«مرحلة»... 48 عملاً من الإبداع العربي للبيع في المزاد

لأول مرة أعمال من مقتنيات «مجموعة دلول» الفنية في مزاد لـ«كريستيز»

لوحة من دون عنوان للفنانة هيلين خال (كريستيز)
لوحة من دون عنوان للفنانة هيلين خال (كريستيز)
TT

«مرحلة»... 48 عملاً من الإبداع العربي للبيع في المزاد

لوحة من دون عنوان للفنانة هيلين خال (كريستيز)
لوحة من دون عنوان للفنانة هيلين خال (كريستيز)

في كل رحلة محطات ومراحل، وفي العالم الفني يمكن عدّ المجموعة الفنية التي بدأها الدكتور رمزي دلول، الذي دأب على مدى عقود على شراء أعمال الفنانين العرب ليكون مجموعة فنية مهمة تحولت إلى مؤسسة فنية ضخمة، واحدة من أهم الرحلات الفنية في العالم العربي. أكثر من 3000 عمل من الإبداع العربي تعرضها المؤسسة في بيروت سجلت أيضا حضورها على الإنترنت عبر موقع أطلق منذ عامين.

عمل من دون عنوان للفنان حامد ندا (كريستيز)

ولكن المجموعة الضخمة تدخل في عملية «ترشيق» حالياً مع عرض نحو 48 عملاً لأهم الفنانين العرب للبيع في مزاد لدار كريستيز يقام يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهي المرة الأولى التي تعرض فيها أعمال من مجموعة دلول للبيع. المزاد المسائي الذي تحتضنه دار كريستيز بمقرها في لندن يحمل عنوان «مرحلة»، وهو عنوان يفصح عن جوانب من قصة «مجموعة دلول» الفنية. المجموعة المعروضة تضم أعمالاً لقامات فنية متفردة؛ أمثال محمود سعيد، وإبراهيم الصلحي، وضياء عزاوي، وحامد ندا، وإنجي أفلاطون إضافةً إلى أيمن بعلبكي، ومروان وسامية حلبي، وغيرهم من أهم الأصوات الفنية العربية.

ولكن لماذا يتخلى مقتن عن أعمال بهذه الأهمية الفنية تمثل مراحل مفصلية في حركة الفن العربي؟ يقول الدكتور باسل دلول لـ«الشرق الأوسط» بالإشارة لعنوان المزاد: «(مرحلة) تعني محطة في الرحلة، فبيع 48 لوحة هو جزء من رحلة (مجموعة دلول) التي بدأها والدي منذ عقود». يضيف «القطع المعروضة للبيع تعكس ذوق واختيارات والدي الذي كان جامعاً لأعمال فنية عربية مرموقة ومهمة لسنوات طويلة. من جانبي قررت بيع جزء صغير مختار من المجموعة لتشذيبها وصقلها». بعد رحلة حب وعشق للفنون نتج عنها جمع أكثر من 3000 آلاف قطعة، تأتي محطة الانتقاء والاختيار وتحديد الأهداف القادمة. يقول الدكتور دلول إن المرحلة المقبلة ستكون متجهة نحو «اقتناء مزيد من أعمال الفنانين العرب وإضافتها للمجموعة حتى تصبح حاضنة لأعمال فنانين من مختلف الثقافات والخلفيات والممارسات». ويركز على اكتشاف ودعم الأصوات الجديدة على الساحة الفنية العربية.

عمل للفنان ضياء عزاوي من مجموعة دلول الفنية (كريستيز)

كيف وقع الاختيار على اللوحات المعروضة للبيع؟ وما الاعتبارات التي أخذتها عند اختيار أي قطع المزاد؟ يجيب الدكتور دلول عن ذلك بقوله: «عملت مع الدكتور رضا مومني نائب رئيس مجلس إدارة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في كريستيز لاختيار 48 عملا منها اللوحات والأعمال الفوتوغرافية والمنحوتات. ضمن مجموعة دلول هناك أكثر من عمل لفنان واحد، وهو ما يؤثر في طريقة السرد والعرض للمجموعة، ولهذا أتمنى أن أستطيع تشذيب المجموعة عبر هذا المزاد». وبالنسبة للخبيرة الفنية بدار كريستيز ماري كلير ثيسين فلم يكن الاختيار سهلا في بعض الأوقات، خاصة مع الأعمال الأثيرة لدى الدكتور دلول. وتشير الخبيرة في حديثها إلى أن الدكتور باسل دلول يحاول من خلال المزاد أن يضع استراتيجية خاصة لتحسين المجموعة مع إضافة الجديد من الأعمال الفنية الحديثة، كما تشير إلى أنه لم يتوقف عن شراء الأعمال الفنية التي يشعر أن المجموعة بحاجة لها، لملء أي فراغ في محتوى ومضمون المجموعة إضافةً إلى هدفه بدعم الأجيال الجديدة من الفنانين في المنطقة. وتؤكد أن المزاد يهدف لـ«نشر الوعي بالإبداع القادم من هذا الجزء من العالم».

