يأكل كثير من الحيوانات في الأوقات نفسها تقريباً، كل يوم، وينشأ هذا من حاجتها للتكيف مع جوانب البيئة، بما في ذلك مقدار الضوء الموجود، ودرجة الحرارة، وتوافر الغذاء، وفرصة وجود الحيوانات المفترسة، وكلها أمور حيوية للبقاء على قيد الحياة، كما أن هذا التزامن مهم أيضاً لعملية الهضم والتمثيل الغذائي.
لكن كيف تعرف هذه المجموعة الواسعة من الكائنات الحية متى تأكل؟ سؤال حاول باحثون من جامعة طوكيو متروبوليتان الإجابة عليه، ووجدوا في دراسة نُشرت، السبت، في دورية «iScience»، أن أحد العوامل المهمة هو إيقاع الساعة البيولوجية، وهي دورة فسيولوجية يومية تقريباً تتقاسمها كائنات متنوعة، مثل الحيوانات والنباتات والبكتيريا والطحالب، وتُعدّ بمثابة «الساعة الرئيسية» التي تنظم السلوك الإيقاعي. والحيوانات لديها آليات توقيت أخرى تُعرَف باسم «الساعات المحيطية»، ولكل منها مساراتها البيوكيميائية المختلفة. ويمكن إعادة ضبطها بوساطة عوامل خارجية، مثل التغذية، لكن الطريقة المحددة التي تتحكم بها هذه الساعات في سلوك تغذية الحيوانات ليست واضحة بعدُ، وفق الباحثين.
الفريق عكف على دراسة تلك الآليات باستخدام ذباب الفاكهة؛ وهي كائن حي نموذجي يعكس عدداً من سمات الحيوانات الأكثر تعقيداً، بما في ذلك البشر. واستخدموا طريقة تُعرَف باسم اختبار «CAFE»، حيث تجري تغذية الذباب من خلال الشعيرات الدموية الدقيقة لقياس مقدار ما يأكله في أوقات مختلفة. ونظروا أولاً في كيفية قيام الذباب بمزامنة عاداته الغذائية مع الضوء. ومن خلال دراسة تغذية الذباب في دورات مضيئة/ مظلمة، أظهرت دراسات سابقة بالفعل أن الذباب يتغذى أكثر خلال النهار، حتى عندما جرى إدخال طفرات في جينات الساعة البيولوجية الأساسية، ثم راقب الفريق جيناً يسمى «الكوازيمودو» الذي يتحكم في إطلاق الخلايا العصبية على مدار الساعة، ووجدوا أن هذا الجين ساعد في مزامنة التغذية مع دورات الضوء/ الظلام، ولعبت الخلايا العصبية الدور المهيمن في ذلك.
وبذلك اكتشف الباحثون أن هناك مسارات جزيئية تحدد أوقات الوجبات وكيفية مزامنتها مع الأيام، وأشاروا إلى أن فك رموز تلك الآلية الجزيئية المسؤولة عن دورات الأكل يساعد على فهم سلوك الحيوانات، بما في ذلك سلوكنا. وأضافوا أن هذه النتائج تعطي الفريق لمحة أولى عن كيفية تنظيم الساعات البيولوجية لدورات التغذية/ الصيام، وكذلك كيفية توافقها مع الإيقاعات النهارية؛ لأن فهم الآليات الكامنة وراء عادات التغذية يَعِد برؤى جديدة حول سلوك الحيوان، بالإضافة إلى تطوير علاجات جديدة لاضطرابات الأكل.