روسيا تتحدث عن خسائر أوكرانية «فادحة» وميدفيديف يلوح مجدداً بـ«حرب عالمية»

موسكو تعلن مشاركة قائد الأسطول الروسي «المقتول» في اجتماع قيادة وزارة الدفاع

صورة جوية لقصف مقر قيادة أسطول البحر الأسود الروسي يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
صورة جوية لقصف مقر قيادة أسطول البحر الأسود الروسي يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
TT

روسيا تتحدث عن خسائر أوكرانية «فادحة» وميدفيديف يلوح مجدداً بـ«حرب عالمية»

صورة جوية لقصف مقر قيادة أسطول البحر الأسود الروسي يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
صورة جوية لقصف مقر قيادة أسطول البحر الأسود الروسي يوم الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

حسمت السلطات الروسية الثلاثاء الجدل حول مصير قائد أسطول البحر الأسود الروسي فيكتور سولوكوف الذي كانت كييف قد أعلنت في وقت سابق، أنه قتل يوم الجمعة خلال هجوم صاروخي قوي استهدف مقر الأسطول في مدينة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم.

ونشرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو قالت إنه صور خلال اجتماع لكبار الضباط ترأسه وزير الدفاع سيرغي شويغو، وظهر خلاله سولوكوف مشاركاً في الاجتماع عبر تقنية الفيديو كونفرس.

قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود فيكتور سولوكوف في صورة أرشيفية (رويترز)

وكان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، تجنب صباح الثلاثاء إعطاء تعليق على خبر وفاة الجنرال، ورد على سؤال الصحافيين بالقول إنه «لم ترد أي معلومات من وزارة الدفاع الروسية بشأن الوضع المتعلق بوفاة قائد أسطول البحر الأسود». وزاد أن الحديث عن هذا الموضوع «من اختصاص وزارة الدفاع (...) ليس لدينا ما نقوله».

ولم تكد تمر دقائق بعد ذلك، حتى أعلنت وزارة الدفاع أنها نشرت مقطع الفيديو من اجتماع مجلس إدارتها على منصتها الإلكترونية.

الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف (أ.ف.ب)

وشنت كييف يوم الجمعة الماضي هجوماً صاروخياً على سيفاستوبول، وقالت موسكو إن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت خمسة صواريخ. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن المبنى التاريخي لمقر أسطول البحر الأسود تعرّض لأضرار، لكنها أكدت أن الخسائر اقتصرت على فقد عسكري واحد. في حين قالت قيادة قوات العمليات الخاصة التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية على صفحتها على «تلغرام» إن لديها معلومات «مؤكدة بأنه نتيجة الهجوم قتل 34 من الضباط الروس، بينهم قائد أسطول البحر الأسود».

في السياق، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال الاجتماع العسكري، أن خسائر القوات الأوكرانية منذ بداية الشهر الحالي «تجاوزت معدلاتها كل الأرقام المعلنة في أوقات سابقة». وقال إن القوات المسلحة الأوكرانية «تكبدت خسائر فادحة على طول خط التماس بأكمله».

ووفقاً لتقرير قدمه إلى القيادة العسكرية، فقد «قضت القوات الروسية خلال الشهر الحالي على أكثر من 17 ألف فرد من القوات الأوكرانية، وشملت الخسائر الأوكرانية في الأسلحة والمعدات دبابتين من طراز ليوبارد، وواحدة من طراز تشالنجر، و7 عربات مشاة قتالية من طراز برادلي».

من اجتماع شويغو والقيادة العسكرية الروسية (رويترز)

ووفقاً للوزير شويغو، فقد «وسعت القوات الروسية منطقة السيطرة بشكل كبير بالقرب من قريتي سينكوفكا وبتروبافلوفكا على محور كوبيانسك». وقال إنه في غضون ذلك، تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها تسليح القوات الأوكرانية، و«تستمر كييف في إلقاء جنود غير مدربين في هجمات لا معنى لها، رغم عدم تحقيق أي نتائج».

وزاد أن «تصرفات الغرب وأتباعه في كييف، لا تؤدي إلا إلى دفع أوكرانيا نحو التدمير الذاتي».

