أنف الإنسان... عضو غريب مزود «بأنفين» يعملان في دورة طبيعية

تحليلات علمية لفهم تكرار الإصابات بنزلات البرد

أنف الإنسان... عضو غريب مزود «بأنفين» يعملان في دورة طبيعية
TT

أنف الإنسان... عضو غريب مزود «بأنفين» يعملان في دورة طبيعية

أنف الإنسان... عضو غريب مزود «بأنفين» يعملان في دورة طبيعية

كنت أصاب بنزلة برد كل شهر منذ أن بدأ طفلي الذهاب إلى الحضانة، وقد تعلمت من تجربتي الخاصة أن احتقان الأنف أكثر غرابة مما كنت أعتقده.

أنف أم أنفان!

بالنسبة للمبتدئين، الأنف هو في الواقع أنفان، يعملان في دورة متناوبة ترتبط بطريقة أو بأخرى بالإبطين. الحجة القائلة إن البشر لديهم أنفان طرحها عليّ لأول مرة رونالد إيكليس، خبير الأنف الذي أدار مركز نزلات البرد بجامعة كارديف في مقاطعة ويلز البريطانية حتى تقاعده قبل بضع سنوات.

أعلم أن هذا يبدو سخيفاً، لكن فكّر في الشكل الذي يبدو عليه أنفك -أو أنفاك- من الداخل؛ تفتح كل فتحة أنف في تجويف الأنف الخاص بها الذي لا يتصل بالآخر بشكل مباشر. إنهما عضوان منفصلان. منفصلان مثل عينيك أو أذنيك. وإضافة إلى ذلك، وبعيداً عن كونه أنبوباً سلبياً، فإن التشريح الداخلي المخفي للأنف يتغير باستمرار.

نسيج انتصابي وريدي

وقال إيكليس إن الأنف مبطن بنسيج انتصابي وريدي له «بنية مشابهة لأنسجة الانتصاب في القضيب»، ويمكن أن يصبح محتقناً بالدم. وتؤدي العدوى أو الحساسية إلى تفاقم التورم، لدرجة أن الممرات الأنفية تصبح مسدودة تماماً.

هذا التورم، وليس المخاط، هو السبب الرئيسي لانسداد الأنف، ولهذا السبب لا يؤدي طرد المخاط إلى حل الاحتقان تماماً.

يقول تيموثي سميث، طبيب الأنف والأذن والحنجرة في مركز الجيوب الأنفية بجامعة أوريغون للصحة والعلوم: «يمكنك نفخ أنفك لفترات طويلة للتمخط، من دون أن تنفخ تلك الأنسجة المتورمة». وأخبرني أن التمخط بلطف يعمل بشكل جيد على التخلص من أي مخاط قد يزيد من الاحتقان.

لكن مزيلات الاحتقان تعمل عن طريق التسبب في تقلص الأوعية الدموية في الأنف، ما يفتح الممرات الأنفية للحصول على راحة مؤقتة.

دورة أنفية

في الأنوف الصحية، عادة ما يتبع تورم الأنسجة الأنفية وعدم تورمها نمطاً يمكن التنبؤ به، يسمى الدورة الأنفية nasal cycle. إذ لبضع ساعات، يصبح أحد جانبي الأنف محتقناً جزئياً، بينما ينفتح الجانب الآخر. ثم يقومان بالتبادل، ذهاباً وإياباً، ذهاباً وإياباً.

يختلف النمط الدقيق والمدة لهذه الدورة من شخص لآخر، لكننا نادراً ما نلاحظ هذه التغييرات داخل أنوفنا. يقول جيلهيرم غارسيا، مهندس الطب الحيوي في كلية الطب في ويسكونسن: «عندما أخبر الناس عن الدورة الأنفية، فإن معظمهم لا يدركون ذلك على الإطلاق».

بالتأكيد لم أكن كذلك، وكنت أتنفس من خلال أنفي طوال حياتي فقط. لكن الفكرة أصبحت منطقية بمجرد أن فكرت فيها بوعي؛ عندما أكون مريضة، ويتحول التورم الزائد أي الاحتقان الجزئي إلى احتقان كامل، فإنني أميل إلى الشعور بالانسداد في أحد الجانبين أكثر من الآخر.

