«سد النهضة»: سجال مصري - إثيوبي في أروقة الأمم المتحدة

بموازاة استئناف المفاوضات في أديس أبابا

سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)
سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)
TT

«سد النهضة»: سجال مصري - إثيوبي في أروقة الأمم المتحدة

سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)
سامح شكري خلال إلقائه كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (وزارة الخارجية المصرية)

بموازاة انطلاق جولة جديدة من المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، عادت قضية «سد النهضة» الإثيوبي مجدداً إلى الواجهة الدولية، عبر أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ برزت القضية في كلمتيْ وزيري خارجية مصر وإثيوبيا أمام المنظمة الدولية، وسط شكوك بشأن إحراز تقدم في جولات التفاوض الجارية حالياً بغية التوصل إلى اتفاق بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».

وركز وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال كلمته التي ألقاها (السبت) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على أزمة «سد النهضة»، إذ أشار إلى الندرة المائية الحادة التي تواجهها مصر، واعتمادها بصورة أساسية على نهر النيل بنسبة 98 في المائة، بما يجعلها عُرضة للتأثر بأي استخدام غير مستدام لمياه النهر، منوهاً بوجود عجز مائي سنوي يزيد على 50 في المائة من احتياجات مصر المائية، ما يفرض عليها إعادة استخدام المياه المحدودة المتاحة مرات عدة».

وأضاف أنه «لا مجال للاعتقاد الخطأ بإمكانية فرض الأمر الواقع، عندما يتصل الأمر بحياة ما يزيد على 100 مليون مصري»، لافتاً إلى أن ندرة الموارد المائية، والعجز في نصيب الفرد من المياه في مصر، أديا إلى استيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة 15 مليار دولار سنوياً».

وشدد شكري على «موقف مصر الراسخ، والمُستند إلى قواعد القانون الدولي، برفض أية إجراءات أحادية في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، والتي يُعد أحد أمثلتها (سد النهضة) الإثيوبي الذي بدأ إنشاؤه دون تشاور ودراسات وافية سابقة أو لاحقة للآثار على الدول المشاطئة».

وأوضح أن مصر «تحرص على استمرار الانخراط بجدية في عمليات التفاوض الجارية والتي امتدت ما يزيد على عقد كامل للوصول إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل بما يحفظ الحقوق والمصالح المشتركة، وننتظر أن يقابل التفاعل المصري بعزم صادق من إثيوبيا».

وفي المقابل، شدد نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الخارجية ديميكي ميكونين على أهمية التعاون الإقليمي، ورحب باستئناف المحادثات الثلاثية مع مصر والسودان حول «سد النهضة». وفي كلمته أمام الجمعية العامة قال ميكونين إن بلاده «عازمة على التعاون مع جيرانها في مجالات التجارة والاستثمار والتكامل الإقليمي»، وأضاف أن أي عوائق أمام الازدهار المشترك للمنطقة «يجب أن تُعالج بنهج متضافر».

وأضاف نائب رئيس الوزراء الإثيوبي أن بلاده ترحب باستئناف المحادثات الثلاثية مع مصر والسودان بهذا الشأن، مؤكداً «مواصلة الالتزام بالوصول إلى نتيجة تفاوضية تعود بالنفع على الجميع بتيسير من الاتحاد الأفريقي».

كلمات وزيري خارجية البلدين تزامنت مع انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات بين الدول الثلاث؛ مصر والسودان وإثيوبيا، والتي استضافتها الأخيرة (السبت).

ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق بشأن ملء «سد النهضة» وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن عن اتفاق، وتوقفت عملية التفاوض منذ عام 2021، قبل أن يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، خلال لقائهما في القاهرة في 13 يوليو (تموز) الماضي عن اتفاق لاستئناف التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق على قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة» خلال 4 أشهر.

ولم تسفر جولة التفاوض التي استضافتها مصر خلال أغسطس (آب) الماضي عن إحراز أي تقدم وفق بيان رسمي لوزارة الموارد المائية والري المصرية، بينما أعلنت إثيوبيا في العاشر من الشهر الحالي إتمام الجولة الرابعة والأخيرة من ملء «سد النهضة»، في خطوة انتقدتها وزارة الخارجية المصرية وعدّتها «تجاهلاً لمصالح وحقوق دولتي المصب، وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي».

ومن جانبه، أشار وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام، إلى أن تركيز مصر على إعادة طرح قضية «سد النهضة» في المحافل الدولية، يأتي انعكاساً لصعوبة الوضع المائي في مصر، مشيراً إلى أن حصتها من مياه النيل توفر نحو 500 متر مكعب للفرد في السنة، أي نصف الحد الأدنى للفقر المائي كما حدده البنك الدولي.

وأعرب علام في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده أن التفاوض الحالي حول أزمة «سد النهضة» «لن يحقق جديداً»، مشيراً إلى أن ظروف السودان ومصر لا تتيح عوامل ضغط كافية لتحقيق حلحلة هذه الأزمة الإقليمية، ولفت إلى أن العودة إلى مجلس الأمن «لن توفر حلاً حاسماً لهذه القضية».

وتوقفت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول السد، منذ يناير (كانون الثاني) 2021، ولجأت مصر إلى مجلس الأمن في يوليو (تموز) 2020، إلا أن الأخير اكتفى بِحَثِّ الدول الثلاث على استئناف المفاوضات، بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي، بهدف وضع صيغة نهائية لاتفاق مقبول وملزم للأطراف، وعلى وجه السرعة، بشأن ملء وتشغيل «سد النهضة»، ضمن إطار زمني معقول، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

وعدّ السفير علي الحفني، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية تركيز مصر على قضية «سد النهضة» في المحافل الدولية بمثابة «تحميل المؤسسات الدولية مسؤولياتها تجاه السلم والأمن الإقليميين والدوليين»، مؤكداً أنه رغم عدم اتخاذ مجلس الأمن قراراً حاسماً بشأن النزاع المتعلق بالسد الإثيوبي، فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن يمثلان «المرجعية الدولية» في هذا الشأن.

