العطش والجوع يطاردان سكان العالم

"الشرق الأوسط" تسلط الضوء على أزمة المياه العالمية الناتجة عن سوء الإدارة والهدر وتغيُّر المناخ

TT

العطش والجوع يطاردان سكان العالم

الجفاف يهدد غواتيمالا بأزمة غذائية غير مسبوقة (أ.ف.ب)
الجفاف يهدد غواتيمالا بأزمة غذائية غير مسبوقة (أ.ف.ب)

تتعرض دول منطقة جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط بشكل خاص لإجهاد مائي شديد، كما تعاني دول أوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا مخاطر مائية عالية. ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً بسبب عوامل العرض والطلب على المياه، مثل ازدياد عدد السكان والتنمية الاقتصادية الكثيفة الاستخدام للموارد، يفاقمها تغيُّر المناخ. ومن المتوقع أن يتأثّر ما يقرب من 6 مليارات شخص بندرة المياه النظيفة بحلول سنة 2050.

ويعكس تقرير عن تقييم مخاطر ندرة المياه، صدر أخيراً عن معهد الموارد العالمية، الأزمة المائية غير المسبوقة التي تُلقي بثقلها على بلدان كثيرة. وتُشير البيانات الجديدة إلى أن 25 دولة، تضم ربع سكان العالم، تتعرض حالياً لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنوياً. وبينما يعاني نصف سكان العالم من الإجهاد المائي لمدة شهر واحد على الأقل في السنة، ستطول المعاناة نحو 60 في المائة من السكان سنة 2050.

ونظراً لمحدودية الموارد، من المتوقع أن يؤدي النمو السكاني والتنمية الاقتصادية المتسارعة إلى استهلاك المزيد من المياه، مع كثير من الهدر وقليل من الإدارة الرشيدة. ومع تغيُّر المناخ واتساع الجفاف، سيعاني مجمل البشر من أزمة مائية غير مسبوقة.

وتُعرَف ندرة المياه بأنها نقص كمّي أو نوعي في إمدادات المياه، مُعبّراً عنها بنسبة استهلاك الإنسان للمياه إلى الإمدادات المُتاحة. وخلال العقد الماضي، زاد استخدام المياه عالمياً بمعدل ضعف النمو السكاني. واليوم، يعاني نحو ثلثي سكان العالم من ندرة حادة في المياه مرة واحدة على الأقل سنوياً، ويعيش 2.3 مليار شخص في بلدان تعاني نقص المياه، ويفتقر مليارا شخص يمثّلون 26 في المائة من سكان العالم، إلى خدمات مياه الشرب المُدارة على نحو آمن.

أزمة عربية

تواجه البلدان العربية أزمة حادة في توفير متطلباتها من المياه العذبة. فخلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين تراجع معدل حصة المواطن العربي من المياه العذبة بنحو 50 في المائة، من 1000 متر مكعب سنوياً في مطلع القرن إلى أقل من 500 متر مكعب اليوم. وهذا يعني أن مجمل البلدان العربية انحدرت دون عتبة الفقر المائي لنصيب الفرد من الماء العذب، الذي حددته الأمم المتحدة بـ1000 متر مكعب سنوياً من المياه السطحية والجوفية المتجددة. وعلى خطورة المعدل العام، فالأرقام الفردية للدول العربية تكشف عن حقائق صادمة، إذ إن موارد المياه العذبة المتجددة في معظمها تقلّ عن هذا كثيراً.

نبتة تقاوم للبقاء في أرض ضربها الجفاف شمال برشلونة الإسبانية (أ.ب)

في تقريره الأخير الذي صدر هذه السنة، يُشير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) إلى أن المنطقة العربية من بين أكثر المناطق عُرضة للإجهاد المائي، نظراً لمحدودية مواردها المتجددة، والإفراط في استغلال المصادر المتاحة، مما يضع 18 دولة عربية في فئة ندرة المياه، بينما تقع 14 دولة عربية ضمن الأكثر ندرة بالمياه عالمياً. وفي حين سبق لـ«أفد» أن حذَّر من هذا الوضع في تقريره عن مستقبل البيئة العربية عام 2008 وتقرير «المياه: إدارة مستدامة لمورد متناقص» عام 2010، إلا أن الواقع ازداد سوءاً أكثر من المتوقع نتيجة تسارع آثار التغيُّر المناخي، الذي فاقم تحديات النمو السكاني المطرد، والاعتماد على الموارد المائية المشتركة أو العابرة للحدود، وضعف الحوكمة المائية وسوء الإدارة. وبين الأولويات العربية معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها، إذ لا تتعدى نسبة المعالجة اليوم 60 في المائة، تتم إعادة استخدام نصفها فقط ويذهب الباقي هدراً.