وهكذا بمجرد أن تصبح على علم بالدورة الأنفية، يمكنك التحكم فيها، إلى حد ما. في الواقع، عندما كنت أتقلب من جانب إلى آخر خلال ليالي الأرق، كنت أقوم دون قصد بتنشيط المستقبلات الموجودة تحت ذراعي، التي تفتح الجانب الآخر من الأنف. قد يكون هذا منعكساً لا إرادياً قديماً للبقاء على قيد الحياة، عندما نستلقي على جانبنا الأيمن، تكون فتحة أنفنا اليسرى أبعد عن الأرض ومن المحتمل أن تكون معوقة أقل، أي أنها أقل انغلاقاً.

عكازة تحت الأبط في ممارسات اليوغا داندا

اليوغا لتوجيه التنفس

لقد تعلم ممارسو اليوغا الاستفادة من هذا، باستخدام عكاز صغير تحت الذراع، يسمى يوغا داندا yoga danda، لتوجيه التنفس إلى إحدى فتحتي الأنف أو الأخرى. وتقترح إحدى طرق علاج انسداد الأنف عبر الإنترنت ضغط زجاجة تحت الذراع المعاكس. لكن التأثير ليس فورياً. عندما جربت هذا مؤخراً، تعبت ذراعي قبل أن ينفتح أنفي. وعندما حاولت مرة أخرى باستخدام عكاز قديم اشتريته بسبب إصابة في الركبة، استغرق الأمر عدة دقائق، وفي ذلك الوقت كنت قد أخرجت بالفعل منديلي بسبب نفاد الصبر.

الدورة الأنفية تدرأ الفيروسات

لا أحد يعرف بالضبط سبب وجود دورة أنفية لدى البشر، لكن القطط والخنازير والأرانب والكلاب والجرذان جميعها لديها دورة أنفية أيضاً، وفقاً لإيكليس. وتقترح إحدى الفرضيات أن هذه الدورة تساعد في الوقاية من مسببات الأمراض. عندما يتقلص نسيج الانتصاب الوريدي، يتم ضغط البلازما الغنية بالأجسام المضادة على البطانة الداخلية للأنف. وكل دورة قد تجدد دفاع الأنف.

وأشار إيكليس أيضاً إلى أن فيروسات الجهاز التنفسي العلوي يبدو أنها تفضل درجات حرارة أقل بقليل من درجة حرارة الجسم؛ عندما يصبح أحد جانبي الأنف محتقناً جزئياً، فقد يسخن بدرجة كافية لدرء الفيروسات. أو كما قال فإن الدورة تسمح لنصف الأنف بالراحة في الوقت المناسب.

على عكس أعيننا وآذاننا وأفواهنا، يجب أن تعمل أنوفنا 24 ساعة في اليوم، كل يوم، حيث تقوم باستمرار بتصفية وتدفئة الهواء للأنسجة الرقيقة في رئتينا.

وقد لا تبدو مهمة الأنف بهذه الصعوبة، لكن فكّر في ما يجب عليه فعله. قال سميث إن الهواء الذي نتنفسه ربما تكون درجة حرارته 70 درجة فهرنهايت (21 مئوية) ونسبة رطوبة 35 في المائة. «بحلول الوقت الذي يدخل فيه الهواء إلى أنفي ويعود إلى البلعوم الأنفي، وهي مسافة تتراوح بين 3 و4 بوصات (7.5- 10 سنتيمترات)، تصبح درجة الحرارة 98.7 درجة فهرنهايت (37 مئوية) ورطوبة 100 في المائة».

الأنف مبطن بنسيج انتصابي وريدي يمكن أن يصبح محتقناً بالدم

نظام تكييف بيولوجي

إن الأنف هو نظام التدفئة والتهوية وتكييف الهواء الصغير القوي؛ لكنه غير معصوم من الخطأ أيضاً، إذ إن أنوفنا لا تقيس تدفق الهواء مباشرة، وبدلاً من ذلك، فإنها تعتمد على المستقبلات الباردة التي يتم تنشيطها عندما يمر الهواء البارد. يمكن خداع هذه المستقبلات الباردة بواسطة حبوب المنثول على سبيل المثال. اكتشف إيكليس أن الأشخاص الذين يتناولون أقراص المنثول يمكنهم حبس أنفاسهم لفترة أطول، ربما لأن برودة النعناع تخدعهم وتجعلهم يعتقدون أنهم ما زالوا يحصلون على الهواء.

