الخلاف الكردي ـ الكردي يمتد إلى كركوك

من بوابة انتخابات مجالس المحافظات العراقية

علم كردي فوق مبنى مدمّر في بلدة بردي شمال كركوك بكردستان العراق نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
علم كردي فوق مبنى مدمّر في بلدة بردي شمال كركوك بكردستان العراق نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

الخلاف الكردي ـ الكردي يمتد إلى كركوك

علم كردي فوق مبنى مدمّر في بلدة بردي شمال كركوك بكردستان العراق نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
علم كردي فوق مبنى مدمّر في بلدة بردي شمال كركوك بكردستان العراق نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

هاجم مسؤول كبير في الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، غريمه الحالي وحليفه السابق حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، برئاسة بافل طالباني، على خلفية إجراء انتخابات مجالس المحافظات في الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويأتي هذا الهجوم بعد يومين من عقد المكتبين السياسيين للحزبين اجتماعاً في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، لغرض مناقشة إجراء الانتخابات، سواء النيابية الخاصة بالإقليم المقرر إجراؤها نهاية العام الحالي أو انتخابات مجالس المحافظات خارج محافظات إقليم كردستان الثلاث (أربيل، والسليمانية، ودهوك)، وبالذات في كركوك، وهي من المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، والمشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.

وفي هذا السياق، أعرب كرميان كمال كركوكي، مسؤول المكتب التنظيمي للحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك، عن رفضه خوض انتخابات مجالس المحافظات في المناطق المتنازع عليها مع من سماهم «الخونة» في 16 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وتطلق تسمية «الخونة» على الأطراف الكردية، من بينها الاتحاد الوطني الكردستاني، التي يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أنها اتفقت مع الحكومة العراقية في عام 2017 في عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، على بسط سيطرة القوات الأمنية الاتحادية على كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها في حملة عسكرية أعقبت الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان للاستقلال عن العراق.

محافظ «شوفيني»

وقال كركوكي، في مؤتمر صحافي عقده عقب اجتماع مع أحزاب كردستانية، إن «كركوك محتلة من قبل محافظ شوفيني مفروض بالإجبار (في إشارة إلى المحافظ الحالي راكان الجبوري)، ويتعين فضح فساده على الملأ وأمام كل العراق والعالم وتنحيته من منصبه». وشدد على أنه «من الضروري أن يشارك أبناء كردستان في الانتخابات المحلية المقبلة بهمة عالية، وأن يصوتوا لمن يدافع عن حقوقهم في تلك المناطق ومنها كركوك». وبيّن كركوكي أن «من الضروري تطبيع الأوضاع في المحافظة، وأن تعود على ما كانت عليه في السابق»، مشيراً إلى أن «الوضع في كركوك غير مستقر وتفتقر المحافظة للخدمات الأساسية».

وبشأن إمكانية تحالف القوى والأحزاب السياسية الكردستانية في قائمة واحدة في كركوك لخوض الانتخابات المحلية، قال كركوكي: «نحن سنشارك مع أي جهة أو طرف سياسي باستثناء خونة 16 أكتوبر».

خائن وجحوش

وتعد تسميات مثل «شوفيني» و«خائن» و«جحوش» من المفردات التي جرى تداولها في الخطاب السياسي العراقي في إطار الصراع الطويل بين الحكومات العراقية المتعاقبة في مختلف العهود وبين الكرد.

وبينما كانت مفردة «الشوفينية» تطلق من قبل الكرد على المسؤولين العراقيين في الحكومات المتعاقبة الذين يرفضون منح الكرد حقوقهم القومية، يطلق الكرد تسمية «الجحوش» على المواطنين الكرد الذين انضموا إلى قوات الحكومة العراقية على عهد النظام السابق، حيث شكلوا منهم فصائل مسلحة للوقوف إلى جانب من عدّهم النظام السابق «خونة ومارقين»، لا سيما الحزبين الكرديين الرئيسيين عندما أصبحوا جزءاً من المعارضة السياسية التي عملت طوال نحو 30 عاماً على إسقاط نظام صدام حسين، وهو ما نجحوا فيه بعد التحالف مع الأميركيين أواخر تسعينات القرن الماضي الذي أدى إلى احتلال العراق عام 2003.

أما مفردة «خونة» فقد دخلت القاموس السياسي الكردي، بعد دخول الجيش العراقي كركوك والمناطق المتنازع عليها وتمكن من إخراج قوات البيشمركة منها وهو ما عدّه الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنه لا يمكن أن يتم دون تواطؤ مع قيادات كردية تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني. وبما أن العلاقة بقيت متوترة بين الحزبين وصولاً إلى النقاش حول الموازنة المالية للدولة العراقية، فإن موافقة الاتحاد الوطني الكردستاني على الفقرات التي اعترض عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني ولم ينجح في عرقلة تمرير الموازنة، فقد جدد اتهامه للاتحاد الوطني بالخيانة.

