غموض مسارات الحرب في غزة بين شروط أميركا وخطط إسرائيل

هل قتل السنوار ينهي الحرب ويظهر إسرائيل منتصرة؟

TT

غموض مسارات الحرب في غزة بين شروط أميركا وخطط إسرائيل

لقاء مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب يوم الخميس (د.ب.أ)
لقاء مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تل أبيب يوم الخميس (د.ب.أ)

سعى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى التقليل من الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الحرب ضد «حماس» في غزة، مؤكداً أن واشنطن وتل أبيب تتوقعان أن تتباطأ وتيرة القتال، وانتقال الحرب إلى مرحلة تركز على استهداف قيادات «حماس» وعلى العمليات الاستخباراتية الدقيقة. ورفض سوليفان تحديد إطار زمني لانتهاء الحرب، قائلاً إنه لا يريد إرسال خطط الحرب للعدو، لكن الخلافات حول خطط الحرب وما بعد الحرب بدت واضحة بين الجانبين، وطرحت علامات استفهام كثيرة حول نتائج زيارة سوليفان، ومدى استجابة إسرائيل للمطالب الأميركية، ومدى قدرة الولايات المتحدة في التأثير والضغط على حكومة بنيامين نتنياهو.

نقاشات حميمة وموضوعية

وفيما وصف مسؤول أميركي كبير اجتماعات ونقاشات سوليفان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية، بأنها كانت مناقشات «حميمة وموضوعية ومفصلة»، أشار محللون إلى أن الجهود الأميركية لإظهار قدرتها على التأثير على الحكومة الإسرائيلية وفرض شروط وأطر زمنية للحرب قد تعرضت لضربة قوية، حيث فشلت زيارة سوليفان لإسرائيل ونقاشاته مع نتنياهو وزراء حكومة الحرب في تغيير موقف إسرائيل وسياساتها في استمرار الحرب، وفرض نتنياهو رؤيته على الولايات المتحدة فيما يتعلق بإطالة أمد الحرب لعدة شهور حتى «النصر المبين على (حماس)».

مستشار الامن القومي الاميركي جيك سوليفان اثناء مؤتمر صحافي في السفارة الاميركية في اسرائيل حول الصراع المستمر بين اسرائيل وحماس (رويترز)

وكانت مهمة سوليفان هي توصيل رسالة لإسرائيل مفادها أن الحرب يجب أن تنتهي في غضون أسابيع، وأن شكل القصف العسكري بحاجة للتغيير لتجنب سقوط المدنيين، وضرورة أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في إدارة قطاع غزة، لكن الردود الإسرائيلية جاءت رافضة للرسائل الأميركية.

وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن اجتماعات سوليفان في إسرائيل لم تحقق تقدماً في القضايا الثلاث الأساسية التي كانت محور النقاشات وهي تقليل أعداد الضحايا من المدنيين، وتحديد إطار زمني لانتهاء الحرب، ومستقبل قطاع غزة. واضطر سوليفان إلى التصريح بأن واشنطن تتفق مع تل أبيب على أن الحرب ستستغرق شهوراً، مشيراً إلى ما أسماه «مرحلة جديدة مختلفة» تستهدف قادة حماس، متبنياً رؤية تل أبيب في مواصلة مطاردة زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار وقائد الجناح للعسكري محمد الضيف ونائبه مروان عيسى.

السلطة الفلسطينية

الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع جيك سولفيان الجمعة في رام الله (المكتب الإعلامي الفلسطيني - أ.ف.ب)

وفي لقاء سوليفان بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، صباح الجمعة، ثارت التساؤلات أيضاً حول الطرح الأميركي لرؤية «سلطة فلسطينية متجددة»، ورؤية إدارة بايدن لترتيبات ما بعد الحرب مع السلطة الفلسطينية الحالية، والتي تشمل - وفقاً لمسؤول أميركي كبير - إعادة تنشيط قوات الأمن الفلسطينية لتولي السيطرة على القطاع بعد انتهاء الحرب، وكي تكون هذه القوات بمثابة نواة لحفظ السلام والأمن في غزة، وهو أحد المقترحات في رؤية واشنطن للترتيبات الأمنية في غزة ما بعد الحرب.

