كشفت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن ملف توسع مجموعة «بريكس» يأتي في طليعة جدول أعمال اجتماعات قادة المجموعة التي تبدأ في الالتئام، الثلاثاء، بالعاصمة الجنوب أفريقية جوهانسبرغ، وتستمر حتى الخميس، ويستضيف خلالها سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا نظيريه الصيني شي جينبينغ، والبرازيلي لولا داسيلفا، وناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي، إلى جانب نحو 50 زعيماً آخر.
ويلقى الملف اهتماماً من أطراف المجموعة كافة منذ سنوات، غير أن حسمها لم يحن حتى اللحظة، وسط توقّعات بأن تسفر نقاشات جدول الأعمال الرئيسي للقمة عن حسم قضية التوسع ودخول بلدان جديدة مثل السعودية التي تعد أكبر شريك تجاري لمجموعة «بريكس» في الشرق الأوسط، وتلقى ترحيباً رسمياً بالانضمام من أعضاء «بريكس» الفاعلين مثل روسيا والصين وجنوب أفريقيا.
منصة رئيسية لمناقشة مستجدات الأحداث
وفي وقتٍ يشهد العالم تغيّرات كبرى متسارعة، ومستوى غير مسبوق من الانقسامات على الساحة الدوليّة، تُغذيها الحرب في أوكرانيا والأزمات المستجدة في النيجر والسودان، يُنتظر أن توفّر القمة الـ15 لـ«بريكس» تحت شعار «بريكس وأفريقيا»، منصة هامة تجمع عدداً من أهم الأطراف الدولية لمناقشة مستجدات الأحداث، والتحديات المستقبلية على الصعيدين السياسي والاقتصادي والمالي والإنمائي، حيث تتشارك بلدان المجموعة التي تمثل أكثر من ثلث سكان العالم على مستوى 3 قارات، الرغبة في التوصل إلى نظام عالمي ترى أنه يعكس مصالحها بشكل أفضل ويعزز هيمنتها.
توسّع محتمل... والسعودية في الإطار
وتقدّمت 23 دولة بطلب الانضمام إلى الائتلاف الاقتصادي الهام، وفقاً لمسؤولين جنوب أفريقيين، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن تلك الطلبات جرى تقديمها في مناسبات سابقة، في الوقت الذي سلّطت فيه تصريحات الرئيس سيريل رامافوزا، الضوء على المعطيات التي تحيط بالقمة، مؤكّداً أنّ بلاده «لن تنجرّ إلى منافسة بين القوى العالميّة». وأضاف أنهم قاوموا الضغوط الهادفة إلى «جعلها تنحاز إلى أيّ من القوى أو إلى أي من الكتل الدوليّة المؤثرة»، في الوقت نفسه التي تعصف بالقارة الأفريقية عدد من الأزمات الطاحنة في السودان والنيجر على أقل تقدير.
وشدد رامافوزا على أنه «في عالم يزداد تعقيداً وانقساماً بسبب الاستقطاب المتنامي في المعسكرات المتنافسة، تفكر مجموعة (بريكس) في الترحيب بأعضاء جدد لتوسيع نفوذها»، مضيفاً أن بلاده «تؤيّد توسيع مجموعة (بريكس) لتضمّ دولًا تتشارك الرغبة في أن يكون هناك نظام عالمي أكثر توازناً».
والهدف من توسيع «بريكس» هو «البحث عن بدائل» لتوازن القوى العالمي الحالي وفقاً لناليدي باندور وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، حيث تبرز احتمالية انضمام السعودية إلى المجموعة كأحد الملفات التي تحظى باهتمام منقطع النظير، كشفت عنه وسائل إعلام من دول المجموعة.
