إسرائيل تفرض أجواء الحرب على الضفة الغربية

اغتيال مسلحي «فتح» في مقر للحركة بمخيم «بلاطة» يذكر الفلسطينيين بانتفاضة عام 2000

فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد غارة إسرائيلية ليلاً على مخيم «بلاطة» للاجئين شرق نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد غارة إسرائيلية ليلاً على مخيم «بلاطة» للاجئين شرق نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تفرض أجواء الحرب على الضفة الغربية

فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد غارة إسرائيلية ليلاً على مخيم «بلاطة» للاجئين شرق نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد غارة إسرائيلية ليلاً على مخيم «بلاطة» للاجئين شرق نابلس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

اغتالت إسرائيل 5 فلسطينيين في مخيم «بلاطة» في الضفة الغربية بقصف استهدف مقر حركة «فتح» بالمخيم، في خطوة غير مسبوقة منذ عقود، وتشير إلى تغيُر كبير في السياسة الإسرائيلية في الضفة، وتعزز المخاوف من تصعيد ملحوظ قد يشكل بداية مرحلة جديدة.

ودمر صاروخ إسرائيلي مقر حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مخيم بلاطة في وقت مبكر من فجر السبت، وقُتل على الفور محمود زهد الذي يعد قائد الجناح المسلح لحركة «فتح» في المخيم، إلى جانب كل من محمد فوزي حشاش، ومحمد أبو مصطفى، وعلي حسن فرج، ومحمد المسيمي.

وأظهرت لقطات فيديو دماراً كبيراً في المقر، بينما يعمل رجال الإنقاذ والإسعاف على انتشال ونقل جثامين وبعض الأشلاء في مشهد لم تختبره الضفة الغربية منذ انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000.

متظاهرون يرفعون الأعلام الوطنية خلال مسيرة سابقة في رام الله بالضفة دعماً لغزة والسجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية (أ.ف.ب)

نعي «فتح»

ونعت حركة «فتح» عناصرها في بلاطة، وقال أمين سر الحركة في نابلس محمد حمدان إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب «جريمة اغتيال جبانة ضد أبناء حركة (فتح) في مخيم بلاطة» مؤكداً أن جرائمه الممتدة من غزة إلى الضفة لن تجلب سوى المزيد من المقاومة.

وجاءت الضربة في وقت اتهم فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل بشن حرب مفتوحة على الوجود الفلسطيني، كما حذرت الإدارة الأميركية الحكومة الإسرائيلية من تصعيد في الضفة قد يحولها إلى جبهة ثالثة في الحرب المندلعة، السبت.

وصعدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد عملية «طوفان الأقصى»، وقتلت نحو 212 فلسطينياً، واعتقلت أكثر من 2800، واستخدمت على نحو غير مسبوق المسيرات في اغتيال مقاومين في أثناء اشتباكات ضارية، لكن قصف المقرات والبيوت وتدميرها على رؤوس من فيها، تعد سياسة جديدة، وكانت متبعة في قطاع غزة وليس الضفة الغربية التي تقتحمها قوات الجيش الإسرائيلي بشكل يومي وتقتل وتعتقل فيها ناشطين.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد غارة إسرائيلية سابقة على مخيم جنين بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

عملية مشتركة مع «الشاباك»

وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي إنه في عملية مشتركة مع «الشاباك» في مخيم بلاطة «قامت طائرة باستهداف شقة اختباء كان يستخدمها عدد من المخربين المتورطين في التخطيط لإطلاق اعتداءات وشيكة تستهدف المدنيين الإسرائيليين وأهدافاً عسكرية».

وأكد الجيش أن الاغتيال يستهدف بشكل رئيسي محمود زهد، بوصفه ضالعاً في سلسلة عمليات إطلاق النار في محيط نابلس والتخطيط لعمليات عسكرية. وقال بيان الجيش إن زهد شارك في نشاط معادٍ وعسكري داخل مخيم بلاطة، وشكل خلية مكوَّنة من بعض شبان المخيم، وزوّدهم بعبوات ناسفة وقطع أسلحة لغرض القيام بعمليات ضد قوات الجيش لدى دخولها المخيم. وكان زهد قد نفذ بنفسه في الماضي عدة عمليات إطلاق نار استهدفت قوات الجيش، وأرسل مسلحين آخرين للقيام بهجمات، وشارك في تفخيخ مواقع مختلفة داخل مخيم بلاطة استعداداً لدخول قوات الجيش. واتهم الجيش زهد بأنه شرع كذلك في إنتاج عبوات ناسفة.

القوات الإسرائيلية تغلق الشارع الرئيسي خلال مواجهات بعد عملية في مخيم طولكرم للاجئين بالضفة (إ.ب.أ)

اقتحام المخيم

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن اقتحامه المخيم بعد تنفيذ عملية الاغتيال، وتدميره معمل لإنتاج العبوات الناسفة احتوى على عدة عبوات جاهزة للعمل، وخوضه اشتباكات مع مسلحين هناك. كما قال إن قواته الهندسية عثرت على عبوات تم دفنها على أطراف الشارع لاستهداف الجنود.

وقالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية إن عملية الاغتيال في مخيم «بلاطة» تختلف عن نمط العمليات التي نفذها الجيش في المنطقة في الأوقات الأخيرة، باعتبار أن تصفية مستهدفة مخطط لها مسبقاً من خلال هجوم جوي، مؤشر على العودة إلى سياسة التصفية والاغتيال الجوي للمطلوبين في الضفة الغربية. وبالفعل، فقد أكدت مصادر في إسرائيل العودة لسياسة الاغتيال في الضفة عبر القصف الجوي.

وقالت «معاريف»، في العمليات السابقة في شمال الضفة كانت عملية القصف تتم أثناء القتال لمساعدة القوات الموجودة على الأرض، ولكن هذه العملية مختلفة لأن القصف سبق اقتحام الجيش بساعات.

الأضرار التي أعقبت عملية للجيش الإسرائيلي في مدينة طولكرم بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

إغلاق الضفة وتطويقها

وتعيش الضفة الغربية توترات متصاعدة منذ عامين، لكن إسرائيل فرضت عليها أجواء حرب منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعدما أغلقت مدن الضفة وطوقتها، ومنعت التنقلات بين المدن، وراحت تقتل وتعتقل وتعتدي على الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، وتلاحق كل متضامن مع قطاع غزة، وتهدد عبر بيانات ألقتها في مناطق مختلفة كل شخص ينتمي للفصائل المسلحة، وكل أقاربه، وكل شخص لا يلتزم الصمت، وذلك في وقت أطلقت فيه العنان للمستوطنين الذين قتلوا أيضاً فلسطينيين وهاجموهم، وهددوهم بالترحيل قسراً إلى الأردن.

وواصل الجيش الإسرائيلي يوم السبت حملة اعتقالاته، فاعتقل نحو 50 فلسطينياً من أماكن مختلفة ما يرفع مجموع معتقلي الضفة الغربية إلى 2850 منذ 7 أكتوبر. وقتل 3 أسرى في السجون الإسرائيلية من السابع من أكتوبر، قالت مؤسسات الأسرى إنهم قضوا تحت التعذيب.


مقالات ذات صلة

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية تشغّل طائرات مسيّرة (موقع الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل كوّنت أول وحدة قتالية للفتيات المتدينات جراء نقص الجنود

قالت وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن إسرائيل كوّنت لأول مرة وحدة قتالية للفتيات المتدينات بالكامل بها مستشارة دينية نسائية بسبب نقص الجنود المقاتلين مع تعدد الحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية تنشط في منطقة جبل الشيخ بسوريا في هذه الصورة المنشورة بتاريخ 9 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:10

ماذا يربط «7 أكتوبر» باحتلال إسرائيل لجبل الشيخ؟

إصرار إسرائيل على احتلال جانب آخر من جبل الشيخ، ضمن جنيها ثمار انهيار نظام الأسد، يشير إلى «عقدة 7 أكتوبر» في تل أبيب.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقومون بدورية في مستوطنة أفيفيم الزراعية بجوار الحدود اللبنانية في الجليل الأعلى (أ.ب)

قوات إسرائيلية تخرج مستوطنين عبروا إلى جنوب لبنان

أخرج جنود إسرائيليون مجموعة صغيرة تنتمي لليمين المتطرف بعدما عبرت الحدود إلى لبنان وبدا أن أفرادها حاولوا نصب خيام

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (أ.ف.ب)

إسرائيل تنتقد تصريحات رئيس آيرلندا: كاذب معادٍ للسامية

قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إن وزير الخارجية، جدعون ساعر، انتقد تصريحات رئيس آيرلندا، مايكل هيغينز، الذي اتهم إسرائيل بانتهاك سيادة لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)
من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)
TT

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)
من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه، ويحظى بتأييد وازن من النواب السنة، ويلقى معارضة لتعديل الدستور يتزعمها الثنائي الشيعي، مع أن الجدل القانوني أخذ يتصاعد بين فريق يدعو لتعديله، وآخر يؤكد انتفاء الضرورة له، باعتبار أن الشغور الرئاسي مستمر منذ أكثر من سنتين، ما أدى إلى إسقاط المُهَل التي تفرض على المرشحين ممن يتولون مناصب الفئة الأولى الاستقالة قبل سنتين من الترشح للرئاسة الأولى.

فالجدل الدستوري يبقى قائماً إلى أن تحسمه الهيئة العامة للبرلمان، بعد أن أنيط بها تفسير الدستور، بخلاف ما نصت عليه «وثيقة الوفاق الوطني» المنبثقة عن الطائف التي كانت قد أوكلت التفسير إلى المجلس الدستوري.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية، بأن الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، كان قد استمزج رأي حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قبل أن يبادر «اللقاء الديمقراطي» إلى دعم ترشيح العماد عون؛ لكنه لم يلقَ التجاوب المطلوب بذريعة أنه في حاجة لتعديل الدستور، وهذا ما لا يؤيده.

