دول تتسابق على تخصيص الإعانات العامة لجذب صناعات المستقبل

مصنع لمجموعة «إس تي مايكروإلكترونيكس» (STMicroelectronics) المنتجة لتقنيات أشباه الموصلات في «بلان لي أوت» بالقرب من جنيف بسويسرا في 6 ديسمبر 2016 (رويترز)
مصنع لمجموعة «إس تي مايكروإلكترونيكس» (STMicroelectronics) المنتجة لتقنيات أشباه الموصلات في «بلان لي أوت» بالقرب من جنيف بسويسرا في 6 ديسمبر 2016 (رويترز)
TT

دول تتسابق على تخصيص الإعانات العامة لجذب صناعات المستقبل

مصنع لمجموعة «إس تي مايكروإلكترونيكس» (STMicroelectronics) المنتجة لتقنيات أشباه الموصلات في «بلان لي أوت» بالقرب من جنيف بسويسرا في 6 ديسمبر 2016 (رويترز)
مصنع لمجموعة «إس تي مايكروإلكترونيكس» (STMicroelectronics) المنتجة لتقنيات أشباه الموصلات في «بلان لي أوت» بالقرب من جنيف بسويسرا في 6 ديسمبر 2016 (رويترز)

تتبارى الحكومات مستخدمة مليارات الدولارات من الإعانات العامة لجذب صناعات أساسية للمستقبل على أراضيها مكرسة عودة الدولة إلى السياسة الصناعية، ما يثير في الوقت نفسه مخاوف من حصول هروب إلى الأمام، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

المثل الأحدث على هذه الاستراتيجية هو تقديم ألمانيا نحو 10 مليارات يورو إلى مجموعة «إنتل» الأميركية، لإنشاء مصنع لإنتاج أشباه الموصلات في مدينة ماغديبورغ، أي ما يوازي تقريباً ثلث كلفته الإجمالية.

وبات إنتاج هذه الرقائق الإلكترونية، كحال الصناعات المرتبطة بالتحول في مجال الطاقة، مثل البطاريات الكهربائية، جانباً أساسياً من سيادة كثير من الدول التي تتنافس لتركيز صناعة منتجات كهذه على أراضيها.

على سبيل المثال، أعلنت فرنسا مطلع يونيو (حزيران)، منح إعانة حكومية بنحو 40 بالمائة من كلفة إنشاء مصنع جديد لمجموعة «إس تي مايكروإلكترونيكس» (STMicroelectronics) المنتجة لتقنيات أشباه الموصلات في منطقة غرونوبل، في حين ستتكفّل جارتها إيطاليا بما يناهز ثلث كلفة إنشاء مصنع للمجموعة ذاتها في صقلية.

وقال وزير الاقتصاد الفرنسي السابق ميشال سابان، إن «مفهوم السيادة الذي عدّ لمدة طويلة حجة تجاوزها الزمن، بات يؤخذ في الاعتبار».

وتابع سابان الذي يعمل محامياً استشارياً: «باتت المعونة (الحكومية) أداة لاستعادة السيادة».

أخذت أوروبا العبرة سريعاً بعدما أقرت الولايات المتحدة قانوناً لخفض التضخم يتيح تخصيص إعانات سخية لصناعات المستقبل ويهدد بجذب استثمارات كبرى على حساب القارة العجوز.

وفي الأساس، لجأت الولايات المتحدة إلى هذا القانون رداً على سياسة صينية تقوم على تخصيص إعانات ضخمة لهذه الصناعات.

لا عولمة دون مخاطر

وبعدما كانت هيئات المنافسة الأوروبية ترصد بشكل دقيق كل الإعانات الحكومية، باتت تعتمد سياسة أكثر مرونة وانفتاحاً، من عناصرها على سبيل المثال المشروعات المهمة ذات الاهتمام الأوروبي المشترك (Piiec)، أو أحدث المحاولات للرد على قانون خفض التضخم الأميركي، أي تقديم إعانات مماثلة بهدف الحد من هروب المشروعات.

