توفر الزيارة الرسمية التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان، إلى فرنسا، والوفد الذي يرافقه من الوزراء والمسؤولين الآخرين، فرصة استثنائية لتوفير الدعم الإضافي لترشيح الرياض من أجل استضافة معرض «إكسبو 2030». فالجمعية العمومية للمكتب الدولي للمعارض، الذي رأى النور في عام 1928، والذي يضم 170 عضواً، تنعقد يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين للاستماع إلى الدول الأربعة التي تقدمت رسمياً بترشيحات، وهي، بالإضافة إلى المملكة السعودية، إيطاليا وكوريا الجنوبية وأوكرانيا. وفيما ترشح المملكة السعودية، مدينة الرياض، لاستضافة المعرض، فإن إيطاليا ترشح روما، وكوريا الجنوبية تقدم مدينة بوزان، فيما تعرض أوكرانيا مدينة أوديسا الساحلية التي تتعرض بين الحين والآخر، منذ فبراير (شباط) 2022، لضربات صاروخية روسية.
وخلال الأشهر الماضية، قامت وفود من المكتب الدولي للمعارض بزيارة الدول المعنية للتعرف على أهدافها وطموحاتها وإمكاناتها لتنظيم هذا النوع من المعارض، الذي يتطلب استثمارات مالية ضخمة وبنية تحتية قادرة على تحمل الضغوط التي يشكلها وصول ملايين من الأشخاص لزيارة المعرض الذي يلتئم مرة كل خمس سنوات. كذلك، تنظر البعثة في الأنشطة الرديفة، السياحية والثقافية، التي تمثل قيمة إضافية للمعرض وتشكل أحياناً أحد العوامل التي ترجح ترشيحاً على آخر.
وبشكل عام، تشكل المعارض الدولية عامل استقطاب علمي وثقافي وسياحي من المرتبة الأولى، باعتبار أنها تستضيف عدة عشرات من الأجنحة التي توفر واجهة للدول العارضة بفضل المساحات الكبيرة التي تشغلها. وحتى اليوم، كانت الصين هي السباقة، إذ إن معدل المساحة التي تشغلها تجاور الـ20 ألف متر مربع.
المعارض الدولية
لم تنطلق المعارض الدولية مع تأسيس المكتب الدولي للمعارض. فالقرن التاسع عشر عرف معارض بارزة، كان أولها المعرض الذي استضافته لندن، عاصمة الإمبراطورية التي «لم تكن تغيب الشمس عنها»، وذلك في عام 1850. وبسبب المنافسة المحتدمة تاريخياً بين لندن وباريس، فقد عمد الإمبراطور نابليون الثاني، ابن شقيق الإمبراطور نابليون الأول، إلى تنظيم معرض مشابه في عام 1855. وبقيت المعارض محصورة بين لندن وباريس حتى عام 1878، بعدها انتقل المعرض إلى الولايات المتحدة الأميركية (مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسيلفانيا). وبشكل عام، استحوذت القارة الأوروبية، منذ انطلاق مكتب المعارض الدولي على أكثريتها. ولم تحصل القارة الأفريقية، مثلاً، التي نالت غالبية بلدانها الاستقلال في ستينات القرن الماضي، على فرصة لاستضافة أي من المعارض، وهي الحال نفسها التي تنطبق على أميركا اللاتينية. وفي العالم العربي، كانت دبي المدينة الوحيدة التي قيد لها أن تحظى بتنظيم المعرض الدولي، الذي تأجل افتتاحه من عام 2020 إلى عام 2021 بسبب جائحة «كوفيد 19».
ومنذ عام 2000، تفردت ثلاث مدن أوروبية بالمعرض الدولي، أولها هانوفر (ألمانيا) في عام 2000، وثانيها سرقسطة (إسبانيا) في عام 2008، وثالثها ميلان (إيطاليا) في عام 2015. أما المعرضان المتبقيان فقد تنقلا ما بين مدينة آيشي اليابانية في عام 2005 ومدينة ييزو الكورية الجنوبية في عام 2012. وهذا الأمر، وفق أحد كادرات وخبراء المنظمة الدولية، «يمكن أن يلعب لصالح ترشيح المملكة، ويمكن أن يشكل حجة رئيسية ودافعاً لاختيار الرياض، باعتبار أن المعارض تسمى دولية لأنها تعني كافة الدول، وأنه ليس من العدل أن تحرم منه عاصمة رئيسية مثل الرياض، وأن يعطى مرة ثانية لإيطاليا أو كوريا الجنوبية، في فارق زمني قصير للغاية.