لكن هذه الرؤية تثير معارضة قوية من إسرائيل لأي دور لقوات الأمن الفلسطينية في غزة، وتريد إسرائيل الحفاظ على وجود أمنى إسرائيلي مفتوح وغير مشروط في قطاع غزة. ويرفض نتنياهو إقامة دولة فلسطينية، ويرفض رؤية إدارة بايدن لسيطرة السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، بوصفها خطوة تمهد لإقامة الدولة الفلسطينية. من جانب آخر لم تكشف واشنطن عن تفاصيل رؤيتها لتنشيط وتجديد السلطة الفلسطينية، وهل تتضمن تغييرات في السلطة أو تعيين نائب للرئيس أو إجراء انتخابات عامة.

وقد شدد سوليفان في لقائه مع الرئيس محمود عباس على ضرورة إجراء إصلاح شامل للسلطة الفلسطينية من حيث أسلوب حكمها وتمثيلها للشعب الفلسطيني، مؤكداً أن من مسؤولية السلطة الفلسطينية البدء في هذه الإصلاحات وتنفيذها، وشدد على تولي السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة وأمنها في المرحلة المقبلة.

ويقول غريغوري تريفرتون، رئيس مجلس الاستخبارات الوطنية في إدارة أوباما لمجلة the conversation إن توجه نتنياهو في اتجاه اليمين المتطرف جعل الوضع أكثر صعوبة لإدارة بايدن لفرض نفوذ وضغوط على إسرائيل، ولا يوجد فهم للهدف الإسرائيلي «لنهاية اللعبة» مع الرغبة الإسرائيلية لاحتلال غزة، ورفض عودة السلطة الفلسطينية، ورفض حل الدولتين. ويشير تريفرتون إلى أنه بغض النظر عن مسارات الحرب فمن المؤكد أن حركة «حماس» نجحت في وضع فكرة إقامة دولة فلسطينية على الأجندة العالمية، وسيتعين على نتنياهو أن يتعامل مع هذا الأمر في مرحلة ما.

جنود إسرائيليون عند حدود قطاع غزة وعمليات عسكرية مستمرة (أ.ب)

شروط نتنياهو لإنهاء الحرب

حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي شرطين رئيسيين لإنهاء الحرب؛ الأول هو احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على غزة، والثاني رفض عودة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس لتحل محل «حماس» في حكم غزة، ومع الرفض الأميركي لاحتلال إسرائيلي لغزة تدور مقترحات وأفكار حول تشكيل قوة متعددة الجنسيات للسيطرة على غزة، وإنشاء قيادة مدنية للإشراف على إعادة أعمار قطاع غزة ووضع خطط لمنع إعادة ظهور «حماس» وضمان عدم تسليحها.

من جانبه، طرح جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، ثلاثة شروط لإنهاء الحرب. وقال للصحافيين في المؤتمر الصحافي، مساء الخميس، إن واشنطن تريد أن تنتهي الحرب بين إسرائيل و«حماس» في أقرب وقت ممكن، موضحاً أن الحرب يمكن أن تنتهي إذا استسلم زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار، واستسلم كل قادة الحركة، وألقوا بأسلحتهم، وقاموا بإطلاق سراح كافة الرهائن. وأضاف كيربي: «يمكن أن تنتهي الحرب اليوم إذا فعل السنوار الشيء الصحيح، وألقى سلاحه واستسلم وأعاد كل الرهائن، ولكن لا يبدو ذلك محتملاً الآن».

