الحرب الروسية ــ الأوكرانية في 2023... خرائط القتال جامدة ولا أفق لتسوية

غياب «فاغنر» وتعثر هجوم كييف المضاد... وموسكو «متماسكة» ومعسكر الغرب يهتز

TT

الحرب الروسية ــ الأوكرانية في 2023... خرائط القتال جامدة ولا أفق لتسوية

جنديان أوكرانيان من «لواء الدفاع الإقليمي 123» في موقع بجوار نهر دنيبرو في مكان غير معلوم في خيرسون (أ.ف.ب)
جنديان أوكرانيان من «لواء الدفاع الإقليمي 123» في موقع بجوار نهر دنيبرو في مكان غير معلوم في خيرسون (أ.ف.ب)

لم يكن 2023، وهو العام الثاني للحرب الروسية ــ الأوكرانية سهلاً على موسكو، فالضغوط المتواصلة على جبهات القتال، ومحاولة الجيش الروسي الخروج من عقدة الانسحاب من خيرسون قبل أسابيع قليلة، وتحسين مواقعه على خطوط التماس، ارتبطت مع تحولات نوعية في حجم وطبيعة الأسلحة الغربية التي انهمرت على أوكرانيا. وانتقلت الحرب إلى داخل العمق الروسي مع توسيع استهدافات منشآت حيوية في موسكو ومدن عديدة أخرى، بالطائرات المسيرة.

وتزامن ذلك مع تطورات داخلية غير مسبوقة بلغت ذروتها منتصف العام تقريباً عندما حبس العالم أنفاسه وهو يراقب مشهد التمرد العسكري الذي كاد يفضي إلى فوضى داخلية واسعة.

تماسك روسي

لكن المقلب الآخر من المشهد لم يكن مريحاً لكييف وحلفائها أيضاً. أظهرت مجريات العام أن الاقتصاد الروسي نجح في الصمود، وبدأ يتعايش مع الظروف الجديدة ويحقق اختراقات مهمة. كما أن الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال التحضير له، لم ينجح على مدى أشهر في تحقيق اختراق جدي على الجبهات.

وفي الساحة السياسية للحلفاء، بدا أن عام 2023 حمل هزة كبيرة، انعكست في اتساع التباينات داخل البيت الأوروبي، حول جدوى معاداة الكرملين وآفاق العلاقة معه. كما برزت في زيادة حدة السجالات في الغرب، حول ملف المساعدات المقدمة لأوكرانيا مالياً وعسكرياً.

أسلحة نوعية لأوكرانيا

في بداية العام، بدا أن قرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) بفتح الأبواب أمام الأعضاء لتقديم طرازات جديدة من الأسلحة إلى الأوكرانيين، قد دشن مرحلة جديدة من الصراع، باتت تهدد أكثر بانزلاق الوضع نحو مواجهة مباشرة مع بعض أعضاء الحلف.

وبدا أن توسيع إمدادات كييف بدبابات «ليوباردو» الألمانية، ودخول دبابات «أبرامز» الأميركية في وقت لاحق، هدف إلى تعويض سريع للنقص لدى الجيش الأوكراني في سلاح الآليات الثقيلة، وتحقيق توازن مع القوات الروسية. تزامن ذلك مع إمداد أوكرانيا بأنظمة صاروخية متطورة، وبعضها بعيد المدى للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب. وكذلك توسيع حزمة المساعدات الغربية لتصل إلى مستوى لم يسبق تقديمه لأي بلد منذ الحرب العالمية.

ساهم ذلك، مع اتساع تصنيع الطائرات المسيرة بدعم غربي في توسيع مجالات النطاق الجغرافي للعمليات واستهداف مواقع روسية، وكذلك زيادة الضغط الناري على شبه جزيرة القرم، التي تعرضت منشآت عسكرية فيها لهجمات متواصلة طوال أشهر. وفي العمق الروسي نجح ضغط المسيرات في شل حركة مطارات كبرى، وتوجيه ضربات إلى منشآت حساسة بينها قواعد عسكرية ومستودعات للأسلحة أو للوقود.

في المقابل، وسعت القوات الروسية نشاطها في استهداف المعدات الغربية، وزادت الضغط العسكري بشكل قوي على المدن الكبرى مستهدفة محطات الكهرباء وإمدادات المياه ومحطات الوقود ومنشآت البنى التحتية. ووسعت موسكو دائرة ضرباتها مع انهيار صفقة الغذاء لتشمل الموانئ ومراكز تخزين الحبوب والأسمدة في مسعى لمنع أوكرانيا من إنجاح جهود استمرار الصادرات عبر طرق بديلة.

