هل تقبل دول عربية بدور في «غزة بعد حماس»؟

وسط سيناريوهات غربية... وتحفظات إقليمية

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مطار عمان الجمعة الماضي قادماً من إسرائيل (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مطار عمان الجمعة الماضي قادماً من إسرائيل (أ.ب)
TT

هل تقبل دول عربية بدور في «غزة بعد حماس»؟

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مطار عمان الجمعة الماضي قادماً من إسرائيل (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل إلى مطار عمان الجمعة الماضي قادماً من إسرائيل (أ.ب)

رغم استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، فإن وتيرة الحديث عن مستقبل القطاع عقب وقف إطلاق النار بدأت في التزايد، لا سيما في ظل مطالب أميركية بـ«وقف مؤقت» للقتال، فضلاً عن رغبة واضحة لدى واشنطن في «ألا تُعاود إسرائيل احتلال قطاع غزة»، وهو ما تزامن مع زيارات أمنية ودبلوماسية لمسؤولين أميركيين بارزين إلى المنطقة، أفادت مصادر عدة بأنها «تضمنت طرحاً لأفكار تتعلق بمستقبل إدارة القطاع»، وبينها تصور لأدوار عربية في هذا الصدد.

وشدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، على ضرورة ألا تُعاود إسرائيل احتلال قطاع غزة، بعد نهاية الحرب التي تخوضها حالياً ضد «حماس». وأضاف في تصريحات صحافية عقب اجتماع في طوكيو لوزراء خارجية دول «مجموعة السبع»، أن «الأمر الواقعي هو أننا ربما نحتاج إلى فترة انتقالية بعد انتهاء الصراع، لكن من الحتميّ أن يكون الشعب الفلسطيني هو مركز الحكم في غزة».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصل الأربعاء لحضور جلسة خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في إيكورا بطوكيو (إ.ب.أ)

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال، الثلاثاء، إن إسرائيل ستتحمل «المسؤولية الأمنية الكاملة» في قطاع غزة لفترة غير محددة بعد حربها مع حركة «حماس».

إلا أن البيت الأبيض أصدر تعقيباً في اليوم ذاته، أعلن فيه أن الولايات المتحدة ستعارض إعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة في مرحلة ما بعد الصراع. وذكر المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أن «إسرائيل والولايات المتحدة صديقتان وليس عليهما الاتفاق على كل قضية»، حسبما نقلت «رويترز».

أفكار لما بعد الحرب

وكشف مصدر مطلع عن أن الأيام الثلاثة الماضية «شهدت طرح تصورات بشأن مستقبل إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب»، مشيراً إلى أن تلك الأفكار تحدث بشأنها «أكثر من مسؤول غربي». وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن التركيز الآن «ينصب على إدخال المساعدات وتحقيق هدنة إنسانية»، وأن هناك «أفكاراً لما بعد الحرب تستحق الدراسة، لكن هناك أولويات إنسانية ضرورية حالياً». وشدد المصدر على أن «مستقبل القطاع يجب أن يكون جزءاً من حل شامل يرتكز على مبادئ ومقررات الشرعية الدولية وحل الدولتين».

وشهدت الآونة الأخيرة طرح العديد من الأفكار، سواء عبر تصريحات لمسؤولين وسياسيين إسرائيليين، أو عبر تسريبات لوسائل إعلام غربية؛ إذ اقترح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، أن «تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة بعد (حماس)»، في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، إنه «قد يتعين على قوة عربية متعددة الجنسيات أن تسيطر على غزة بعد القضاء على (حماس)».

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستقبل وزير الخارجية الأميركي بلينكن الأحد الماضي في مقره برام الله (أ.ب)

وبحثت دول عدة أوروبية قبل يومين خيار تدويل إدارة القطاع بعد الحرب، مقترحة «تشكيل تحالف دولي يدير غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة»، حيث اقترحت وثيقة أعدتها ألمانيا ووزعتها على عدد من الدول الأوروبية، تولي «تحالف دولي تأمين غزة بعد الحرب، وتفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى القطاع، وتجفيف منابع دعم حركة (حماس) مالياً وسياسياً».

دور عربي انتقالي

أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة، الدكتور طارق فهمي، أشار إلى أن الدور العربي «سيكون الأكثر حضوراً وترجيحاً في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة»، لافتاً إلى أن هناك حرصاً أميركياً واضحاً على إشراك «دول عربية فاعلة في مستقبل القطاع».

وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن سيناريو إقرار مرحلة انتقالية بعد وقف إطلاق النار «هو الأكثر احتمالاً»، مُرجحاً أن تمارس السلطة الوطنية الفلسطينية أدواراً في إدارة القطاع، في إطار «مقاربة بصيغة فلسطينية عربية مرحلية وبرعاية أميركية»، لافتاً إلى أن السلطة مسؤولة عن ممارسة الحكم وإدارة الأراضي الفلسطينية، ولم يحل دون ذلك سوى سيطرة «حماس» على القطاع عام 2007.

ولم يستبعد فهمي الاستفادة من أسلوب إدارة المناطق (ج) وفق اتفاق أوسلو، والتي تشرف على الأوضاع الأمنية فيها لجان فلسطينية - إسرائيلية مشتركة، مشيراً إلى أن توافد المسؤولين الأميركيين الدبلوماسيين والأمنيين «يعكس رغبة واشنطن في استجلاء المواقف وهندسة رؤية لليوم التالي لوقف إطلاق النار».