زعيم حركة حماس في غزة يحيي السنوار (رويترز)

يحيى السنوار

وأوضح مسؤول كبير للصحافيين خلال مؤتمر تليفوني، مساء الخميس، أن أيام زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار باتت معدودة، مشيراً إلى توافق أميركي إسرائيلي على أهمية استهداف السنوار وبقية قادة «حماس» كأبرز أهداف العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية. وأثارت هذه التصريحات التساؤلات حول الخطط لاستهداف قادة «حماس»، وهل يمكن أن تؤدي الإطاحة بزعيم الحركة يحيى السنوار إلى إنهاء الحرب أو على الأقل تقصير أمدها؟

وقد وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي السنوار (61 عاماً) بأنه «رجل ميت يمشي»، وتعهد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بالقضاء على كل قادة «حماس»، وتعتقد إسرائيل أن قتل السنوار سيختصر الحرب، وسيجعل عملياتها لتدمير «حماس» وبنيتها التحتية العسكرية أكثر سهولة. وفي المقابل ترى الولايات المتحدة أن إنهاء الحرب في أقرب وقت سيكون في صالح إسرائيل، حيث تتعرض إدارة بايدن لانتقادات لاذعة على المسرح الدولي، وتواجه غضباً متزايداً في الرأي العام الأميركي وانقسامات داخل الحزب الديمقراطي، وداخل البيت الأبيض بسبب العدد الهائل من الضحايا المدنيين.

ويعد السنوار الرجل المسؤول عن هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وبالتالي تتفق واشنطن وتل أبيب على أن استهدافه وقتله سيكون عملاً مبرراً من الناحية القانونية والأخلاقية، لكن الشكوك عالية بأن استهداف السنوار وغيره من كبار قادة «حماس» قد يضعف الحركة، لكنه لن يؤدي إلى القضاء عليها. وقد أظهرت خسائر القوات الإسرائيلية في خان يونس قدرة حركة «حماس» على إدارة حرب شوارع وإلحاق خسائر في صفوف القوات الإسرائيلية، وأثارت تساؤلات حول قدرة إسرائيل على استهداف قادة «حماس» دون تدمير المنطقة بأكملها.


مقالات ذات صلة

خاص الرئيس الفلسطيني محمود عباس (د.ب.أ)

خاص عباس دعا «حماس» لتسليم سلاحها وإسرائيل للانسحاب من غزة

بينما يمر اتفاق غزة بوضع حرج، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتنفيذ فوري للمرحلة الثانية، عبر انسحاب إسرائيل، وتسليم «حماس» سلاحها للسلطة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

مقتل 7 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

قال تلفزيون فلسطين إن سبعة أشخاص قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

«الشرق الأوسط»
المشرق العربي طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

خلال ساعات ليل ونهار السبت، استخدمت القوات الإسرائيلية الطائرات الحربية تارةً والعربات المفخخة تارةً أخرى، لقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية داخل قطاع غزة

المشرق العربي على اليمين صورة لمريم إبراهيم قبل الإصابة في الحرب... ويساراً صورة لها بعد الإصابة (وسائل إعلام محلية - إ.ب.أ)

نجاح عملية معقّدة لفتاة فقدت جزءاً من جمجمتها في حرب غزة

نجت فتاة من غزة كانت تعاني من إصابة في جمجمتها، جراء شظية إسرائيلية، بعد جراحة تمت لها في الأردن.

«الشرق الأوسط» (غزة)

واشنطن وكييف تواصلان محادثات «السلام الصعب» في فلوريدا لليوم الثالث

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)
إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)
TT

واشنطن وكييف تواصلان محادثات «السلام الصعب» في فلوريدا لليوم الثالث

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)
إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)

تتواصل في فلوريدا لليوم الثالث على التوالي المحادثات الأميركية – الأوكرانية حول خطة واشنطن لإنهاء الحرب مع روسيا، في وقت تواصل فيه القوات الروسية توسيع مكاسبها الميدانية على عدة جبهات، وتكثّف عمليات القصف بالطائرات المسيّرة والصواريخ ضد منشآت الطاقة والبنى التحتية الحيوية في أوكرانيا، ما يلقي بظلال ثقيلة على آفاق التوصل إلى تسوية سياسية ويزيد من تعقيد حسابات الطرفين.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف يتصافحان خلال اجتماعهما في الكرملين بموسكو 6 أغسطس 2025 (أ.ب)

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن الجانبين «اتفقا على أن التقدم الحقيقي نحو أي اتفاق يعتمد على استعداد روسيا لإظهار التزام جاد بسلام طويل الأمد، بما في ذلك اتخاذ خطوات نحو خفض التصعيد ووقف أعمال القتل»، وأن كبير المفاوضين رستم عميروف أكد مجدداً أن أولوية أوكرانيا هي التوصل إلى اتفاق «يحمي استقلالها وسيادتها».