ولهذا السبب، قد توفر مستحضرات «فيكس» مثل Vicks VapoRub الشعور بتحسن حالة الاحتقان، على الرغم من عدم وجود تأثير إيجابي على فتح الممرات الأنفية. وقد يحدث العكس في حالة محيرة تسمى «متلازمة الأنف الفارغ» empty-nose syndrome، حيث ينتهي الأمر بنسبة صغيرة جداً من المرضى الذين خضعوا لعملية جراحية لتحسين تدفق الهواء في أنوفهم إلى الشعور بالانسداد التام، ربما بسبب تلف مستقبلات البرد وتغيرات أخرى في الإحساس. ويمكن أن يكون عدم الشعور بتدفق الهواء أمراً مزعجاً للغاية، لدرجة أن هؤلاء المرضى يشعرون بالاختناق، على الرغم من أن أنوفهم خالية تماماً من العوائق.

وهناك مشكلة أخرى، إذ عندما يذهب المرضى للفحص قد يرى الطبيب أن أحد جانبي الأنف متورم بشكل واضح أكثر من الجانب الآخر، لكن ليس بالضرورة أن يكون الجانب نفسه الذي يشعر المريض بأنه أكثر احتقاناً.

وقال لي سميث: «لا يزال هذا يحير الأطباء». وهناك عوامل أخرى، مثل درجة الحرارة التي يجب أن تلعب دوراً. لذا فإن الأعمال الداخلية للأنف معقدة ولا تزال غامضة.

* «أتلانتك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

صحتك الأمهات الجدد يمكنهن استئناف ممارسة الرياضة بالمشي «اللطيف» مع أطفالهن (رويترز)

لمحاربة «اكتئاب ما بعد الولادة»... مارسي الرياضة لأكثر من ساعة أسبوعياً

تشير أكبر دراسة تحليلية للأدلة إلى أن ممارسة أكثر من ساعة من التمارين الرياضية متوسطة الشدة كل أسبوع قد تقلل من شدة «اكتئاب ما بعد الولادة».

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
عالم الاعمال «فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

«فقيه» تختتم أعمال مؤتمرها الثالث باتفاقيات نوعية لمشروعات واعدة

اختتمت مجموعة «فقيه» للرعاية الصحية، الأربعاء، أعمال مؤتمرها السنوي الثالث، الذي عقد بمشاركة نخبة من الخبراء السعوديين والدوليين المتخصصين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك النوم خلال اليوم قد يشير إلى أنك معرّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف (أرشيفية - رويترز)

النوم خلال اليوم قد يشير إلى ارتفاع خطر إصابتك بالخرف

إذا وجدت نفسك تشعر بالنعاس خلال اليوم، أثناء أداء أنشطتك اليومية، فقد يشير ذلك إلى أنك معرَّض لخطر أكبر للإصابة بالخرف، وفقاً لدراسة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق جانب من «مؤتمر الطبّ التجميلي» الذي استضافته الرياض (الشرق الأوسط)

جراحات التجميل للرجال في السعودية... إقبالٌ لافت لغايات صحّية

احتلّت السعودية عام 2023 المركز الثاني عربياً في عدد اختصاصيي التجميل، والـ29 عالمياً، في حين بلغ حجم قطاع الطبّ التجميلي فيها أكثر من 5 مليارات دولار.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
صحتك بعض الأطعمة يسهم في تسريع عملية الشيخوخة (رويترز)

أطعمة تسرع عملية الشيخوخة... تعرف عليها

أكدت دراسة جديدة أن هناك بعض الأطعمة التي تسهم في تسريع عملية الشيخوخة لدى الأشخاص بشكل ملحوظ، داعية إلى تجنبها تماماً.

«الشرق الأوسط» (روما)

فكرة ألمانية «مجنونة» لعلاج أمراض المناعة الذاتية

قد يعاني أحد المرضى آفاتٍ في الوجه، تشبه لدغات الذئب
قد يعاني أحد المرضى آفاتٍ في الوجه، تشبه لدغات الذئب
TT

فكرة ألمانية «مجنونة» لعلاج أمراض المناعة الذاتية

قد يعاني أحد المرضى آفاتٍ في الوجه، تشبه لدغات الذئب
قد يعاني أحد المرضى آفاتٍ في الوجه، تشبه لدغات الذئب

يقول الأطباء إن مرض الذئبة لا يصيب اثنين من المرضى بالطريقة نفسها. ويتسبب المرض في اختلال الجهاز المناعي بطريقة يمكن أن تضرب أي عضو في الجسم تقريباً، ولكن من الصعب للغاية تحديد متى وأين.

