لماذا يثير عدد ضحايا «إعصار درنة» جدلاً حاداً وسط الليبيين؟

السلطات تتمسك بتسجيل 4200 قتيل فقط… وتقديرات تفيد بأن الرقم الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير

اجتماع الصديق الصور مع لجنة تحقيقات كارثة درنة (النيابة العامة)
اجتماع الصديق الصور مع لجنة تحقيقات كارثة درنة (النيابة العامة)
TT

لماذا يثير عدد ضحايا «إعصار درنة» جدلاً حاداً وسط الليبيين؟

اجتماع الصديق الصور مع لجنة تحقيقات كارثة درنة (النيابة العامة)
اجتماع الصديق الصور مع لجنة تحقيقات كارثة درنة (النيابة العامة)

تجدد الجدل في ليبيا حول العدد الحقيقي لضحايا إعصار «دانيال»، حيث تمسكت السلطات الرسمية بتسجيل 4200 قتيل فقط، رغم تقديرات غير رسمية تفيد بأن الرقم الحقيقي للقتلى يتجاوز هذا الرقم بكثير.

ونفى أسامة علي، المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ التابع لحكومة الوحدة «المؤقتة» في العاصمة طرابلس، تصريحات متداولة له (مساء الأربعاء) بأن الحصيلة الحقيقية لفيضانات درنة «أكثر من 16 ألف وفاة، واتهامه للجنة الطوارئ التابعة للحكومة الموازية، برئاسة أسامة حماد، بإخفاء العدد الحقيقي لضحايا انهيار سدي درنة». وقال علي لـ«الشرق الأوسط» موضحا: «رسميا فإن العدد المسجل لدى لجنة الطوارئ هو 4200 لضحايا الإعصار»، مؤكداً أن «مهمة فرق وعناصر جهاز الإسعاف والطوارئ لم تنتهِ على الأرض، وما زلنا نقوم بتطعيم العناصر التي تقوم بعمليات الانتشال لحين إعلان انتهاء المهمة بشكل رسمي من قبل الحكومة».

وكان جهاز الإسعاف قد أوضح أن كافة التصريحات، التي يتم نقلها أو تداولها إعلاميا، والتي تحتوي على أرقام أو معلومات جديدة منسوبة له، غير صحيحة إلا في حالة نشرها على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».

عمال الإغاثة يواصلون استخراج الجثث من وسط أنقاض درنة (رويترز)

بدوره، قال اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني، لـ«الشرق الأوسط»: «نقدم الإحصائيات حسب عدد عمليات الدفن الرسمي المعتمدة من آمر منطقة درنة الأمنية»، لافتا إلى أن «رقم الضحايا يتزايد بشكل يومي... هذه هي الحقيقة، وما ننشره من أرقام هو للضحايا الذين تم دفنهم رسميا بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة، بحضور النيابة العامة، مثل أخذ عينات لتحليل الحمض النووي».

ونفى المسماري، الذي أعلن قبل يومين أن إجمالي عدد الضحايا وصل إلى 4120 فقط، تعمد عدم ذكر العدد الحقيقي للضحايا، قائلا: «لا يوجد رقم حقيقي وغير حقيقي، هذه كارثة طبيعية مثلها مثل الزلازل وغيرها».

وكان محمد الجارح، المتحدث باسم اللجنة العليا للطوارئ بالحكومة الموازية، قد أعلن استقالته من منصبه بسبب ما وصفه بـ«استحالة المهمة، والعجز عن إيصال المعلومات الدقيقة للمواطنين». وقال إن «المهمة تقع الآن على عاتق لجنة الأزمة، باعتبارها المسؤولة أمام الشعب لإطلاعه على تطورات الوضع في درنة المنكوبة».

تقديرات غير رسمية تفيد بأن الرقم الحقيقي للقتلى يظل غير معروف بسبب استمرار اكتشاف مزيد من الجثث يوميا (رويترز)

من جانبها، أكدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، مساء (الأربعاء)، أن إجمالي المباني المتضررة في درنة من جراء الفيضان بلغ 1500 مبنى، مشيرة إلى أن إجمالي المباني المدمرة بشكل كامل بلغ 891 مبنى، في حين أن عدد المباني التي غمرها الوحل بلغت 398 مبنى.