«فتاة ترتدي فستاناً منقوشاً» للفنان محمود سعيد (كريستيز)

ضمن المزاد... محمود سعيد والريف المصري

تتصدر المجموعة عدة أعمال لفنانين كبار أمثال محمود سعيد، ذلك العبقري من الإسكندرية الذي هام بالريف وجمال المرأة المصرية، وصور بريشته ملامح الأرض السمراء ونهر النيل والفلاحات عبر الألوان واللعب على الضوء والظل. لوحته هنا التي رسمها في عام 1938 تحمل عنوان «فتاة ترتدي فستاناً منقوشاً»، الفلاحة السمراء الجميلة في لوحته تبدو رشيقة وأنيقة تستند على جرة ضخمة، وفي الخلفية فلاحة أخرى تحمل جرتها على رأسها، وتتجه إلى مجرى الماء. اللوحة كانت ملكا لحسين باشا سري، وعرضت أربع مرات في أثناء حياة الفنان.

أيمن بعلبكي

من أعمال الفنان اللبناني أيمن بعلبكي يأتي عمل من دون عنوان يصور هيكل عمارة مدمرة، كعادته يلجأ بعلبكي إلى الألوان وضربات الفرشاة لمنح اللوحة ملمساً ونسيجاً خاصاً، وتبدو العمارة لنا خلف غمامة قد تكون الغبار المحيط بكل ذلك الدمار. لوحات بعلبكي تلمس الجرح العربي دائما، وتتحدث بفصاحة لونية عن الحرب والدمار والمقاومة. وتشير الخبيرة إلى أن أيمن بعلبكي من الفنانين المهمين في مجموعة دلول حيث «نشر الدكتور باسل كتابا عن بعلبكي مؤخرا»، وتضيف أن اللوحة بالحجم الضخم، تعبر عن العنف والدمار الذي عاصره بعلبكي في لبنان منذ أن ولد في أثناء الحرب الأهلية. «ينقل بعلبكي مشاهداته للدمار والعنف عبر لغة بصرية تجنح للأسلوب الشعري».

ليليات كمال بلاطة

تشدني لوحة للفنان الفلسطيني الراحل كمال بلاطة لتنويعاته على اللون الأزرق ودرجاته، تشير الخبيرة للوحة قائلة: هذه اللوحة من سلسلة بعنوان «ليليات»، حيث درج الفنان على استخدام الأشكال الهندسية المجردة، وتضيف «أعتقد أن اللون هنا جميل على نحو خاص، كأنما نفتح نافذة، ونرى أمامنا تجريدا لدرجات الأخضر والأزرق». تشبهه بالشاعر في استخدامه للألوان «رغم أننا قد لا نعرف ماذا يقول العمل، فالأهم هو المشاعر والأفكار والألوان التي يمكن أن تعبر عنها». تستعين ثيسين بنص كتبه الفنان عن استخدامه للألوان قال فيه: «بمجرد أن تجف، تبعث الألوان بإحساس منعش كماء النبع وشفاف مثل الزجاج. بمجرد أن أحس باستطاعتي الولوج داخل اللوحة، وكأني أقفز داخل بركة أو مرآة، أعرف وقتها أن عملي انتهى. بعد أيام وأسابيع بعد ذلك عندما أعود للنظر للوحة أشعر بالدهشة لما أراه ماثلا أمام عيني، لا يسعني إلا أن أتساءل ما هي الصور التي يعكسها هذا السطح المعين من ذاكرتي».