وشدد شويغو، على أن القوات المسلحة الروسية «تواصل في ظل تدفق الأسلحة الغربية إلى كييف، زيادة قوتها القتالية، بما في ذلك من خلال تحسين التدريب».

كما تعمل وزارة الدفاع على «زيادة الإمكانات القتالية للقوات المحمولة جواً من خلال إنشاء تشكيلات جديدة وزيادة قدراتها القتالية، وبحلول نهاية العام، ستزيد القوات المحمولة جوا من إمكاناتها القتالية بمقدار 1.3 مرة، وستزداد القدرات النارية لوحداتها بنسبة عشرين في المائة».

«أبرامز»... وميدفيديف

نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف (رويترز)

على صعيد متصل، أثارت المعطيات الأميركية حول تزويد كييف بطرازات جديدة من الأسلحة بينها دبابات من طراز «أبرامز» وأنظمة صاروخية بعيدة المدى من طراز «أتاكامز» حفيظة موسكو التي شنت هجوماً قوياً على واشنطن.

ورأى نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف أن «الأحداث الأخيرة المحيطة بروسيا تترك لها خيارات أقل فأقل»، مشيرا إلى «اقتراب ساعة الصفر» في الانزلاق نحو الصراع المباشر مع «الناتو»، الذي وصفه بأنه «تحول إلى كتلة فاشية بشكل علني».

وقال السياسي الذي لوّح أكثر من مرة في السابق، باستخدام السلاح النووي لحسم الصراع، إن تسليم دبابات «أبرامز» من ترسانات «الناتو» والوعود التي تلقتها كييف بتسلم صواريخ بعيدة المدى، «لا تترك لروسيا خيارات كثيرة، سوى خوض الصراع المباشر مع حلف الناتو على الأرض». وقال إن «حلف الأطلسي غدا مثل محور هتلر، وإن كان بحجم أكبر. نحن مستعدون، رغم أن النتيجة سيتم تحقيقها بتكلفة أكبر بكثير للبشرية مما كان عليه الوضع في عام 1945».

الدبابة الأميركية «أبرامز» (رويترز)

في المقابل، قال أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أليكسي دانيلوف، إن قوات بلاده لن تستخدم صواريخ «أتاكامز» التكتيكية لضرب الأراضي الروسية. وأوضح خلال مقابلة صحافية الثلاثاء، أن لدى كييف «رغبة عارمة في الحصول على هذه الصواريخ. سيتم استخدام هذا النظام حصريا لحماية أراضي أوكرانيا. لن نستخدمها لضرب الأراضي الروسية، لدينا اتفاقيات بشأن هذه المسألة مع شركائنا».

وكانت مصادر إعلامية نقلت أن الرئيس الأميركي جو بايدن وعد نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتسليم كييف مجموعة صغيرة من هذه الصواريخ، بينما قالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارين جان بيير في وقت لاحق، إن الإدارة الأميركية «لا تستبعد إمكانية وصول صواريخ أتاكامز إلى أوكرانيا في المستقبل».

في الوقت ذاته، أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن الدفعة الأولى من دبابات «أبرامز» وصلت إلى أوكرانيا اخيرا. وأضافت في بيان «كما أعلن الرئيس زيلينسكي، لقد وصلت أولى الدبابات من أصل 31 دبابة من طراز أبرامز إلى أوكرانيا. لا شك في أن مجرد وجود دبابات أبرامز هناك، يعد بمثابة رادع قوي. ومع وجود هذه الدبابات في الخدمة، سيكون الجيش الأوكراني قادرا على مقاومة الأعمال العدوانية بشكل أكثر فاعلية».

وفي مقابلة مع «بلومبرغ» قال جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، إن واشنطن ستنسق مع كييف فيما يتعلق باستخدام دبابات «أبرامز» في ساحة المعركة. وأضاف أن «هذه الدبابات ستمنح القوات الأوكرانية المزيد من القدرة على الحركة والسرعة والقوة النارية... وفي الأسابيع القريبة ستصل دفعات جديدة من الدبابات».

