هل الإنسان مضطر إلى تناول اللحوم؟

منتجات الطعام الحيوانية تستخدم 77 % من الأراضي الصالحة للزراعة

هل الإنسان مضطر إلى تناول اللحوم؟
TT

هل الإنسان مضطر إلى تناول اللحوم؟

هل الإنسان مضطر إلى تناول اللحوم؟

وفقاً لبعض التقديرات، يتناول المواطن الأميركي العادي اليوم نحو 7 آلاف حيوان؛ ما بين 4500 سمكة، و2400 دجاجة، و80 ديكاً روميّاً، و30 خروفاً، و27 خنزيراً، و11 بقرة، على مدار حياته. ولا تبدو هذه الأرقام مرتفعة على نحو غير معقول ومنافٍ للمنطق فحسب؛ بل تثير أيضاً سؤالاً: أكان هذا ضروريّاً ولا غنى عنه بحق؟

«اللحوم جعلتنا بشراً»

نظرية أن «اللحوم جعلتنا بشراً» موجودة منذ وقت طويل، مشيرة إلى أن أسلافنا البدائيين كانوا يصطادون الحيوانات للبقاء على قيد الحياة. فالدماغ البشري عضو باهظ التكلفة من ناحية استهلاك الطاقة؛ إذ على الرغم من أنه يمثل نسبة صغيرة فقط من الوزن الكلي للجسم، فإنه يستهلك نحو الخُمس من الطاقة الكلية التي يحصل عليها الجسم. ويُعتقد أن اللحوم توفر كثافة عالية من المواد الغذائية، خصوصاً البروتينات والدهون، أما الأحشاء، مثل الكبد والقلب، فهي مصدر كثيف للعناصر الغذائية والطاقة. وقد ساهمت هذه الطاقة الإضافية في نمو الدماغ.

ولا يزال البعض يستخدم هذه الرؤية التاريخية لتبرير الاستهلاك الكبير للحوم، حيث يُجادلون بأن الإنسان، طبيعياً، مؤهل لتناول اللحوم، وأن اللحوم كان لها دور رئيسي في تطورنا نحن البشر.

ومع ذلك، يشكك كثير من الخبراء من مجموعة متنوعة من التخصصات؛ بما في ذلك علم الإنسان القديم وعلم التغذية، في هذه الأفكار، ويسألون عما إذا كان استهلاك اللحوم بكميات كبيرة حقاً ضرورياً أو حتى صحياً.

ويقول لوتز كيندلر، العالم الألماني في مجال علم الحيوانات القديمة والأحافير والباحث في مجال التطور، في مقاله المنشور باللغة الألمانية بمجلة «Spektrum der Wissenschaft» الذي أعيد تنقيحه ونشره في مجلة «Scientific American» يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2023: «ما يجعلنا بشراً بالأحرى قد تكون قدرتنا الهائلة على التكيف الأيضي، وهو عبارة عن آلية للنجاة تضمن للجسم الطاقة الكافية لأداء الوظائف الحيوية».

استنزاف موارد الطبيعة

وما كان يناسب أجدادنا قد لا يكون مناسباً بالنسبة إلينا اليوم؛ إذ تغير توافر الطعام وتركيبته وطريقة تحضيره بشكل جذري على مر الزمن، ولم نعد بحاجة لقضاء ساعات في صيد اللحوم؛ فالزراعة الحديثة قد زادت من محتوى العناصر الغذائية في الأطعمة النباتية، وعملية الطهي تجعل الطعام أسهل هضماً.

كما لم تعد اللحوم منتجاً فاخراً، ومع ذلك، فإن إنتاجها يستهلك موارد أكثر من غيرها بمرات عدة، ويستخدم نحو 77 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم لإنتاج أنواعها، وكذلك الألبان، على الرغم من أن المنتجات الحيوانية توفر نحو 18 في المائة فقط من احتياجات العالم من السعرات الحرارية.

وحتى لو كانت هناك صلة تطورية بين استهلاك اللحوم والتحول إلى إنسان؛ فإن ظروفنا الحالية تتيح لنا إعادة النظر في ضرورات هذا الاستهلاك، لذا، فإن كثيراً من الدراسات في مجال علم أصول الإنسان تتحدى فكرة أن اللحم هو الذي جعلنا بشراً. على سبيل المثال، وجدت دراسة سابقه أنه لا توجد دلائل في عالم الحيوانات تدعم نظرية أن استهلاك اللحم كان دافعاً لتطور الإنسان، ففي دراسة نشرت سابقاً في 24 يناير (كانون ثاني) 2022 بمجلة «(PNAS) Proceedings of the National Academy of Sciences» ألقت مجموعة بحثية بقيادة اثنين من علماء الإنسان القديم؛ هما دبليو آندرو بار من «جامعة جورج واشنطن»، وبريانا بوبينر من «متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي»، نظرة منهجية أخرى على الأدلة الأثرية المزعومة لنظرية «اللحوم جعلتنا بشراً»، وجمع العلماء بيانات من 59 موقعاً من 9 مناطق بحثية رئيسية في شرق أفريقيا، تتراوح أعمارها بين 2.6 و1.2 مليون سنة. ثم وضع الفريق جميع اكتشافات العظام السابقة في منظور زمني.