وأشار البيان إلى توافق على «إطار للترتيبات الأمنية وقدرات الردع الضرورية للحفاظ على سلام دائم»، من دون الإفصاح عن طبيعة هذه الضمانات، التي تبقى جوهر الخلاف بين كييف وواشنطن من جهة، وموسكو من جهة أخرى.

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يتوسط جاريد كوشنر إلى يساره وستيف ويتكوف خلال لقائهم وفدا أوكرانيا في فلوريدا الأحد الماضي (أ.ب)

ويقود المحادثات في الجانب الأميركي المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترمب، ستيف ويتكوف، ويرافقه جاريد كوشنر، في مؤشر إلى رغبة الإدارة الأميركية في دمج قنوات سياسية غير تقليدية في مسار الوساطة. وتمثل كييف في المفاوضات شخصيات بارزة، بينها كبير المفاوضين رستم عميروف والجنرال أندريه هناتوف. وجاءت جلسات فلوريدا بعد سلسلة اجتماعات في جنيف وميامي، وفي أعقاب زيارة قام بها ويتكوف وكوشنر إلى موسكو حيث عرضا النسخة المعدلة من الخطة على الرئيس فلاديمير بوتين.

ومنذ عرض الخطة الأميركية قبل نحو ثلاثة أسابيع، جرت جلسات محادثات عدة مع الأوكرانيين في جنيف وميامي بهدف تعديل النص لمراعاة مصالح كييف. كما عُرضت الوثيقة الأربعاء على الرئيس الروسي خلال زيارة لموسكو أجراها ويتكوف وكوشنر.

الجمعة، أشار المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف، إلى أنّ اجتماع الثلاثاء في موسكو جرى في جو ودي، مرحّباً بمشاركة جاريد كوشنر في المناقشات. وصرح أوشاكوف للتلفزيون الرسمي بأن الرئيس الروسي وويتكوف أجريا «محادثة ودية حقيقية ويفهم كل منهما الآخر». وفي إشارة إلى جاريد كوشنر، وأضاف: «انضمّ إلينا شخص جديد وأود القول إنّه كان مفيداً للغاية».

ولم يعلن عن تفاصيل كثيرة على صلة بالخطة المعدلة، في حين عُدّت النسخة الأولية منها مراعية إلى حد كبير لمصالح روسيا.

بوتين ومستشاره للسياسة الخارجية يوري أوشاكوف (يسار) والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف (يمين) (أ.ب)

وقد تضمنت المسودة الأولى لخطة واشنطن تنازل أوكرانيا عن أراض بعضها لم تتمكن روسيا من احتلالها حتى الآن، مقابل وعود أمنية لا ترقى إلى مستوى تطلعات كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ورغم أن التفاصيل لا تزال محاطة بالغموض، فإن النسخة الأولية من الخطة وُصفت بأنها «مائلة لمصلحة موسكو»، إذ تضمّنت تنازلات إقليمية من جانب أوكرانيا، بعضها في مناطق لم تحتلها روسيا بعد، مقابل ضمانات أمنية دون مستوى الانضمام إلى «الناتو». وفي حين تطالب كييف بضمانات صارمة تمنع تجدد العدوان الروسي، تبدي واشنطن حذراً في التعهد بخطوات قد تثير مواجهة مباشرة مع موسكو. وبين هذين الموقفين، تواصل روسيا توظيف مكاسبها العسكرية في المفاوضات، وفق مراقبين.