تمرد «فاغنر»

شكل التمرد العسكري لمجموعة «فاغنر» في منتصف العام الحدث الأكبر خلال العام، وقد هز المجتمع الروسي بقوة، وكاد يسفر عن نتائج كارثية لولا مسارعة الكرملين إلى احتواء الموقف.

بدأ الصراع يحتدم بقوة بين «فاغنر» والمؤسسة العسكرية منذ الربيع، وانتقل إلى العلن بعدما كان يحاط بسرية وكتمان طوال أشهر.

وفي بداية أبريل (نيسان)، وجّه مؤسس «فاغنر» يفغيني بريغوجين انتقادات حادة للجيش ووزارة الدفاع، ولوح بسحب قواته من مدينة باخموت بعدما اتهم وزير الدفاع سيرغي شويغو بـ«خذلان» المدافعين عن المدينة عبر حجب الإمدادات العسكرية عنهم. هذا التهديد، سرعان ما تحول إلى حملة واسعة لتعبئة الرأي العام ضد المؤسسة العسكرية ولدعم «فاغنر»، تجلت من خلال انحياز الأحزاب السياسية لمطالب المجموعة وانتقاد «البيروقراطية العسكرية». وقد يكون هذا واحداً من الأسباب التي حفزت بريغوجين على تطوير هجومه على وزارة الدفاع، وشروعه بسحب قواته من باخموت في 25 مايو (أيار)، رغم أنه لم يكن قد بقي على سقوط المدينة الاستراتيجية بأيدي القوات الروسية إلا كيلومترات قليلة كانت تتحصن فيها المقاومة الأوكرانية.

خرجت «فاغنر» من المدينة ليسجل النصر فيها، بعد معارك عدت الأطوال على كل الجبهات، لصالح الجيش وليس للمجموعة التي خاضت فيها قتالاً ضارياً لتسعة أشهر. وكان هذا أحد أسباب تسريع التمرد العسكري إلى جانب محاولة وزارة الدفاع فرض نظام التعاقد على مقاتلي «فاغنر»، وهو أمر رفضه بريغوجين بقوة.

ليلة 23 يونيو (حزيران) كانت حاسمة عندما نجح مقاتلو «فاغنر» في السيطرة على منشآت عسكرية حساسة بينها قيادة غرفة العمليات في مدينة روستوف. واستولت المجموعة بسرعة مذهلة على عدة مدن حدودية وتوجهت كتائب منها إلى موسكو، وأعلن بريغوجين أنه «سيعلق مشنقة شويغو في الساحة الحمراء»، كما لمح إلى ضرورة إعلان الرئيس فلاديمير بوتين موقفاً «قبل فوات الأوان»، في حين وصف الرئيس المتمردين بأنهم «خونة ويجب معاقبتهم».

تعامل الكرملين بحذر وسرعة مع التطور الذي شد أنظار العالم. وتم الإعلان بشكل مفاجئ عن «وساطة» بيلاروسية أسفرت عن وقف تقدم القوات على بعد 200 كيلومتر من موسكو. وقضى الاتفاق بالعفو عن «الخونة» وانتقال المتمردين مع قائدهم إلى بيلاروسيا، على أن ينتقل من تبقى من مقاتلي المجموعة الذين لم يشاركوا في التمرد إلى سلطة وزارة الدفاع.

بدا أن الملف قد أغلق، لكن صفحته الأخيرة لم تكن طويت بعد. وبعد شهرين فقط أسفر تحطم طائرة بريغوجين بسبب انفجار قنبلة على متنها عن مقتل مؤسس المجموعة مع جزء مهم من قيادتها. لم يعرف الفاعل بعد، لكن «فاغنر» غابت عن المشهد منذ ذلك الحين.

تعثر الهجوم المضاد

خلافاً لتوقعات القيادة الأوكرانية، وأطراف غربية عدة، لم يسفر الهجوم الذي أطلقته كييف في منتصف العام عن تحقيق اختراقات على جبهات القتال، وبدا أن موسكو التي فشلت بدورها في تحقيق أي تقدم كبير بعد الاستيلاء على باخموت، أقامت خطوط دفاع قوية عرقلت كل محاولات التقدم الأوكراني.

وفي مقابل جمود خرائط القتال في أغلب المناطق، فإن الطرفين واصلا توجيه ضربات عبر المسيرات أو القذائف الصاروخية والمدفعية على المدن.

ورأى خبراء عسكريون لدى الطرفين أن المواجهات الضارية التي شهدتها عدة جبهات من دون إحراز تقدم على الأرض لأي طرف، عكست تراجع قدرات موسكو وكييف على تحسين الشروط الميدانية لتوفير أوراق ضغط أوسع على المستوى السياسي.