وأضاف الحفني لـ«الشرق الأوسط» أن إثيوبيا «أفرغت الدور الأفريقي من محتواه»، مشيراً إلى عدم تجاوب أديس أبابا مع جهود الكثير من رؤساء الاتحاد الأفريقي لدورات متعددة، وهو ما يدفع القاهرة إلى التعويل على الدور الدولي، خصوصاً في ظل تفاقم أزمات المناخ، وتصاعد المخاطر المائية في المنطقة، إضافة إلى التحولات التي تعترض مواقف الأطراف والمؤسسات الدولية من حين إلى آخر، وهو ما يعني ضرورة الاستمرار في إطلاع المجتمع الدولي على تطورات الأزمة.


مقالات ذات صلة

التعاون العسكري المصري - الصومالي يصعّد التوترات مع إثيوبيا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل نظيره الصومالي في قصر الاتحادية بالقاهرة منتصف أغسطس الحالي (الرئاسة المصرية)

التعاون العسكري المصري - الصومالي يصعّد التوترات مع إثيوبيا

عقب إعلان الصومال وصول معدات ووفود عسكرية مصرية، أبدت جارتها الغربية إثيوبيا التي لديها خلافات سابقة مع القاهرة بسبب أزمة «سد النهضة» قلقها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري آبي أحمد يتفقد سير العمل بمشروع سد النهضة (حساب رئيس وزراء إثيوبيا - إكس)

تحليل إخباري ما خيارات مصر بعد إعلان إثيوبيا قرب اكتمال «سد النهضة»؟

أثار إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عن قرب اكتمال مشروع «سد النهضة»، على الرافد الرئيسي لنهر النيل، تساؤلات بشأن الخيارات المطروحة أمام مصر.

أحمد إمبابي (القاهرة)
أفريقيا وزير الدفاع التركي خلال لقاء مع نظيريه الصومالي والإثيوبي في ختام جولة المفاوضات الثانية في أنقرة الثلاثاء (الخارجية التركية)

ما دوافع تركيا لإنهاء نزاع ساحل «أرض الصومال» بين الصومال وإثيوبيا؟

ذهبت المفاوضات بين الصومال وإثيوبيا التي تتوسط فيها تركيا لحل النزاع على ساحل «أرض الصومال» على البحر الأحمر والتي أصبح يطلق عليها «عملية أنقرة» إلى جولة ثالثة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي «سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي - إكس)

إثيوبيا تبدأ «الملء الخامس» لـ«سد النهضة» وسط ترقّب مصري

بدأت إثيوبيا عملية «الملء الخامس» لخزان «سد النهضة» على نهر النيل، حسب ما أظهرته صور بالأقمار الاصطناعية، وسط ترقّب مصر، التي حذّرت من المساس بـ«حصتها المائية».

عصام فضل (القاهرة)
المشرق العربي مؤتمر بالقاهرة يناقش تداعيات صراعات القرن الأفريقي الإقليمية (الشرق الأوسط)

مصر تحذر من تفاقم الصراعات بـ«القرن الأفريقي» بسبب «التدخلات الخارجية»

حذرت مصر من تفاقم ما وصفته بـ«الصراعات المركبة» في منطقة «القرن الأفريقي»، متهمة «التدخلات الخارجية» بتأجيج تلك الصراعات.

أحمد إمبابي (القاهرة)

ليبيا تعلن عن تفكيك شبكة للإتجار في البشر

جنود يوزعون زجاجات مياه على مجموعة كانت محتجَزة لدى تجار البشر في ليبيا (لقطة من فيديو نشره النائب العام الليبي)
جنود يوزعون زجاجات مياه على مجموعة كانت محتجَزة لدى تجار البشر في ليبيا (لقطة من فيديو نشره النائب العام الليبي)
TT

ليبيا تعلن عن تفكيك شبكة للإتجار في البشر

جنود يوزعون زجاجات مياه على مجموعة كانت محتجَزة لدى تجار البشر في ليبيا (لقطة من فيديو نشره النائب العام الليبي)
جنود يوزعون زجاجات مياه على مجموعة كانت محتجَزة لدى تجار البشر في ليبيا (لقطة من فيديو نشره النائب العام الليبي)

أعلن مكتب النائب العام الليبي، السبت، على صفحته بموقع «فيسبوك» أن السلطات الليبية فكَّكت شبكة ضالعة في الإتجار بالبشر بمنطقة في جنوب غربي البلاد، وألقت القبض على بعض أعضائها.

وذكر البيان أن السلطات ألقت القبض على زعماء الشبكة، وعشرة أعضاء بتهمة ارتكاب جرائم ضد المهاجرين، منها القتل والاحتجاز غير القانوني والتعذيب والاغتصاب، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء.

ووثَّق التحقيق انتهاكات تعرض لها 1300 مهاجر، منها الاحتجاز القسري والتعذيب والابتزاز للإفراج عنهم.

وأرسل مهربو البشر الذين يعملون في ليبيا مئات الآلاف من المهاجرين عبر البحر إلى أوروبا، وخاصة إيطاليا، منذ عام 2014. ولقي الآلاف حتفهم أثناء الرحلات.