين القديمة المعروفة الآن بالعراق.

وقال الباحثون في البيان إن هذه المعادن حساسة للمجال المغناطيسي، وعندما يتم تسخينها على سبيل المثال عندما يتم حرقها أثناء صناعة الطوب فإنها تحتفظ ببصمة مميزة من المجال المغناطيسي للأرض.

وتم نقش كل لبنة باسم واحد من ملوك بلاد ما بين النهرين الاثني عشر خلال فترة حكم كل حاكم، والذي كان لدى علماء الآثار بالفعل تواريخ لها بناءً على النتائج السابقة.

كما قام الفريق بقياس القوة المغناطيسية لحبيبات أكسيد الحديد في كل لبنة عن طريق تقطيع شظايا صغيرة من وجوه الطوب المكسورة واستخدام مقياس المغناطيسية لقياس قوة المجال المغناطيسي للمعادن الموجودة بداخلها. ومن خلال الجمع بين تواريخ عهد الملوك وقوة المجال المقاسة، أنشأ الباحثون جدولًا زمنيًا يوضح صعود وهبوط المجال المغناطيسي للأرض مع مرور الوقت في بلاد ما بين النهرين.

لقد دعمت أبحاث الفريق أدلة على «الشذوذ المغناطيسي الأرضي في العصر الحديدي المشرقي»؛ وهو الوقت الذي كان فيه المجال المغناطيسي للكوكب قويا بشكل مدهش حول ما يعرف الآن بالعراق بين عامي 1050 و 550 قبل الميلاد. إلّا انه من غير الواضح سبب وجود هذا الشذوذ خلال تلك الفترة. ولكن تم اكتشاف أدلة عليه في أماكن بعيدة مثل الصين وبلغاريا وجزر الأزور شمال المحيط الأطلسي.

وفي هذا الاطار، يقول الباحثون إن الأدلة في الشرق الأوسط على هذا الشذوذ كانت قليلة حتى الآن.

جدير بالذكر، انقلب المجال المغناطيسي للأرض منذ 42 ألف سنة، ما أدى إلى «كارثة» مناخية.

وفي خمس من العينات، التي يرجع تاريخها إلى عهد نبوخذنصر الثاني (حوالى 604 إلى 562 قبل الميلاد)، أشارت الحبيبات إلى أن المجال المغناطيسي للأرض تحول بشكل كبير خلال تلك الفترة.

من جانبها، تقول ليزا توكس المؤلفة المشاركة في الدراسة أستاذة الجيوفيزياء بمعهد سكريبس لعلوم المحيطات بكاليفورنيا «ان المجال المغناطيسي الأرضي هو أحد أكثر الظواهر غموضا في علوم الأرض. وتوفر البقايا الأثرية المؤرخة جيدًا لثقافات بلاد ما بين النهرين الغنية، وخاصة الطوب المنقوش عليه أسماء ملوك محددين، فرصة غير مسبوقة لدراسة التغيرات في شدة المجال بدقة عالية، وتتبع التغييرات التي حدثت على مدى عدة عقود».


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق 77 مشروعاً بحثياً تنتشر في مختلف المناطق السعودية (هيئة التراث)

دلائل أثرية لاستيطان العصور الحجرية في مدينة الرياض ومحيطها الجغرافي

بدأت نتائج المسح الأثري في مدينة الرياض ومحيطها الجغرافي تظهر مبكراً مع إطلاق هيئة التراث بالسعودية أعمال المسح الميداني ضمن مشروع اليمامة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق فُسِّر اللغز لفكّ غموضه (مواقع التواصل)

هيكل عظمي لـ5 أشخاص تفصل بينهم آلاف السنوات

حلَّ علماء آثار لغز هيكل عظمي غريب من بلجيكا يتكوّن من عظام 5 أشخاص عاشوا قبل 2500 عام متفرِّقين... فكيف التقت هذه المجموعة المختلطة من العظام في هيكل واحد؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تستهدف الندوة توسيع الفهم لأثر التنقل والترحال في تشكيل المجتمعات البشرية (هيئة العلا)

«ندوة العلا العالمية للآثار» تستكشف دور التنقل في تشكيل تاريخ البشرية

تهدف ندوة العلا العالمية إلى استكشاف الدور العميق للتنقل في تشكيل تاريخ البشرية، وتأمل السرديات حول القصص المتعددة عن أثر التنقل والترحال في حياة المجتمعات.

عمر البدوي (العلا)
ثقافة وفنون الحقد الاسرائيلي على صور لم ينحصر بحدود حاضرها الراهن (أ.ف.ب)

صُور مدينة الأرجوان والأساطير والمرايا العصية على الانكسار

لأسابيع خلت ظلت مدينة صور أقرب مدن الجنوب اللبناني إلى فلسطين، تعج بعشرات الآلاف من أبنائها المقيمين،

شوقي بزيع

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».