وأفاد الباحثون بأن الأدلة الأثرية على استهلاك اللحوم تزداد بشكل حاد عند النظر إلى العينات المرتبطة بظهور نوع الإنسان المنتصب، ومع ذلك فقد وجدوا أن هذا الاتجاه يعكس التركيز العلمي على تلك الفترة من التطور، وهذا يعني أن هناك ببساطة مزيداً من المواد التي جمعت من المواقع المرتبطة بالإنسان المنتصب المبكر، وقالوا إنه نتيجة لذلك، فإن الصورة مشوهة، ويتم التأكيد بشكل خاطئ على العلاقة بين تناول اللحوم وتطور جنس الإنسان.

ويؤكد ريتشارد رانغهام، العالم في تاريخ الحضارات والعلاقات الحضاريّة بين الشعوب (أنثروبولوجيا) من جامعة هارفارد، أن أكبر ثورة في التغذية البشرية لم تحدث عندما بدأ الإنسان تناول اللحم؛ بل عندما تعلم طهي الطعام. ويُشير إلى أنه عبر تكسير وتسخين الأطعمة «يتم هضمها مسبقاً» بحيث لا تحتاج أجسامنا إلى بذل كثير من الطاقة لهضمها، وبالتالي قد يسمح الطعام المطبوخ للإنسان بامتصاص مزيد من الطاقة من الطعام الخام؛ مما يوفر مزيداً من الوقود للدماغ في وقت أقل.


مقالات ذات صلة

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

صحتك صورة توضيحية تُظهر ورماً في المخ (أرشيفية)

الأول من نوعه... نموذج ذكاء اصطناعي يمكنه اكتشاف سرطان الدماغ

يفترض الباحثون أن شبكة الذكاء الاصطناعي التي تم تدريبها على اكتشاف الحيوانات المتخفية يمكن إعادة توظيفها بشكل فعال للكشف عن أورام المخ من صور الرنين المغناطيسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الرجال المتزوجون يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب (رويترز)

الزواج يبطئ شيخوخة الرجال

أظهرت دراسة جديدة أن الرجال المتزوجين يتقدمون في العمر أبطأ من الرجال العزاب، إلا إن الشيء نفسه لا ينطبق على النساء.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك شخص يُجري فحصاً لداء السكري (رويترز)

مرض السكري قد يسرّع من انكماش المخ

كشفت دراسة جديدة أن مرض السكري من النوع الثاني قد يؤدي إلى انكماش المخ بشكل سريع مع التقدم في العمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)

برامج للتحكّم بأسراب الطائرات من دون طيار الضخمة

برامج للتحكّم بأسراب الطائرات من دون طيار الضخمة
TT

برامج للتحكّم بأسراب الطائرات من دون طيار الضخمة

برامج للتحكّم بأسراب الطائرات من دون طيار الضخمة

أعلنت وحدة الابتكارات الدفاعية، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، أن ثلاث شركات ستُنتج برامج نموذجية للتحكم في أسراب الطائرات من دون طيار (الدرون) الضخمة التي تطوّرها حالياً مجموعة مبادرة «ربليكيتر» Replicator للإنتاج السريع.

تنسيق آلي لطائرات «الدرون»

وقالت الوحدة، في بيان لها، الأربعاء، إن العقود الممنوحة لشركات «Anduril Industries»، و«L3Harris Technologies»، و«Swarm Aero» هي جزء من جهودها التي تسعى إلى «التنسيق الآلي لأسراب من مئات أو آلاف الأصول غير المأهولة عبر مجالات متعددة».

وكانت نائبة مدير وحدة الابتكارات الدفاعية للاستراتيجية والسياسة والشراكات الأمنية الوطنية، أديتي كومار، قالت في وقت سابق من هذا الشهر في حديث مع «ديفنس وان» إنه في حين تحظى أجهزة «ربليكيتر» بالكثير من الاهتمام، فإن برنامجها مهم بالقدر نفسه. وأضافت أن الجدول الزمني القصير لوحدة الدفاع الجوي لاختبار منصات وبرامج تكامل الطائرات دون طيار الجديدة يشكّل تحدياً آخر.