مسيّرات... متبادلة

صورة لحريق في ميناء إسماعيل بمنطقة أوديسا نتيجة القصف الروسي (أ.ب)

وفي السياق القتالي قصفت مسيّرة أوكرانية الثلاثاء محطة كهرباء فرعية في منطقة كورسك الروسية، ما أدّى إلى انقطاع الكهرباء عن سبع بلدات، على ما أكّد حاكم المنطقة الحدودية. وكتب حاكم منطقة كورسك رومان ستاروفويت على «تلغرام»: «خلال فترة الصباح، أسقطت مسيّرة أوكرانية عبوة ناسفة على محطة كهرباء فرعية في قرية سناغوست في منطقة كورينيفسكي. انقطع التيار الكهربائي عن سبع بلدات»... وتبعد قرية سناغوست نحو 15 كيلومتراً عن الحدود مع أوكرانيا.

وأضاف ستاروفويت «لم يُصب أيّ من السكان»، وأن الفرق المختصة تعمل على إعادة التيار الكهربائي.

وسبق وأن هاجمت أوكرانيا بمسيّرات أهدافاً في الأراضي الروسية في إطار هجومها المضاد لاستعادة أراضيها المحتلة، غير أنها لم تتحدّث عمّا إذا كانت تنوي استهداف منشآت شبكة الكهرباء في روسيا... ويوم الثلاثاء، قال الناطق باسم الكرملين إن «هذه الممارسة المتمثّلة في الضربات بالمسيّرات على منشآت مدنية مستمرة»، مؤكداً «تحييد» غالبيتها.

والأسبوع الماضي، اتهم رئيس الوزراء الأوكراني دنيس شميغال روسيا بإحياء سياسة «إرهاب الطاقة» من خلال استهداف منشآت لشبكة الكهرباء أو مناطق إنتاج الوقود وتخزينه، مشيراً إلى إصابة وابل من صواريخ كروز منشآت طاقة للمرة الأولى منذ ستة أشهر، ما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي في عدة مناطق أوكرانية.

صوامع الحبوب

من الحرائق التي اندلعت في ميناء إسماعيل في أوديسا (رويترز)

كما أعلنت كييف، أن روسيا قصفت بنية تحتية للموانئ وصوامع للحبوب في هجوم بطائرات مسيرة خلال الليل على «ميناء إسماعيل» لتصدير الحبوب، على ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال أوليه كيبر حاكم منطقة أوديسا بجنوب أوكرانيا، وتضم المنطقة ميناء «إسماعيل» وميناء «ريني» على نهر الدانوب، إن الهجوم أسفر عن إلحاق أَضرار بمبنى لنقطة تفتيش وبمنشآت للتخزين وما يزيد على 30 شاحنة وسيارة، فضلا عن إصابة شخصين.

وذكر الجيش الأوكراني، أنه تم «تعليق العمليات في نقطة تفتيش دولية، وجرت إعادة توجيه السيارات بشكل مؤقت». وذكرت خدمة حرس الحدود الأوكرانية في وقت لاحق، أن نقطة العبور هي أورليفكا على الحدود مع رومانيا.

والهجوم الذي استمر ساعتين كان الأحدث على صوامع الحبوب ومنشآت الموانئ الأوكرانية منذ يوليو (تموز) الماضي، عندما انسحبت روسيا من اتفاق حبوب كان يسمح بالتصدير الآمن للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود للمساهمة في تخفيف وطأة أزمة غذاء عالمية. ومنذ ذلك الحين، تعزز أوكرانيا، وهي منتج ومصدر رئيسي عالمي للحبوب، صادراتها عبر نهر الدانوب.

وقال مكتب المدعي العام: «العدو استهدف البنية التحتية للموانئ والحدود لنهر الدانوب»، ونشر صوراً لصوامع حبوب تالفة وشاحنات تشتعل فيها النيران. وأضاف «أصيب اثنان من سائقي الشاحنات جراء الهجوم. ولحقت أضرار بصوامع للحبوب وبمبان إدارية ومركبات شحن». وذكر الجيش، أنه أسقط 26 من بين 38 طائرة مسيرة إيرانية الصنع من طراز «شاهد» في الهجوم الذي شنته روسيا على أوكرانيا خلال الليل.