قد يعاني أحد المرضى آفاتٍ في الوجه، تشبه لدغات الذئب... ومن هنا جاء اسم «مرض الذئبة» Lupus الذي أُطلق عليه في القرن الثالث عشر. بينما قد يعاني مريض آخر فشلاً كلوياً، وثالث تراكم سائل حول الرئتين. لكن ما يمكن للأطباء قوله لكل مريض هو أنه سيظل يعاني مرض الذئبة لبقية حياته.

 

أصول غامضة

غالباً ما تكون أصول أمراض المناعة الذاتية مثلها، غامضة؛ إذ وأثناء حدوثها يرى الجهاز المناعي الجسم البشري الذي يسكنه، عدواً ولا يسترخي في عمله تماماً أبداً.

لذا؛ لا يمكن علاج مرض الذئبة. ولا يمكن علاج أي مرض مناعي ذاتي.

علاج ألماني واعد

ولكن قبل عامين، صدرت دراسة من ألمانيا هزَّت كل هذه الافتراضات. فقد شفي خمسة مرضى مصابين بالذئبة غير المنضبطة تماماً بعد خضوعهم لعلاج للسرطان، يسمى العلاج CAR-T، الذي قضى إلى حد كبير على خلايا المناعة المارقة لديهم. ولم تظهر على المريض الأول الذي عولج أي أعراض منذ ما يقرب من أربع سنوات.

(CAR-T) مصطلح هو: «المستقبلات الخيمرية Chimeric antigen receptor للخلايا التائية»، وهي مستقبلات اصطناعية تم إنشاؤها خصيصاً في المختبر بهدف تمكين الخلايا التائية من التعرف على بروتينات معينة على سطح الخلايا (الخلايا السرطانية مثلاً - المحرر).

شفاء بلا أدوية

وتقول أنكا أسكاناس، اختصاصية أمراض الروماتيزم في المركز الطبي بجامعة كولومبيا والمتخصصة في الذئبة: «لم نجرؤ قط على التفكير في علاج لمرضنا». ولكن هذه النتائج المذهلة - الشفاء لدى كل مريض - غذت موجة جديدة من التفاؤل.

وقد خضع أكثر من أربعين شخصاً مصاباً بالذئبة في جميع أنحاء العالم الآن للعلاج بالخلايا التائية CAR-T، ودخل معظمهم في حالة شفاء دون أدوية.

ومن السابق لأوانه أن نعلن شفاء أي من هؤلاء المرضى مدى الحياة، ولكن هذا يبدو الآن ضمن نطاق الاحتمال.

اختراق ضد أمراض المناعة الذاتية

وبعيداً عن الذئبة، يأمل الأطباء أن ينبئ العلاج بالخلايا التائية CAR-T باختراق أكبر ضد الأمراض المناعية الذاتية، التي أضحى انتشارها المرتفع مثيراً للقلق.

وقد تم استخدام CAR-T بالفعل تجريبياً لعلاج مرضى يعانون أمراض المناعة الذاتية الأخرى، بما في ذلك التصلب المتعدد multiple sclerosis، والتهاب العضل myositis، والوهن العضلي الوبيل myasthenia gravis. وقد ألهم نجاح CAR-T الباحثين لاستعارة استراتيجيات أخرى أرخص وأبسط من علاج السرطان لقتل الخلايا المناعية التي فشلت في عملها.

لن تنجح كل هذه الأفكار، ولكن إذا نجحت أي منها، فقد تجلب السنوات القليلة المقبلة نقطة تحول في علاج بعض الأمراض الأكثر إحباطاً واستعصاءً في عصرنا الحديث.

علاج مضاد لخلايا سرطان الدم

تم تطوير علاج CAR-T في الأصل بصفته وسيلةً لقتل الخلايا الخبيثة في سرطان الدم. وقد استنتج العلماء لاحقاً أنه يمكن استخدامه أيضاً لقتل خلايا الدم البيضاء المحددة، التي تسمى الخلايا البائية B cells، التي تصاب بالجنون في بعض أمراض المناعة الذاتية.