وإدراكاً منها لأزمة المياه العالمية التي تلوح في الأفق، عقدت الأمم المتحدة مؤتمراً للمياه في نيويورك في شهر مارس (آذار) الماضي، وهو المؤتمر الثاني فقط في تاريخها عن الموضوع. وكان المؤتمر الأول قد انعقد عام 1977، وفيه اتفقت 118 دولة على ضرورة توفير إمدادات شاملة من المياه وخدمات الصرف الصحي بحلول 1990، وهو هدف لا يزال بعيداً.

والأسوأ من ذلك أن المشكلة لم تعد تقتصر على افتقار ملياري شخص إلى القدرة الكافية للوصول إلى المياه النظيفة، بل في أن الدورة الهيدرولوجية العالمية بأكملها اختلّت بسبب تغيُّر المناخ وتدهور الأراضي. ففي منطقة الأمازون البرازيلية، على سبيل المثال، أدّى فقدان الأشجار إلى خفض كمية بخار الماء التي تدخل الغلاف الجوي بشكل كبير، مما قلل هطول الأمطار في جميع أنحاء المنطقة. وفي حوض نهر الكونغو، حَرمت إزالة الغابات نيجيريا ودولاً أخرى في غرب أفريقيا من مواسم الأمطار التي كانت موثوقة ذات يوم. وتحدُث أمور مماثلة في جميع أنحاء العالم، حيث تتم إزالة الغابات وتنهار النظم البيئية التي كانت سليمة سابقاً.

الحدّ من هدر المياه

من الواضح أن الزراعة هي القطاع الأكثر استهلاكاً للمياه والمساهم الأكبر في ندرة المياه العذبة، إذ تأخذ ما يقرب من 70 في المائة، في حين يستهلك القطاع الصناعي والاستخدامات المنزلية 22 و8 في المائة من السحب المائي على التوالي. ويشير تقرير صدر أخيراً عن اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه إلى أن أكثر من 700 مليار دولار من الإعانات الحكومية التي تذهب إلى الزراعة والمياه كل عام، تسهم غالباً في زيادة الاستهلاك المفرط للمياه، لأنها تتوجه في معظمها نحو زيادة الإنتاج بدلاً من إدارة الطلب وتعزيز الكفاءة.

وتساعد التجارة العالمية في زراعة المحاصيل المتعطشة في البلدان الرطبة، والمحاصيل التي تتحمل الجفاف في البلدان الأكثر جفافاً، ومن ثم تصديرها. ولكن هذه التجارة لا تمثّل معادلة رابحة لجميع الأطراف، إذ تخلص دراسة نشرتها مجلة «كلينر برودكشن» مطلع هذه السنة، إلى أن التجارة الدولية تخفف من ندرة المياه بالنسبة لـ2.2 مليار شخص في البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط، ولكنها تفاقم ندرة المياه بالنسبة لـ2.1 مليار شخص في البلدان ذات الدخل المنخفض.

الري الذكي

ويمكن تحقيق ذلك من خلال اختيار المزروعات الملائمة واعتماد ممارسات موجهة نحو الحفاظ على المياه، مثل أنظمة الري الذكية، إلى جانب معالجة مياه الصرف الصحي للحصول على مياه صالحة لأغراض الري. وفي هذا العصر، يمكن لاستخدام إنترنت الأشياء وحلول الزراعة الدقيقة أن يسهم في التخفيف من تغيُّر المناخ ويقلل البصمة المائية.

وأياً تكن الممارسات الزراعية الجديدة، يجب توخي الحذر في الحفاظ على جودة التربة، فضلاً عن جودة إنتاجية الأغذية الزراعية وسلامتها، مع ضمان حصول الأجيال القادمة على المياه اللازمة لإنتاج الأغذية والألياف والمواد المغذية وغيرها من المواد الحيوية، وتلبية احتياجاتها بطريقة مسؤولة وعادلة. وفي هذا السياق، يمكن للزراعة المتجددة التي تعمل على تحسين صحة التربة، والأنظمة الغذائية المستدامة وتقليل هدر الطعام، أن تساعد على تقليل مخاطر ندرة المياه.

