الرئيس التونسي يقود حملة لإنقاذ المؤسسات العمومية من الإفلاس

88 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة أغلقت أبوابها نهائياً

الرئيس التونسي لدى استقباله رئيس الحكومة أحمد الحشاني (موقع رئاسة الجمهورية)
الرئيس التونسي لدى استقباله رئيس الحكومة أحمد الحشاني (موقع رئاسة الجمهورية)
TT

الرئيس التونسي يقود حملة لإنقاذ المؤسسات العمومية من الإفلاس

الرئيس التونسي لدى استقباله رئيس الحكومة أحمد الحشاني (موقع رئاسة الجمهورية)
الرئيس التونسي لدى استقباله رئيس الحكومة أحمد الحشاني (موقع رئاسة الجمهورية)

دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، ليلة الخميس، لإنقاذ المؤسسات العمومية من الإفلاس «بعدما صارت عاجزة بسبب الفساد»، حسب تعبيره.

وقالت رئاسة الجمهورية، في بيان، إن سعيد أكد، خلال لقائه رئيس الحكومة أحمد الحشاني، أن «الكثير من المؤسسات والمنشآت العمومية، التي كانت في السابق تحقق أرباحاً صارت اليوم عاجزة نتيجة الفساد»، مشدداً على «ضرورة الإسراع في عمليات التدقيق في الانتدابات، التي تمت خارج أي إطار قانوني»، وأدت، حسبه، إلى الاستيلاء على أموال الشعب.

وكان مانحون دوليون قد طالبوا السلطات التونسية ببيع مؤسسات عمومية، ضمن خطة إصلاحات اقتصادية، لكن الرئيس سعيد أكد، في وقت سابق، أنه «لن يتم التفريط في المؤسسات العمومية». كما تعثرت مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دينار، بسبب رفض الرئيس سعيد بعض الشروط، ومنها رفع الدعم وبيع مؤسسات عمومية، وتأكيده على أن الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها المانحون الدوليون «تهدد السلم الاجتماعي».

في سياق ذلك، أعلنت مؤسسة رئاسة الجمهورية، ليلة الخميس، أنها تولي أهمية مضاعفة لملف إنقاذ بعض المؤسسات والمنشآت الحكومية المهددة بالإفلاس، على اعتبار أن الملفات الاقتصادية والاجتماعية ستلعب دوراً أساسياً في الاستقرار السياسي، وتجاوز الأزمات التي تعرفها مختلف الفئات الاجتماعية في تونس.

جانب من مظاهرة في وسط العاصمة للمطالبة بالشغل والتنمية (أ.ف.ب)

وربط الرئيس سعيد مهمة إنقاذ المؤسسات الحكومية من الإفلاس بمخطط تطهيرها من المندسين عليها وعلى إدارتها دون وجه قانوني، ودون الحصول على الكفاءة والتجربة المطلوبين لتقلد هذه المناصب، وهو ما أكده خلال لقائه، الخميس، أحمد الحشاني رئيس الحكومة، موضحاً أن الاتفاق الأخير لإنقاذ «الشركة العامة للمقاولات والمعدات والأشغال» (مؤسسة حكومية) حتى تتجاوز صعوباتها المالية، وتعود لسالف نشاطها بعد إجراء الكثير من الإجراءات القانونية بهدف استخلاص الديون التي بذمتها، قد يمثل نموذجاً لتدخل السلطات التونسية لإنقاذ عشرات المؤسسات الحكومية الكبرى المهددة بالإفلاس.

وفي تشخيصه للصعوبات التي تعاني منها هذه المقاولات، أكد الرئيس التونسي أن «الكثير من المؤسسات والمنشآت الحكومية كانت في السابق تحقق أرباحاً، لكنها صارت اليوم عاجزة نتيجة للفساد، ولسياسة ممنهجة منذ أواخر سنوات الثمانينات من القرن الماضي لتفويتها للقطاع الخاص».

ولحل هذه المشكلة، ربط الرئيس سعيد بين إنقاذ المؤسسات الحكومية وبين عمليات التدقيق في الانتدابات وعمليات التوظيف التي تمت، حسبه، خارج إطار القانون، وأدت إلى الاستيلاء على أموال الدولة «من قبل مَن اعتبر أن السلطة غنيمة يقتطع منها ما يشاء، ويوزع على من يواليه، ويخدم مصالحه الخاصة كما يشاء»، في إشارة إلى منظومة الحكم السابقة، التي تزعمتها حركة النهضة، وعدد من الأحزاب السياسية التي تحالفت معها.

ويرى عدد من الخبراء التونسيين في المجالين الاقتصادي والمالي أن الدولة أصبحت غير قادرة على تحمّل الأعباء المالية، الناجمة عن النتائج المالية الضعيفة للمؤسسات العمومية. كما تشير بعض الدراسات إلى أن نحو 100 مؤسسة عمومية، تمثل نحو نصف مؤسسات الدولة، باتت تعاني من عجز مالي، مؤكدة أنه بات من الضروري إخضاعها لإصلاحات هيكلية، مثلما يطالب بذلك صندوق النقد الدولي.

