تطور القطاع الثقافي السعودي يحفز الإنتاج ويشجع فرص الاستدامة والاستثمار

شهد عام 2022 نمواً في مؤشرات الإنتاج الثقافي بفضل الدعم المؤسسي والتوسع في إقامة المواسم والمهرجانات الثقافية (وزارة الثقافة)
شهد عام 2022 نمواً في مؤشرات الإنتاج الثقافي بفضل الدعم المؤسسي والتوسع في إقامة المواسم والمهرجانات الثقافية (وزارة الثقافة)
TT
20

تطور القطاع الثقافي السعودي يحفز الإنتاج ويشجع فرص الاستدامة والاستثمار

شهد عام 2022 نمواً في مؤشرات الإنتاج الثقافي بفضل الدعم المؤسسي والتوسع في إقامة المواسم والمهرجانات الثقافية (وزارة الثقافة)
شهد عام 2022 نمواً في مؤشرات الإنتاج الثقافي بفضل الدعم المؤسسي والتوسع في إقامة المواسم والمهرجانات الثقافية (وزارة الثقافة)

بعد عامين صبغتهما التحديات الاستثنائية الظرفية التي فرضتها تبعات جائحة «كوفيد - 19»، حظي القطاع الثقافي في السعودية بفرصة لاستئناف نموه وازدهاره، والمضي في خطواته لمقاربة الاستراتيجية الوطنية للثقافة التي ترنو إلى تعظيم مساهمة الثقافة في النمو الاقتصادي.

وقدمت النسخة الجديدة من تقرير الحالة الثقافية في السعودية، الذي صدر الثلاثاء، قراءة مفصلة لحالة القطاع الثقافي في السعودية خلال عام 2022، وتتبع ملامح النمو وجوانب النقص بقدر أكبر من الوضوح، ملقياً الضوء على مواطن الحاجة إلى مزيد من الجهود لاستكمال البيئة التنظيمية الداعمة للثقافة، وتحفيز المشاركة والإبداع والإنتاج والنمو.

شهدت حركة الإنتاج لمؤلفين سعوديين تعافياً عن العام السابق بنحو 700 كتاب أدبي في 2022 (وزارة الثقافة)
شهدت حركة الإنتاج لمؤلفين سعوديين تعافياً عن العام السابق بنحو 700 كتاب أدبي في 2022 (وزارة الثقافة)

72 فيلماً سعودياً خلال عام

وكشف التقرير بأن عام 2022 شهداً مزيداً من النمو في مؤشرات الإنتاج الثقافي، وعزى التقرير هذا النمو إلى ملمحين بارزين، هما الإنتاج المؤسسي والمدعوم، والتوسع في إقامة المواسم والمهرجانات الثقافية. ورصد التقرير مجموعة من مؤشرات الإنتاج التي تعكس هذا النمو، ومن ذلك بلوغ عدد الأفلام السعودية المنتجة 72 فيلماً، خلال عام 2022.

وعلى مستوى الإنتاج المكتوب، شهدت حركة الإنتاج لمؤلفين سعوديين تعافياً ملحوظاً عقب انخفاضها العام الماضي، وصدر نحو 700 كتاب أدبي في 2022م، بنمو بلغت نسبته 17.82 في المائة عن 2021، كما حظي قطاع الترجمة بدعم مؤسسي أثمر عن ارتفاع واعد في أعداد الأعمال المترجمة، التي بلغت 524 عملاً في عام 2022م. وقاس التقرير مستوى الإنتاج البحثي في المجالات الثقافية، وسجل عدد الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المحّكمة في المملكة معدل 358 بحثاً في عام 2022، في حين بلغ إجمالي المعارض الفنية المقامة هذا العام 486 معرضاً، بنسبة نمو بلغت77 في المائة عن العام الماضي.

كشف تقرير الحالة الثقافية في السعودية أن السياحة الثقافية وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال 2022 (وزارة الثقافة)
كشف تقرير الحالة الثقافية في السعودية أن السياحة الثقافية وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال 2022 (وزارة الثقافة)

دعم تعليم الموسيقى في المدارس السعودية

ورصد التقرير خطوة ملموسة لتشجيع فنون الموسيقى، إذ قدمت وزارة الثقافة، لمائة مدرسة أهلية وعامة في السعودية أكثر من ثمانية آلاف آلة موسيقية لتمكينها من تقديم برامج لا صفية تطبيقية في المجال. وعلى مستوى التعليم، بلغ عدد الخريجين من مؤسسات التعليم العالي المحلية، وفي التخصصات الثقافية في أحدث أرقام متوفرة من عام 2021م 38156 خريجاً وخريجة، شكل الإناث 70 في المائة منهم، كما أظهرت الأرقام تركز ما نسبته 68 في المائة من جميع الخريجين في تخصصات اللغات والأدب.