وأكدت المصادر النيابية أن تأييد «اللقاء الديمقراطي» للعماد عون، جاء على خلفية الأجواء التي سادت اجتماعه ونجله رئيس «التقدمي» تيمور جنبلاط بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بصورة غير رسمية، وبعيداً عن الأضواء. وقالت بأن ترشيحه له يأتي من خلال قراءته للموجة الدولية المؤيدة له، ليأخذ على عاتقه تطبيق القرار 1701 فور تثبيت وقف النار في الجنوب. ولفتت إلى أن جنبلاط الأب أوفد عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور للقاء الرئيس بري، ووضعه في أجواء القرار الذي اتخذه «اللقاء» بتأييده العماد عون، وقالت إنه بقي متمسكاً بموقفه بأنه في حاجة إلى تعديل الدستور، وهو من جانبه لا يؤيده مع احترامه لخياره في تأييده لقائد الجيش.

وفي هذا السياق، أكد مصدر بارز في الثنائي الشيعي أن لا مجال لإعادة النظر في موقفه بامتناعه عن تأييد تعديل الدستور لانتخاب العماد عون رئيساً، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نسمع كثيراً عن وجود ضغط دولي مؤيِّد لانتخابه، وهذا ما تروج له بعض الكتل النيابية، ونحن من جانبنا لم نتلقَّ إشارة في هذا الخصوص». ورأى المصدر نفسه أن الفريق الآخر «يأخذ علينا تمسكنا بترشيح زعيم تيار (المردة) سليمان فرنجية، ويتهمنا بأننا لا نريد التوافق على رئيس يجمع ولا يفرّق، ولا يشكل تحدياً لأحد، بخلاف ما ينادي به الرئيس بري»، وقال بأن «دعوتنا للتوافق تعني –حكماً- استبعاده، وهذا يفترض أن ينسحب على الفريق الآخر الدخول في حوار ينتج التوافق على اسم الرئيس».

وكشف عن أن اجتماع المعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل بفرنجية، لم ينتهِ إلى خلاف كما أشيع، وقال إنه جاء في إطار التشاور معه، انطلاقاً من أن الثنائي الشيعي لم يتخلَّ حتى الساعة عن دعمه له؛ لكن الظروف السياسية تبدلت في لبنان من دون أن تتغير موازين القوى، ولم تعد تسمح بتأمين عدد النواب لإيصاله إلى رئاسة الجمهورية، وبالتالي لا بد من التوافق معه على مرشح يحظى بتأييد نيابي بالتفاهم مع المعارضة.

وأكد المصدر أن فرنجية أبدى تفهماً لوجهة نظر النائب خليل، وقال إنه يتعاطى بواقعية مع انتخاب الرئيس، و«نحن على تواصل معه رغم أنه أعلن مضيَّه بالترشح»، وأوحى المصدر بأن لا مشكلة في ترشحه، وقد يكون ضرورياً لقطع الطريق على احتمال ترشح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

لكن المصدر نفسه لا يتطرق للأسباب التي أملت على الثنائي الشيعي الوقوف ضد تعديل الدستور لمصلحة ترشح العماد عون، مع أن انتخابه من وجهة نظر المعارضة والقوى الدولية الداعمة لترشحه يشكل ضمانة لتطبيق القرار 1701، وتثبيت وقف النار في ظل إصرار إسرائيل على تثبيته، من وجهة نظرها، بالنار، بمواصلة خروقها وتدميرها للمنازل على مرأى من لجنة الرقابة الدولية المشرفة على تثبيته.

وبالمناسبة، يتصرف الثنائي الشيعي -حسب المصدر- بأن الامتناع عن تعديل الدستور يكون جامعاً بين «حزب الله» وحركة «أمل»، مع أن الغموض لا يزال يكتنف الخطة «ب» في حال أن دورة الانتخاب الأولى لم تؤدِّ لانتخاب رئيس بأكثرية 86 صوتاً، والأمر نفسه بالنسبة للثانية بتعذر انتخابه بـ65 نائباً، ما يفتح الباب أمام رفع الجلسة إفساحاً في المجال للتوافق على رئيس بالتفاهم مع المعارضة التي يمكن أن تتمسك بترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، بخلاف رهان خصومها على أن هناك استحالة أمام أي طرف لتأمين الأكثرية المطلوبة لإيصاله إلى «بعبدا»، وبالتالي لا خيار سوى التوافق على مرشح يحظى بحيثية مسيحية، ويرضى عنه الثنائي الشيعي، ولا يشكل استفزازاً له.

وعليه، فإن الحراك النيابي يقف حالياً أمام دخول البلد في عطلة الأعياد، وما إذا كانت ستسمح بفتح ثغرة في الحائط الرئاسي المسدود، بينما تتابع الحكومة بقلق استمرار الخروق الإسرائيلية لوقف النار، وتعد مذكرة احتجاج ترفعها إلى رئيس هيئة الرقابة، الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، تطلب منه التدخل لدى تل أبيب لوقف خروقها؛ خصوصاً أن اجتماعها الأول في الناقورة -كما علمت «الشرق الأوسط»- لم يكن مثمراً، واصطدم بعناد ممثلها في اللجنة.