وأوضح الجيش الأوكراني، أنه بالإضافة إلى الهجوم على منطقة أوديسا، تعرضت مناطق ميكولايف وخيرسون وكيروفوهراد لهجمات. وقال رئيس بلدية كريفي ريه بجنوب أوكرانيا إن هجوماً صاروخياً روسياً ألحق أضراراً بمنشأة محلية في المنطقة. وذكر حاكم منطقة تشيركاسي أن منشأة بنية تحتية، لم يحددها، قُصفت هناك.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يعيّن زعيماً لتتار القرم كان سجيناً في موسكو سفيراً في تركيا

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي يعيّن زعيماً لتتار القرم كان سجيناً في موسكو سفيراً في تركيا

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليل الجمعة، تعيين سياسي من تتار القرم كان مسجونا في روسيا لمدة حوالى ثلاث سنوات، سفيرا لدى تركيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا واجهة مطار قازان الروسي (أرشيفية - ريا نوفوستي)

إعادة تشغيل مطار قازان في روسيا عقب هجوم أوكراني

أعلنت الوكالة الاتحادية للنقل الجوي في روسيا (روسافياتسيا) إعادة فتح مطار مدينة قازان بعد إغلاقه مؤقتاً عقب هجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس (د.ب.أ)

وزير الدفاع الألماني: لن نرسل جنوداً إلى أوكرانيا ما دامت الحرب لم تنتهِ

لم يستبعد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن تضطلع بلاده بدور عقب وقف محتمل لإطلاق النار في الحرب الروسية على أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا رجل على دراجة يمر قرب جسر مدمّر في بوكروفسك في شرق أوكرانيا (رويترز)

5 قتلى في روسيا وآخر في أوكرانيا بضربات صاروخية متبادلة

قتل خمسة أشخاص بضربة أوكرانية استهدفت منطقة كورسك الحدودية في جنوب روسيا الجمعة، بعد ساعات من مقتل شخص وتضرر مقرات بعثات دبلوماسية بضربة صاروخية في كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف )
شؤون إقليمية جانب من اجتماع مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي (إعلام تركي)

الاتحاد الأوروبي يضغط على تركيا لتنفيذ إصلاحات لنيل عضويته

كرّر الاتحاد الأوروبي مطالبة تركيا باستيفاء المعايير المؤهلة للحصول على عضويته، ولا سيما مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعبير وسيادة القانون.


ألمانيا تحقق في دوافع «مهاجم ماغدبورغ»... وشولتس يدعو إلى الوحدة

TT

ألمانيا تحقق في دوافع «مهاجم ماغدبورغ»... وشولتس يدعو إلى الوحدة

أسفرت عملية الدهس في سوق الميلاد عن 5 قتلى على الأقل و200 مصاب (أ.ب)
أسفرت عملية الدهس في سوق الميلاد عن 5 قتلى على الأقل و200 مصاب (أ.ب)

زار المستشار الألماني أولاف شولتس، السبت، موقع عملية دهس استهدفت، ليل الجمعة، سوقاً لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ شرق البلاد، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص بينهم طفل، وإصابة أكثر من 200 آخرين، داعياً مواطنيه إلى الوحدة في مواجهة هذه «الكارثة الرهيبة».

وألقت الشرطة القبض على الجاني، الذي يدعى وفق تقارير إعلامية طالب عبد المحسن، وهو طبيب سعودي مقيم في ألمانيا منذ عقدين، في مكان الحادث بجوار السيارة التي دهست الحشد، مخلّفة وراءها أضراراً جسيمة وضحايا ودماء.

وتعهّد شولتس، الذي انضم إليه عدد من السياسيين، بأن تردّ ألمانيا «بكل قوة القانون على الهجوم الرهيب»، ودعا إلى الوحدة الوطنية في وقت تشهد فيه ألمانيا نقاشاً حاداً بشأن الهجرة والأمن، مع اقتراب إجراء انتخابات في فبراير (شباط). كما عبّر شولتس عن امتنانه لمشاعر «التضامن من قِبَل عدد (...) من البلدان في جميع أنحاء العالم»، مضيفاً: «من الجيّد أن نسمع أنّنا نحن الألمان لسنا وحدنا في مواجهة هذه الكارثة الرهيبة».

