عودة التمرد إلى شمال مالي... وتمبكتو تحت الحصار

الطوارق والعرب في مواجهة جيش مالي و«فاغنر»

مقاتل من حركة انفصالية في أزواد (أ.ف.ب)
مقاتل من حركة انفصالية في أزواد (أ.ف.ب)
TT

عودة التمرد إلى شمال مالي... وتمبكتو تحت الحصار

مقاتل من حركة انفصالية في أزواد (أ.ف.ب)
مقاتل من حركة انفصالية في أزواد (أ.ف.ب)

يواصل مقاتلو تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» فرض حصار مشدداً على مدينة تمبكتو التاريخية، في شمال دولة مالي، وهو الحصار الذي بدأ برياً نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، ثم تطور ليمنع الوصول إلى المدينة عبر نهر النيجر، وأخيراً أصبح حصاراً جوياً حين توقفت جميع الرحلات الجوية في مطار المدينة التاريخية، فيما تندلع حرب طاحنة على أبواب المدينة التاريخية، بين الجيش المالي المدعوم من مجموعة «فاغنر» الروسية من جهة، والحركات الانفصالية من الطوارق والعرب من جهة أخرى.

واكتمل الحصار على المدينة التي يصفها الماليون بالمقدسة، الأسبوع الماضي، حين علقت شركة «سكاي مالي» رحلاتها الجوية إلى مطار المدينة، وذلك إثر هجوم بالقذائف وقع في محيط مطار تمبكتو نفذه مقاتلون تابعون لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب».

وأعلنت الشركة المملوكة لدولة مالي، وهي الوحيدة التي تسير رحلات إلى مدن شمال مالي، في بلاغ صدر الاثنين، أنها قررت تعليق جميع رحلاتها الجوية المقبلة والمتوجهة إلى غاو وتمبكتو لهذا الأسبوع، وبررت الشركة القرار بما قالت إنه «تحذير أمني في مطار تمبكتو صباح الاثنين»، مشيرة إلى أنها تجري تقييماً للأوضاع الأمنية في المنطقة بشكل يومي.

ويأتي هذا القرار ليعمق العزلة المفروضة على مدينة تمبكتو التاريخية، وقطع الصّلة بينها ومدينة غاو وبين بقية مناطق مالي، من طرف مقاتلين تابعين لجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وهي عبارة عن تحالف للجماعات المسلحة الموالية لتنظيم «القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، ولكنها تنشط بشكل أساسي في وسط وشمال مالي.

ولكن الحصار المفروض على مدينة تمبكتو التاريخية، يأتي ليؤكد أن شمال دولة مالي المعروف محلياً باسم «إقليم أزواد»، مقبلٌ على حرب جديدة، وهو إقليمٌ يتعدد اللاعبون المسلحون فيه، فمن جهة يسعى الجيش المالي مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، للسيطرة على مدن الشمال بعد انسحاب قوات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسما)، ومن جهة أخرى تسيطر حركات مسلحة من الطوارق والعرب على مناطق من الإقليم، وذلك بموجب اتفاق سلام موقع مع باماكو، كما يسيطر «القاعدة» و«داعش» في مناطق أخرى من الإقليم، ما يجعله منطقة مهيأة للاشتعال.

ولم يعد الحديث عن الحرب مجرد تكهنات، بل إن مواجهات وقعت بالفعل في منطقة ليره التي تتبع لتمبكتو، وتقع بالقرب من الحدود مع موريتانيا، كان آخرها مساء أمس (الأحد)، حين هاجم مقاتلون من الطوارق والعرب ينتمون إلى تحالف «إطار العمل الاستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية»، وهو تحالف حركات تدعو إلى انفصال شمال مالي، موقعاً تابعاً للجيش المالي وسيطروا عليه بالفعل، متحدثين عن إسقاط مروحيتين واعتقال جنود من جيش مالي.

الجيش المالي أكد أن معسكره في ليره تعرض لهجوم مسلح، دون أن يكشف أي تفاصيل أخرى حول الهجوم، ولكنه تحدث عن «استعدادات» عسكرية وأمنية تجري لمواجهة منفذي الهجوم على المعسكر، في غضون ذلك، وصل عدد من الجرحى إلى مستشفى مدينة باسكنو الموريتانية، القريبة من موقع المواجهات، وكان المصابون ينتمون للطوارق والعرب.

وتأتي هذه المواجهات بعد أن أعلن تحالف الحركات الانفصالية في أزواد نيته الدفاع عن نفسه ضد المجلس العسكري الحاكم في مالي، متهماً إياه بانتهاك الالتزامات الأمنية المتبادلة ضمن اتفاق السلام الموقع في الجزائر عام 2015، بل إن تحالف الحركات الانفصالية حث المدنيين على الابتعاد عن المنشآت العسكرية وأعلن الدخول في الحرب.