وقد جربت إحدى المجموعات علاجاً يشبه CAR-T ضد مرض مناعي ذاتي يسمى الفقاع الشائع pemphigus vulgaris (مرض جلدي فقاعي مزمن)، وجربت مجموعة أخرى CAR-T ضد الذئبة. ونجحت في ذلك - لكن هذه التجارب كانت على الفئران فقط.

 

حالة مريضة مصابة بالذئبة

كان هذا هو مجموع الأدلة العلمية المتاحة عندما جاءت امرأة تبلغ من العمر 20 عاماً إلى أطبائها في إرلانغن بألمانيا، تطلب تجربة أي شيء لعلاج الذئبة الشديدة وغير المنضبطة.

لم تنجح أي من الأدوية طويلة الأمد المستخدمة عادةً لإدارة الذئبة. كان كليتاها وقلبها ورئتاها كلها تفشل، ولم تستطع المشي إلا لمسافة 30 قدماً بمفردها. ووافق طبيبها وأشار إلى أن العلاج بالخلايا التائية CAR-T محفوف بالمخاطر. لكن الذئبة كانت تقتلها، ويمكن أن يحول علاج الخلايا التائية CAR-T جهاز المناعة لديها ضد نفسه.

أولاً، استخرج الأطباء من دمها فئة من الخلايا المناعية، تسمى الخلايا التائية، التي قاموا بعد ذلك بهندستها إلى خلايا مستقبلات المستضدات الخيمرية (CAR-T) التي يمكنها التعرف على الخلايا البائية التي تسبب الذئبة، ثم تدميرها.

يمكن أن تسبب الخلايا التائية CAR-T استجابات التهابية خطيرة وساحقة لدى مرضى السرطان، وكان أطباء المريضة قلقين من أن تفعل الخلايا التائية CAR-T الشيء نفسه لشخص مصاب بمرض المناعة الذاتية، والذي يعمل جهازه المناعي بالفعل بشكل زائد.

يقول فابيان مولر، اختصاصي أمراض الدم والأورام في مستشفى جامعة إرلانغن وأحد الأطباء في الفريق الألماني الذي ابتكر العلاج: «نستخرج الخلايا التائية، وننشطها بشكل جنوني، ثم نطلق تلك الخلايا التائية المفرطة النشاط بشكل كبير (لمريض مصاب) بمرض مناعي ذاتي نشط. لذا؛ إذا فكرت في الأمر، فهذا أمر مجنون نوعاً ما، أليس كذلك؟».

لكن لحسن الحظ، لم تعانِ المرأة المصابة بالذئبة أي آثار جانبية خطيرة، ولم يعانِ أي من المرضى الآخرين الذين أعطاهم الفريق الألماني جرعات منذ ذلك الحين. إنهم جميعاً يعيشون حياتهم اليومية، خاليين من أعراض الذئبة والأدوية.

أخبرني مولر أن المرأة التي كانت تستطيع المشي لمسافة 30 قدماً فقط تجري الآن خمس مرات في الأسبوع. لقد عادت إلى المدرسة وتفكر في الدراسة للحصول على درجة الماجستير في علم المناعة.

«إعادة ضبط عميقة» للجهاز المناعي

يعتقد مولر وزملاؤه أن علاج الخلايا التائية CAR-T يعمل عن طريق القضاء على ما يكفي من الخلايا البائية لتحفيز «إعادة ضبط عميقة» للجهاز المناعي.

الخلايا التائية CAR-T مجموعة من «القتلة الصغار العنيدة»؛ فهي قادرة على العثور على الخلايا البائية المختبئة في أعماق أنسجة الجسم وتدميرها. يتعافى عدد الخلايا البائية لدى المريض في النهاية، لكن الخلايا الجديدة لها لم تعد تهاجم الجسم نفسه عن طريق الخطأ.

يعدّ مرضى السرطان في بعض الأحيان «مُشافين» بعد خمس سنوات من الهدوء. وكذلك، فإن أول مريض مصاب بالذئبة يتلقى CAR-T ليس بعيداً جداً عن هذا الإنجاز.