وفي استمرارية لتطور قطاع المنظمات الثقافية غير الربحية، رصد التقرير تضاعفاً في أعدادها بأكثر من 8 مرات خلال الأعوام الـ5 الماضية، ليصل إجمالي عددها خلال عام 2022م إلى 69 منظمة ثقافية غير ربحية، يتمركز غالبيتها في مدينة الرياض، بالإضافة إلى غياب أو انخفاض هذا النوع من المنظمات في بعض القطاعات الثقافية، في المقابل تضاعفت أعداد أندية الهواة إلى ما يقارب 3 أضعاف مقارنة بعام 2021م، حيث تأسس 93 نادياً ثقافياً للهواة خلال عام واحد فقط.

ساهمت مشاريع التنقيب والمسح الأثرية في الوصول إلى المزيد من المكتشفات الأثرية المهمة (وزارة الثقافة)
ساهمت مشاريع التنقيب والمسح الأثرية في الوصول إلى المزيد من المكتشفات الأثرية المهمة (وزارة الثقافة)

السياحة الثقافية في أعلى مستوياتها

وكشف التقرير، أن السياحة الثقافية وصلت إلى أعلى مستوياتها، حيث سجلت الوجهات التاريخية والتراثية أهم النوافذ التي شجعت على تعزيز مستويات السياحة الثقافية، تزامن ذلك مع ازدياد مشاريع التنقيب والمسح الأثرية لتصل إلى 53 مشروعاً في عام 2021م، وهو ما ساهم بمزيد من المكتشفات الأثرية المهمة، كان أبرزها المصائد الحجرية في منطقة العلا، بالإضافة إلى مكتشفات مهمة في منطقة الفاو وجزيرة فرسان. وبعد تنظيم هيئة التراث للسجلات الوطنية للتراث في عام 2021م، أعقب ذلك خلال عام 2022م نمواً لافتاً في العناصر التراثية المسجلة في هذه القوائم، فتضاعف عدد مواقع التراث العمراني المسجلة، بلغت 2793 موقعاً حتى نهاية عام 2022، وارتفع عدد المواقع المسجلة في السجل الوطني للآثار إلى 8597 موقعاً حتى نهاية عام 2022م. وفي سجلات التراث العالمية، شهد عام 2022 تسجيل محمية حرة عويرض في برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (ماب) التابع لمنظمة (اليونيسكو)، كثاني محمية مسجلة للمملكة في البرنامج، بالإضافة لتسجيل البن الخولاني وحداء الإبل في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونيسكو، لتبلغ العناصر المسجلة للمملكة في القائمة 11 عنصراً.

القطاع الثقافي الناشئ أمامه فرص واسعة لتنمية مساهمته في خلق فرص العمل على مستوى الاقتصاد الوطني (وزارة الثقافة)
القطاع الثقافي الناشئ أمامه فرص واسعة لتنمية مساهمته في خلق فرص العمل على مستوى الاقتصاد الوطني (وزارة الثقافة)

استكمال الجوانب التنظيمية للقطاع

وقال التقرير إن القطاع الثقافي الناشئ لا تزال أمامه فرص واسعة لتنمية مساهمته في خلق فرص عمل على مستوى الاقتصاد الوطني، حيث شكل العاملون في المهن الثقافية الرئيسية خلال عام 2022م (1.25في المائة) من إجمالي المشتغلين في المملكة، وعند إضافة المهن الثقافية غير المباشرة تصل النسبة إلى 1.7في المائة من سوق العمل السعودي بواقع 242003 مشتغل ومشتغلة.

وأشار التقرير إلى أن سوق العمل في القطاع الثقافي السعودي، تمتاز بارتفاع مشاركة السعوديات، ففي الربع الثالث من عام 2022م تجاوز عددهن في المهن الثقافية عدد نظرائهن من العاملين السعوديين، حيث وصلت نسبة مشاركة المرأة السعودية إلى 51 في المائة. كما أكد التقرير، أن النمو الذي يشهده القطاع الثقافي يزيد الحاجة إلى استكمال الجوانب التنظيمية للقطاعات الثقافية، حيث لا يزال القطاع الثقافي يمر بتحولات مستمرة.

