5 أشهر بلا أجور... موظفو السودان يخوضون حرباً من نوع آخر

أشخاص يصطفون خارج مكتب الجوازات والهجرة في ود مدني (أ.ف.ب)
أشخاص يصطفون خارج مكتب الجوازات والهجرة في ود مدني (أ.ف.ب)
TT

5 أشهر بلا أجور... موظفو السودان يخوضون حرباً من نوع آخر

أشخاص يصطفون خارج مكتب الجوازات والهجرة في ود مدني (أ.ف.ب)
أشخاص يصطفون خارج مكتب الجوازات والهجرة في ود مدني (أ.ف.ب)

في حين يستمر الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع» دون أن تَلوح له نهاية في الأفق، يخوض موظفوه حرباً من نوع آخر لتوفير ما يسد رمقهم بعد أن توقف صرف رواتبهم منذ تفجر القتال قبل نحو خمسة أشهر.

فبعض الموظفين الذين التقتهم «وكالة أنباء العالم العربي» صاروا يعيشون على الكفاف، وهناك من قال إنه يعيش على الاستدانة وتلقي المساعدات.

ويشكو الناجي بابكر، الموظف بإحدى الجامعات الحكومية السودانية، حاله قائلاً: «منذ خمسة أشهر لم أتقاضَ راتبي رغم أننا تلقينا وعوداً من وزارة المالية بصرف راتب شهرَي أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، ولم نرَ شيئا حتى الآن».

وأضاف: «عندما استفسرنا من إدارة الجامعة، أبلغتنا بأن وزارة المالية لا تستطيع توفير المبلغ في الوقت الحالي لأنه كبير».

وأوضح أن أجور الأساتذة والأطباء هي الأعلى، إذ تبلغ في حدّها الأدنى 350 ألف جنيه سوداني (525 دولاراً بالسعر الرسمي - 507 دولارات في السوق الموازية)، «وهو مبلغ كبير يصعب على وزارة المالية توفيره. ومع الوعود المتكررة، نعيش في دوامة، ما عدنا قادرين نأكل ولا نشرب».

بابكر مصاب بداء السكري وتلزمه أدوية شهرياً، ويقول إنه عندما يحصل على مال يضطر إلى شراء الدواء بما يكفيه لثلاثة أشهر خوفاً من زيادة سعره أو ندرته.

«ضائعون وسط المعارك»

يشكو بابكر، المقيم في مدينة أمدرمان غياب دور المنظمات الإنسانية في توفير مواد الإغاثة، ويضيف: «كما أن طرفي الصراع لم يقدما لنا شيئاً، نحن ضائعون وسط هذه المعارك ولا نعرف متى تنتهي الحرب».

غير أنه أشاد بتكاتف أهالي منطقته، حيث تنتشر المطابخ المفتوحة والوجبات الجماعية، مضيفاً: «البعض يمدوننا بالسلع الغذائية من زيت ودقيق وبصل وغيره».

أما صالحة سعيد، الموظفة المتقاعدة، فقد تلقت قبل اندلاع الصراع المسلح بأيام إخطاراً يفيد بوصول مستحقات شهر أبريل، لكن القتال بدأ ولم تتمكن من صرف المعاش الشهري.

وأضافت في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي» أنها أدارت أمورها خلال الأشهر الخمسة الماضية بمستحقات نهاية الخدمة التي حصلت عليها العام الماضي، «والآن نمشي حالنا بمساعدة بعض أفراد العائلة ميسوري الحال».

ومن بين المشكلات التي يعانيها موظفو القطاع الحكومي توقف خدمة النقل التي كانت توفرها لهم مؤسساتهم. وقالت صالحة: «كثيرون يأتون بالمواصلات العامة، وهو أمر صعب مع ارتفاع تعرفة المواصلات إلى الضِّعف».

صرف راتب أبريل

أعلنت حكومة ولاية الخرطوم، يوم الأحد، بدء صرف رواتب العاملين في وحدات الولاية، نقداً للمقيمين في ولاية الجزيرة بوسط السودان وعبر تطبيق «بنكك» لمن ارتحلوا إلى ولايات أخرى.

