شبح «النكبة» الفلسطينية يدفع الإسرائيليين إلى اليمين

ضمن سياسة الإنكار والتهرب من الواقع

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
الرئيس الفلسطيني محمود عباس
TT

شبح «النكبة» الفلسطينية يدفع الإسرائيليين إلى اليمين

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
الرئيس الفلسطيني محمود عباس

كشفت دراسة أكاديمية جديدة في الجامعة العبرية في القدس أن شبح النكبة الفلسطينية من عام 1948 ما زال يؤثر على المواطن اليهودي، على الرغم من كل المحاولات الرسمية لتجاهلها، ويدفع بأوساط يقدر حجمها بين 15 و20 في المائة إلى أحضان اليمين لغرض الإنكار والتهرب من الواقع ومن عقدة الشعور بالذنب.

واعتبرت الدراسة أن الإنسان يميل بطبعه إلى التفكير الإيجابي عن نفسه. ولكنه عندما يعيش حالة يصطدم فيها بالواقع، وبآثار العمل السيئ الذي قام به هو أو آباؤه وأجداده، يبحث عن طريق للإنكار، ويجد ضالته في من يبرر العمل السيئ ويتهم به الآخرين. فاليمين الإسرائيلي، الذي يسعى لتخليد الصراع، ويرفض التسوية، يتحول إلى ملجأ مريح للتهرب من المسؤولية.

الفلسطينيون يحضرون مسيرة بمناسبة «يوم النكبة» في مدينة رام الله بالضفة الغربية في 15 مايو (أ.ف.ب)

زيادة حصة اليمين

أعدّ هذه الدراسة الباحث الشاب إبيعاد هران ديمان، الذي حصل على درجة الدكتوراه في «جيل 21»، ومعه المحاضر المشرف على البحث، البروفسور داني ميودوفنيك، من كلية العلوم السياسية في الجامعة. ونشرت الدراسة في العدد الأخير من المجلة العلمية العالمية «دراسات سياسية مقارنة» (Comparative Political Studies). كما تناولت الدراسة نتائج 22 حملة انتخابية برلمانية في 840 بلدة إسرائيلية، ما أظهر أن حصة اليمين فيها زادت بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة في البلدات التي تمت إقامتها على أنقاض بلدات فلسطينية.

والمعروف أن إسرائيل هدمت نحو 500 بلدة فلسطينية وطردت معظم سكانها في سنة 1948، وأقامت مكانها بلدات يهودية. وقسم من هذه البلدات أقيم على أراضٍ مفتوحة كانت زراعية قبل النكبة، وقسم آخر أُقيم على أنقاض البلدات الفلسطينية مباشرة. وظهر من البحث أنه حيثما بقيت آثار البلدات الفلسطينية قائمة، بوجود مسجد أو كنيسة أو مقام أو مقبرة، أو آثار بيوت مهدمة، ارتفعت نسبة التصويت لليمين أكثر من البلدات التي لا تظهر فيها آثار فلسطينية.

مشهد عام لآثار النكبة في حارم (رويترز)

مقارنة مع دول أخرى

ولكي يفهم الباحثان أسباب ذلك، أجروا مقارنة مع بلدات في دول أخرى تعاني من صراعات. فوجدا أنه في المناطق التي كانت منتشرة فيها العبودية في الولايات المتحدة الأميركية، وساد فيها عنف أكثر، زاد التصويت لليمين. والأمر نفسه وجداه في بولندا، حيث في المناطق القريبة من معسكرات الاعتقال والإبادة النازية، ترتفع اليوم نسبة العداء لليهود (اللا سامية). وفي ألمانيا، ترتفع نسبة اليمين المتطرف في المناطق القريبة من معسكرات الاعتقال النازية.

ويعيش معد الدراسة، هران ديمان، في بلدة عوفر، جنوب جبل الكرمل، التي تم بناؤها على أطلال قرية عين غزال الفلسطينية، التي ما زالت ماثلة للعيان. ويقول: «فكرة الدراسة ولدت من السؤال الذي كانت والدتي البريطانية الأصل تطرحه باستمرار؛ ماذا تفعل عندنا هذه الأطلال؟ فعندما حاولت التكلم في الموضوع مع أي شخص من أصدقائي كانوا يردون بالرفض. وقد زاد هذا من الفضول عندي والإصرار على الحديث عن الموضوع».

صورة مأخوذة في مواقع التواصل الاجتماعي لطلبة جامعة بئر السبع في ذكرى النكبة، مايو الماضي

رؤية الطرف الآخر

ويقول معدا الدراسة إن إنكار النكبة يؤدي إلى رؤية خاطئة للإنسان الفلسطيني، فيظهر على أنه ليس إنساناً كاملاً ويضع حاجزاً أمام القدرة على رؤية الطرف الآخر وحقيقته الإنسانية. وهو أمر يزيد من تعقيدات الصراع.