وإلى جانب عدد من التطورات التنظيمية والملامح الإيجابية لبيئة عمل القطاع الثقافي، لا يزال أمام القطاع شوط طويل قبل أن تستكمل أجزاء البيئة الداعمة للثقافة، من حيث التنظيمات، والبنية التحتية التي لم تشهد تطورات رئيسية خلال عام 2022، وبحسب التقرير، سيكون ذلك كفيلاً بجذب الاستثمارات إلى القطاع ودفعه قدماً، وتعظيم إسهامه في الاقتصاد والمجتمع، لافتاً إلى أن أهم مواضع الاستثمار، تتركز في دعم ورعاية المبدعين الذين يعدّون المحرك الرئيسي للثقافة، وذلك من خلال توفير الفرص التعليمية والتدريب الفني بمستوياته كافة، ودعم تطلعات القطاع والعاملين في حقوله المختلفة إلى المزيد من النمو والازدهار.


مقالات ذات صلة

«مفكرة أبريل»: 3 أيام من الإنصات العميق لما تخفيه الذاكرة وتبوح به الأصوات

يوميات الشرق عمل الفنانة السعودية تارا الدغيثر استند إلى أساطير سومرية (الشرق الأوسط)

«مفكرة أبريل»: 3 أيام من الإنصات العميق لما تخفيه الذاكرة وتبوح به الأصوات

لا ترى «مفكرة أبريل» في بينالي الشارقة نقطة وصول، وإنما سبيل يتشعَّب إلى طرق وأساليب تُواصل التشكُّل والتطوُّر حتى بعد انتهاء الفعالية...

فاطمة عبد الله (الشارقة)
يوميات الشرق إعادة الإضاءة على الأعمال التي صنعت الذاكرة الثقافية العربية (صور مايا الحاج)

«عشرون»: في مواجهة الذاكرة المُهدَّدة والفراغ المُعلَّب

يَعبُر «عشرون» من مجرّد برنامج عن ترتيب الأعمال، إلى مشروع في قلب المعركة الثقافية. وهي معركة لا تُخاض بالسلاح، وإنما بالكلمة والذاكرة والاختيار.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق نداء مفتوح لمواجهة التكوينات والمواقف المتفاوتة (الشارقة للفنون)

«مفكرة أبريل»: لقاء الفنّ والحوار في نسيج تكوينات جديدة

بالإضافة إلى كونها حدثاً ثقافياً، تُشكل «مفكرة أبريل» دعوة مفتوحة لتكوين مقاربات جديدة نحو التبادل وبناء الشبكات المجتمعية، وإعادة تخيّل الهياكل الداعمة للحياة.

فاطمة عبد الله (الشارقة)
ثقافة وفنون «كشتبان»... أم مصرية ترمّم تصدعات الذات في الهند

«كشتبان»... أم مصرية ترمّم تصدعات الذات في الهند

يحفل تاريخ الشعرية العربية بهاجس الارتحال، فقد كانت الرحلة غرضاً رئيسياً ومركزياً من أغراض الشعر العربي، واحتلت الناقة رمزيتها في تراثنا الشعري بصفتها رفيقة.

عمر شهريار
يوميات الشرق من ورشات العمل في بينالي الفنون الإسلامية (هيئة بينالي الدرعية)

«طُرُق: نكهات ومسارات» في بينالي الفنون الإسلامية

على مدى 3 أيام، نظَّمت مؤسسة «بينالي الدرعية» منتدى استكشاف فنون الطهي في العالم العربي تحت عنوان «طُرُق: نكهات ومسارات»، ويمثل هذا الحدث باكورة فعاليات «مساحة…


«غير متعمد»... محمد رمضان يدافع عن نفسه بعد موجة انتقادات عنيفة

لقطة من حفل محمد رمضان في «كوتشيلا» (فيسبوك)
لقطة من حفل محمد رمضان في «كوتشيلا» (فيسبوك)
TT
20

«غير متعمد»... محمد رمضان يدافع عن نفسه بعد موجة انتقادات عنيفة

لقطة من حفل محمد رمضان في «كوتشيلا» (فيسبوك)
لقطة من حفل محمد رمضان في «كوتشيلا» (فيسبوك)

خرج الفنان المصري محمد رمضان عبر فيديو نشره بحساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، مدافعاً عن نفسه بعد موجة واسعة من الانتقادات العنيفة التي تعرض لها خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفية إطلالته المثيرة للجدل خلال حفله الأول بمهرجان «كوتشيلا» الغنائي بأميركا.

وأكد رمضان خلال حديثه، أنه قرر تأجيل رده على الانتقادات؛ نظراً لانشغاله في حفله الثاني بـ«كوتشيلا»، موضحاً أنه مثّل اسم بلده بالحفل، وأن جمهوره يعرفه جيداً، ويعرف أنه لم يرتد ملابس نسائية في أعماله من قبل.

الأمر الذي عدته تعليقات «سوشيالية» يحمل إهانة ضمنية للنساء.