وتعليقاً على هذه التطورات الجديدة، قال محمد الأمين ولد الداه وهو خبير في الشأن الأفريقي: «نحن أمام معركة جديدة، وعودة للصراع الذي اندلع قبل 10 سنوات، وهو صراع تقوده حركات انفصالية من الطوارق والعرب، ضد الجيش المالي، ومشكلة هذا التمرد أنه غالباً ما يأخذ شكل الصراع العرقي، وكنا نشاهد دوماً عمليات تهجير وقتل لمجموعات عرقية محددة في إقليم أزواد».

وأضاف ولد الداه في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الحركات الأزوادية أصدرت بياناً تطلب فيه من المدنيين «عدم التعامل مع إرهابيي (فاغنر) والسلطات المالية»، مشيراً إلى أن «ذلك يعني أننا مقبلون على صراع عرقي خطير وطويل الأمد، خصوصاً بعد انهيار اتفاق السلام».

وأكد الخبير في الشأن الأفريقي أن اتفاق السلام الموقع في الجزائر «قد انهار بالفعل، لأن جميع الحركات الأزوادية أعلنت أنها أصبحت في حالة حرب، وأنها خارج اتفاق السلام، وهذا الانهيار كان متوقعاً، والسلطات الجزائرية التي هي الوسيط بين أطراف الأزمة في مالي، كانت قد حذرت من انهيار الاتفاق قبل أيام، حتى السلطات المالية نفسها سبق أن طالبت بضرورة احترام الاتفاق، والحركات الأزوادية منذ أكثر من سنة وهي تتهم الجيش المالي والسلطات في باماكو بخرق الاتفاق، وتهدد بالخروج منه، وهذا ما حدث مؤخراً حين أعلنت الحرب، وكانت تلك هي نهاية اتفاق السلام وانهياره والعودة إلى مربع الصراع المسلح في شمال مالي».

وحول تحالف الجيش المالي مع مقاتلي «فاغنر»، بموجب اتفاق عسكري مع المجموعة الروسية الخاصة، قال ولد الداه إن «ذلك سيمنحه بكل تأكيد مستوى من التفوق العسكري واللوجيستي على الحركات الأزوادية الانفصالية، ولكن لا أعتقد أنه سيضمن له إنهاء الصراع وحسمه، وما أخشاه أن يدفعَ تحالف الجيش المالي مع (فاغنر)، الحركات الأزوادية إلى التحالف مع الحركات الجهادية، خصوصاً تنظيم القاعدة».

وشدد الخبير في الشأن الأفريقي على أن عودة تمرد الطوارق والعرب في شمال مالي، سيكون في صالح المجموعات الإرهابية من «القاعدة» و«داعش»، مشيراً إلى أن «انهيار اتفاق السلام، يعني عودة الصراع المسلح إلى شمال مالي، وذلك يعني تدهور الأوضاع الأمنية، وبالتالي زيادة نشاط الجماعات المسلحة الجهادية (القاعدة وداعش) التي تستغل دوماً المواجهة التي تقع بين الجيش المالي وحركات الطوارق الانفصالية».

وأوضح ولد الداه أن «(القاعدة) و(داعش) في العادة يستغلان مثل هذا النوع من الوضعيات لصالحهما، حين تكون هنالك مجموعات عرقية تحس بالظلم والغبن والتهميش، وتسعى للانفصال، يكون هذا مدخلاً للجماعات الجهادية من أجل تجنيد أعداد كبيرة من شباب هذه المجموعات العرقية».

وخلص الخبير في الشأن الأفريقي إلى أن «اندلاع الحرب بين الجيش والمتمردين في شمال مالي، يعني انتعاش حركة السلاح، وتسهيلات جديدة أمام شبكات التهريب، سواء كان تهريب السلاح أو المخدرات أو البشر، وفي النهاية يكون المدنيون الضحية الأولى لمثل هذا النوع من الوضعيات، وسيكون التأثير كبيراً على المدنيين المقيمين في الشريط الحدودي بين مالي وموريتانيا، ومن المؤكد أن الحركة التجارية بين البلدين ستتأثر كثيراً بالحرب، وهي الحركة التي توقفت بالفعل مع مدينة تمبكتو، وستتوقف مع بقية المناطق الأخرى».


مقالات ذات صلة

طعن رجل أمن تونسي في ولاية المنستير

شمال افريقيا عناصر من الشرطة التونسية (أ.ف.ب)

طعن رجل أمن تونسي في ولاية المنستير

تعرض رجل أمن تونسي، اليوم الخميس، لطعنة بسكين من عنصر متشدد، وفقاً لما أفادت به «وكالة تونس أفريقيا» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (تونس)
آسيا ما وراء سقوط أفغانستان: ميليشيات مدعومة من واشنطن أسوأ من «طالبان»

ما وراء سقوط أفغانستان: ميليشيات مدعومة من واشنطن أسوأ من «طالبان»

حذّر ضابط أميركي من أن «طالبان» تقترب ببطء، وتتعدّى على الأراضي التي بدت آمنة ذات يوم. وقال إن 4 من رجاله قتلوا للتو، وكان بحاجة إلى مساندة من الأفغان.