تقدّم روسي يفرض منطقه

على الأرض، كانت موسكو تُرسل إشارات واضحة إلى أنها ماضية في خيار الحسم الميداني. وأعلن الجيش الروسي سيطرته على بلدة بيزيمينيه في دونيتسك، فيما تتواصل محاولات التقدم باتجاه محاور أخرى في باخموت وسيفرسك وكوبينسك. وبحسب خرائط معارك نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» لـ«معهد دراسات الحرب في واشنطن»، ومحللين في منصات مراقبة مستقلة، فإن القوات الروسية تحقق مكاسب بطيئة، ولكن ثابتة، بعدما كثّفت خلال الأسابيع الماضية اعتمادها على الطائرات المسيّرة الهجومية، والمسيّرات الانتحارية الصغيرة التي تصعّب مهمة الدفاع الأوكراني.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف يتصافحان خلال اجتماعهما في الكرملين بموسكو 6 أغسطس 2025 (أ.ب)

ويشير التقرير إلى أن روسيا استولت خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) على نحو 505 كيلومترات مربعة من الأراضي، أي ضعف ما حققته في أكتوبر (تشرين الأول). ويرى محللون أن هذه المكاسب تُغري الكرملين بتشديد شروطه السياسية، وتمنحه شعوراً بأنه قادر على فرض إملاءاته في المفاوضات.

وبعد مناقشاته مع الوفد الأميركي، قال بوتين في تصريحات للتلفزيون الروسي إن اللقاءات جرت «في جو ودي»، لكنه شدد على أن روسيا «لن تغيّر مطالبها الأساسية»، وهو ما فُسر بأنه رفض غير معلن لأي تنازل كبير في الخطة الأميركية.

تصعيد واسع على البنية التحتية

وفي موازاة مسار المفاوضات، شنّت روسيا واحدة من أعنف موجات القصف منذ أشهر، مستخدمة أكثر من 650 طائرة مسيّرة و51 صاروخاً، وفق الجيش الأوكراني الذي أعلن إسقاط الغالبية منها، لكنه أقر بوقوع أضرار جسيمة في منشآت الطاقة ومحطات التدفئة والسكك الحديدية.

وأفاد حاكم العاصمة كييف بأن هجوماً واسعاً بالصواريخ والمسيّرات استهدف ضواحي المدينة ومنطقة فاستيف، حيث تعرض مركز رئيسي للسكك الحديدية للقصف، ما أدى إلى تدمير عربات ومحطات شحن وإلغاء عدد من الرحلات. كما تعرّضت البنية التحتية في تشيرنيهيف، وزابوريجيا، وأوديسا، ودنيبروبتروفسك لضربات تسببت في انقطاع الكهرباء والمياه عن عشرات الآلاف.

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن «منشآت الطاقة كانت الهدف الرئيس للهجمات» التي وصفها بأنها محاولة لـ«إلحاق المعاناة بملايين الأوكرانيين، وانحدروا إلى حد إطلاق الصواريخ على مدن مسالمة في يوم القديس نيكولاس»، في إشارة إلى بداية فترة عيد الميلاد في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف هذا التاريخ أيضاً يوم القوات المسلحة الأوكرانية، حسب «وكالة الأنباء الألمانية»، اليوم السبت. وجدّد دعوته لزيادة الضغط على موسكو وتعزيز الدعم العسكري لكييف، مشدداً على أن «روسيا لا تسعى للسلام، بل لفرض الاستسلام بالقوة».

وفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن «ضربة كبيرة» نُفذت رداً على ما قالت إنه «هجمات أوكرانية على أهداف مدنية داخل روسيا»، مؤكدة استهداف «منشآت عسكرية وصناعية وموانٍ وبنية طاقة» في مختلف أنحاء أوكرانيا.

أوكرانيا تردّ بقدرات محدودة

جندي روسي يرفع علم بلاده في إحدى البلدات بإقليم دونيستك الأوكراني الثلاثاء (إ.ب.أ)

ورغم تراجع قدراتها الهجومية، قالت القوات الأوكرانية إنها قصفت مصفاة ريازان الروسية لتكرير النفط ومنشأة لصناعة أغلفة القذائف في منطقة لوهانسك، في محاولة لتهديد القدرات اللوجيستية الروسية. غير أن حجم هذه الضربات يبقى أقل بكثير من تأثير الهجمات الروسية واسعة النطاق، وفق محللين عسكريين.

وتشير شهادات جنود أوكرانيين إلى حالة «إرهاق» في الخطوط الأمامية، وخصوصاً في محيط مدينة بوكروفسك التي تشهد معارك ضارية منذ 18 شهراً. وتصف قوات أوكرانية الوضع هناك بأنه «انهيار تدريجي» ناجم عن تفوق روسي في الطائرات المسيّرة والذخيرة والاستطلاع الليلي، وبسبب نقص الاحتياطيات البشرية في الجيش الأوكراني.