«طريق الإنسانية» للفنان أحمد ماطر (كريستيز)

أحمد ماطر وطريق الإنسانية

يضم المزاد عملين للفنان السعودي أحمد ماطر من مجموعته الفوتوغرافية التي قام بتصويرها من طائرة هليكوبتر أثناء موسم الحج. حيث يصور ماطر الجموع البشرية التي تقوم بمراسم رمي الجمرات، غير أن التصوير من أعلى يختزل الجموع لموجات من النقاط، لا ملامح، ولا فردية هنا، بل موجة بعد موجة من المشاعر والصلوات، كأنما تختصر تجربة الحج التي تذوب فيها الفروقات بين الحجاج، وتوحد بينهم التجربة الروحية المشتركة. تعلق ثيسين بالقول: «أعتقد أنه يعكس لنا عبر اللقطات العوامل الروحية التي تجمع بين الناس».

«النخلة» للفنان إبراهيم الصلحي (كريستيز)

إبراهيم الصلحي

تظهر في المجموعة المعروضة أعمال لفنانين قل أن ترى أعمالهم في المزادات مثل الفنان السوداني إبراهيم الصلحي. لوحته «النخلة» من سلسلة «الشجرة» مستوحاة من شجرة الحراز التي تنمو في السودان ويستخدمها الصلحي في أعماله ليرمز لإصرار الإنسان على الحياة والمثابرة رغم قسوة الطبيعة تماما مثل الشجرة التي تتحدى التصحر والجفاف. العمل يحمل الطابع الهندسي الدقيق، ولكن التجريد هنا ليس جافاً بل يثير المشاعر، ويعبر عن رؤية الفنان. عرف الصلحي بمزجه الفريد ما بين التيمات الأفريقية والإسلامية والعربية، الذي جعل منه شخصية رئيسية في تطور الحداثة الأفريقية اليوم.

لوحة للفنان كروان (كريستيز)

مروان وتضاريس الوجه البشري

للفنان السوري مروان قطعتان في المزاد إحداهما تعود للسبعينات وتعد من بواكير أعماله، وفيها يبحر في تضاريس الوجه البشري باستخدام ضربات فرشاة معبرة بالألوان المائية لاستكشاف العمق النفسي للوجه الإنساني، وهو تيمة أثيرة لدى الفنان. وتشير ثيسين إلى أن اللوحة في المزاد تتميز بألوان هادئة لتقدير تأثيرها يجب أن يقف المشاهد أمامها. ويضم المزاد لوحة ثانية لمروان بعنوان «ماريونيت» (دمية متحركة) رسمها الفنان في عام 2014. للفلسطينية سامية حلبي التي اشتهرت بالنمط التجريدي، يضم المزاد لوحتين تتميزان بالألوان والتدرجات الهندسية. وتشير ثيسين إلى أن المزاد يضم مجموعة من أعمال أهم الفنانات في العالم العربي؛ أمثال هيلين خال وإنجي أفلاطون وإيتيل عدنان.

«شجرة الموز» للفنانة إنجي أفلاطون (كريستيز)

تشمل الأعمال المهمة الأخرى لوحة تجريدية مذهلة لكاظم حيدر، وعملاً لضياء العزاوي من أبرز أعمال المعرض المتنقل الأخير «بيروت والستينات الذهبية»، ولوحة «موجة» المميزة لمحمد المليحي من الثمانينات. كما تضم المجموعة مجموعة لبنانية قوية بما في ذلك الأعمال المتميزة لبول غيراغوسيان، وشفيق عبود، وشوقي شوكيني.

لوحة من دون عنوان للفنان محمد المليحي (كريستيز)

أسألها عن المجموعة الفنية الضخمة في مجموعة دلول والتغييرات التي يحاول الدكتور باسل عرضها عبر المزاد، تقول: «المجموعة بدأها الدكتور رمزي دلول الذي كان شغوفاً بالاقتناء، وفي المجموعة هناك أكثر من لوحة للفنان نفسه قد تكون من السنة نفسها، ولهذا يحاول الدكتور باسل إدخال التحسينات عبر تنقية الأعمال والاحتفاظ بالأفضل، وهو مستعد لبيع المتشابهات باتجاه أخذ المجموعة باتجاه الوقت الحاضر».