برازيلي يُبحر بزورقه وسط أسماك نافقة بسبب انخفاض مستوى المياه في محمية لاغو دو بيرانها (أ.ف.ب)

ويحتاج قطاع الصناعة إلى مزيد من الابتكار في مجال تدوير المياه، بحيث يتم حفظ ومعالجة مياه التبريد وخطوط الإنتاج وإعادة استخدامها لتقليل استهلاك الموارد. وفي التجمعات الحضرية، لا بد من إنقاص هدر المياه، وتقليل استهلاك الموارد والطاقة لمعالجتها، عبر إنشاء بنية تحتية جديدة لجمع مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي بشكل منفصل، واستخدام «المياه الرمادية» المعالَجة في المصدر لغير أغراض الشرب.

سكان نيو مكسيكو وتكساس تراودهم مخاوف من حالات الجفاف التي تحدث في المنطقة الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة (غيتي - أ.ف.ب)

وتبقى هذه المكاسب في الكفاءة جزءاً من حل لا يكتمل ما لم يتم ضمان توفُّر الموارد المائية من خلال إدارة المناخ وضمان سلامة البيئة. ومن الواضح أن تغيُّر المناخ هو أحد أكبر المخاوف العالمية اليوم، فهو يغيّر أنماط هطول الأمطار ويزيد تكرار الأحداث المناخية المتطرّفة وشدّتها، مما يسبب فترات شديدة من الجفاف والفيضانات. وهذه الظروف تؤثّر على توافر المياه ونوعيتها، وتقلل من قدرة النظم البيئية على توفير إمدادات كافية من المياه لتلبية احتياجات البشر.

مشكلات الجفاف

ربطت المجلات العلمية الصادرة في مطلع سبتمبر (أيلول) بين تغيُّر المناخ العالمي وأزمات المياه المتزايدة في كل مكان. فمع ارتفاع درجات الحرارة واستمرار الجفاف وندرة المياه، زادت مخاطر اندلاع اشتباكات على الحدود الأفغانية الإيرانية. وتسبب ارتفاع منسوب البحر نتيجة ذوبان الجليد العالمي في تسرُّب المياه المالحة إلى الأراضي الساحلية الرطبة في ولاية نورث كارولاينا الأميركية، مما ألحق ضرراً بالنظم الطبيعية لبيئة المياه العذبة. ونتيجة اختلال مناخي قبالة سواحل الإكوادور تعززت مخاطر الجفاف طويل الأمد في جنوب غربي الولايات المتحدة.

 

مصر

تواجِه مصر تحديات متعاظمة تهدد أمنها المائي والغذائي، تبدأ بندرة الموارد المتاحة، ولا تنتهي بالخطر الذي قد يشكله «سد النهضة» في إثيوبيا على إمدادات مياه نهر النيل.

لا يتجاوز نصيب الفرد المصري من المياه 500 متر مكعب في السنة (أ.ف.ب)

الدكتور إسماعيل عبد الجليل، الرئيس السابق لمركز بحوث الصحراء والمكتب الزراعي في سفارة مصر في واشنطن، يقول إن الندرة المائية تمثل أهم التحديات التي تواجه طموحات التنمية، حيث تقع مصر تحت خط الفقر المائي، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد من المياه 500 متر مكعب في السنة، وهو سينخفض بحلول 2050 إلى أقل من 300 متر مكعب. ويستند هذا فقط إلى معدّل الزيادة السكانية الحالي، الذي يصل إلى نحو 2 في المائة سنوياً، من دون حساب آثار التغيُّرات المناخية، التي ستزيد الوضع سوءاً. يستهلك قطاع الزراعة نحو 73 في المائة من حصّة مصر المائية، بينما تستهلك قطاعات مياه الشرب والصناعة والملاحة وباقي الأنشطة نحو 27 في المائة، رغم تواضع القيمة المضافة لقطاع الزراعة في الناتج القومي، بنسبة لا تتجاوز 11.3 في المائة. وهو ما يستدعي تغيير السياسات الزراعية، خصوصاً لناحية الالتزام بالمساحات المتفق عليها بين وزارتي الزراعة والري، لتفادي تجاوز المقرر المائي المتاح. حالياً يفضّل مزارعو الأرز، مثلاً، دفع غرامة المخالفة على الالتزام بخطة وزارة الري تقييد المساحات وتشجيع الأصناف الأعلى جدوى اقتصادياً. ويُتوقع أن يتكرر الأمر مع القمح هذه السنة.