وتقول سكينة عجول، الموظفة في وزارة الصحة بولاية الخرطوم، إنها تلقت رسالة من كبير الصيارفة بالوزارة يطلب منها إرسال رقم حساب مصرفي لتسليمها راتب شهر أبريل الماضي.

وأضافت السيدة، التي نزحت إلى ولاية نهر النيل بشمال السودان، أنها لا تعرف مصير مستحقات الأشهر المتبقية، مشيرةً إلى أن الحكومة تعطي الأولوية لرواتب قوات الجيش والأجهزة النظامية الأخرى.

غير أن صالحة، الموظفة المتقاعدة، ترى أن صرف راتب شهر واحد لا يكفي لتلبية احتياجات الأسر في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وقالت إن السودانيين لم يتذوقوا طعم اللحوم منذ بداية الحرب ويعتمدون على العدس والفول.

وأردفت: «ارتفع سعر أسطوانة الغاز إلى 25 ألف جنيه من 5 آلاف جنيه»، هذا إن وُجدت.

واستطردت: «معظم الأسر قضت على المخزون والمدخرات، والبعض تحول إلى «شحاتين».

ويقول محمد عبد الساوي، الذي يعمل في إحدى شركات القطاع الخاص: «نعاني معاناة كبيرة جداً من عدم صرف الرواتب. لنا خمسة أشهر لم نتقاضَ فيها مستحقاتنا».

وأضاف أن صاحب العمل اعتذر عن منح الرواتب لعدم توفر سيولة في الشركة: «صراحة ما قادرين نأكل ولا نشرب».

وفي أعقاب اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في منتصف أبريل الماضي، أعلنت كبرى شركات القطاع الخاص منح العاملين عطلة مفتوحة من دون مرتب، وأرجعت الخطوة إلى الأوضاع الأمنية التي تمر بها البلاد.

يقول عبد الساوي إنه لا يستطيع توفير قوت يومه وأسرته، فـ«الأسعار مبالَغ فيها خصوصاً السلع الأساسية من دقيق وسكر وزيت. نحن الآن نعيش حدّ الكفاف، لا نعرف متى نباشر عملنا ومتى نتسلم رواتبنا».

ويشكو: «نمشّي حالنا بالاستدانة وأحياناً تصل إلينا معونة من خيّرين وزملاء من خارج البلاد. لكن نظراً للظروف الاقتصادية العالمية، ما يرسلونه لا يلبي جميع الاحتياجات».

ويضيف: «إذا استمر الحال على ما هو عليه، فلن يستطيع المواطنون الصمود... الناس خلاص جاعت».

نقص الإيرادات

قال وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم، يوم الجمعة الماضي، إن التحدي الحقيقي بعد الحرب هو نقص الإيرادات، «فالدولة كانت تعتمد على الضرائب كمورد أساسي».

وأشار في مقابلة مع تلفزيون السودان، إلى أن ما تتحصل عليه الدولة الآن من الجمارك شيء يسير، وهو عبارة عن شيكات في حسابات مصرفية توجد صعوبة في تحصيلها لتوقف عمليات المقاصة الإلكترونية بين البنوك بسبب ما لحق بالقطاع المصرفي من مشكلات نتيجة الحرب.

غير أنه أكد أن وزارة المالية «تسعى بكل جهدها» لصرف أجور العاملين في الدولة، حيث بدأت بصرف أجور القوات النظامية ثم صرف رواتب شهري أبريل ومايو لبعض القطاعات.

وأضاف أن الوزارة ستواصل صرف استحقاقات كل العاملين في الدولة بنسبة 60 في المائة للموظفين في الدرجات العليا، وبنسبة أكبر للدرجات الوسطى وبنسبة 100 في المائة للعمال، على الرغم من تعطل النظام المصرفي وشح الموارد.