حقائق

3000

أكثر من 3000 عمل من الإبداع العربي تعرضها مؤسسة دلول الفنية في بيروت


مقالات ذات صلة

«بيضة الشتاء»… جوهرة إمبراطورية في الطريق لتحطيم الأرقام القياسية

يوميات الشرق «بيضة الشتاء» تحفة من الكريستال والألماس من تصميم الصائغ فابرجيه (كريستيز)

«بيضة الشتاء»… جوهرة إمبراطورية في الطريق لتحطيم الأرقام القياسية

تُعرض «بيضة الشتاء» الإمبراطورية التي كلّف القيصر الروسي نيقولا الثاني الصائغ فابرجيه بصنعها بوصفها هدية عيد الفصح لوالدته، للبيع في مزاد يُقام الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا هذه العملة هي الأولى من نوع «سنتن سيغوفيانو» على الإطلاق والتي سُكّت في سيغوفيا عام 1609 (رويترز)

بيع عملة ذهبية إسبانية بسعر قياسي ناهز 3.5 مليون دولار

بيعت عملة ذهبية إسبانية من أوائل القرن الـ17 بسعر يناهز 3.5 مليون دولار في مزاد، مسجلةً رقماً قياسياً لعملة أوروبية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق صورة للساعة من الموقع الرسمي لدار مزادات «هنري ألدريدغ آند سان»

توقفت عند لحظة الغرق... بيع ساعة أحد ركاب «تيتانيك» بأكثر من مليوني دولار

بيعت ساعة جيب ذهبية، استُعيدت من جثة أحد أغنى ركاب سفينة تيتانيك، بمبلغ قياسي بلغ 1.78 مليون جنيه إسترليني في مزاد علني.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق البابا فرنسيس في استاد مدينة زايد الرياضية بأبوظبي... فبراير 2019 (د.ب.أ)

كاميرا للبابا فرنسيس تُباع بنحو 7.5 مليون دولار

بيعت كاميرا من ماركة «لايكا» كانت للبابا فرنسيس، ضمن مزاد أُقيم في فيينا، السبت، مقابل 7.49 مليون دولار، على أن يعود ريع المزاد لجمعية البابا الراحل الخيرية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
يوميات الشرق كنز ورقي نجا من الزمن (هيريتدغ أوكشنز)

نسخة «سوبرمان» نادرة تقفز من الغبار إلى ملايين الدولارات

في واقعة تبدو أقرب إلى حكايات الكنوز المنسيّة، عثر 3 أشقاء خلال تنظيف علّية منزل والدتهم الراحلة في كاليفورنيا، على نسخة أصلية من أوائل أعداد شخصية «سوبرمان».

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
TT

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)

تصدُّر بطولة فيلم افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» ليس أمراً بسيطاً، بيد أنْ يترافق ذلك مع اختيار فيلم آخر للبطل نفسه ضمن دورة واحدة، فهذه حالة لا تحدُث كثيراً في مسيرة أي ممثل. هذا ما يعيشه حالياً البريطاني - المصري أمير المصري، بطل فيلم «العملاق» الذي افتتح الدورة الخامسة للمهرجان، وحظي باهتمام واسع، وهو أيضاً بطل فيلم «القصص» للمخرج أبو بكر شوقي، أحد أبرز المنافسين في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة.

أمير المصري، الذي أصبح اسماً مألوفاً في سجل ضيوف المهرجان خلال السنوات الماضية، عاد هذا العام بنبرة مختلفة وحضوراً أكثر نضجاً، ليروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل التجرية، قائلاً: «عندما تحدَّث معي الرئيس التنفيذي للمهرجان الأستاذ فيصل بالطيور عن فيلم (العملاق)، لم أكن أعرف أنه سيختاره ليكون فيلم الافتتاح. فقد كان من الممكن أن يختار فيلماً تجارياً لبطل هوليوودي مثلاً، لكنه أبدى اهتماماً بإظهار أناس مثلي على المسرح أمام نجوم عالميين مثل مايكل كين وإيشواريا راي».

ويصف المصري تلك اللحظة بأنها علامة فارقة في مسيرته، ويضيف بنبرة إعجاب واضحة: «أنا منبهر بالمهرجان، وعاماً تلو آخر نرى أنّ كلّ دورة أفضل من التي سبقتها». ويتابع موضحاً خصوصية هذا العام: «مستمتع جداً بالمرحلة الحالية التي أعيشها فنّياً، خصوصاً مع ندرة أن يحظى ممثل ببطولة فيلمين مشاركين في مهرجان بحجم (البحر الأحمر)».