وأدانت السعودية حادث الدهس، معبِّرةً عن تضامنها مع الشعب الألماني وأسر الضحايا، وأكدت في بيان لوزارة الخارجية، موقفها في نبذ العنف، معبِّرةً عن تعاطفها وصادق تعازيها لأسر المتوفين ولألمانيا حكومةً وشعباً، مع تمنياتها للمصابين بالشفاء العاجل.

من جهتها، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، أنّ المهاجم «معادٍ للإسلام». وخلال مرافقتها المستشار أولاف سولتس لتفقّد موقع الكارثة، سأل صحافيون الوزيرة عن دوافع المهاجم، فأجابت أنّ «الأمر الوحيد» الذي يمكنها تأكيده حالياً «هو أنّه معاد للإسلام»، وذلك استناداً إلى المواقف التي عبّر عنها.

وقال مصدر سعودي لوكالة «رويترز» إن السعودية كانت قد حذرت ألمانيا عدّة مرات من المنفذ، بعدما أعرب عن آراء متطرفة على منصة «إكس».

دوافع غامضة

في وقت ما زالت الشرطة الألمانية تحقق فيه مع منفذ عملية ماغدبورغ لتحديد دوافعه، بدأت تتكشف خيوط تظهر شيئاً من هذه الدوافع. ونقل موقع صحيفة «بيلد» الألمانية أن منفذ العملية، طالب عبد المحسن، كان تحت تأثير المخدرات لدى ارتكابه الجريمة ودهسه عشرات المارة في سوق الميلاد في مدينة ماغدبورغ في شرق ألمانيا. وأجرت الشرطة فحصاً أولياً بأخذ عينة من مسحة بالفم يمكنها التقاط 7 أنواع مخدرات، وظهرت النتيجة إيجابية. ويعمل عبد المحسن البالغ من العمر 50 عاماً، طبيباً في عيادة الأمراض العقلية بمستشفى في بيرنبورغ، وهو يحمل الإقامة الدائمة، ومقيم في ألمانيا منذ عام 2006. ويجاهر عبد المحسن بكرهه للإسلام على صفحته على منصة «إكس» التي أطلق منها تحذيرات متكررة بأنه يريد قتل ألمان، تم تجاهلها من قِبَل السلطات.

ألمان يضعون وروداً قرب موقع عملية الدهس في ماغدبورغ 21 ديسمبر (رويترز)

ونقلت صحيفة «دير شبيغل» الألمانية أن السعودية أرسلت 3 تحذيرات إلى السلطات الألمانية حول الرجل، تم تجاهلها كلها. ونقلت صحيفة «دي فيلت» أن سيدة سعودية تواصلت العام الماضي مع دائرة الهجرة الألمانية، وأبلغتهم فيها أن عبد المحسن أصبح متطرفاً، ويطلق تهديدات بالقتل، وأنه يريد قتل ألمان، ودعتهم للتحقيق معه، لكن دائرة الهجرة ردت على السيدة بنصحها بالتواصل مع الشرطة الألمانية. وردت السيدة بأنها لا تتحدث الألمانية، وحاولت التواصل مع الشرطة، وأرسلت رسالة نصية لعنوان بريدي، ولكن أرسل إلى الشرطة في برلين بولاية نيوجرسي.

وفي ألمانيا، هناك عدد كبير من دوائر الشرطة المحلية والفيدرالية، ومقسمة وفق تلك التي تعنى بالجرائم أو الإرهاب، وغيرها. وتلقت عدة دوائر من الشرطة الألمانية، بحسب فيلت، عدداً من الشكاوى من أشخاص أبلغوا عن الرجل بسبب التهديدات التي كان يطلقها على «إكس»، وانتهت إحدى هذه الشكاوى إلى فتح الشرطة في ولاية «ساكسونيا انهالت» التي يسكن فيها عبد المحسن، تحقيقاً أغلقته سريعاً بعد أن استنتجت بأن التهديدات التي يطلقها لا تثير القلق.