ويرى عبد الجليل أن الإصلاح يبدأ من تبنّي سياسات جديدة وفاعلة تستهدف الحدّ من الهدر وتعزيز الكفاءة وترشيد الاستخدامات وتعظيم الاستفادة من الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية، إلى جانب البحث عن مصادر مائية جديدة، مثل التحلية والمياه الجوفية. ويجب أن تقتصر تحلية مياه البحر على خدمة المدن الساحلية، بينما تتم تحلية المياه الجوفية قليلة الملوحة واستخدامها بالقرب من مصادرها. ويُتوقع أن ترتفع مواردنا المائية من تحلية مياه البحر من 1.3 مليون متر مكعب يومياً عام 2020 إلى 20 مليون متر مكعب يومياً سنة 2050، بينما تقدّر المياه الجوفية العميقة بنحو 2.5 مليار متر مكعب والمياه الجوفية الضحلة بنحو 6.91 مليار متر مكعب. وقد تصل مياه الأمطار والسيول إلى 1.30 مليار متر مكعب في السنة. كما يمكن توفير الموارد المائية غير التقليدية من مياه الصرف الصحي الناتجة عن الاستخدامات المنزلية والصناعية. وبينما قُدّرت كمية مياه الصرف المتاحة عام 2020 بنحو 12 مليار متر مكعب، فهي ستصل إلى 16 مليار متر مكعب سنة 2050، وتُعد مياه الصرف الصحي مورداً متزايداً بازدياد عدد السكان، ويمكن استخدامها في ري الغابات الشجرية. وهذه كلها تضاف إلى حصّة مياه النيل البالغة 55.50 مليار متر مكعب. الحلول ليست مستعصية، لكنها تتطلّب مواجهة التحديات بقرارات مدروسة وتنفيذها سريعاً.

سد النهضة الإثيوبي الكبير في أثناء خضوعه لأعمال البناء على نهر النيل في جوباوريدا بمنطقة بني شنقول بإثيوبيا في 26 سبتمبر 2019 (رويترز)

 

حرب مياه على الحدود الأفغانية - الإيرانية

لفتت مجلة «ساينس Science» الأنظار إلى التوتُرات المتصاعدة حالياً على الحدود الإيرانية - الأفغانية بسبب المياه. وتتهم إيران قادة «طالبان» بانتهاك اتفاق لتقاسم مياه نهر هلمند الذي يتدفّق من أفغانستان إلى إيران. وكانت اشتباكات بالقرب من النهر قد أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن اثنين من حرس الحدود الإيرانيين ومُقاتل من «طالبان» في أواخر مايو (أيار) الماضي.

ويتزامن النزاع بين البلدين، خلال أعوام 1872 و1898 و1902 و1935، مع فترات الجفاف القاسية. وقد فرض الاحترار، إلى جانب التغيُّرات في هطول الأمطار والنمو السكاني وتوسع الزراعة، ضغوطاً متزايدة على إمدادات المياه في ولاية هلمند. وتُظهر بيانات الأقمار الاصطناعية أن مستويات المياه الجوفية انخفضت بمعدل 2.6 متر خلال الفترة بين 2003 و2021 ضمن حوض نهر هلمند، الذي يغطي نحو 40 في المائة من مساحة أفغانستان.

كمية مياه نهر هلمند التي تصل إلى إيران انخفضت بأكثر من النصف خلال العقدين الماضيين (تويتر)

ويقدِّر باحثون أن كمية مياه نهر هلمند التي تصل إلى إيران انخفضت بأكثر من النصف خلال العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئياً إلى بناء سدود جديدة وتوسيع نطاق الري في أفغانستان. كما تناقصت سماكة الثلوج في جبال أفغانستان بشكل ملحوظ، لا سيما في جبال «هندو كوش» الوسطى حيث تنبع جميع الأنهار الرئيسية في البلاد، بما فيها نهر هلمند. وتسببت هذه العوامل في تفاقم التوترات القائمة منذ فترة طويلة بشأن معاهدة 1974 التي تحدد حصص البلدين في مياه نهر هلمند. وادّعت إيران هذه السنة أنها تلقّت كمية لا تتجاوز 4 في المائة من حصتها الموعودة، فيما ألقت حركة «طالبان» باللوم على الجفاف في تناقص تدفُّق النهر. وقد ينعكس هذا النزاع المائي المحلي عالمياً، مع لجوء بعض المزارعين الأفغان إلى زراعة خشخاش الأفيون، الذي يُعد أكثر ربحية وتحملاً للجفاف، رغم الحظر المفروض على هذا المحصول.

تدمير النظم البيئية للأراضي الرطبة

ناقشت «ناشيونال جيوغرافيك National Geographic» مجموعة التهديدات التي تتعرض لها مستنقعات المياه العذبة في محمية النهر الأسود في ولاية نورث كارولاينا الأميركية. وتضم الأراضي الرطبة في هذه المنطقة أقدم الأشجار المعروفة شرق جبال روكي، لا سيما أشجار سرو المستنقعات التي يزيد عمر بعضها على ألفي سنة.

