تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز استثماراتها في القارة الأفريقية عبر زيادة وتعميق حضورها في مجال «الطاقة المتجددة» بالقارة، التي تعاني نقصاً حاداً في توفير متطلبات الطاقة، رغم ما تمتلكه من موارد واعدة.
وشهدت الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة في الاستثمارات الأميركية في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة بالقارة السمراء، تنفيذاً لما تعهد به الرئيس جو بايدن خلال القمة الأميركية الأفريقية التي عُقدت نهاية العام الماضي، وشهدت التزاماً أميركياً بتقديم 55 مليار دولار من الاستثمارات على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ووضع أكثر من 15 مليار دولار في شراكات استثمارية بمشروعات التنمية بالقارة، ومن بينها مجال الطاقة.
تعهدات أميركية
سبق لبايدن أن أعلن خلال مشاركته في القمة العالمية للمناخ (Cop 27) التي استضافتها مصر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي عن تقديم 150 مليون دولار لدعم مبادرات التكيف مع المناخ في أفريقيا، كما أشار إلى حصول مصر على 500 مليون دولار إضافية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساعدة في تمويل الانتقال للطاقة النظيفة.
وشدد مساعد وزير الخارجية الأميركي لموارد الطاقة، جيفري روس بيات، على رغبة بلاده في أن تصبح «الشريك المفضل للدولة الأفريقية في تحول الطاقة وتعزيز أمنها والوصول إلى الكهرباء».
وأضاف في مقابلة نشرها موقع «نايرامتريكس» (Nairametrics) النيجيري المعني بالأخبار والتحليلات المالية والاقتصادية النيجيرية والأفريقية، الأسبوع الماضي، أن الإدارة الأميركية تسعى إلى إنشاء آليات للتبادل المستمر والتعاون بين الخبراء وأصحاب المصلحة في قطاع الطاقة، مؤكداً أهمية تبادل الخبرات المكتسبة من رحلة تحول الطاقة في الولايات المتحدة، مع السعي لبناء شراكات دولية، خصوصاً مع الدول الأفريقية.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أنه في سبتمبر (أيلول) 2022، وقّع المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص المعني بتغير المناخ، جون كيري، مبادرة الطلب على الطاقة النظيفة مع وزير البيئة النيجيري محمد عبد الله، في عهد حكومة الرئيس النيجيري السابق محمد بخاري، مؤكداً أنه بموجب المبادرة، التي تبلغ قيمتها 12 مليار دولار، ستعمل نيجيريا والولايات المتحدة معاً للحد من انبعاثات الكربون في البلاد خلال استكشاف الغاز الطبيعي للتصنيع وإمدادات الكهرباء، وزيادة استعمال مصادر الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
استهداف لقطاع الطاقة
يتوازى التحرك الأميركي لتعزيز التعاون مع دول القارة في مجال الطاقة النظيفة مع تركيز السياسات الأميركية على تعزيز حضورها في قطاع الطاقة إجمالاً في القارة السمراء، إذ توقع مجلس المعلومات القومي الأميركي أن تعتمد الولايات المتحدة على نحو 20 في المائة من احتياجاتها النفطية من أفريقيا خلال العقد المقبل، وستوفر دول غرب أفريقيا 15 في المائة من تلك الاحتياجات.
وتعول الولايات المتحدة على إمكانية الإسهام في مساعدة الدول الأفريقية على زيادة إنتاجها من النفط والغاز، خصوصاً في ظل التقارير التي تشير إلى ارتفاع الاحتياطيات المؤكدة، إذ تبلغ احتياطيات النفط الخام، وفقاً لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أكثر من 80 مليار برميل، أي ما نسبته 8 في المائة من الاحتياطي العالمي الخام، وتتركز هذه الاحتياطيات في نيجيريا (نحو 70 في المائة)، وليبيا، وغينيا الاستوائية.
وينمو قطاع الطاقة المتجددة في أفريقيا بشكل لافت، رغم أن دول القارة تمثل أقل من 3 في المائة من إجمالي الطاقة المتجددة المثبتة في العالم، ويتركز الجزء الأكبر منها في مصر والمغرب وجنوب أفريقيا، فيما تهدف أربع دول أفريقية على الأقل (الرأس الأخضر وكينيا ومالاوي وتنزانيا) إلى إنتاج طاقة متجددة بنسبة 100 في المائة بحلول عام 2050 أو قبله.
نقص التمويل والتكنولوجيا
وتمتلك الكثير من دول القارة إمكانات واعدة لتوليد الكهرباء من طاقة الشمس والرياح، إلا أنها تفتقر إلى أدوات التمويل المناسبة، وهو ما يؤكده أشا ليكي الباحث الكاميروني المتخصص في الشؤون الاقتصادية بمعهد ماكينزي، والذي يشير إلى أن أفريقيا تتمتع بإمكانات متنوعة سواء بشرياً أو مادياً، خصوصاً في مجالات الزراعة والطاقة النظيفة، إلا أن النواقص الأساسية التي تعانيها دول القارة تكمن في توافر التكنولوجيا والتمويل.