يرى مراقبون أن المفاوضات الجارية في فلوريدا تتأثر مباشرة بالتطورات الميدانية. إذ تدخل كييف المفاوضات من موقع أضعف نسبياً مقارنة بفترات سابقة، بينما يسعى بوتين إلى استثمار التقدم العسكري لفرض خطوط تماس جديدة كأساس لأي تسوية، وربما لانتزاع تنازلات سياسية من واشنطن نفسها.

ورغم تأكيد الجانب الأميركي أن المناقشات «بنّاءة»، فإن طبيعة الوفد الأميركي، الذي يضم شخصيات قريبة من ترمب، تثير تساؤلات حول الاتجاه المستقبلي للسياسة الأميركية تجاه الحرب، خصوصاً في ظل تراجع الحماسة في الكونغرس لتمويل دعم واسع لأوكرانيا. أما كييف، التي تصر على ضمانات أمنية راسخة واستعادة سيادتها، فتبدو في سباق مع الزمن لمنع روسيا من تحقيق مكاسب إضافية قد تفرض واقعاً تفاوضياً أكثر قسوة.


حملة واشنطن على فنزويلا بين الحرب على المخدرات ومساعي إسقاط النظام

روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)
روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

حملة واشنطن على فنزويلا بين الحرب على المخدرات ومساعي إسقاط النظام

روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)
روبيو يتحدث إلى جانب ترمب في البيت الأبيض يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

لا يبدو أن المشهد المُعقّد بين الولايات المتحدة وفنزويلا يسير نحو التهدئة، فالتصعيد في القول والفعل هو سيد الموقف حالياً، ومن الواضح أن استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيال كاراكاس التي يشوبها الغموض أحياناً لن ترضى بحلول جزئية وخطوات رمزية، فالهدف العلني الذي وضعته الإدارة الأميركية هو الحرب على المخدرات التي تتدفق إلى الولايات المتحدة، وتؤذي الأميركيين، ليكون شعار «أميركا أولاً» الذي تعهّد به المبرر الأساسي لهذه الحملة.

لكن خلف هذه السردية تتحدث التسريبات والتقارير عن هدف مختلف هو تغيير نظام نيكولاس مادورو، وإزاحته عن الحكم. كما أتت تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو التي أكد فيها أن فنزويلا هي موطئ قدم استراتيجي لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» اللبناني، لتزيد من حجم التساؤلات حول دوافع التصعيد وأسبابه. يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، أسباب فتح باب المواجهة بين واشنطن وكاراكاس، والدور الذي يلعبه كبار مسؤولي إدارة ترمب في هذه الاستراتيجية.

مخاوف من التصعيد

لم يستبعد ترمب توسيع الضربات الجوية على قوارب في الكاريبي، لتشمل ضربات برية في فنزويلا. وفيما يُعرب ضابط الاستخبارات السابق في البحرية الأميركية ورئيس مجموعة «برايمر» للخدمات الحكومية، دون برايمر، عن أمله في عدم حدوث أي هجمات برية، خوفاً من تصعيد «قد يخرج عن السيطرة»، فإنّه يعترف في الوقت نفسه بأن قطع طريق نقل المخدرات عبر البحر سيدفع بتجار المخدرات إلى اللجوء لعمليات نقل برية أو جوية، مما سيؤدي إلى دفع أميركا لتنفيذ ضربات برية لقطع هذه الطرق.

مسؤولون عسكريون خضعوا لمساءلة الكونغرس بشأن ضربات الكاريبي 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

من ناحيته، يحذّر كبير الباحثين في مركز «يورو آسيا» في معهد الأطلسي، جايكوب هايلبرن، من تداعيات خطوة من هذا النوع. ويرى أن إدارة ترمب تستعمل ذريعة المخدرات في فنزويلا كما فعلت مع أسلحة الدمار الشامل في العراق، ويقول: «هذا قد يتحول إلى كارثة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فترمب يسعى إلى تغيير نظام مادورو، لكنه يريد في الوقت نفسه تجنّب احتلال فنزويلا».