بدورها، قالت الأمم المتحدة إنها وبعد أسبوعين من فيضانات شمال شرقي ليبيا، التي أودت بحياة الآلاف، وجرفت أحياء بكاملها، تواصل مع شركائها العمل على الأرض لتقديم المساعدة الإنسانية الحيوية، ودعم منكوبي درنة وبنغازي والبيضاء وشحات وسوسة.

ووصفت جورجيت غانيون، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في ليبيا، في ختام زيارتها الثانية إلى درنة منذ الفيضانات، ما عاناه الناس في المدينة المنكوبة والمناطق المحيطة بها بأنه «مأساوي». ودعت لتوفير إمكانيات الوصول الكامل للعاملين في المجال الإنساني. مشددة على الحاجة لتنسيق قوي بين الشركاء الوطنيين والدوليين. كما شددت على الحاجة إلى تسريع جهود الإنعاش المبكر، من أجل تعزيز عملية إعادة الإعمار على المدى الطويل.

وشكرت غانيون عمال البحث والإنقاذ الليبيين والدوليين على جهودهم الدؤوبة للعثور على ناجين في ظروف بالغة الصعوبة. وأثنت على عمليات البحث والإنقاذ، حيث دعم نحو 800 امرأة ورجل من 12 دولة الجهود الليبية في البر والبحر، على مدى الأسبوعين الماضيين.

وطبقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد تم تأكيد 4255 حالة وفاة بسبب الفيضانات، في حين لا يزال 8540 شخصا في عداد المفقودين.


مقالات ذات صلة

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

شمال افريقيا السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

يقبع السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في سجن معيتيقة تحت إشراف «قوة الردع»، التي سمحت بنقله إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)

الانقسامات تطال ديوان المحاسبة الليبي

وسط صمت رسمي من السلطة التنفيذية بطرابلس، دخل ديوان المحاسبة في ليبيا دائرة الصراع على رئاسته بين رئيسه خالد شكشك، ووكيله الموقوف عطية الله السعيطي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة في مجلس النواب الليبي (المجلس)

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

فتح قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، استدعاء حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلسه، للمساءلة، نقاشاً واسعاً بين النخب السياسية والمراقبين للشأن الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عمليات شفط مياه الأمطار في بنغازي (وسائل إعلام ليبية)

سوء الأحوال الجوية يعطل الدراسة في شرق ليبيا

أدّت التقلبات الجوية العنيفة التي شهدتها معظم مناطق شرق ليبيا إلى تعليق الدراسة في مدن عدة، بناءً على توجيه من السلطات المحلية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال احتفال «عيد الاستقلال» بطرابلس (حكومة الوحدة)

ليبيا: الدبيبة يدعو إلى اعتماد دستور «ينهي المراحل الانتقالية»

هاجم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، مجدداً «خصومه السياسيين»، ودعا إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
TT

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

أعلن نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، الهادي إدريس، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية» في السودان؛ لكي تنتزع الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة التي عيّنها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان. وأوضح إدريس أن الغرض من الحكومة المقترحة هو قطع الطريق «أمام خطط أنصار نظام الإسلاميين (النظام البائد بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير) الرامية لتقسيم البلاد، وأيضاً لعدم ترك صوت السودان للجبهة الإسلامية لتتحدث باسمه، وأخيراً لإجبار الطرف الآخر (الجيش) على القبول بمفاوضات لوقف الحرب». وأشار إدريس في الوقت ذاته، إلى تمسكه بوحدة الصف المدني؛ لأن تحالف «تقدم» يعدّ أعظم إنجاز للمدنيين منذ الانقلاب على حكومة الثورة المدنية في أكتوب (تشرين الأول) 2021.

وقال إدريس، وهو عضو سابق في مجلس السيادة قبل أن يقيله البرهان بعد اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، إنهم ماضون في تشكيل الحكومة، وإن القرار بتشكيلها لا رجعة فيه، موضحاً أن «فكرة نزع الشرعية وتكوين حكومة فكرة قديمة؛ لأن حكومة الثورة هي الحكومة الشرعية، وليس حكومة الانقلاب»، وانتقد ما أسماه تلكؤ القوى المدنية في تشكيل الحكومة بقوله إن «القوى المدنية لم تكن تملك الشجاعة الكافية لملء المقعد الشاغر».