أمير المصري... عام مفصلي يُبدّل موقعه بين البطولة والهوية الفنّية (المهرجان)

«العملاق»... المدرّب أم الموهبة؟

وإنما حضور المصري في «العملاق» يتجاوز مجرّد البطولة، فالفيلم نفسه يحمل تركيبة حساسة تستدعي أداءً واعياً لطبيعة الشخصية التي يجسدها: نسيم حميد، المُلاكم الذي أحدث ثورة في صورة الرياضي المُسلم في بريطانيا التسعينات، بقدر ما أثار جدلاً لا ينتهي حول علاقته بمدرّبه الأسطوري الذي يجسّد دوره النجم بيرس بروسنان. وبسؤال أمير المصري عن تقاطعات ذلك مع حياته، يرد بحماسة: «جداً... كلانا يتجاهل الآراء السلبية ويُكمل طريقه بإصرار».

ينطلق الفيلم من مشهد صغير في شيفيلد البريطانية، حيث تطلب والدة طفل في السابعة من المدرّب أن يُعلّم ابنها الدفاع عن نفسه ضدّ التنمُّر، لحظة تبدو عادية لكنها تتحوَّل إلى حجر الأساس لأسطورة. يلتقط المدرّب الموهبة من النظرة الأولى، فيأخذ نسيم مع 3 من إخوته إلى الحلبة، ليكتشف فوراً أن الطفل النحيف يحمل شيئاً لا يُدرَّس. ومن هنا يمتدّ الخطّ الزمني للفيلم عبر محطات تنقل نسيم من شوارع الحيّ إلى لقب بطل العالم، قبل أن تبدأ الانهيارات التي ستفضح هشاشة العلاقة بين المُلاكم ومدرّبه.

يطرح الفيلم بذكاء شديد السؤال: مَن هو «العملاق» الحقيقي، المدرّب أم الموهبة؟ هذا السؤال يصل ذروته في مشهد صادم يتواجه فيه الطرفان، فيقول نسيم: «هذه موهبة من الله، وعليَّ أن أستثمرها من دون أن أدين بالفضل لأحد». فيردّ المدرّب: «موهبتك بلا قيمة لو لم أكتشفها وأطوّرها طوال 16 عاماً».

ولأنّ الفيلم يعيد طرح الأسطورة على الشاشة، كان حضور نسيم حميد الحقيقي في عرض الفيلم حدثاً إضافياً، إذ ظهر المُلاكم المعتزل في المهرجان بعد سنوات من الغياب، مُبتسماً ومُتأثراً، وقال لأمير المصري: «هذا الفيلم يقول لك: (باسم الله... ابدأ مسيرة جديدة!)». وكأنّ الأسطورة سلّمت شعلتها الرمزية للممثل الذي أعاد بناءها.

المصري يتوسّط المُلاكم المعتزل نسيم حميد والرئيس التنفيذي للمهرجان فيصل بالطيور (المهرجان)

مرحلة جديدة... مشروعات بالجُملة

وبالنظر إلى كون الهوية الفنّية لأمير المصري وُلدت من تداخُل الثقافتين العربية والغربية، تماماً كما جاء في فيلم «العملاق»، يبدو السؤال عن تأثير هذا المزج حاضراً بالضرورة، ليُجيب بتأمّل واضح في جوهر اختياراته قائلاً: «الأهم أن أركّز على المشروع، أيّاً كان، في العالم العربي أو خارجه». ويشرح: «دائماً تشغلني الأسئلة: هل هذا العمل من شأنه تحريك شيء داخلي؟ هل يمكنه إيصال رسالة؟»، مشيراً إلى أنّ فيلم «العملاق» يأتي ضمن هذا الإطار بشكل واضح.

الزخم دفعه لاتخاذ خطوة طال تأجيلها، وهي تأسيس شركة إنتاج في بريطانيا، فيكشف: «اتجهت مؤخراً لتأسيس شركة إنتاج افتتحتها قبل نحو 3 أشهر، وأعتزم في المرحلة المقبلة أن أنفّذ أعمالاً ليست لي فقط، بل كذلك لأناس يُشبهنوني». يتحدَّث المصري عن مشروعه الجديد كأنه يضع حجر الأساس لهوية إنتاجية مقبلة تُكمِل ما بدأه أمام الكاميرا.