ونوّه رمضان بأنه قام بارتداء الحلق في أحد أفلامه، وكذلك في كليب غنائي، لكنه لم ولن يفعلها في الحقيقة، مؤكداً «أن الزي الذي ارتداه في (كوتشيلا) لم يكن مقصوداً خروجه بالشكل الذي ترجمه الناس عبر مواقع (سوشيالية)».

الملصق الترويجي لأغنية «بحب أغيظهم» (حساب رمضان على فيسبوك)
الملصق الترويجي لأغنية «بحب أغيظهم» (حساب رمضان على فيسبوك)

وأوضح رمضان، الذي بدّل اسمه بموقع «إنستغرام» إلى «mr1»، أن الغرض من إطلالته كان بهدف محاكاة تصميمات فرعونية، «إلا أن مصممة الأزياء فريدة تمرازا لم يكن بحوزتها جنيهات كافية لاستكمال الزي الذي خرج قصيراً نوعاً ما، وغير متعمد»، وفق قوله.

من جانبه، قال الناقد الفني المصري محمد عبد الخالق إن «محمد رمضان ينطبق عليه التعبير الشعبي (جه يكحلها عماها)»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «فقد خرج بعد تجاهل (الترند)، لفترة وقرر يوجه كلمة لجمهوره، ولكن أسلوبه كان يخلو من الحصافة، بعد رسالة طويلة تكلم فيها عن أمور لا علاقة لها بما حدث، مثل الحديث عن تقديم دور سيدة، الذي لا دخل له بأزمة ملابسه غير اللائقة».

ووصف عبد الخالق جملة رمضان الأخيرة بأنها «خارجة عن اللباقة، بل وتمثل إهانة للسيدات».

وكانت إطلالة محمد رمضان في حفلة الأخير في مهرجان «كوتشيلا» الموسيقي بأميركا قد أثارت جدلاً «سوشيالياً» واسعاً، ووصفها البعض بأنها غير ملائمة للرجال، حيث تصدر اسمه «الترند» على «غوغل» ومنصة «إكس»، لأيام عدة، وذلك عقب انتشار صور الحفل الذي أحياه بولاية «لوس أنجليس»، كونه أول فنان مصري يشارك بالمهرجان العالمي.

وتصاعدت أزمة رمضان بمصر حتى وصلت إلى حد تقديم بلاغات للنائب العام من قبل مواطنين وقانونيين اتهموه بمخالفة العادات والتقاليد وإهانة العملة والعلم المصري، بالإضافة لمطالبة إحدى عضوات مجلس النواب باتخاذ الإجراءات اللازمة ضده، وشطبه من «نقابة الممثلين»، بجانب هجوم من هيئة كبار علماء الأزهر، واتهامات «سوشيالية»، بارتدائه لأزياء تشبه ما كان يرتديه رجال في القرن 19، كانوا يوصمون بـ«فقدان الاعتبار».

محمد رمضان (حسابه بموقع فيسبوك)
محمد رمضان (حسابه بموقع فيسبوك)

وقبل إحياء حفله الثاني بأميركا طرح رمضان أحدث أغنياته «بحب أغيظهم»، عبر قناته الخاصة بموقع «يوتيوب»، وظهر على الملصق الترويجي للأغنية بالزي نفسه الذي ارتداه في «كوتشيلا»، حيث تعمد إظهار الخلفية التي تحمل رمز «مفتاح الحياة»، وكتب: «حزب الحاقدين انضم... جابوا سيرتي وحفظوها صم»؛ وهو ما اعتبره البعض رداً على منتقديه.

ويرى الناقد الفني المصري كمال القاضي أن «الحالة التي أثارها محمد رمضان لا شك أنها خصمت الكثير من رصيده الشعبي والجماهيري».

ويضيف القاضي لـ«الشرق الأوسط»: «رغم موهبة رمضان الكبيرة في التمثيل، فإنه لم يتمتع بالقدر نفسه على مستوى الوعي الثقافي، وهذا يتضح في عدم إحساسه بمسؤوليته بصفته فناناً؛ لأن الجمهور يربط بين السلوكيات الشخصية للنجم وبين فنه، فإن انحرف عن السلوك المنضبط وأتى ببعض التصرفات غير اللائقة أدبياً وأخلاقياً؛ سقط من نظر الجمهور وأعاد تقييمه من جديد».

وأكد القاضي أن «الوصول للعالمية لا يتحقق باعتماد مبدأ الفوضى لاكتساب المزيد من الشهرة، وأن الغناء في أميركا وأوروبا لا يعني التخلي الكامل عن الأدبيات العامة لمجتمعنا الشرقي، والتفريط في قيمنا».