سلطة شرعية

البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في مدينة بورتسودان (الجيش السوداني)

وأكد إدريس على أهمية تكوين سلطة شرعية لتمثيل الشعب السوداني، بقوله: «مجرد الحديث عن هذه الخطوة أحدث إرباكاً للمشهد السوداني، باعتبارها الوسيلة الوحيدة المشروعة لاسترداد الشرعية من حملة السلاح». وشدد على أنهم لن يتخلون عن تشكيل الحكومة إلاّ إذا قرر طرفا الحرب الذهاب إلى المفاوضات لإنهاء القتال.

وجرت مشاورات مطولة الأسابيع الماضية في العاصمة الكينية نيروبي بين قوى سياسية والجبهة الثورية وشخصيات من تحالف «تقدم» ومن خارجه، بحثت تشكيل «حكومة سلام» على الأرض داخل السودان، لكن الهادي نفى بلوغ المفاوضات مرحلة تداول أسماء المرشحين للحكومة المراد تشكيلها. وأكد الهادي على التقائهم عدداً من قادة «قوات الدعم السريع»، وأجروا معهم مشاورات وأثنوهم عن تشكيل حكومة تابعة حصرياً لـ«قوات الدعم سريع»، وحصلوا منهم على تعهدات بتوفير الحماية والأمن للحكومة المزمعة حال تكوينها. وتابع: «الحكومة التي نسعى لتشكيلها ليست حكومة (قوات الدعم السريع)؛ لأن هذه القوات لديها إدارتها المدنية».

وشهد مؤتمر «تقدم» التأسيسي الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مايو (أيار) الماضي، تداول فكرة تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التي يترأسها البرهان، لكن المقترح لم يحظ بالقبول الكافي، ثم أعيد طرحه مجدداً في اجتماع الهيئة القيادية لـ«تقدم» في مدينة عنتيبي الأوغندية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

تباين المواقف

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)

وإزاء تباين المواقف داخل التحالف تقرر إحالة الخلاف لآلية سياسية تم تكوينها مؤخراً. وأكد إدريس على بروز تباينات جديدة في اجتماع «تقدم» الأخير حول فكرة نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، قائلاً إن «البرهان لا يملك شرعية، والعالم يتعامل معه باعتباره سلطة أمر واقع؛ لذلك لن نترك له صوت الشعب ليتحدث باسمه، ونزع الشرعية منه يتطلب استرداد شرعية رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك الذي عيَّنته الثورة التي أسقطت نظام البشير في عام 2019».

وأبلغ إدريس الصحافيين أن ثلاث قضايا رئيسية، هي - تشكيل الحكومة، وتكوين الجبهة المدنية، واجتماع المائدة المستديرة - حدثت تباينات بشأنها في اجتماع «تقدم» أحيلت إلى الآلية السياسية التي تم تشكيلها أخيراً برئاسة حمدوك، للتوافق عليها والخروج بمواقف مشتركة. وأضاف: «بالنسبة لنا وحدة تحالف (تقدم) مهمة؛ لأنك لا تستطيع التحدث عن جبهة مدنية أوسع ما لم تحافظ على (تقدم)، وإننا بصفتنا جبهة ثورية لن نكون سبباً في تقسيم هذا التحالف المدني الضخم، فنحن مؤسسون له».

وقال إن اجتماع عنتيبي كان أساساً لبحث جدول قضية نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، وتوصلنا خلاله إلى ضرورة تكوين حكومة موازية، لكن الخلافات تراوحت بين من يطالبون بتشكيل حكومة مصغرة مرجعيتها الوثيقة الدستورية لعام 2019 وهياكل الحكم للفترة الانتقالية، وأن يكون أعضاء مجلس السيادة السابقين ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في وضع شبيه بحكومة منفى، للتحدث باسم الشعب السوداني، بينما رأى آخرون ضرورة التأسيس لسلطة جديدة داخل السودان وبمرجعية سياسية جديدة.

ومع تأكيده على وجود تيار يرفض فكرة تشكيل حكومة موازية خوفاً من تقسيم البلاد، إلاّ أن إدريس كشف عن تمسك غالبية أعضاء «الجبهة الثورية» ورؤساء وقيادات أحزاب داخل «تقدم» بخيار تشكيل الحكومة، إضافة إلى مجموعات مترددة. وأرجع ذلك إلى ما أسماه «ابتزاز الخطاب الدعائي للإسلاميين»، قائلاً: «نحن مع خيار تشكيل الحكومة، ونعتبرها خطوة مهمة لوقف المشروع الإخواني الهادف إلى تقسيم السودان».