في هذه الظروف، واصلت موسكو التمسك بمواقفها، وجدد الرئيس فلاديمير بوتين مع اقتراب نهاية العام التأكيد على أهداف الحرب التي قال إنها سوف تتواصل حتى تحقيقها. في المقابل بدا أن الغرب بدوره متمسك بـ«إلحاق هزيمة» بروسيا وفقاً لتعبير الرئيس جو بايدن، رغم اتساع التباينات الداخلية وشروع أطراف أوروبية برفع صوتها للمطالبة بفتح حوار مع موسكو.


مقالات ذات صلة

موسكو: مسيّرة تضرب برجاً في الشيشان واندلاع حريق

أوروبا مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)

موسكو: مسيّرة تضرب برجاً في الشيشان واندلاع حريق

ضربت مسيّرة، اليوم (الجمعة)، مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان الروسية، ما أدى إلى اندلاع حريق امتد على عدة طوابق.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز) play-circle

تحليل إخباري انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

يتعاظم القلق الأوروبي من النهج الأميركي في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو. فالتسارع عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
أوروبا حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها اليوم الخميس في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

موسكو: مسيّرة تضرب برجاً في الشيشان واندلاع حريق

مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)
مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)
TT

موسكو: مسيّرة تضرب برجاً في الشيشان واندلاع حريق

مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)
مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان ضربته مسيرة اليوم (الإعلام الروسي)

ضربت مسيّرة، اليوم (الجمعة)، مبنى يضم مكاتب حكومية في جمهورية الشيشان الروسية، ما أدى إلى اندلاع حريق امتد على عدة طوابق، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الإعلام الرسمي الروسي وتسجيلات مصوّرة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وتستهدف أوكرانيا على نحو متكرر الجمهورية الروسية الواقعة في القوقاز، لكن نادراً ما تصل مسيّراتها إلى المناطق الحضرية، وخصوصاً وسط العاصمة غروزني، حيث وقعت الحادثة الجمعة.

وندّد الزعيم الشيشاني رمضان قديروف، في رسالة عبر تطبيق تلغرام، بـ«هذا النوع من التصرّفات»، معتبراً أنّه «ليس أكثر من محاولة لتخويف السكان المدنيين وخلق وهم الضغط».

وأكد أنّ «الأهم بالنسبة إلينا، أنّ أحداً لم يُصب»، متهماً كييف بـ«التعويض عن ضعفها عبر تنفيذ ضربات على البنى التحتية المدنية».

ولم تؤكد السلطات المحلية ولا تلك الفيدرالية الروسية الانفجار، لكن شبكة «آر تي» الرسمية نقلت عن مصدر في أجهزة إنفاذ القانون قوله إن مسيّرة أوكرانية نفّذت الهجوم. ولم يتم الإعلان عن سقوط أي ضحايا.

وأغلقت وكالة الطيران الروسية «روسافياتسيا» مطار غروزني، في وقت سابق الجمعة، على خلفية مخاوف أمنية استمرت بضع ساعات، بحسب ما أعلنت على شبكات التواصل الاجتماعي.

وأظهرت عدة تسجيلات مصورة على شبكات التواصل الدخان يتصاعد من برج زجاجي، حيث تهشمت النوافذ في 5 طوابق.

ويعدّ القيام بأي عمل صحافي في الشيشان، التي تصفها بعض المجموعات الحقوقية بأنها «دولة داخل الدولة»، أمراً شبه مستحيل نتيجة القيود التي تفرضها السلطات.

وذكرت وسائل إعلام روسية أن المبنى يضم مجلس الأمن الشيشاني، ويبعد نحو 800 متر من مقر إقامة قديروف، كما يقع بجانب الفرع المحلي لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي.

ودعم قديروف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا، وأرسل آلاف الجنود الشيشانيين للقتال فيها.


النرويج تعتزم تعزيز دفاعاتها بغواصات وصواريخ لمواجهة روسيا

نظام «هيمارس» الأميركي (رويترز)
نظام «هيمارس» الأميركي (رويترز)
TT

النرويج تعتزم تعزيز دفاعاتها بغواصات وصواريخ لمواجهة روسيا

نظام «هيمارس» الأميركي (رويترز)
نظام «هيمارس» الأميركي (رويترز)

تعتزم النرويج شراء غواصتين ألمانيتين إضافيتين وصواريخ بعيدة المدى، مع سعي البلد المحاذي لروسيا إلى تعزيز دفاعاته، وفق ما أعلنت الحكومة، الجمعة.