هياكل مملوكة للحكومة

وتابعت أديتي كومار: «نحن نشتري هذه القدرة بشكل مستقل عن أنظمة الأجهزة، وبالتالي نحتاج إلى أن نكون قادرين على الحصول على هياكل مفتوحة، وهياكل مملوكة للحكومة؛ لضمان أن البرنامج الذي نحضره تجري ترقيته ثم دمجه في جميع أنواع أنظمة الأجهزة التي قد تتطلّب بعد ذلك إصلاحات الأجهزة الخاصة بها لتمكين ذلك».

اختبارات ميدانية متكاملة

وكانت منصة «لاتيس» Lattice من شركة «أندوريل» Anduril واحدة من الجهات الفائزة. وقالت الشركة، في بيان، إنها أكملت مجموعة متنوعة من الاختبارات في العالم الحقيقي مع الشركاء العسكريين:

* تمرين «مسائل المعارك المتكاملة 24.1»، Integrated Battle Problem 24.1 لأسطول المحيط الهادئ الأميركي؛ حيث استخدم مشغلو البحرية منصة «لاتيس» لدمج أكثر من اثني عشر نظاماً غير مأهول وموجزات بيانات.

* «حارس الصحراء 1.0» Desert Guardian 1.0، البرنامج التابع للقيادة المركزية الأميركية هو أيضاً من الأمثلة الأخرى؛ حيث دمجت الشركة 10 فرق استشعار مختلفة في «لاتيس»، كما دمجت تبادل البيانات في الوقت الفعلي، ونفّذت الاندماج وتعيين المهام عبر أنظمة استشعار متنوعة للكشف بشكل أسرع عن التهديدات المحمولة جواً وغيرها.

* اختبار «الحافة 23» EDGE23 للجيش، سمحت «لاتيس» لجندي واحد «بإدارة فريق متكامل من الطائرات غير المأهولة المتعددة لتحديد موقع صاروخ أرض - جو وتحديده وتدميره».

كما منحت وحدة الابتكارات الدفاعية عقوداً إلى شركات، بهدف تطوير نظم لضمان الاتصالات للطائرات دون طيار في بيئة حرب كهرومغناطيسية ثقيلة.

هل يمنع «ربليكيتر» الحرب العالمية الثالثة؟

أطلقت وزارة الدفاع «ربليكيتر» Replicator خصوصاً لردع العمل العسكري الصيني في المحيط الهادئ. وفي حدث لمؤسسة بالاس يوم الأربعاء، ناقش رئيس القيادة البحرية الأميركية في المحيط الهادئ، الأدميرال سام بابارو، الدور الذي يمكن أن تلعبه الأنظمة المستقلة في الردع؛ أي مثل الدور الذي تقدمه الطائرات من دون طيار البحرية الأوكرانية في البحر الأسود.

وقال بابارو: «لا يحتاج المرء في الواقع إلى تحقيق التفوّق الجوي والبحري الكامل على مساحة عندما يحاول الخصم الحصول عليها. ربما يحتاج المرء فقط إلى حرمان الطرف الآخر من ذلك، ويمكنه القيام بذلك بتكلفة منخفضة... لقد رأينا ذلك بالفعل في الممارسة العملية، وتعلمنا ذلك من أوكرانيا في البحر الأسود، حيث تم تدمير طرّاد (سلافا) وإغراقه -بواسطة طائرة من دون طيار بحرية أوكرانية- ومن المهم أن نتعلّم هذا الدرس من ذلك ومن البحر الأسود».

مهمات الردع والهجوم

كما أوضح بابارو كيف يمكنه استخدام مستويات مختلفة من الاستقلالية لمهام مختلفة بصفتها جزءاً من جهود الردع هذه. وقال إنه بالنسبة إلى المهام الهجومية، فإن الحفاظ على السيطرة البشرية أمر بالغ الأهمية. ولكن بالنسبة إلى الدفاع عن الأسطول، فإن مزيداً من الاستقلالية يمكن أن يساعد في تسريع وقت رد الفعل.

وأضاف: «على سبيل المثال، إذا كانت غارة من الصواريخ الباليستية تقترب من وحدتك، فهذا هو الوقت الذي قد ترغب فيه في تشغيل نظامك بالكامل، وحمل تلك الأسهم التي تُوجه نحوه من ناحية أخرى. أما إذا كنت تنفّذ هجوماً معقداً على نظام عدو، فهذه هي الحالة التي قد ترغب فيها في القيام بذلك بحذر شديد، لأنك بذلك تقتل أرواحاً».

* مجلة «ديفنس وان»: خدمات «تريبيون ميديا».