وتعقب على الدراسة، الدكتورة نورما موسى، مؤسسة منظمة «ذاكرات»، وهي من الحركات القليلة التي تعنى بمواجهة الذاكرة حول النكبة الفلسطينية وتنظم جولات على القرى الفلسطينية المهدومة، فتقول: «هناك فرق بين أن تعرف وأن تفهم. الناس عندنا يعرفون ما جرى. إنهم يشاهدون آثار النكبة يومياً. لكن من يعيش في عقيدة (لا مكان هنا للشعبين، إما نحن وإما هم)، يحاولون تقوية (نحن) على حساب (هم) ولذلك يتجهون للإنكار. واليمين يقدم لهم إجابات سهلة وبسيطة تعينهم على التهرب. ولكن هذا لا يعني أن النكبة اختفت. إنها هنا بكل حدتها، ولا سبيل إلا مواجهتها والحديث عنها ووضع حد لها بالبحث عن حلول سلمية».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

شؤون إقليمية أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن جهود حثيثة لإقناع الإدارة الأميركية بوضع خطة لتنفيذ ضربة عسكرية واسعة ومزدوجة تستهدف الحوثيين في اليمن وإيران في الوقت ذاته.

نظير مجلي (تل أبيب)
العالم العربي شخص يفحص منزلاً متضرراً في تل أبيب بالقرب من مكان سقوط صاروخ أطلق من اليمن فجر السبت (إ.ب.أ)

إسرائيل تدرس خياراتها في الرد على الحوثيين وتبدأ برسم «صورة استخباراتية»

تدرس إسرائيل خياراتها للرد على الهجمات الحوثية المتكررة ضدها، وآخرها صاروخ سقط أدى إلى أضرار وإصابات يوم السبت، لكنها تواجه عدة مشكلات، بعدّ الجبهة بعيدة.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي من آثار الصاروخ الذي سقط في تل أبيب (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يقول إنه اعترض مسيّرة آتية من جهة الشرق

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اعترض، اليوم (السبت)، طائرة مسيّرة آتية من جهة الشرق.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تكنولوجيا شعار تطبيق «واتساب» المملوك لشركة «ميتا بلاتفورمز»  (د.ب.أ)

محكمة أميركية تدين شركة برمجيات إسرائيلية بقضية اختراق «واتساب»

أصدرت قاضية أميركية حكماً لصالح شركة «واتساب» المملوكة لشركة «ميتا بلاتفورمز» في دعوى قضائية تتهم مجموعة «إن إس أو» الإسرائيلية باستغلال ثغرة بالتطبيق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

نالت المستشفيات في جنوب لبنان، حصتها من الحرب الإسرائيلية، باستهدافات مباشرة وغير مباشرة. ومع دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، ها هي تحاول النهوض مجدداً رغم كل الصعوبات، بينما لا تزال مجموعة منها، لا سيّما الواقعة في القرى الحدودية، متوقفة عن العمل أو تعمل بأقسام محددة، وتحت الخطر.

مستشفى بنت جبيل

في بلدة بنت جبيل، عاد مستشفى صلاح غندور للعمل. ويقول مدير المستشفى الدكتور محمد سليمان: «فتحنا الأبواب في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار، بداية مع قسم الطوارئ، الذي استقبلنا فيه حالات عدّة، وقد جرى العمل على تجهيز الأقسام الأخرى، منها قسم العمليات، الذي بات جاهزاً، إضافة إلى قسمي المختبر والأشعة».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ستتمّ إعادة فتح القسم الداخلي خلال أيام، أما العيادات الخارجية فتحتاج إلى مزيد من الوقت كي تستقبل المرضى، وكذلك الصيدلية».

ويتحدَّث عن أضرار كبيرة أصابت المستشفى، قائلاً: «لكننا نعمل من أجل إصلاحها. قبل أن نُخلي المستشفى كان لدينا مخزون كافٍ من المستلزمات الطبية، وهو ما سهّل عملنا».

ومع استمرار الخروقات الإسرائيلية والمسيَّرات والطائرات الحربية التي لا تفارق الأجواء، يؤكد سليمان أن «المستشفى يعمل بشكل طبيعي، والأهم أن الطاقمين الطبي والإداري موجودان».

وكان المستشفى قد استُهدف بشكل مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي تسبّب بإصابة 3 أطباء و7 ممرضين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تمّ حينها الإخلاء، علماً بأن محيط المستشفى قُصف لمرات عدة قبل ذلك.

لكن مستشفى بنت جبيل الحكومي لم يفتح أبوابه، في حين استأنف مستشفى مرجعيون الحكومي استقبال المرضى اعتباراً من يوم الخميس، 5 ديسمبر (كانون الأول).

مستشفى ميس الجبل

«لم يُسمح لنا بالتوجه إلى ميس الجبل، لذا بقي المستشفى مقفلاً ولم نعاود فتح أبوابه»، يقول مدير الخدمات الطبّيّة في مستشفى ميس الجبل الحكومي، الدكتور حليم سعد، لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «يقع المستشفى على الحدود مباشرة، أُجبرنا على إقفال أبوابه بعد نحو أسبوع من بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد تمّ قصفه مرات عدة، ونحن حتّى يومنا هذا لم نتمكّن من العودة إليه»، وذلك نتيجة التهديدات الإسرائيلية المستمرة في هذه المنطقة ومنع الجيش الإسرائيلي الأهالي من العودة إلى عدد من القرى، ومنها ميس الجبل.