وفي بيان نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، أعلن فيه عزم البلاد على إتمام صفقة الشراء المقدّرة بمليارات الدولارات، قال وزير الدفاع توري ساندفيك، إن «النرويج دولة ساحلية وبحرية، والغواصات أساسية للغاية للدفاع عن بلدنا. نشهد زيادة في أنشطة القوات الروسية في شمال الأطلسي وبحر بارنتس».

وللنرويج حدود مشتركة بطول 198 كيلومتراً مع روسيا التي تخوض منذ عام 2022 حرباً في أوكرانيا، إضافة إلى حدود بحرية في بحر بارنتس.

وكانت الحكومة النرويجية قد طلبت 4 غواصات من شركة «تيسنكروب» الألمانية في عام 2021، ومن المقرّر تسليم أولى هذه الغواصات في 2029، وفق بيان الوزارة.

وأضاف ساندفيك: «بوصف النرويج (عيون وآذان) حلف شمال الأطلسي في الشمال، فإن هذا الأمر يتطلب قدرة أكبر لإبراز حضورنا، وللمراقبة والردع في جوارنا القريب. في هذا السياق، لا غنى على الإطلاق عن الغواصات».

واقترحت الحكومة زيادة ميزانية الدفاع بمقدار 46 مليار كرونة (4.5 مليار دولار)، نظراً لارتفاع تكلفة الغواصات وأنظمة تسليحها.

وفي بيان منفصل، قالت وزارة الدفاع إن 19 مليار كرونة ستُنفق على صواريخ قادرة على بلوغ أهداف على بُعد 500 كيلومتر.

ولم توضح الوزارة أي صواريخ سيتم شراؤها، لكن وكالة الأنباء النرويجية «إن تي بي» أوردت أن البحث يشمل نظام «هيمارس» (Himars) الأميركي، وصواريخ «تشانمو» (Chunmoo) الكورية الجنوبية، ونظاماً من صنع مجموعة «كيه إن دي إس» (KNDS) الألمانية.


ألمانيا تعيد الخدمة العسكرية وسط مظاهرات معارضة للقانون

لافتة ضد التجنيد خلال المظاهرات التي خرجت في عدة مدن ألمانية تزامناً مع تمرير قانون التجنيد (رويترز)
لافتة ضد التجنيد خلال المظاهرات التي خرجت في عدة مدن ألمانية تزامناً مع تمرير قانون التجنيد (رويترز)
TT

ألمانيا تعيد الخدمة العسكرية وسط مظاهرات معارضة للقانون

لافتة ضد التجنيد خلال المظاهرات التي خرجت في عدة مدن ألمانية تزامناً مع تمرير قانون التجنيد (رويترز)
لافتة ضد التجنيد خلال المظاهرات التي خرجت في عدة مدن ألمانية تزامناً مع تمرير قانون التجنيد (رويترز)

بعد قرابة 15 عاماً على إلغاء التجنيد الإجباري في ألمانيا، مهد البرلمان الفيدرالي (البوندتساغ) لإعادته بعد أن مرر قانوناً يعيد الخدمة العسكرية الاختياري في المرحلة الأولى، على أن يصبح إلزامياً في حال عجزت وزارة الدفاع عن تجنيد أعداد كافية من المتطوعين.

ووسط مظاهرات معارضة للقانون خرجت في أنحاء ألمانيا، قادها بشكل أساسي طلاب المدارس المعنيين بالقانون، صوّت النواب على إعادة التجنيد الاختياري بدءاً من مطلع العام المقبل.

وتأمل الحكومة الألمانية أن ترفع عديد جيشها من 183 ألف عنصر حالياً إلى 270 ألف عنصر ناشط، إضافة إلى 200 ألف آخرين من قوات الاحتياط بحلول عام 2035.

وينص القانون الذي حظي بموافقة أغلبية النواب، على إرسال استمارات لكل من يبلغ الـ18 عاماً، تتضمن معلومات حول الوضع الصحي، وأخرى تتعلق بمدى الاستعداد للخدمة في الجيش. وسيكون الشباب الذكور مجبرين على ملء الاستمارات، فيما تترك اختيارياً للفتيات.

ومن يعدّ قادراً على الخدمة، يتلقى عرضاً للتطوع، لـ6 أشهر بشكل مبدئي يمكن تمديدها. ويمكن للشباب رفض العرض المقدم في المرحلة الأولى. وسيتعين على وزارة الدفاع أن تطلع الحكومة و«البوندستاغ» كل 6 أشهر حول مدى التقدم المحرز في تجنيد مطوعين، على أن يطرح مشرع قانون مرة جديدة في حال لم يتم استقطاب أعداد كافية، يجعل من التجنيد إجبارياً لمن يتم اختياره بالقرعة.