عزام أحمد (كابل - إسلام آباد )
آسيا المبعوث الباكستاني محمد صادق (متداولة)

وفد باكستاني رفيع المستوى يجري محادثات في كابل

أجرى وفد رفيع المستوى بقيادة المبعوث الباكستاني الخاص إلى أفغانستان، محمد صادق، محادثات حاسمة في كابل

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
المشرق العربي إردوغان تعهد بدفن مسلحي الوحدات الكردية أحياء (الرئاسة التركية)

أنقرة لفتح قنصلية في حلب... ورفض يوناني للاتفاق البحري

كشف الرئيس رجب طيب إردوغان عن استعدادات بلاده لفتح قنصلية لها في مدينة حلب قريباً، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا سفينة الشحن الروسية «أورسا ميجر» (أرشيفية - رويترز)

غرق سفينة الشحن الروسية قبالة إسبانيا «عمل إرهابي»

نقلت وكالة الإعلام الروسية اليوم الأربعاء عن الشركة المالكة لسفينة الشحن الروسية «أورسا ميجر» التي غرقت بالبحر المتوسط قولها إن السفينة غرقت بسبب «عمل إرهابي».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

هروب 6 آلاف سجين في موزمبيق وسط أعمال عنف عقب الانتخابات

جانب من الاحتجاجات التي قامت بها المعارضة عقب الإعلان عن فوز حزب فريليمو الحاكم في الانتخابات التي جرت في 9 أكتوبر (رويترز)
جانب من الاحتجاجات التي قامت بها المعارضة عقب الإعلان عن فوز حزب فريليمو الحاكم في الانتخابات التي جرت في 9 أكتوبر (رويترز)
TT

هروب 6 آلاف سجين في موزمبيق وسط أعمال عنف عقب الانتخابات

جانب من الاحتجاجات التي قامت بها المعارضة عقب الإعلان عن فوز حزب فريليمو الحاكم في الانتخابات التي جرت في 9 أكتوبر (رويترز)
جانب من الاحتجاجات التي قامت بها المعارضة عقب الإعلان عن فوز حزب فريليمو الحاكم في الانتخابات التي جرت في 9 أكتوبر (رويترز)

أعلن قائد شرطة موزمبيق هروب 6 آلاف سجين على الأقل من سجن شديد الحراسة في عاصمة البلاد يوم عيد الميلاد عقب حدوث حالة تمرد، في وقت لا تزال تشهد في البلاد أعمال الشغب والعنف واسعة النطاق بعد الانتخابات.

وأضاف قائد الشرطة برناردينو رافائيل أن 33 سجينا لاقوا حتفهم وأصيب 15 آخرون خلال مواجهة مع قوات الأمن. وفر السجناء خلال احتجاجات عنيفة، جرى خلالها تدمير سيارات تابعة للشرطة، ومحطات، وبنية تحتية عامة، بعد أن صادق المجلس الدستوري في البلاد على فوز حزب فريليمو الحاكم في الانتخابات التي جرت في 9 أكتوبر (تشرين الأول).

وقال رافائيل إن عملية الهروب من سجن مابوتو المركزي، الذي يقع على بعد 14 كيلومترا جنوب غرب العاصمة، بدأت حوالي ظهر أول أمس الأربعاء، بعد حدوث حالة «هياج» من جانب «مجموعة من المتظاهرين المخربين» في منطقة

مجاورة، مضيفا أن السجناء في المنشأة انتزعوا أسلحة من حراس السجن وشرعوا في تحرير سجناء آخرين. وأضاف رافائيل «هناك حقيقة لافتة للنظر وهي أنه في ذلك السجن كان لدينا 29 إرهابيا مدانا، تم إطلاق سراحهم، ونحن قلقون، كدولة وكمواطنين في موزمبيق، وكأفراد في قوات الدفاع والأمن».

وأضاف رافائيل «كانوا (المحتجون) يثيرون الضوضاء مطالبين بإخراج السجناء الذين يقضون عقوباتهم هناك»، مضيفا أن الاحتجاجات أدت إلى انهيار جدار، ما سمح للسجناء بالفرار. ودعا السجناء الهاربين إلى تسليم أنفسهم طواعية، وطالب السكان بالإبلاغ عن الهاربين.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء العنف، ودعا جميع القادة السياسيين والأطراف المعنية إلى «تخفيف التوترات بما في ذلك من خلال الحوار الجاد وسبل التعويض القانونية»، كما قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة، ستيفاني ترمبلاي، يوم الخميس. وأضافت أن الأمين العام دعا أيضا إلى وقف العنف ومضاعفة الجهود «للتوصل إلى حل سلمي للأزمة المستمرة».