ورغم أن أشجار سرو المستنقعات هي من بين الأشجار الأكثر مرونة على وجه الأرض في تحمُّل أسوأ الظروف الطبيعية، فإن أعدادها تتناقص بشكل كبير على طول الساحل من ديلاوير إلى تكساس، تاركةً وراءها هياكل خشبية بيضاء. وكانت أشجار سرو المستنقعات قد تعرّضت خلال الثلث الأول من القرن العشرين لعمليات تحطيب واسعة قضت على نحو 90 في المائة من أعدادها. ولم يتبقَّ حالياً سوى واحد بالألف منها، بفعل الأنشطة البشرية وتغيُّر المناخ، خصوصاً الأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر الذي دفع المياه المالحة للاختلاط بمياه المستنقعات العذبة.

ويشير باحثون إلى أن ساحل خليج المكسيك والسهل الساحلي الأطلسي فقدا أكثر من 2000 كيلومتر مربع من الأراضي الساحلية الحرجية بين 1996 و2016، وتحوّلت رقعة الغابات المفقودة إلى مستنقعات وبِرَك ملحية. وتُذكّر المجلة بأن مستنقعات نورث كارولاينا حملت لقب «أمازون أميركا الشمالية» قبل 120 عاماً، وذلك لاحتوائها على بِرَك ومستجمعات مياه عذبة ونظم طبيعية متنوّعة زادت مساحتها على 160 ألف كيلومتر مربع، أي ما يقارب كامل مساحة تونس.

الجفاف في الغرب الأميركي

قدّمت «نيو ساينتست New Scientist» عرضاً موجزاً لظاهرة «اللسان البارد»، التي لا تتوافق مع النماذج المناخية الحالية. واللسان البارد هو منطقة من المحيط الهادئ تمتد من ساحل الإكوادور باتجاه الغرب آلاف الكيلومترات، وتنخفض حرارتها منذ ثلاثين عاماً، على عكس مياه جميع المحيطات التي تحترّ نتيجة تغيُّر المناخ.

ويبقى اللسان البارد لغزاً مناخياً لا يعرف العلماء على نحو مؤكد اتجاهه المستقبلي. ويمكن لهذه الظاهرة أن تلعب دوراً مهماً في تعديل حساسية الغلاف الجوي تجاه ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة. وقد تحدد ما إذا كانت كاليفورنيا ستواجه جفافاً دائماً أو ستعاني أستراليا حرائق غابات أكثر فتكاً. وربما تؤثّر على شدة الرياح الموسمية في الهند واحتمالات المجاعة في القرن الأفريقي.

وعلى عكس تنبؤات النماذج المناخية، يعاني الغرب الأميركي منذ عقدين جفافاً شديداً تسبب في انحسار البحيرات وهدد إمدادات المياه. ويربط باحثون هذا الجفاف بظاهرة اللسان البارد، ويحذّرون من أن يصبح الجفاف هو القاعدة في جنوب غربي الولايات المتحدة، في حال استمرار هذه الظاهرة.


مقالات ذات صلة

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

بيئة عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق نفايات القهوة تعزز قوة الخرسانة وتقلل البصمة الكربونية (معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا)

نفايات القهوة تصنع خرسانة أقل انبعاثاً للكربون

تكشف الدراسة عن إمكانية تحويل مخلفات القهوة إلى مادة بناء مستدامة تعزز صلابة الخرسانة وتخفض بصمتها الكربونية، مما يدعم التوجه نحو اقتصاد دائري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
ثقافة وفنون عالمة الرئيسيات والناشطة البيئية جين غودال

جين غودال وإرث البشرية المضطرب

غيابها ليس مجرد فقدانٍ لعالمةِ رئيسياتٍ أو ناشطةِ بيئةٍ، بل هو إغلاق للنافذة التي فتحتها بنفسها بقوةٍ وصبرٍ في غابات غومبي التنزانية قبل أكثر من ستة عقود.

ندى حطيط (لندن)
آسيا فيضانات في تايلاند (أ.ب)

ارتفاع عدد الوفيات جراء الفيضانات في تايلاند وسريلانكا

ذكر بيان حكومي أن حصيلة الوفيات جراء الفيضانات في جنوب تايلاند ارتفعت إلى 87 اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
يوميات الشرق يعكس ظهور النسر ضمن المحمية أهميتها المتزايدة بوصفها ملاذاً للطيور المهاجرة (واس)

رصد أول ظهور للنسر أبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاماً

رصدت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ظهوراً نادراً للنسر أبيض الذيل، أحد الطيور المهاجرة، وهو الرصد المؤكد الأول لهذا النوع في السعودية منذ أكثر من 20 عاماً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.