مقالات ذات صلة

وزير خارجية مصر يؤكد دعم بلاده الكامل للسودان ومؤسساته الوطنية

شمال افريقيا سودانيون في شوارع بورتسودان (أ.ف.ب)

وزير خارجية مصر يؤكد دعم بلاده الكامل للسودان ومؤسساته الوطنية

أكد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، اليوم، على دعم بلاده الكامل للسودان ومؤسساته الوطنية، مشدداً على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السودانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

البرهان: الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على «الدعم السريع»

أكد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، اليوم (الثلاثاء)، أن انتصارات الجيش ستتواصل، وإن الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا سودانيون يحتفلون في مروي في الولاية الشمالية شمال السودان في 11 يناير 2025... بعد أن أعلن الجيش دخول عاصمة ولاية الجزيرة الرئيسية ود مدني (أ.ف.ب)

الجيش السوداني ينفي تورّطه في هجمات على مدنيين بولاية الجزيرة

نفى الجيش السوداني، اليوم (الثلاثاء)، تورطه في هجمات على مدنيين في ولاية الجزيرة التي استعاد عاصمتها ود مدني من «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا سودانيون يفرون من مدينة ود مدني بولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

أنباء عن تنكيل جماعي بعشرات المدنيين في ولاية الجزيرة السودانية

وثقت هيئة «محامو الطوارئ» (منظمة حقوقية) أكثر من 7 تسجيلات مصورة، قالت إنها «لانتهاكات وتصفيات عرقية في ولاية الجزيرة».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان يحيي مؤيديه في أم درمان غرب الخرطوم  (أرشيفية - أ.ب)

البرهان يرفض السلام قبل القضاء على «الدعم السريع»

أوضح البرهان، أنه قدم «شرحاً وتنويراً للقادة في دول غرب أفريقيا»، وأبلغهم أن السودان «يواجه غزواً واستعماراً جديدين»...

أحمد يونس (كمبالا)

وزير خارجية مصر يؤكد دعم بلاده الكامل للسودان ومؤسساته الوطنية

سودانيون في شوارع بورتسودان (أ.ف.ب)
سودانيون في شوارع بورتسودان (أ.ف.ب)
TT

وزير خارجية مصر يؤكد دعم بلاده الكامل للسودان ومؤسساته الوطنية

سودانيون في شوارع بورتسودان (أ.ف.ب)
سودانيون في شوارع بورتسودان (أ.ف.ب)

أكد وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، اليوم الأربعاء، على دعم بلاده الكامل للسودان ومؤسساته الوطنية، مشدداً على ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السودانية.

جاء ذلك خلال جلسة مباحثات رسمية عقدت بين الوزير عبد العاطي وعلي يوسف الشريف، وزير خارجية السودان فى بورتسودان، اليوم، وفق المتحدث باسم الخارجية المصري تميم خلاف.

وصرح المتحدث، في بيان صحافي، بأن الوزير عبد العاطي أعرب عن تقديره لزيادة وتيرة اللقاءات مع نظيره السوداني بما يتناسب مع عمق وخصوصية العلاقات بين البلدين.

وأكد الوزير عبد العاطي أهمية تحقيق وقف إطلاق النار، والحرص على بذل كل الجهود لاستعادة أمن واستقرار السودان، معرباً عن التقدير للخطوات التي اتخذتها الحكومة السودانية لتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية، بما يعكس الحرص على رفع المعاناة عن المواطنين السودانيين.

وأضاف المتحدث أن الوزير عبد العاطي أعرب عن سعادته بعقد امتحانات الثانوية العامة لنحو 28 ألف طالب من أبناء الجالية السودانية في مصر مؤخراً، وذلك في إطار الأهمية التي توليها مصر لمساعدتهم في استكمال مسيرتهم التعليمية.

كما استعرض الوزير عبد العاطي مستجدات الجهود التي تبذلها مصر من أجل ضمان استئناف السودان لأنشطته في الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى أوجه انخراطه بفاعلية في المساعي الإقليمية والدولية المختلفة في إطار الحرص على الحفاظ على أمن واستقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه.

كما تناول الوزيران ملف الأمن المائي، حيث أعربا عن تثمينهما التعاون والتنسيق المستمر بشأن هذه القضية الحيوية بغرض تأمين المصالح الوجودية المشتركة للشعبين، واتفقا على استمرار التنسيق بصورة وثيقة بما يضمن صون وحماية الأمن المائي لكلا البلدين بوصفه أمراً لا تهاون فيه.

ووفق وكالة السودان للأنباء (سونا)، وصل الوزير عبد العاطي إلى البلاد في زيارة رسمية تستغرق يوماً واحداً.