وتحدّث مراقبون اقتصاديون وسياسيون حول منافع عديدة يمكن أن تكسبها «بريكس» حال انضمام دولة ذات ثقل اقتصادي واستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وأكد المراقبون أن «النظر إلى الرياض بوصفها اللاعب الرئيسي في أسواق الطاقة في العالم، وأحد أكبر الاقتصادات في مجموعة العشرين، وإحدى أكبر الدول في الشرق الأوسط وأسرعها نمواً اقتصادياً وتأثيراً سياسيًّا، هو أحد العوامل التي تشجّع (بريكس) على الترحيب بحفاوة بانضمام الرياض»، حيث يُتوقّع أن ينعكس انضمام الرياض بشكل مباشر على الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة الذي يبلغ ربع الناتج المحلي العالمي.
الرياض إلى تعزيز التعاون مع «بريكس»
وتُظهر التحركات الأخيرة أن السعودية من جانبها تركّز على تعميق التعاون مع «بريكس» دون النظر في حتميّة الانضمام إلى المجموعة، بالنظر إلى أن الانضمام سيكون قيمة مضافة للجانبين في نهاية المطاف، وسيعزّز من التعاون السياسي والاقتصادي، يؤدّي بالضرورة إلى تعزيز التوازن الاقتصادي والسياسي في العالم الذي تسعى له دول المنظمة والسعودية على حدٍّ سواء.
ويعزّز هذا الطرح تأكيد وزير الخارجية السعودي أن بلاده «تحرص على تطوير التعاون المستقبلي مع مجموعة (بريكس) من خلال استغلال القدرات والإمكانات التي تمتلكها السعودي ودول (بريكس)؛ بهدف تحقيق المصالح المشتركة والازدهار للجميع، وتتشارك الدول الأعضاء في مجموعة (بريكس) والسعودية قيماً أساسية؛ مثل احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتزام القانون الدولي، والعمل الجماعي والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة».
وفي هذا الصدد، كان مجلس الوزراء السعودي، قد أكّد خلال جلسته في 7 يونيو (حزيران) الماضي، على استمرار الرياض بالعمل مع الشركاء الدوليين من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وتكثيف الجهود العالمية لتعزيز الأمن الغذائي وأمن الطاقة.
ومن المنتظر أن يلتئم قادة «بريكس» و«أصدقاء (بريكس)» في «حوار (بريكس بلس)، و(بريكس أفريقيا)»، تحت شعار «الشراكة من أجل النمو المتسارع، والتنمية المستدامة، والتعددية الشاملة»، الخميس، بمشاركة متعددة، وتحضر خلالها السعودية عبر وفد يتقدّمه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان.
نيابةً عن سمو ولي العهد.. سمو وزير الخارجية الأمير #فيصل_بن_فرحان @FaisalbinFarhan يغادر إلى جنوب أفريقيا لترأس وفد المملكة المشارك في حوار بريكس بلس وبريكس أفريقيا pic.twitter.com/CwYBqJIR77
— وزارة الخارجية (@KSAMOFA) August 22, 2023
الحوار والتنمية لإطفاء الأزمات في أفريقيا
كما يتوقع أن تُفضي المشاركة السعودية في الحوار المُزمع إلى خطط عمل دولية لوضع حد للأزمات المتصاعدة هناك، بالنظر لمستوى العلاقات المتقدّم بين الرياض وأفريقيا، الذي أسهم في إطفاء كثير من الحرائق وتوفير منصات حوار فعالة بين مختلف الأطراف المتنازعة، مثل رعايتها لاتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا في سبتمبر (أيلول) من عام 2018، ليطوي البلدان صفحة أطول نزاع في القارة الأفريقية، خلّف أكثر من 100 ألف قتيل وآلاف الجرحى والأسرى والنازحين، وخسر خلالها البلدان أكثر من 6 مليارات دولار.
إضافةً إلى ذلك، احتضنت البلاد في العام الحالي «حوار جدة» الذي جمع طرفي الصراع في السودان، وأسهم في إيجاد أرضية لوقف إطلاق النار في أكثر من ذي مرة بين الطرفين اللذين أشادا عالياً بدور الرياض في التأثير على مجريات الأمور في البلد الأفريقي الذي يعاني من ويلات الصراع على السلطة بين قياداته.