لم تتضح بعد دوافع مرتكب جريمة الدهس في سوق الميلاد (أ.ف.ب)

وفي ديسمبر العام الماضي، كتب الرجل على منصة «إكس»: «أؤكد لكم 100 في المائة أن الانتقام قادم، حتى ولو على حساب حياتي. على ألمانيا أن تدفع الثمن، ثمناً باهظاً». وكان غالباً يشكو من مشاكل له مع الشرطة، ويعبر عن أفكار متطرفة ومعادية للإسلام، ويقول إن هناك مساعٍ لـ«أسلمة أوروبا»، ويُعبّر عن إعجابه بأفكار حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف المعادي للمسلمين، ويقول إنه الحزب الوحيد القادر على إنقاذ ألمانيا.

وقبل 4 أشهر، أي في أغسطس (آب) الماضي، كتب على حسابه على «إكس»، بحسب «دي فيلت»: «هل هناك طريق للعدالة في ألمانيا من دون تفجير سفارة ألمانية أو قتل مواطنين ألمان بشكل عشوائي؟ أنا أبحث عن هذا المسار السلمي منذ عام 2019 ولم أجده بعد». وفي 14 أغسطس، كتب باللغة العربية على حسابه على «إكس»: «إذا أرادت ألمانيا حرباً فنحن لها. إذا أرادت ألمانيا أن تقتلنا فسوف نذبحهم وندخل السجن بكل فخر؛ لأننا استنفدنا كل الوسائل السلمية، فما لقينا من الشرطة وأمن الدولة والنيابة والقضاء ووزارة الداخلية الفيدرالية إلا المزيد من الحرائق ضدنا. فالسلم معهم لا ينفع».

ونقلت صحف أخرى عن المستشفى الذي كان يعمل به، أنه كان يتغيب كثيراً في الأشهر الماضية، وأنه كان يحضر إلى الاجتماعات من دون تحضير.

الجاني اصطدم بعائلته مبكراً

وفقاً للمعلومات المتوفرة، نشأ عبد المحسن بقرية القارة في محافظة الأحساء (شرق السعودية) وسط عائلة متدينة، في بيئة عائلية شديدة الصرامة والمحافظة، كانت تولي أهمية لمراقبة سلوك الأبناء، وفي مرحلة مبكرة فقد والده، لكنه أظهر في شبابه تمرداً على تقاليد أسرته، وفيما بعد اصطدم بهم جميعاً.

شولتس لدى زيارته سوق الميلاد حيث وقعت عملية الدهس (أ.ب)

في أواخر التسعينات من القرن الماضي، تزوج لكن لم يعمّر ذلك أكثر من تسعة أشهر، فتم الطلاق. وقع هذه العلاقة المضطربة ألقى بظلاله على استقراره النفسي فيما بعد، بحسب زملاء له في تلك الفترة.

وأتيح له السفر إلى ألمانيا للحصول على الدكتوراه، بعدما درس الطبّ النفسي بجامعة الملك سعود في الرياض، وابتعث لنيل الماجستير في كندا. تضاربت الأنباء بين سفره إلى ألمانيا بين عامي 2006 و2008، وهناك أعلن إلحاده، مما دفع عائلته إلى إصدار بيان تتبرأ منه، وهنا بدأ يشنّ حملة ضد أسرته وأبناء عمومته، عبر منصة «إكس».

يقول أحد أصدقائه السابقين لـ«الشرق الأوسط»: «طالب كان هادئ الطبع، وكان الجميع يتقبل على مضض انتقاداته التي كانت ترتفع وتيرتها ضد التقاليد الدينية ما برحت أن تناولته فيما بعد الأصول الاعتقادية وحتى الرموز الكبرى في الإسلام». في ألمانيا، نشط عبد المحسن في مساعدة فتيات من السعودية والخليج للهروب من بلدانهن وتقديم اللجوء في البلدان الأوروبية تحت مسمى الخوف من الاضطهاد الجندري أو الديني.