أمير المصري يتحدّث عن الزخم والتحوّل وبداية مشروعه الإنتاجي (الشرق الأوسط)

وعن أحدث مشروعاته، يقول: «ثمة فيلم أنهيته للتو في ألمانيا، ولو عُرض في مهرجان مثل (البحر الأحمر)، فهذا يعني أننا سلطنا الضوء على قضية مهمة جداً في موضوع لامسني جداً عندما قرأته. فيلم سيكون مهماً جداً». ورغم تحفُّظ المصري على ذكر القضية التي يتناولها، فإنّ حديثه يوحي بموضوع ثقيل لمرحلة أكثر التزاماً في خياراته السينمائية.

وفي ختام حديثه، يفتح نافذة على مشروع جديد ينتظره جمهور الدراما، مؤكداً أنه يستعدّ لبطولة مسلسل «سفّاح» مع المخرج هادي الباجوري، الذي من المنتظر عرضه عبر منصة «شاهد»، وهو عمل يستلهم من قصة حقيقية لقاتل متسلسل حصلت في قلب القاهرة، ليذهب هذه المرة نحو الغموض والعوالم السوداء.


ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
TT

ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

نال الفيلمان العربيّان اللذان عُرضا في اليوم الأول من مهرجان البحر الأحمر (الجمعة) استحساناً جيداً من قِبل جمهور غفير.

الفيلمان هما «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، وكلاهما في المسابقة الرسمية ضمن 18 فيلماً تتنافس على الجوائز الأولى.

وضع دائم

محمد بكري (يساراً) وصالح بكري في «اللي باقي منك» (مهرجان البحر الأحمر)

يُؤلّف «اللي باقي منك» مع «صوت هند رجب» و«فلسطين 36» ثلاثية من الأفلام الجديدة التي وجّهت اهتمامها، وفي الوقت المناسب، إلى الموضوع الفلسطيني.

يختلف الفيلم هنا بامتداد أحداثه إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، من عام 1948 حتى سنة 2022. بداية الفيلم مفتاح للذاكرة، تسردها حنان (شيرين دعيبس) في سنة 1988 قبل الانتقال، في «فلاشباك»، إلى عام النكبة عندما تحوّل التعايش بين الفلسطينيين واليهود من ثقافتين تعيشان فوق أرض واحدة إلى احتلال رسمي عقب حرب لم يُتح للفلسطينيين فيها فرصة الانتصار.

وكما في فيلمها السابق «أميركا»، تبني المخرجة عملها على مزيج من العلاقات الأسرية الحميمة ومفردات الوضع السياسي. هناك مشاهد كثيرة في «اللي باقي منك»، تتناول الاحتلال خلال تلك السنوات: حاجز عسكري يُوقف أباً ويهينه أمام ابنه، عائلة تهرب من بيتها تحت القصف، وغيرها من اللقطات التي تعكس تاريخ الاعتداءات على الفلسطينيين بصرف النظر عن وجودهم فوق أرض توارثوها.

على الرغم من أن ما ترويه المخرجة معروف وصحيح من حيث ممارسات الإسرائيليين، فإن أثر ما نراه يترجم عبر لغة فنية صحيحة. بذلك لا يترك الفيلم تأثيره من خلال المشاهد فحسب، بل يُوازي ما حدث ولا يزال يحدث في غزّة من أهوال.

رسالة الفيلم واضحة بلا التباس، ومعالجتها الفنية جيدة، ولو أنّ بعض الأجزاء يفتقد إلى تماسك أكبر في السرد؛ وهو أمر شائع في الأفلام التي تمتد أحداثها عبر أزمنة متعددة.

نظرة إلى حياة صعبة

مُنيا عقل وحسن عقيل في «نجوم الأمل والألم» (مهرجان البحر الأحمر)

يلتقي «اللي باقي منك» مع «نجوم الأمل والألم» (A Sad and Beautiful World) في كونهما مؤلفين من 3 محطات زمنية. في الفيلم اللبناني الذي أخرجه سيريل عريس، نجد حكاية عاطفية - رومانسية في الأساس، مع خلفيات عن الحرب الأهلية وما بعدها ومصائر البيروتيين خلالها.

عدا ذلك، يختلف الفيلمان تماماً، خصوصاً في أسلوب المعالجة بين دعيبس وعريس. ففي فيلم دعيبس الكاميرا محسوبة الحركة وذات تأطير يتناسب مع الموقف، أما المخرج عريس فيؤم إلى كاميرا متحركة حتى في اللحظات التي تستدعي شيئاً من التأني لتمكين الحكاية من الانتقال من السطح إلى العمق.

