بعد أن أثار مقتل مؤسس مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين تساؤلات حول مستقبل التعاون الأمني الأفريقي-الروسي، رأى خبراء أن الشراكات العسكرية بين دول أفريقية وموسكو تجاوزت أزمة عدم اليقين بشأن «فاغنر»، مرجحين انتقال المسؤولية عن ذلك التعاون إلى وزارة الدفاع الروسية في الوقت الحالي.
وتزداد المؤشرات على استمرار التعاون الأمني والعسكري بين موسكو وحلفائها دون تأثر. وتأتي دولة أفريقيا الوسطى، التي تمثل مركزاً مهماً لنفوذ «فاغنر» في أفريقيا نموذجاً في هذا السياق. ووفق فيديليه غواندجيكا، وهو أحد مستشاري الرئاسة في بانغي، فإن «التمرد الفاشل لـ(فاغنر) في روسيا ومقتل قائد المجموعة، لم يتبعه أي تغيير في العلاقة بين بانغي وموسكو». وأوضح في تصريحات لـ«سي إن إن»، سابقا هذا الأسبوع، أن بلاده «تلقت مؤخراً تأكيدات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن كل شيء سيظل كما كان في السابق... وسيكون الغد أفضل». تقرير «سي إن إن» خلص إلى أن الكرملين «يسعى للسيطرة بشكل كامل على أذرع (فاغنر) وشبكتها التجارية في القارة».
وكان رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين آركانج تواديرا أكد سابقاً في تصريحات لـ«واشنطن بوست» أن تعاون بلاده مع موسكو لا يزال قائماً، وأنه «تعاقد مع الحكومة الروسية لا مع المجموعة». ووفق الصحيفة، أخطر مسؤولون روس تواديرا أن «الوجود الروسي سيستمر، ولكن تحت سيطرة وزارة الدفاع».
وسبق لنائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، والجنرال أندريه أفيريانوف من الاستخبارات العسكرية الروسية، أن زارا بانغي بعد مقتل بريغوجين، ليضعا الرئيس بصورة التطورات المقبلة، وفق «واشنطن بوست». كما زار يفكوروف وأفيريانوف باماكو للقاء قادة سياسيين من مالي وبوركينا فاسو، وفقا لما نقله موقع «فرنس 24» عن وسائل إعلام محلية ومصادر مختلفة على تطبيق «تلغرام».
تعاون مستمر
يرى محمد الأمين ولد الداه، الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن التعاون بين القيادات في مالي وبوركينا فاسو وروسيا لم يتأثر بتمرد «فاغنر» وموت بريغوجين. وقال إن ذلك يتضح من خلال «المواجهة العسكرية القائمة حالياً في مواجهة حركات التطرف والحركات المتمردة في البلدين التي تشهد انخراطاً وحضوراً روسياً مكثفاً، وربما بوتيرة أكبر مما سبق». ويعتقد الأمين ولد الداه أن «قوات (فاغنر) بقيت في تلك الدول، لكن قيادتها انتقلت إلى وزارة الدفاع الروسية لضمان الالتزام بالأولويات الأمنية والجيوسياسية الروسية».
في السياق، كان تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قال الشهر الماضي، إن موسكو ترى أن مصلحتها تقتضي مواصلة «فاغنر» أنشطتها في أفريقيا وإنها لا تفكر في وضع حد لهذه الأنشطة. ونقل التقرير عن خبراء أن «استبدال عناصر (فاغنر) في أفريقيا غير مرجح لأنه سيتطلب إيجاد عناصر جدد لديهم شبكات الاتصال والخبرة اللازمة لمواصلة العمليات».
توحيد الصفوف
والشهر الماضي، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جميع عناصر «فاغنر» وغيرهم من المتعاقدين العسكريين الروس إلى أداء قسم الولاء للدولة الروسية. وتضمنت صياغة القسم جملة يعد فيها أولئك الذين يؤدونه بـ«اتباع أوامر القادة وكبار القادة بدقة، كخطوة لصياغة الأسس الروحية والأخلاقية للدفاع عن روسيا»، بحسب ما أوردته «هيئة الإذاعة البريطانية».
وقبل أسابيع قليلة من تمرد بريغوجين الفاشل في يونيو (حزيران) الماضي، كانت وزارة الدفاع الروسية منحت مقاتلي «فاغنر» مهلة حتى 1 يوليو (تموز) لتوقيع عقود مع الجيش. ورفض بريغوجين التوقيع، وقال إنه لا يريد أن تعمل المجموعة التابعة له تحت إشراف الوزارة. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان بدوره قد صرح بعيد تمرد بريغوجين أن «مجموعة (فاغنر) ستواصل عملياتها في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى». لافروف أكد أن قوات «فاغنر» تعمل وفق طلب حكومات البلاد الأفريقية وأن أنشطتهم التدريبية ستستمر.
من جانبه، قال محمود سيسي المحلل السياسي البوركينابي إن «موسكو ما زالت تتعاون بشكل مكثف مع حلفائها الأفارقة في النواحي الأمنية والعسكرية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قوات (فاغنر) لا تزال حاضرة، لكنها تنفذ ما تمليه القيادة العسكرية الروسية الرسمية».
ورأى سيسي أن «هدف وزارة الدفاع الروسية هو استيعاب (فاغنر) ضمن قواتها الرسمية لكن خوفا من اتهام النظام الروسي بقتل بريغوجين وقادة (فاغنر)، فلن تتسرع الوزارة في ذلك وسيتم الأمر بشكل تدريجي». وتوقع سيسي أنه «لدى اكتمال عملية دمج (فاغنر) في الجيش الروسي، ستعمل موسكو على إعداد قوات خاصة رسمية نظامية بمواصفات خاصة والتخلي عن نموذج التعاقد مع شركات عسكرية مرتزقة لتحافظ على المصالح الروسية في أفريقيا بشكل مستدام».