أما السفير الأميركي السابق لدى هندوراس، مستشار الرئيس الأميركي سابقاً لشؤون فنزويلا، هيوغو لورانس، فيعدّ إدارة ترمب «غير واضحة فيما يتعلق بالهدف النهائي في فنزويلا»، لكنه يشير إلى مجموعة كبيرة من الأهداف، منها الحرب على المخدرات، وإبقاؤها خارج الولايات المتحدة، وهو هدف داخلي سياسي لترمب وعد به خلال حملته الانتخابية.

«مشروع روبيو»

يتحدث لورانس في الوقت نفسه عن الدور البارز الذي يلعبه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في هذا الملف، ودوافعه في إزاحة مادورو عن السلطة. ويفسّر: «روبيو هو من أصول كوبية، وهو متشدد ضد اليسار في أميركا اللاتينية. بالنسبة إليه فنزويلا عدو، وهو من بين أعضاء الإدارة الذين يودون تغيير النظام في فنزويلا».

تتزايد احتمالات التصعيد بين أميركا وفنزويلا (أ.ف.ب)

في المقابل، يشير لورانس إلى أن هناك أعضاء من حركة «ماغا» يحذّرون من الدخول في هذه المعركة، قائلاً: «لهذا يحاول ترمب التركيز على قضية المخدرات والسعي دبلوماسياً للضغط على مادورو لمغادرة البلاد من دون الدخول في عملية عسكرية مع فنزويلا».

وفي حين يُرجّح هيوغو احتمال تنفيذ أميركا «ضربة استراتيجية» لدفع مادورو خارج السلطة، فإنه يتساءل: «في حال لم يخرج مادورو من سيكون الخاسر؟».

ويوافق بريمر على الدور المهم الذي يلعبه روبيو في هذه المواجهة، فيقول: «هذه المشكلة مع فنزويلا هي مشكلة شخصية جداً للوزير روبيو وكأنه مشروع خاص له. لقد أخذ هذا الصراع على عاتقه». ويُحذّر من انقلاب هذه المسألة عليه في حال تذمر القاعدة الشعبية لترمب، خصوصاً أن مشكلة المخدرات لا تقتصر على فنزويلا فحسب، مُذكراً بأن الصين هي المصدر الأساسي لمخدّر الفنتانيل الذي يفتك بالأميركيين.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يتحدث مع أنصاره في 1 ديسمبر 2025 (رويترز)

وهذا ما يكرره هايلبرن الذي يشير إلى عدم وجود أي دليل على كون فنزويلا المورد الأول للمخدرات إلى الولايات المتحدة، وأن مشكلة الفنتانيل القادم من الصين أكبر بكثير. ولهذا السبب، يشير إلى «مشكلة روبيو الشخصية ضد فنزويلا»، لافتاً إلى أن مستقبله السياسي سيكون على المحك في حال تسبب هذه الأزمة بإحراج ترمب، لكنه يتحدث في الوقت نفسه عن محفز آخر للرئيس الأميركي، وهو النفط الفنزويلي. ويشير إلى أنه لهذا السبب، يسعى لإزاحة مادورو على أمل أن يكون بديله رئيساً يتعاون مع أميركا في قضايا الاقتصاد والهجرة والسعي لتخفيض أسعار النفط في الولايات المتحدة.

ويُسلّط لورانس الضوء على منهج ترمب في التعامل مع القضايا الدولية، ويقول إن «الرئيس الأميركي يؤمن إيماناً كبيراً بالاستراتيجية الاقتصادية المبنية على الطاقة الميسورة التكلفة. هو دائماً يبحث عن طرق من أجل زيادة توفير الطاقة ومواردها، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في الأسواق الدولية أيضاً، وفنزويلا تمتلك أكبر مخزون للنفط الخام».