واستغرق الاتفاق على القانون أشهراً بين طرفي الحكومة؛ إذ اعترض الحزب «المسيحي الديمقراطي» الحاكم بزعامة المستشار فريدريش ميريتس على القانون بشكله الأساسي الذي لم يأت على ذكر خطوات إضافية في حال عدم تجنيد أعداد كافية.

وأراد الحزب الحاكم أن يجعل من التجنيد إجبارياً في القانون نفسه، إلا أن الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه وزير الدفاع بوريس بيستوريوس رفض اقتراح الحزب الحاكم، وتمسك بضرورة طرح المشروع للتصويت من جديد في حال الضرورة.

لافتة «لا للحرب» خلال مظاهرة ضد التجنيد في ألمانيا (رويترز)

ولكن بيستوريوس يبدو متأملاً بأن يلقى القانون تجاوباً، رغم المظاهرات التي خرجت تزامناً مع التصويت على القانون، واعتراضاً على تحويله إجبارياً. ووصف بيستوريوس المظاهرات التي قادها طلاب المدارس، بأنها «رائعة»؛ لأنها «تظهر أن الشباب مهتمون بالتجنيد». وتحدث عن ضرورة فتح نقاش مع من يهمه الأمر.

ودافع كذلك الحزب الحاكم عن القانون، وقال نوربرت روتغن، نائب الكتلة النيابية للحزب خلال النقاش في البرلمان، إن التصويت مهم، خاصة أمام التهديدات الروسية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «لم تعد تعتبر في صفنا».

وصوّت حزب «البديل من أجل ألمانيا»، المصنف يمينياً متطرفاً ضد القانون، وكذلك حزب «دي لينكا» اليساري. وقالت نائبة رئيس كتلة «دي لينكا»، إن «الشباب لديهم مشاريع أخرى غير المخاطرة بحياتهم»، فيما اشتكت سارا ناني، المتحدثة باسم الأمن في الحزب «الخضر»، من أن القانون لا يقدم إجابات حول الخطة الوطنية الدفاعية.

ويشكو عدد كبير من الشبان المعارضين للقانون بأن الحكومة لم تفتح نقاشاً معهم، وأنها لم تأخذ مواقفهم بعين الاعتبار. وقالت رونيا، طالبة من منظمي المظاهرات التي خرجت في العاصمة الألمانية، إن المتظاهرين يؤكدون رفضهم القاطع للتجنيد الإجباري؛ لأنه تعدٍّ على حرية الشباب». وأضافت أن «التبرير بضرورة حماية بلدنا هو مجرد حجة».

وقال شاب من المتظاهرين الذين خرجوا في برلين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إنه يرى أن الحكومة أخطأت بتمرير قانون من دون نقاش مع المعنيين به؛ أي الذين سيتم استدعاؤهم للخدمة وهم من المولودين في عام 2008 وما بعد.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس ووزير الدفاع داخل «البوندستاغ» خلال جلسة التصويت على قانون التجنيد (رويترز)

وقال آخر إن الأمن «لا يتعلق بإجبار الأطفال على الخدمة، وإن الأشهر القليلة التي سيتم التطوع خلالها لن تكون كافية أصلاً لتعلم القتال في الجيش».

وشارك في المظاهرات طلاب في سن الـ12 عاماً، غادروا المدارس باكراً للانضمام للاحتجاجات. وقال أحدهم إنه «لا يريد أن يقاتل»، وإنه سيكون من الخطأ إرسال شباب في الـ18 من العمر للقتال.

وعلقت حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التجنيد الإجباري عام 2011، ومنذ ذلك الحين، يواجه الجيش الألماني صعوبة في جذب متطوعين.

وانخفض عدد الجيش الألماني من 300 ألف عنصر عام 2001 إلى 180 ألفاً اليوم. وتأمل الحكومة بأن تعيد رفع عديد الجيش بحلول عام 2035 إلى 480 ألفاً، من بينهم قوات الاحتياط حالياً، من خلال التطوع الاختياري وجذب المتطوعين بمرتبات تصل إلى 3500 يورو شهرياً.

ومنذ الحرب في أوكرانيا، بدأت ألمانيا بزيادة الاستثمار العسكري، وتعمل على إعادة تقوية جيشها الضعيف عمداً بسبب تاريخها.

ويزداد القلق في ألمانيا، خاصة في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي يتخوف الألمان من أن تسحب المظلة الأمنية التي تزودها بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويخطط ترمب لتقليص عدد الجنود الأميركيين المتمركزين في ألمانيا منذ عقود.