تجدر الإشارة إلى أن المعرض القادم، الذي سيحصل في عام 2025، فازت به اليابان، وسيرى النور في مدنية أوزاكا.
لماذا الرياض؟
من نافل القول إن المعارض الدولية ذات مردود مرتفع سياسياً واجتماعياً وسياحياً واقتصادياً وثقافياً وعمرانياً. فهي من جهة، تحول الدولة المضيفة إلى قبلة لأنظار العالم، ومن جهة ثانية، تساهم في تحديث البنى التحتية واستكمالها، وإيجاد بنى جديدة من أجل توفير كافة متطلبات السكن والتنقل والراحة للزائرين.
وفي حالة المملكة السعودية، فإن الانفتاح الذي انطلق قطاره، ورغبة السعودية في التعريف بما تحويه من كنوز وآثار تاريخية، كل ذلك يجد في استضافة المعرض الدولي رافعة رئيسية تسرع الحركة وتفتح الباب واسعاً للتعريف بالمملكة.
ومع أن كل ما سبق صحيح. إلا أن هناك جانباً يتمتع برمزية مرتفعة، وهو أن المعرض الموعود يتزامن مع تحقق «رؤية المملكة 2030»، بحيث يكون المعرض بمثابة الشاهد الدولي على النقلة الاستثنائية التي تحققت في سنوات قليلة.
وفي شهر مارس (آذار) الماضي، زارت بعثة من المكتب الدولي للمعارض العاصمة، الرياض، لمدة 5 أيام، لمناقشة ملف «إكسبو 2030» مع كبار المسؤولين السعوديين. وكانت بارزة اللفتة الاستثنائية لولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، بلقاء الوفد. ومن المسؤوليات التي تقع على كاهل ولي العهد ترؤسه اللجنة الملكية لمدينة الرياض، أي الجهة المسؤولة عن تطوير العاصمة والمعنية بالمعرض الدولي. وعبّر الوفد الدولي، وقتها، عن تقديره للفتة ولي العهد. ولا شك أن حضوره في العاصمة الفرنسية ومشاركته في الاحتفال الضخم الذي سيحصل مساء الاثنين، استباقاً لبدء أعمال الجمعية العامة لمكتب المعارض، والاتصالات التي تكون قد أجريت بفضل وجود 50 رئيس دولة وحكومة في العاصمة الفرنسية للمشاركة في القمة المالية التي تنظمها باريس من أجل «ميثاق مالي دولي جديد»، كل ذلك يشكل دينامية قوية تعمل لصالح ترشيح الرياض.
وتجدر الإشارة إلى أن الاجتماع المقبل سيكون من أجل الاستماع لعروض الدول المعنية، فيما التصويت لاختيار المدينة الفائزة سيحصل في الخريف المقبل. واستبقت فرنسا الاستحقاق بالإعلان رسمياً عن دعمها ترشيح المملكة السعودية رغم الترشيحين الإيطالي والأوكراني. وتؤكد المصادر الفرنسية أن للسعودية الفرصة الأكبر للفوز بـ«إكسبو 2030»، علماً بأنه يتعين على المدينة الفائزة أن تحصل على الأغلبية البسيطة من أصوات الدول الأعضاء الـ170.
وبعد اللقاءات الموسعة وجلسات الحوار، بمناسبة انتهاء زيارة وفد المكتب الدولي للسعودية، قال الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض، فهد بن عبد المحسن الرشيد، إن ملف العاصمة «قوي، ونحن جاهزون لاستضافة (إكسبو 2030)، حيث قمنا باستيفاء كافة المتطلبات الفنية. لدينا دعم دولي غير مسبوق لاستضافة (معرض الرياض إكسبو 2030)، وهذا كان نتاجاً للدعم والمتابعة المباشرة من قبل القيادة الرشيدة - حفظها الله - والعمل المشترك بين كافة الجهات الحكومية، بالإضافة إلى دعم المجتمع السعودي». وأضاف المسؤول السعودي: «سنقدم -بحول الله- نسخةً استثنائيةً في (معرض الرياض إكسبو 2030)، حيث نتوقع أن يحظى بأكثر من 40 مليون زيارة للموقع، بالإضافة إلى مليار زيارة عبر المنصة الافتراضية (الميتافيرس)، وهو ما لم يحدث من قبل في تاريخ معارض (إكسبو). ويسعدنا أن نؤكد من جديد استعداد المملكة وحماس مواطنيها والمقيمين فيها لاستضافة هذا الحدث العالمي».