أما مستشفى تبنين الحكومي، فإنه صامد حتّى اليوم، بعدما كان يعمل وحيداً خلال الحرب، ليغطي المنطقة الحدودية هناك كلها، علماً بأنه استُهدف مرات عدة بغارات سقطت في محيط المستشفى، كما أصابت إحدى الغارات الإسرائيلية قسمَي العلاج الكيميائي والأطفال، وأخرجتهما عن الخدمة.

النبطية

من جهتها، عانت مستشفيات النبطية طوال فترة الحرب من القصف الكثيف والعنيف في المنطقة، والدليل على ذلك حجم الدمار الهائل في المدينة وجوارها؛ ما تسبب في ضغط كبير على المستشفيات هناك.

تقول مديرة مستشفى «النجدة الشعبية» في النبطية، الدكتورة منى أبو زيد، لـ«الشرق الأوسط»: «كأي حرب لها نتائج سلبية، أثرت بنا وعلينا، خصوصاً أننا في القطاع الصحي، نعيش أساساً تداعيات أزمات كثيرة، منذ قرابة 5 سنوات، منها جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والمالية؛ ما منعنا عن تطوير إمكاناتنا وتحسين الخدمات الطبية لمرضانا».

قوات إسرائيلية تتنقل بين المنازل المدمرة في بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

أثر نفسي

وتتحدَّث الدكتورة منى أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» عن أمور أساسية مرتبطة بتداعيات الحرب. وتقول: «نقطتان أساسيتان، لا بد من التطرق إليهما عند الحديث عمّا أنتجته الحرب الإسرائيلية، الأولى: الوضع النفسي لجميع العاملين في المستشفى، الذين مكثوا داخله طوال فترة الحرب التي استمرّت 66 يوماً على لبنان. وفور انتهاء الحرب، وجد بعضهم منزله مدمراً وأصبحت عائلته دون سقف أو مأوى، وفقد آخرون أحباباً وأقارب لهم».

وعلى خلفية هذا الواقع، لا يزال كثير من الأطباء خارج المستشفى، لإعادة تنظيم حياتهم؛ ما تسبب بنقص في الكادر البشري داخل المستشفى، وفق ما تؤكد الدكتورة منى، التي اضطرت لدمج أقسام وتسكير أخرى.

وعن يوم إعلان وقف إطلاق النار، تروي الدكتورة منى كيف كان وقع عودة الأهالي إلى بلداتهم وقراهم: «استقبلنا 57 مريضاً في اليوم الأول، الغالبية منهم أُصيبت بوعكة صحية جراء رؤيتهم الدمار الذي حلّ بمنازلهم وممتلكاتهم».

معاناة متفاقمة

أما النقطة الثانية التي تطرّقت إليها، فإنها تتعلق بتبعات مالية للحرب أثرت سلباً على المستشفى، إذ «في الفترة الماضية تحوّلنا إلى مستشفى حرب، ولم يكن لدينا أيّ مدخول لتغطية تكلفة تشغيل المستشفى، ومنها رواتب الموظفين» حسبما تقول.

وتضيف: «لدي 200 موظف، وقد واجهنا عجزاً مالياً لن أتمكّن من تغطيته. نمرُّ بحالة استثنائية، استقبلنا جرحى الحرب وهذه التكلفة على عاتق وزارة الصحة التي ستقوم بتسديد الأموال في وقت لاحق وغير محدد، وإلى ذلك الحين، وقعنا في خسارة ولن يكون بمقدورنا تأمين كامل احتياجات الموظفين».

وعمّا آلت إليه أوضاع المستشفى راهناً، بعد الحرب، تقول: «فتحت الأقسام كلها أبوابها أمام المرضى؛ في الطوارئ وغرفة العناية وقسم الأطفال وغيرها».

وتؤكد: «رغم الضربات الإسرائيلية الكثيفة التي أصابتنا بشكل غير مباشر، ونوعية الأسلحة المستخدَمة التي جلبت علينا الغبار من مسافات بعيدة، فإننا صمدنا في المستشفى حتّى انتهت الحرب التي لا تزال آثارها مستمرة».

صور

ولا تختلف حال المستشفيات في صور، عن باقي مستشفيات المنطقة، حيث طال القصف، وبشكل متكرر، محيط المستشفيات الخاصة الموجودة هناك، وهي 3 مستشفيات: حيرام، وجبل عامل، واللبناني الإيطالي، لكنها استمرّت في تقديم الخدمة الطبية، وكذلك المستشفى الحكومي، لكنه يعاني أيضاً كما مستشفيات لبنان بشكل عام ومستشفيات الجنوب بشكل خاص؛ نتيجة أزمات متلاحقة منذ أكثر من 5 أعوام.