في خلفية هذه الإجراءات، تحفظ الذاكرة الأوروبية الجائحة وما تسببت به من نقص التموين بالأقنعة الواقية واللقاحات، والخشية من نقص مصادر الطاقة بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا... هذه الأحداث وغيرها زعزعت الثقة العمياء بعولمة بلا مخاطر.

وبحسب إلفير فابري، الباحثة المتخصصة في الوضع الجيوسياسي بمعهد جاك دولور الأوروبي، اتخذ مسؤولو القارة قراراً حاسماً «بشأن إعانات الدولة التي يمكن تقديمها إلى الشركات»، مشيرة إلى أن «الزخم انطلق».

وشدد وزير المالية الألماني كريستيان ليندلر على أنه «لا وقت لدينا لإضاعته، الآخرون في العالم ليسوا نائمين».

وأضاف في تصريحات مؤخراً: «بالمقارنة مع الولايات المتحدة، أنا على قناعة بأننا لا نعاني عجزاً في الإعانات... لكن عجزنا الرئيسي هو افتقادنا» النسق السريع في هذا المجال.

لكن هذه المقاربات الجديدة تهدد بهروب الشركات إلى الأمام من خلال إطلاق سباق محموم قد يؤدي إلى مزايدة بين الدول الراغبة في استقطاب الصناعات الواعدة إلى أراضيها بأي ثمن كان.

وبحسب أوليفييه لوانسي من شركة «بي دبليو سي» للتدقيق والاستشارات: «في الواقع قد يقول المستثمر: سأذهب إلى البلد حيث تكون الحزمة أكثر إثارة للاهتمام»، وهو ما يخشى من أن يدفع الدول إلى جعل العروض المالية لجذب الصناعات، أولوية على حساب الشروط المرتبطة بعمليات من هذا القبيل.

إلى ذلك، قد يعاني التضامن الأوروبي جراء هذا السباق المحموم لجذب الشركات، مع الخشية من أن ينتهي الأمر بتركّز الجزء الأساسي منها في الدول الأكثر ثراء مثل فرنسا وألمانيا.

ومن المؤكد أن المليارات التي سيتمّ إنفاقها لجذب القدرات الإنتاجية لصناعات المستقبل، لن تحلّ كل الصعوبات المرتبطة بالمجال السيادي.

وسأل لوانسي: «في حال وقوع توترات جيوسياسية كبيرة، ماذا سيحصل إذا توقفت هذه المصانع المدارة بقرارات تتخذ خارج أوروبا، عن العمل؟».

وأضاف: «إذا كانت فعلياً استراتيجية، هل يمكننا توطينها؟ إلى أي مدى نحن قادرون على الذهاب؟»، متابعاً: «في أي حال من الأحوال، الوضع وقيمة الإعانات من المال العام يدفعان إلى التساؤل».


مقالات ذات صلة

«تلغرام»... هل هو بوابة لـ«الإنترنت المظلم» في جيبك؟

تكنولوجيا شعار تطبيق «تلغرام» (رويترز)

«تلغرام»... هل هو بوابة لـ«الإنترنت المظلم» في جيبك؟

أشعل اعتقال بافيل دوروف، مالك ومؤسس «تلغرام»، في فرنسا نقاشاً حول الإشراف على التطبيق ومشكلاته مع قوات إنفاذ القانون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جناح شركة «تمارا» التي توفر خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» في السعودية والخليج بمعرض «ليب24» بالرياض (إكس)

«الفنتك» تغزو الهواتف... من السداد السريع إلى استثمار الأموال

تطبيقات التكنولوجيا المالية أصبحت جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في حياة الجيل الجديد، وحددت «فنتك السعودية» 9 مجالات لهذه التطبيقات.