لكن العلاج لا يمكنه محو الاستعداد الوراثي لدى الكثير من المرضى لهذا المرض، كما يقول دونالد توماس، اختصاصي أمراض الروماتيزم في ماريلاند. ما إذا كان الهدوء دائماً بما يكفي ليكون «شفاءً» سيستغرق بعض الوقت لمعرفة ذلك.

اندفاعة «ذهبية» لشركات التكنولوجية الحيوية

ومع ذلك، أثارت هذه النتائج غير العادية اندفاعاً ذهبياً بين شركات التكنولوجيا الحيوية الحريصة على إيجاد حلول لأمراض المناعة الذاتية. وتحاول الشركات الناشئة CAR-T التي تأسست لعلاج السرطان استهداف أمراض المناعة الذاتية. كما أن شركات الأدوية الكبرى مثل «بريستول مايرز سكويب» و«أسترازينيكا» و«نوفارتس» تعمل على تطوير علاجاتها الخاصة. والآن تعمل شركة «أسكانيس» من كولومبيا على التحقيق في خمس تجارب منفصلة، ​​تستخدم جميعها CAR-T أو علاجاً خلوياً مشابهاً، وتسمع عن المزيد من الشركات طوال الوقت.

وقالت الباحثة أسكاناس إن هناك الكثير من الاهتمام، «لا أعرف حتى أن هناك عدداً كافياً من المرضى» لاختبار علاجات جديدة.

1.5 مليون أميركي مصاب بالذئبة

يعاني نحو 1.5 مليون أميركي مرض الذئبة، ولكن أقلية منهم فقط - أولئك الذين يعانون المرض بدرجة كافية لتبرير العلاج التجريبي ولكن ليسوا مرضى لدرجة أنهم عانوا الكثير من تلف الأعضاء غير القابل للإصلاح - مؤهلون للتجارب.

في الوقت الحالي، لا يمكن الوصول إلى CAR-T لمرض الذئبة وأمراض المناعة الذاتية الأخرى إلا في الولايات المتحدة من خلال التجارب السريرية - ما يعني في الواقع أنه غير متاح لجميع مرضى الذئبة تقريباً.

حتى لو تمت الموافقة على CAR-T من قِبل إدارة الغذاء والدواء للأمراض المناعية الذاتية، فإن العملية طويلة ومكلفة. نظراً لأن خلايا كل مريض تتم إعادة هندستها، فلا يمكن توسيع نطاقها بسهولة.

تبلغ تكلفة CAR-T للسرطان نحو 500 ألف دولار. يحتاج المرضى أيضاً إلى العلاج الكيميائي لقتل الخلايا التائية الموجودة لإفساح المجال لـCAR-T؛ ما يزيد من المخاطر، وفي الذئبة، يحتاجون عادةً إلى تقليل أي أدوية لإبقاء مرضهم تحت السيطرة؛ ما قد يتسبب في تفاقم المرض. كل هذه المضاعفات تجعل التكرار الحالي لـCAR-T مناسباً فقط لمرضى الذئبة المصابين بمرض شديد، والذين استنفدوا من الخيارات الأخرى.

لقد أزعجت الحدود العملية لـتوظيف CAR-T في مجال السرطان لفترة طويلة الآن، وقد توصل الباحثون بالفعل إلى أفكار للتغلب عليها. وهناك عدد من الاستراتيجيات الأكثر بساطة لقتل الخلايا البائية تشق طريقها الآن من سرطان الدم إلى مرض المناعة الذاتية. وتشمل هذه الحلول استخدام الخلايا التائية المانحة donor T cells، أو نوع مختلف من الخلايا المناعية تسمى الخلايا القاتلة الطب natural killer cells (الموجودة في الجهاز المناعي الفطري)، وغيرها.

وقد تتفوق سهولة استخدامها في النهاية على علاج CAR-T المخصص، الذي من غير المرجح أن يصل إلى ملايين الأشخاص المصابين بالذئبة في جميع أنحاء العالم. إنه ببساطة مكلف للغاية ومرهق للغاية. وحتى لو لم يتم اعتماد CAR-T على نطاق واسع لعلاج أمراض المناعة الذاتية، فإنه فتح الباب أمام أفكار جديدة قد تؤدي في يوم من الأيام إلى إحداث ثورة في علاجها.

 

* «ذي أتلانتيك أونلاين» - خدمات «تريبيون ميديا»