ويوضح ليكي لـ«الشرق الأوسط» أن ما شهدته دول القارة من نمو على مدار العقدين الماضيين يجعلها بحاجة إلى الاهتمام بمكون الطاقة في اقتصاداتها الناشئة، خصوصاً الطاقة المتجددة التي يرى إمكانية أن تمنح القارة «مزايا تنافسية» نظراً لتوجه العالم إلى الاستثمار في هذا القطاع، وفي ضوء تمتع معظم دول القارة بإمكانات لإنتاج هذا النوع من الطاقة.
ويرى الباحث الكاميروني المتخصص في الشؤون الاقتصادية أن قطاع الطاقة يمكن أن يكون أحد المجالات التي تؤدي فيها القروض أو الضمانات المباشرة المدعومة من الحكومة الأميركية إلى تقليل مخاطر الاستثمار الخاص في أفريقيا، مشيراً إلى أنه على الصعيد العالمي، يجري تمويل 14 في المائة فقط من الاستثمار المباشر في الطاقة المتجددة من القطاع العام، لكن في أفريقيا حيث يلعب التمويل الحكومي دوراً مهيمناً، لا يتمكن سوى عدد قليل من المشروعات من توفير رأس مال خاص كافٍ بسبب المخاطر القانونية والاقتصادية والسياسية.
ويضيف ليكي أنه مع اهتمام الولايات المتحدة بالاستثمار في هذا القطاع يمكن لأدوات تخفيف المخاطر المالية في قطاع الطاقة أن تجلب القطاع الخاص إلى خفض العبء المالي على البلدان الأفريقية المثقلة بالديون، إضافة إلى تجاوز عقبات ارتفاع تكلفة إنشاء البنية التحتية بدول القارة نتيجة الظروف الطبيعية والأمنية والسياسية على حد سواء.
عجز هائل
ووفق دراسة حديثة نشرتها مطلع العام الحالي كاتي أوث الباحثة في برنامج أفريقيا التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن معظم البلدان الأفريقية تصدر حالياً القليل جداً من انبعاثات الكربون، ولديها عجز هائل في الطاقة يعرض الأرواح للخطر، ويعوق التنمية الاقتصادية، ويواجه صعوبة في الحصول على تمويل للبنية التحتية للطاقة الجديدة.
ولفتت الدراسة إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء تلتزم بمساعدة البلدان الأفريقية على متابعة أهدافها المتعلقة بالحصول على الطاقة، بما يتوافق مع أولويات القارة، وأنه منذ تولى الرئيس جو بايدن منصبه في عام 2021، جعلت إدارته دعم العمل المناخي في الخارج مكوناً مركزياً في أجندة سياستها الخارجية، مع التركيز بشكل كبير على المساعدة في تسريع التحول العالمي للطاقة.
وتمتلك واشنطن في هذا الصدد مبادرات عدة منها مبادرة Power Africa، التي أطلقت عام 2013، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي والصحة والتعليم من خلال توسيع نطاق توليد الكهرباء والوصول إليها في جميع أنحاء أفريقيا، ووفق موقع المؤسسة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) على شبكة الإنترنت، فإن أكثر من 170 شركة تعمل ضمن تلك المبادرة، حيث تعهدت باستثمارات تزيد على 40 مليار دولار في أسواق الطاقة الأفريقية.
ويشير الموقع إلى أن المبادرة تستهدف إنتاج 30 ألف ميغاواط من الطاقة النظيفة و60 مليون عملية توصيل جديدة للطاقة بحلول عام 2030.
منافسة مع الصين
ولا يخلو التحرك الأميركي من بعد سياسي، إذ لا تخفي الولايات المتحدة هدفاً استراتيجياً تسعى إلى تحقيقه، وهو الحد من النفوذ الاقتصادي الصيني في القارة الأفريقية، خصوصاً وقد باتت الصين الشريك الاقتصادي الأول لدول القارة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين نحو 282 مليار دولار عام 2022 بزيادة قدرها نحو 11 في المائة.
وتشير تقديرات صينية رسمية إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في أفريقيا يصل إلى نحو 44 مليار دولار، كما تملك الصين نحو 12 في المائة من ديون الدول الأفريقية التي تضاعفت أكثر من 5 مرات بين عامي 2000 و2020 لتصل إلى نحو 696 مليار دولار.
وترى الدكتورة سالي فريد أستاذ الاقتصاد ورئيس قسم السياسة والاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا في جامعة القاهرة أن البعد السياسي «حاضر دائماً» في التحركات الاقتصادية في دول القارة، مشيرة إلى تنامي القلق الأميركي من التمدد الصيني اللافت في دول القارة.
وتضيف فريد لـ«الشرق الأوسط» أن التحرك الأميركي في مجال الطاقة يمثل إدراكاً من جانب واشنطن لحجم الأزمة التي تعانيها القارة في هذا المجال، خصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن رغبة الإدارة الأمريكية في تحقيق هدف مزدوج، بالعمل على تعزيز حضورها في القارة، والوفاء بالتعهدات المتعلقة بالحد من انبعاثات الكربون وتعزيز إنتاج الطاقة النظيفة.