كركوك... خارج داخل

محافظة كركوك، وهي إحدى كبرى العقد الرئيسية في العلاقة بين بغداد وأربيل، منذ أكثر من نصف قرن، دخلت في الدستور العراقي بوصفها منطقة متنازع عليها وفقاً للمادة 140، حيث يطالب الأكراد بضمها إلى إقليم كردستان، بينما يرفض العرب والتركمان، وهم من سكان المحافظة الأصليين، انفراد الكرد بها.

وفي الوقت الذي لا تشمل فيه محافظات الإقليم الثلاث الانتخابات المحلية، فإن كركوك التي يهيمن الكرد على كثير من المناصب فيها باستثناء منصب المحافظ الذي هو من حصة العرب، مشمولة بانتخابات المجالس المحلية، وبالتالي فإن الصراع الكردي ـ الكردي يزداد سخونة بشأن كركوك، خصوصاً أنها غنية بالنفط.

وفي موازاة المشاكل بين الحزبين بشأن كركوك، تستمر المشاكل بين الأكراد والحكومة الاتحادية، مما يصعب على الأجهزة الحكومية تنفيذ القرارات الخاصة بإجراء أي انتخابات فيها.

وهذا ما دفع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق إلى القول إنها تواجه بعض «الصعوبات والمعوقات» في إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان في موعدها المحدد لقربها زمنياً من انتخابات مجالس المحافظات في العراق.

وقال مدير الإجراءات والتدريب في «مفوضية الانتخابات» داود سلمان، في تصريح صحافي، إن «الجدول الزمني الذي تم تخصيصه وتنفيذه والمضي بتنفيذ فقراته استعداداً لإجراءات الانتخابات في موعدها المقرر في 18 ديسمبر لمجالس المحافظات العراقية، غير مرتبط بانتخابات إقليم كردستان». وأضاف: «أما بالنسبة لانتخابات برلمان إقليم كردستان، فإنها تشكل عامل ضغط صعب جداً، لأن الجدول الزمني لهذه الانتخابات غير كافٍ». وتابع أن «الوقت المتبقي لإجراء هذه الانتخابات يشكل عامل ضغط على المفوضية لأن الدعم اللوجيستي والوضع الفني صعب جداً لإجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان في الفترة الحالية، ومن ضمنها آلية استقبال النتائج»، مبيناً أن «انتخابات برلمان الإقليم إلكترونية وانتخابات مجالس المحافظات إلكترونية أيضاً وسيكون هناك تصادم بشأن كيفية استقبال نتائج الانتخابات على سيرفر واحد، وهنا نحتاج إلى أكثر من سيرفر لإجرائهما بموعدهما المحدد».

وبما أن الحزبين الكرديين يسعيان إلى اختبار قوتهما عبر نوعين من الانتخابات؛ وهي الانتخابات البرلمانية في الإقليم وكركوك المتنازع عليها خارجها، وانتخابات مجالس المحافظات العراقية وكركوك جزء منها، فإن هذا الأمر يجعل من مهمتها في كيفية حصد المزيد من المقاعد في كلا الانتخابين أمراً في غاية الصعوبة.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوة عسكرية مشتركة بين «البيشمركة» والجيش العراقي (موقع باس الكردي)

تفجير يودي بضباط وجنود من الجيش العراقي و«قوات البيشمركة» الكردية

أعلنت وزارة «البيشمركة» في حكومة إقليم كردستان، مقتل عدد من الضباط وجرح جنود، جراء انفجار أكثر من عبوة مزروعة في المكان نفسه، محدثة انفجاراً سُمع لمسافات بعيدة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي بارزاني خلال مراسم حفل التخرج (الشرق الأوسط)

نيجرفان بارزاني: «البيشمركة» جزء رئيسي من منظومة الدفاع العراقية

جدد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، السبت، دعواته المتكررة لتوحيد صفوف قوات الأمن الكردية (البيشمركة) وعدها جزءاً مهماً من منظومة الدفاع العراقية.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مركب سياحي في البصرة (أ.ف.ب)

بغداد ترفض طلباً كردياً بتأجيل التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها»

رفضت الحكومة المركزية في بغداد طلباً لحكومة إقليم كردستان بتأجيل إجراء التعداد السكاني في المناطق «المتنازع عليها» إلى موعد لاحق.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني (إكس)

بارزاني يحدد 4 مبادئ لتشكيل حكومة كردستان

شدد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، على أربعة مبادئ أساسية لتشكيل حكومة إقليم كردستان، أبرزها توحيد الإدارات وقوات «البيشمركة».

فاضل النشمي (بغداد)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

قُتلت 3 سيدات فلسطينيات، صباح السبت، بعد إطلاق نار أمام أحد المخابز العاملة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في مشهد جديد يكشف عن حجم المأساة التي وصل إليها سكان القطاع في ظل تفاقم الظروف الإنسانية والحياتية. ووقع الحادث أمام مخبز «زادنا 2» في شارع البركة بدير البلح، حينما تم إطلاق نار في المكان، وسط تضارب للروايات حول ظروف إطلاق النار، وإذا ما كان مباشراً أو نتيجة خطأ.