إيران و«حزب الله»

يُرجّح لورانس أنه في حال رفض مادورو التنحي قد يسمح ترمب ببعض الضربات العسكرية لإحلال المعارضة التي كسبت الانتخابات في عام 2014 محل الرئيس الفنزويلي في مرحلة انتقالية، مؤكداً وجود تواصل بين الاستخبارات الأميركية والعسكر في فنزويلا. لكنه يسلط الضوء على دور كوبا البارز في حماية مادورو، ويقول: «من يحمي مادورو استخباراتياً وأمنياً هو النظام الكوبي. وأنا أضمن أن الكوبيين يقومون بكل ما بوسعهم لحماية مادورو من أي ضربة محتملة من الولايات المتحدة، لأنه من المعروف أنه في حال انهيار النظام الفنزويلي، سينتقل تركيز الولايات المتحدة إلى كوبا والنظام هناك. وهذا ما يريده روبيو».

ترمب في معهد السلام الأميركي 4 ديسمبر 2025 (رويترز)

وقد ذكر روبيو مؤخراً أن فنزويلا هي موطئ قدم لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» اللبناني. ويرى بريمر أن تصريحات من هذا النوع تؤكد أن الخلاف مع فنزويلا هو بالفعل أكبر من قضية المخدرات، ولا يشمل فقط الروابط مع إيران، بل روابط قوية مع الصين وودائع جمة من النفط والمعادن الثمينة. ويضيف: «إذن ما يجري هو ليس رسالة لإيران فحسب، بل للصين أيضاً».

ويشدد لورانس على عمق العلاقات بين فنزويلا والنظام الإيراني الذي يبيع الأسلحة إلى مادورو ويوفّر له المسيرات والتدريب، على حد قوله. كما يتحدث عن وجود وكلاء إيران الإقليميين، مثل «حزب الله» في فنزويلا، مشيراً إلى أن بعض عملياتهم تنطلق من أميركا اللاتينية. ويضيف: «إنها مسألة أمن قومي، من الصين وروسيا إلى إيران و(حزب الله). وبعد الضربات الإسرائيلية الناجحة ضد (حزب الله) في لبنان، فقد تعيّن عليه الانتقال إلى الحضور بشكل أكبر في أميركا اللاتينية».


أميركي متهم بوضع قنابل قرب مقار حزبية يَمثُل أمام المحكمة للمرة الأولى

رسم تخيلي لجلسة المحكمة (أ.ب)
رسم تخيلي لجلسة المحكمة (أ.ب)
TT

أميركي متهم بوضع قنابل قرب مقار حزبية يَمثُل أمام المحكمة للمرة الأولى

رسم تخيلي لجلسة المحكمة (أ.ب)
رسم تخيلي لجلسة المحكمة (أ.ب)

مثُل أميركي للمرة الأولى أمام المحكمة بعد توقيفه بتهمة وضع قنابل بدائية الصنع قرب مقار للحزبين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن عشية أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021.

ولم يقر بريان كول جونيور بالذنب خلال جلسة الاستماع الجمعة في المحكمة بواشنطن.

وأمرت القاضية موكسيلا أوباديايا بإبقاء كول الذي أُوقف في منزله في وودبريدج بولاية فرجينيا الخميس، قيد الاحتجاز حتى الجلسة المقبلة في 12 ديسمبر (كانون الأول).

ووجّه الادعاء إلى كول البالغ 30 عاماً تهمة نقل جهاز متفجر بين الولايات ومحاولة التدمير باستخدام مواد متفجرة.

ومثّل توقيفه أول تقدم كبير محرز في القضية التي أثارت العديد من نظريات المؤامرة في صفوف نشطاء اليمين المتطرف.

ولم تنفجر «القنابل الأنبوبية» التي وُضِعَت خارج مكاتب اللجنة الوطنية الديمقراطية واللجنة الوطنية الجمهورية في واشنطن مساء 5 يناير (كانون الثاني).

واكتشفت السلطات القنابل في اليوم التالي عندما اقتحم أنصار للرئيس دونالد ترمب مبنى الكابيتول في محاولة لمنع مصادقة الكونغرس على فوز غريمه الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات.

ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) العديد من الصور ومقاطع الفيديو لمشتبه به مقنّع على مر السنوات، ورصد مكافأة مالية مقابل معلومات تؤدي إلى القبض عليه، رفعها تدريجياً إلى نصف مليون دولار.