سيناريو عريس لا يخلو من صعوبة تبرير مفارقات مثل افتراض أن نينو (حسن عقيل) وياسمينة (مُنية عقل)، الواقعين في الحب منذ تعرّفهما على بعضهما، وُلدا في المستشفى نفسه وفي اليوم نفسه. هذه المفارقة تبقى صدفة غير ضرورية، كما يبدو أن المخرج نفسه يعترف بها ضمناً.

لكن عريس يُعوّض هذه المفارقة بالتركيز على تطوّر العلاقة وتقاطعاتها، وعلى ما يعانيه كلّ من البطلين من ماضٍ عائلي حزين (وفاة والدي حسن، وطلاق والدي ياسمينة)، ما يترك تأثيراً على كُنه المشاعر التي يعايشها كلٌّ منهما منفرداً ثم، بعد الإفصاح عنها، على نحو مشترك.

بصرياً، يحفل الفيلم بترجمة الخلجات العاطفية بصور مناسبة. يلعب هذا العنصر دوراً مهماً في تشغيل محرك الحكاية منذ اللقاء الأول عندما يصدم حسن بسيارته «كشكاً» تملكه والدة ياسمينة، مما يؤدي إلى تعارفهما الحقيقي الأول. هناك لقطات كثيرة يعمد إليها المخرج للخروج من تقليد استخدام الحوار للتعبير: لقطات للعيون، وللوجهين، وللمسافة والنظرات بين العاشقين، بديلاً من الكلمات التي لم تكن لتنجح في التعبير عن تلك المواقف إلا بحدود، أو قد لا تنجح مطلقاً.

شيء آخر مشترك بين هذين الفيلمين اللذين عُرضا متتابعين في اليوم الأول. ففي «اللي باقي منك» يتحدّث الممثل البارع محمد بكري (مؤدّياً دور الأب) ردّاً على عبارة تَرِد على لسان الابن (صالح بكري): «أخدوا أرضك ومصاريك... هيدي بتسمّيها حياة؟ ما تكنش أهبل يا ابني».

وفي «نجوم الأمل والألم» تطرح بطلة الفيلم على صديقها الذي يريد الزواج منها: «بدّك تجيب ولاد بهالعالم؟». كلا العبارتين تعكسان في حياة أبطالهما وبيئاتهم ما يُنبئ بفقدان الأمل في احتمالات حياة أفضل؛ نظرة سوداوية ضمن بيئة سياسية مقنعة.

تعكس العبارتان أيضاً أن حياة الأفراد تمرّ من خلال أحداث لا يد لهم فيها؛ ضحايا من صنع آخرين يشكّلون سحابة سوداء فوق كلّ حياة كان يمكن لها، في ظروف أخرى، أن تكون سعيدة وطبيعية.

أمير بلا إمارة

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)

فيلم الافتتاح، «عملاق»، هو عمل مختلف تماماً لا عن هذين الفيلمين فقط، بل عمّا قد يتوقعه المرء من فيلم مُفترض به أن يدور حول الشخصية التي يتحدّث العنوان عنها. فإذا بالسرد يتولّى ناصية حكاية متماوِجة: حين يقترب من الشخصية يكون اقترابه محدوداً، وحين يبتعد يتّضح أن الموضوع يدور، غالباً، حول شخص آخر.

يتولّى الفيلم الإعلان عن أنّه قصّة حياة الملاكم اليمنيّ الأصل نسيم، منذ صباه حتى نيله بطولة العالم في الملاكمة وقد مُنح لقب «برِنس». لكن التركيز في الواقع ينصبّ على شخصية المدرّب براندن (بيرس بروسنان)، وكيف اكتشف منذ لقائه بذلك الشاب الصغير موهبةَ الملاكمة فيه، ثم أسّسه ومنحه المستقبل الناجح الذي حقّقه فوق الحلبة.

بذلك تحدث استدارة شبه كاملة من الموضوع المفترض إلى حكاية تفرض نفسها، فتتحدّث عن حياة المدرّب وليس عن حياة الرياضي. ليس لأن حياة الرياضي نسيم (يؤديه أمير المصري) خالية مما يستوجب السرد (فالفيلم يتحدّث عن خلفيّته ولا يعرضها)، بل لأن المخرج وكاتب السيناريو روان أتهال لديه خطة عمل تقتضي ذلك. تصبح حياة الملاكم (محور الفيلم) جانبية باستثناء استغلالها تذكرة لنجاح الفيلم. في ذلك ممارسة لما يتطرّق إليه الفيلم في بداياته حين يفصح عن معاملة عنصرية يتلقّاها نسيم في صباه.