فلسطينيون في دير البلح ينتظرون الحصول على خبز (أرشيفية - رويترز)

وتقف يومياً ولساعات، طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة» خبز واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً، ومن بينها المخبز الذي وقعت أمامه الحادثة، وهو يعد من أشهر المخابز، كما أنه الوحيد الذي لم يتوقف تقريباً عن العمل، قبل أن يضطر لإغلاق أبوابه بعد الحادثة المؤلمة. وبينما قال أصحاب المخبز، إن النساء قُتلن بعد إطلاق نار من خارج المخبز، بعد تدافع وقع خارجه، وإن مصدره ليس من الحراس الذين يقفون للتنظيم ولحماية المخبز من السرقة، بل كان نتيجة إشكالية خارجه بين أفراد من عائلتين، قال شهود عيان إن إطلاق النار تمّ من قبل أحد الحراس، لكنه لم يكن مباشراً، بل كان نتيجة انفلات سلاحه منه بعد إطلاقه النار في الهواء.

فلسطينيون أمام مخبز مقفل وسط غزة (أرشيفية - أ.ب)

وقال مصدر صحافي من دير البلح لـ«الشرق الأوسط»، إن عائلة المتهم بإطلاق النار اضطرت لترك منزلها خوفاً من عملية انتقامية ضدها، مشيراً إلى أن النساء اللواتي قتلن هن نازحات من مدينة غزة. وأوضح المصدر أن مُطلِق النار كان يقف أمام المخبز للمشاركة والمساهمة في حمايته، ضمن اتفاق جرى بين أصحاب المخبز وعوائل دير البلح؛ لتمكين المواطنين من الحصول على الخبز في ظل المجاعة الكبيرة التي باتت تزداد صعوبةً في مناطق وسط وجنوب القطاع. ويوجد في دير البلح نحو 850 ألف نازح، يضاف إليهم أكثر من 300 ألف نسمة من سكان المدينة.

فلسطيني يلوح بيده بعد الحصول على ربطة خبز في مدينة غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ودفع الحادث مخاتير ووجهاء المدينة للتدخل لمحاولة منع تفاقم الأوضاع فيها، وأن تكون هناك ردة فعل انتقامية تخرج عن سيطرة الجميع. وحمَّل بعض المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، المخاتير والوجهاء والشخصيات المختصة المسؤولية عن الحادث، بعد أن قرروا تخصيص كميات الطحين التي تدخل إلى دير البلح، لصالح المخابز، وبيع «ربطة واحدة» فقط لكل عائلة، لإتاحة الفرصة أمام العوائل الأخرى للحصول على حصة مماثلة. ورأى البعض أنه كان من الممكن أن يتم توزيع كيس طحين واحد على كل عائلة بدلاً من زيادة الازدحام على المخابز، وتحميل المواطنين فوق طاقاتهم بالانتظار لساعات طويلة جداً، من أجل الحصول على ربطة واحدة لا تكفي لوجبة طعام واحدة فقط.

فلسطيني يعبِّر عن فرحته بعد حصوله على أرغفة الخبز من مخبر في غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويصل سعر «ربطة الخبز» الواحدة داخل المخبز بعد اصطفاف طابور لساعات طويلة إلى 3 شواقل (أقل من دولار واحد بقليل)، بينما يصل السعر خارجه إلى 30 أو 40 شيقلاً (ما يعادل نحو 11 دولاراً)، في حين وصل سعر كيس الطحين الواحد في وسط وجنوب القطاع، إلى 1000 شيقل أو أكثر (أي ما يعادل نحو 255 دولاراً). ويعاني وسط وجنوب قطاع غزة، من نقص حاد في توفر كميات الطحين بفعل الإجراءات الإسرائيلية وسرقة المساعدات من قبل بعض عصابات اللصوص، إلا أن الأوضاع في الشمال بالنسبة لتوفر الطحين أفضل حالاً بعد أشهر من المجاعة التي عانى منها سكان تلك المناطق، واضطروا حينها لطحن أكل الحيوانات من أجل سد رمق جوعهم. وبدأت هذه المعاناة في وسط وجنوب القطاع منذ نحو شهر فقط، مع توقف إمدادات المساعدات الغذائية، وسرقة غالبية ما كان يتم السماح بدخوله، الأمر الذي أدى لمفاقمة الوضع الإنساني. وأفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن القوات الإسرائيلية منعت ثلثي عمليات المساعدات الإنسانية المختلفة، البالغ عددها 129، من الوصول إلى قطاع غزة، الأسبوع الماضي. وأجبر الواقع الحالي، أصحاب المخابز لنشر مسلحين لحماية الطحين المتوفر لديها، ومنع سرقته من قبل عصابات اللصوص المنتشرة بشكل كبير. ولجأت بعض المخابز لاستئجار أولئك المسلحين على هيئة حراس أمنيين، في حين اتفق وجهاء ومخاتير وجهات مختصة مع مسلحين من عوائل لحماية المخابز في مناطقهم التي يعيشون فيها. ويتخوف السكان من استمرار إسرائيل في التلاعب بإدخال كميات مساعدات كافية، الأمر الذي سيفاقم من حالة المجاعة التي تزداد حالياً في مناطق وسط وجنوب القطاع بشكل أكبر من الشمال الذي عاش هذه الظروف بشكل أقسى لأشهر عدة.