«فرصة مربحة»
ورأى المتخصِّص في التجارة الدولية فواز العلمي أن انضمام السعودية المحتمل إلى المجموعة يمثّل «فرصة مربحة للسعودية»؛ لأنها تشرع من التنوع الاقتصادي والتنمية في السعودية وتقليل اعتمادها على الكتل الغربية، ولكن في المقابل «يمثل هذا الانضمام مخاطر وتحديات محتملة، أهمها زيادة المنافسة الجيوسياسية بين الغرب وكتلة القوى الشرقية بقيادة مجموعة (بريكس)، مع ازدياد انقسام الاقتصاد العالمي».
وأشار العلمي إلى أن القرار السعودي يتطلب التأكّد من إيجابيات وسلبيات الانضمام قبل اتخاذه، مع الأخذ في الحسبان النواحي المهمة التالية «أولاً: بعكس المفهوم الخطأ، فإن مجموعة (بريكس) ليست منظمة اقتصادية، بل هي منظمة سياسية بحتة، تجمع رابطة من الدول غير الراضية على النظام العالمي أحادي القطب، وتسعى لاستبدال نظام عالمي جديد به، يكون للمجموعة فيه وزن أكبر»
اقتصادياً، يرى العلمي أن الدول الغربية «ما زالت الشريك الرئيسي للمجموعة في مجال الاقتصاد والتقنية والتبادل التجاري، وبالتالي فإن المشروعات الاقتصادية والتكاملية لدول (بريكس) ما زالت قيد الخطط والبيانات فقط لذلك من الممكن تجاهل فكرة العملة الموحدة للمجموعة، لأنها تحتاج إلى إنشاء مركز موحد لإصدار النقود المشتركة، والذي من جانبه يتطلب التخلي عن جزء كبير من السيادة في المجال الاقتصادي»، وبهذا تصبح «عملة (بريكس) الموحدة» مستحيلة من حيث المبدأ، لأنها تتعارض مع الهدف الرئيسي غير المعلن لهذه المجموعة، وفق ما تحدث العلمي لـ«الشرق الأوسط».
وتابع العلمي، أنه إذا كان انضمام السعودية إلى «بريكس» سيفيد دول المجموعة ويعزز قوتها، فإنه في حالة حدوثه قد يخدم الرياض من خلال «الاستفادة من أسواق وقدرات وموارد دول المجموعة في دعم خطط التنمية السعودية وتوسيع الفرص التنموية أمام البلاد».
ويستطرد العلمي بالتنويه إلى أن دول المجموعة، لا سيما الصين والهند تمثّل أسواقاً رئيسية للواردات النفطية من دول الخليج، وتعد هذه الدول من «الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية واقتصادات الخليج، وبالتالي فإن الانضمام لهذا التجمع سيفتح المجال واسعاً أمام زيادة وتعزيز حجم التعاون الاقتصادي بين السعودية ودول (بريكس)، وسيعزز من النمو الاقتصادي للسعودية في المستقبل».
ومن جهة أخرى، قال المحلل السياسي أحمد آل إبراهيم إن «الانضمام إلى (بريكس) أو تشكيل علاقات أعمق مع أعضائها قد يوفر للسعودية فرصاً لتنويع شراكاتها بما يتجاوز الحلفاء التقليديين». ويتدارك آل إبراهيم «ومع ذلك، من المهم تقييم الاحتياجات والأولويات والمخاطر المحتملة للبلاد قبل تحديد ما إذا كانت عضوية (البريكس) أو مشاركتها مفيدة، لكن بشكل عام، يوصى بمراجعة السياق والأهداف المحددة للتعاون المحتمل مع دول المجموعة لاتخاذ قرار مستنير».
إضافة إلى ذلك، فمن المتوقع أن تشهد القمة الحالية لـ«بريكس»، نقاشاً مستفيضاً حول الملفات الرئيسية في جدول الأعمال، وعلى رأسها ملف التوسع في إضافة دول جديدة إلى المجموعة، وستتكشّف نتائج ذلك في البيان الختامي المنتظر للمجموعة (الخميس) المقبل.