الفيلم بذلك يختار أن يمارس قدراً من عنصرية التفكير حول مَن يستحقّ التركيز عليه أكثر: الملاكم العربيّ الأصل أم المدرّب الأبيض.


عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
TT

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)

انتشر عمل فني من معرض «آرت بازل» يضم كلاباً آلية تحمل رؤوساً شمعية لوجوه شخصيات بارزة؛ مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، انتشاراً واسعاً، إذ يتناول تأثير رواد التكنولوجيا على الطريقة التي نرى بها العالم.

وتتجول الكلاب الروبوتية ذات اللون الجلدي، والمزوّدة برؤوس شمعية دقيقة تشبه مستوى متحف «مدام توسو» لعدد من المليارديرات والفنانين - من بينهم جيف بيزوس، وإيلون ماسك، ومارك زوكربيرغ، وآندي وارهول، وبابلو بيكاسو - داخل حظيرة صغيرة، وتقوم بـ«إخراج» صور فوتوغرافية.

ويحمل العمل الفني عنوان «حيوانات عادية» من إنتاج استوديو «بيبِل» في تشارلستون، وقد عُرض هذا العام في «آرت بازل» خلال انطلاق الفعالية السنوية في ميامي بولاية فلوريدا.

وقال مايك وينكلمان، المعروف باسم «بيبِل»، في مقطع نُشر من بورتوريكو على «تيك توك»: «الصورة التي يلتقطونها، يعيدون تفسير الطريقة التي يرون بها العالم. لذا فهي تضم فنانين، ولديها أيضاً إيلون وزوكربيرغ». وأضاف: «وبشكل متزايد، هؤلاء التقنيون والأشخاص الذين يتحكمون في هذه الخوارزميات هم الذين يقررون ما نراه، وكيف نرى العالم».

وتتجول الكلاب الروبوتية، وتجلس، وتصطدم بعضها ببعض، وبين الحين والآخر يومض ظهرها بكلمة «poop mode» قبل أن تُخرج صورة رقمية تُترك على الأرض، وفق ما أفادت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

وكتب أحد مستخدمي «تيك توك»: «شكراً، لم أكن أخطط للنوم الليلة على أي حال»، وقال آخر: «هؤلاء مقلقون تقريباً مثل الأشخاص الفعليين»، وعلّق مستخدم على حساب «آرت بازل» في «إنستغرام»: «هذا عبقري ومرعب في الوقت نفسه»، فيما تساءل آخر: «هل هذا حقيقي أم ذكاء اصطناعي؟».

مشهد من معرض «حيوانات عادية» في ميامي (أ.ف.ب)

ويهدف العمل الفني، بحسب الناقد الفني إيلي شاينمان الذي تحدث لـ«فوكس نيوز»، إلى إعادة النظر في كيفية تمكّن الفنانين العاملين في البيئات الرقمية من إحياء مفاهيمهم وأفكارهم عبر الروبوتات، والنحت، والرسم، والطباعة، والأنظمة التوليدية، والأعمال الرقمية البحتة.

وقال وينكلمان لشبكة «سي إن إن»، إن الروبوتات صُممت للتوقف عن العمل بعد 3 سنوات، على أن تكون مهمتها الأساسية تسجيل الصور وتخزينها على سلسلة الكتل (البلوك تشين). وأكد معرض «آرت بازل» لـ«فوكس نيوز ديجيتال»، أن كل نسخة من روبوت «حيوانات عادية» بيعت بالفعل مقابل 100 ألف دولار.

وقال فينتشنزو دي بيليس، المدير العالمي والمدير الفني الرئيسي لمعارض «آرت بازل»، لـ«فوكس نيوز ديجيتال»: «نهدف من خلال معرض (زيرو 10) إلى منح ممارسات العصر الرقمي سياقاً تنظيمياً مدروساً، وخلق مساحة للحوار بين الجمهور الجديد والحالي، مع الإسهام في بناء بيئة مستدامة للفنانين والمعارض وهواة الجمع على حدٍ سواء».