عبير حمدي (الرياض)
تكنولوجيا  «ميتا إيه آي» القادرة على الإجابة على أسئلة المستخدمين بلغة بسيطة باتت تضم 400 مليون مستخدم شهرياً (رويترز)

منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي... تنافس ونمو متسارع

يستمر استخدام منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي من جانب عامة الناس في النمو بوتيرة متسارعة، على ما تظهر أحدث الأرقام لجهات فاعلة رئيسية في القطاع.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا هذه الإضافات متاحة باللغة الإنجليزية فقط وعلى عدد محدود من الأجهزة (شاترستوك)

«غوغل» تقدم ملحقين جديدين لـ«جيميناي» مصممين لهواتف «بيكسل 9»

هذه الميزات حصرية حالياً لأجهزة «بيكسل» الأحدث.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يعد «GPT-4o mini» نموذج ذكاء اصطناعي صغيراً فعالاً من حيث تكلفة العملاء (شاترستوك)

200 مليون مستخدم نشط في «تشات جي بي تي» أسبوعياً

صرحت شركة «أوبن إيه آي (OpenAI)»،الناشئة للذكاء الاصطناعي، بأن روبوت الدردشة الخاص بها «تشات جي بي تي (ChatGPT)» لديه الآن أكثر من 200 مليون مستخدم نشط أسبوعيا.

نسيم رمضان (لندن)

«إس - أويل» التابعة لـ«أرامكو» تزود الخطوط الكورية بوقود الطيران المستدام

«إس - أويل» ثالث أكبر شركة لتكرير النفط بكوريا الجنوبية ومملوكة بـ63.4 في المائة لـ«أرامكو» (موقع الشركة)
«إس - أويل» ثالث أكبر شركة لتكرير النفط بكوريا الجنوبية ومملوكة بـ63.4 في المائة لـ«أرامكو» (موقع الشركة)
TT

«إس - أويل» التابعة لـ«أرامكو» تزود الخطوط الكورية بوقود الطيران المستدام

«إس - أويل» ثالث أكبر شركة لتكرير النفط بكوريا الجنوبية ومملوكة بـ63.4 في المائة لـ«أرامكو» (موقع الشركة)
«إس - أويل» ثالث أكبر شركة لتكرير النفط بكوريا الجنوبية ومملوكة بـ63.4 في المائة لـ«أرامكو» (موقع الشركة)

أعلنت شركة «إس - أويل»، ثالث أكبر شركة لتكرير النفط في كوريا الجنوبية من حيث المبيعات، والمملوكة بنسبة 63.4 في المائة لشركة «أرامكو» السعودية، يوم الأحد، أنها بدأت في توريد وقود الطيران المستدام لشركة الخطوط الجوية الكورية على مسارها المنتظم إلى اليابان.

وقالت الشركة في بيان لها نقلته وكالة «يونهاب» الكورية، إن هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها شركة تكرير محلية بتوريد الوقود المستدام المنتج محلياً إلى شركات الطيران المحلية على خط منتظم ينطلق من مطار محلي.

وأوضحت الشركة أنها وقعت صفقة لتوريد وقود الطيران المستدام مع الشركة الناقلة الوطنية لرحلاتها المنتظمة بين مطار «إنتشون» الدولي ومطار «هانيدا» مرة واحدة في الأسبوع؛ ابتداء من 30 أغسطس (آب).

وقال أنور الحجازي، الرئيس التنفيذي لشركة «إس - أويل»، في البيان: «تستجيب (إس - أويل) جاهدة للتحول إلى مورد للطاقة النظيفة التي تتماشى مع الاتجاهات العالمية لإزالة الكربون وتسهم في بناء اقتصاد يقوم على تدوير الموارد».

وأضاف أنه من أجل توفير إمدادات مستقرة من وقود الطيران المستدام لعملائها، تدرس الشركة إنتاج منشأة إنتاج مخصصة لوقود الطيران المستدام في «أولسان»، على بعد 305 كيلومترات جنوب شرقي سيول.

وتمتلك الشركة منشأة وحيدة لتكرير النفط في مدينة أولسان الساحلية.

وفي أبريل (نيسان)، حصلت شركة «إس - أويل» على شهادات دولية من هيئة الاعتماد العالمية «Control Union» لإنتاج وقود الطيران المستدام محلياً لأول مرة بين شركات التكرير المحلية.