وخلال الأسبوع الماضي، زار بلينكن المنطقة، حيث التقى عدداً من وزراء الخارجية العرب في الأردن، كما التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، كما زار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) ويليام بيرنز، عدداً من دول المنطقة، بينها إسرائيل ومصر.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله ويليام بيرنز في إطار زيارته للمنطقة (الرئاسة المصرية)

وخلال لقائه بالرئيس الفلسطيني، أشار بلينكن إلى أن ما وصفه بـ«أكثر حل منطقي» هو أن تتولى «سلطة فلسطينية فعالة ومنشَّطة» إدارة القطاع في نهاية المطاف، مؤكداً أن «دولاً أخرى ووكالات دولية من المرجح أن تلعب دوراً في الأمن والحكم في هذه الأثناء».

وأكد مسؤولون فلسطينيون أن بلينكن استمع إلى موقف فلسطيني واضح، وهو «رفض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة على الدبابات الإسرائيلية»، وأن عودة السلطة إلى القطاع مرهون بـ«مقاربة شاملة للوضع في الضفة وغزة».

عودة السلطة

واعتبر سفير فلسطين الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، الأفكار الغربية المطروحة بشأن حكم قطاع غزة في مرحلة ما بعد (حماس) «مجرد أفكار، وبعضها أوهام»، لافتاً إلى أن «(حماس) لن تخرج من القطاع، والسلطة لن تعود إليه على دبابة إسرائيلية».

وأضاف الفرا لـ«الشرق الأوسط» أن «حماس» حركة آيديولوجية «من الصعب اقتلاعها من غزة، حتى لو نجحت إسرائيل في ضرب بنيتها العسكرية»، مشيراً إلى أن الدول العربية «سترفض التورط في التدخل في القطاع؛ لأن هذا ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة بأن تتخلص من مسؤولية القطاع»، مشدداً على أنه «لا بديل عن حل الدولتين، فغزة وقبلها القدس جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية».

من جانبها، أعلنت حركة «حماس» رفضها تصريحات البيت الأبيض بشأن «العمل على توافق إقليمي دولي لإدارة غزة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي».

الناطق باسم «حماس»، عبد اللطيف القانوع، قال في بيان عبر «تلغرام»، الأربعاء، إن «إدارة غزة أو جزء من أرضنا هو شأن فلسطيني خاص بشعبنا، ولن تنجح أي قوة على الأرض من تغيير الواقع أو فرض إرادتها». وشدد على أن «الشعب أفشل مخطط تهجيره وتصفية قضيته العادلة، ولن يسمح لأحد بتمرير مخططاته، ولا يزال ثابتاً مرابطاً على أرضه».

قوة أمنية لغزة

ووفق تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية نشرته مطلع الأسبوع الماضي، فإن هناك مساعي دبلوماسية لإقناع الدول العربية التي وقّعت اتفاقات سلام أو اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل بتوفير قوة أمنية لغزة أو الإشراف عليها، لكن ذلك «سيتطلب من بعض البلدان أو المنظمات تحمل المسؤولية الإدارية والإشراف على الأمن». وأشارت الصحيفة إلى أن «بعض الجيران العرب يترددون في القيام بدور في الحكم، خوفاً من أن يقوض ذلك هدفهم على المدى الطويل المتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة».

ورفضت مصر بحسم أي إجراءات تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير الفلسطينيين قسرياً من أراضيهم باتجاه سيناء، أو بتقسيم القطاع.

وأعلن رئيس الوزراء الأردني، الدكتور بشر الخصاونة، في تصريحات إعلامية، الأربعاء، أن الأردن «لن يرسل أي قوات عسكرية إلى غزة، ولن يقبل استبدال جندي أردني بالجندي الإسرائيلي»، وهو ما عده مراقبون رداً على المقترحات الأميركية بشأن مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية.

الملك عبد الله الثاني وبجانبه ولي العهد الأمير حسين خلال اللقاء مع بلينكن في عمان السبت الماضي (رويترز)

وأعرب المحلل السياسي الأردني، محسن الشوبكي، عن اعتقاده بصعوبة قبول الدول العربية المجاورة للأراضي الفلسطينية، وبالأخص الأردن ومصر، لأي أفكار تدعوها إلى الانخراط في أي إجراءات تتعلق بحكم القطاع، مشيراً إلى أن ذلك سيكون عملياً بمثابة «تورط في قبول مشاريع التهجير القسري لاحقاً للفلسطينيين»، إضافة إلى ما يمكن أن تتكبده تلك الدول من «أثمان سياسية وشعبية» إذا قبلت القيام بتلك الأدوار. ولفت الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل تريد نظاماً أمنياً يكفل لها التدخل وقتما تريد في القطاع، وفي الوقت ذاته تتخلص من الأعباء الاستراتيجية المتعلقة بإدارة غزة، وهو ما يراه أمراً «مرفوضاً عربياً».


مقالات ذات صلة

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رجل يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية على مدرسة في مخيم النصيرات للاجئين بغزة (أ.ف.ب)

غزة: 71 قتيلاً جراء القصف الإسرائيلي في يوم واحد

أعلنت وزارة الصحة  الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم (الخميس)، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 44 ألفاً و56 قتيلاً، إلى جانب 104 آلاف و268 إصابة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت (رويترز)

بن غفير وسموتريتش يتهمان غالانت بالسماح لـ«حماس» بالاستمرار في حكم غزة

انتقد أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية غالانت بعد أن حذر من أنّ تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية في غزة قد يجر إسرائيل للحكم العسكري.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون جثمان أحد القتلى جراء القصف الإسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ب)

قصف طال مدرسة وخيمة للنازحين... الجيش الإسرائيلي يقتل 16 فلسطينياً بغزة

قتل الجيش الإسرائيلي اليوم (الأربعاء) 16 فلسطينياً على الأقل في هجمات جوية على مناطق مختلفة بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.