وتضم قائمة المؤسسات المهددة بالإفلاس عدداً من كبريات الشركات الحكومية، أبرزها شركات الكهرباء والنقل الجوي والبري والحديد، ومصنع عجين «الحلفاء والورق»، وشركة الفولاذ، وشركة فوسفات قفصة. بينما تشير نتائج عمليات التشخيص التي عرفتها بعض المؤسسات الحكومية إلى أن الصعوبات ليست ناجمة عن كونها تابعة للحكومة، بل بسبب سوء التصرف الذي يحكمها.

وتتجاوز الصعوبات المالية حدود المؤسسات الحكومية لتشمل بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التابعة للقطاع الخاص، وقد كشف مجمع رجال الأعمال التونسيين (نقابة رجال الأعمال) عن امتناع الكثير من البنوك ومؤسسات الإقراض عن هيكلة ديون المتعثرين، أو منحهم تسهيلات جديدة تقيهم الإفلاس، وهذا ما أرغم نحو 88 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة إلى إغلاق أبوابها نهائياً، بينما تواجه 54 ألف مؤسسة أخرى شبح الإفلاس، وفق أرقام صادرة عن المعهد التونسي للإحصاء (حكومي).

وفي هذا السياق، أكد سفيان القابسي، رئيس جمعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة، أن نحو 10 آلاف شخص من أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة يقبعون في السجون حالياً، بينما لا يزال أكثر من 18 ألفاً مطاردين من القضاء، بسبب تعثر مشاريعهم خلال السنتين الأخيرتين وتضييق البنوك على المقترضين، وهو ما يجعل إنقاذ بعض المؤسسات الصغرى والمتوسطة أيضاً مهمة مطلوبة لإنقاذ اقتصاد البلاد المتدهور.


مقالات ذات صلة

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

الاقتصاد منظر عام لشارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس (رويترز)

تونس تسعى لخفض عجز الموازنة إلى 5.5 % في 2025

أظهرت أحدث نسخة من مشروع قانون الموازنة التونسية، أن تونس تأمل في خفض عجز الميزانية إلى 5.5 في المائة عام 2025 من 6.3 في المائة متوقعة في 2024.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من التظاهرة التي نظّمها أقارب معارضين للرئيس التونسي للمطالبة بالإفراج عنهم (د.ب.أ)

عائلات معارضين تونسيين معتقلين يتظاهرون ضد «الظلم»

تظاهر نحو مائة من أقارب معارضين للرئيس التونسي، بعضهم مسجون منذ ما يقارب العام ونصف العام، لمناسبة عيد الجمهورية للمطالبة بالإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق خبير تونسي يتفقد مزرعة تين شوكي موبوءة بالحشرات القرمزية في صفاقس بتونس في 19 يوليو 2024 (رويترز)

الحشرة القرمزية تصيب محاصيل تونس من التين الشوكي (صور)

الحشرة أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لمحصول التين الشوكي لأنها تدمر مساحات واسعة من المزارع وتثير قلقاً اقتصادياً كبيراً منذ اكتشافها في تونس لأول مرة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (تونس)
المشرق العربي بإمكان العراقيين السفر إلى تونس من دون تأشيرة دخول (أ.ف.ب)

تونس تُعفي العراقيين والإيرانيين من تأشيرة الدخول

أعلنت تونس إعفاء الإيرانيين والعراقيين من تأشيرة الدخول إلى أراضيها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا تونسيون يعاينون الخراف في مركز بيع بمدينة القصرين حيث زادت أسعار الأضاحي بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف (أ.و.ب)

ارتفاع أسعار أضاحي العيد يقض مضجع التونسيين

أعداد كبيرة من التونسيين عبرت عن تذمرها وشكواها من ارتفاع أسعار أضاحي العيد، وهو ارتفاع كبير وغير منتظر، وأصبح يقض مضجع جل الآباء التونسيين.

«الشرق الأوسط» (تونس)

وزير الخارجية السوداني: لا بديل لـ«منبر جدة»

وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)
وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)
TT

وزير الخارجية السوداني: لا بديل لـ«منبر جدة»

وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)
وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إنَّ حكومته أكَّدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، الذي زار البلاد السبت، تمسكها بـ«منبر جدة» لحل الأزمة السودانية، وإنها ترفض المشاركة في أي منبر بديل.

وأضاف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «خلال الزيارة تم تأكيد موقف السودان الثابت من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في (منبر جدة)». وكان الخريجي قد وصل العاصمة السودانية المؤقتة، بورتسودان، في زيارة لبضع ساعات التقى خلالها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان.